إفشال التجارب الديمقراطية في بعض البلاد العربية بعد ثورات وحركات الربيع العربي ستكون له عواقب وخيمة

إفشال التجارب الديمقراطية في بعض البلاد العربية بعد ثورات وحركات الربيع العربي ستكون له عواقب وخيمة وسيكون سببا في ثورات وحركات أشد عنفا

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن التشكيك في حقيقة ثورات وحراكات الربيع العربي يدخل ضمن محاولة مقصودة  لإفراغها من دلالتها ، والتقليل من شأنها ، و ذلك من خلال محاولة إقناع الرأي العام العربي بأنها فوضى خلاقة من صنع قوى غربية لإحداث واقع جديد في الوطن العربي يضمن استمرار مصالح الغرب وعلى رأسها ضمان أمن الكيان الصهيوني وضمان تدفق الثروة النفطية العربية وغيرها من الثروات . والحقيقة أنه لا يمكن إنكار ثورات وحراكات الشعوب العربية وربيعها التي ضاقت ذرعا بالأنظمة الفاسدة المكرسة للفساد السياسي الذي امتدت آثارها السلبية إلى كل مجالات الحياة. والحقيقة أيضا أن القوى الغربية استغلت وركبت هذه الثورات والحراكات وحاولت تغيير مسارها لتصير فوضى خلاقة على حد تعبيرها  لتخدم أهدافها . ويحاول الإعلام الغربي ومعه إعلام الأنظمة العربية جعل الإنسان العربي ييأس من العودة مرة  للتفكير في تجربة الثورات والحراكات ضد الفساد ، ويجبر على قبول الأمر الواقع والاستسلام للفساد الذي ثار ضده . وتعتقد الجهات التي أفشلت التجارب الديمقراطية في البلاد العربية بعد ثورات وحراكات الربيع العربي أنها قد ضمنت لنفسها أمنا واستقرارا  واستمرارا، والحقيقة خلاف ذلك لأن الإنسان العربي سرعان ما تنبه إلى مؤامرة إفشال التجربة الديمقراطية الذي هو في حقيقة الأمر محاولة إفراغ الثورات والحراكات من مضمونها .  وتحاول الجهات الواقفة وراء ما يسمى الفوضى الخلاقة التشكيك في التجارب الديمقراطية التي عرفتها بعض البلاد العربية التي شهدت ثورات أو حراكات لأن رياح هذه التجارب جرت بما لم تشته سفنها حيث أفضت إلى وصول أحزاب ذات توجهات إسلامية إلى مراكز صنع القرار ، وهو ما لم يكن يتوقعه صناع الفوضى الخلاقة، فبادروا إلى عملية إجهاض تلك التجارب بأساليب تراوحت بين الانقلاب العسكري وبين الانقلاب السياسي أو الانتخابي . أما أسلوب الانقلاب العسكري فقد طبق في مصر كما طبق من قبل في الجزائر لأن ثورة مصر كانت هي قاطرة الثورات والحراكات العربية بعدما قدحت زنادها ثورة تونس . وكان لا بد من مواجهة تجربة مصر الديمقراطية والتي كانت رائدة بالعنف العسكري مخافة أن تقتدي بها تجارب أخرى في الوطن العربي . وأما الأساليب الأخرى فكانت في أقطار عربية أخرى حيث تم الالتفاف على فوز الأحزاب ذات التوجه الإسلامي كما كان الشأن بالنسبة للتجربة التونسية والتجربة المغربية . وبقيت أقطار عربية أخرى تتخبط في صراعات طائفية تعتبر تحريفا متعمدا لثوراتها وحراكاتها كما هو الشأن بالنسبة للعراق وسوريا واليمن وليبيا، وهو أسلوب آخر من أساليب إجهاض ثورات وحراكات الربيع العربي وما كان سيترتب عنها من بزوغ فجر الديمقراطية في الوطن العربي . ولم يكن الغرب وحده المسؤول عن إجهاض أسباب بزوغ هذا الفجر بل استخدم طوابيره الخامسة  في الوطن العربي ،وهي  الأنظمة غير المرغوب فيها ، والتي كانت تتوجس من رياح الثورات والحراكات ،فسارعت إلى المساهمة في قطع الطريق على الديمقراطية بل تدخلت مباشرة  وساهمت في الانقلابات سواء العسكرية أم السياسية والانتخابية لإفشالها .

 وتحاول الجهات الواقفة وراء إفشال التجارب الديمقراطية في الوطن العربي إقناع الرأي العام العربي بأن هذه التجارب من شأنها أن تفضي إلى نتائج غير مرضية ، وأن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي فازت في انتخابات التجارب الديمقراطية غير مؤهلة لتدبير شؤون البلاد العربية ، وأن مرجعيتها الإسلامية تهدد الديمقراطية، وهو ما صار الغرب يسميه الإسلام السياسي، وهو نعت قدحي يتوخى تخويف الرأي العام العربي  والعالمي على حد سواء منه خصوصا بعدما خلق الغرب عصابات إجرامية في الوطن العربي ترتكب جرائمها باسم الإسلام ، وكان الغرض من خلقها هو تشويه الأحزاب ذات التوجه الإسلامي  المشاركة في اللعبة الديمقراطية ، واتهامها بأنها تلتقي إيديولوجيا  أو في مرجعيتا الدينية مع تلك العصابات ، وأنها إنما دخلت التجربة الديمقراطية بنية مبيتة  من أجل الوصول إلى مقاليد الحكم لتنقلب بعد ذلك على الديمقراطية .

 ويبذل الإعلام  المأجور والمسخر في الغرب وفي الوطن العربي  لتثبيت واقع إفشال التجارب الديمقراطية  في الوطن العربي قصارى جهوده لإقناع الرأي العام العربي والغربي أيضا بأن الوطن العربي قد تجنب كارثة حقيقية عندما تم إفشال التجارب الديمقراطية فيه. ويدفع هذا الإعلام في اتجاه إقناع هذا الرأي العام بأن ما صار عليه الوضع السياسي في الوطن العربي بعد ثورات وحراكات الربيع العربي هو أفضل بكثير من الوضع  في جو نجاح التجارب الديمقراطية . ومعلوم أن سبب ثورات وحراكات الربيع العربي هو استفحال أمر الفساد ، وأن الوضع سيبقى باستمرار قابلا للانفجار طالما ظل  هذا الفساد مستفحلا . ومعلوم أن الأنظمة المكرسة للفساد والتي يدعمها الغرب  تستخف بعملية إفشال الديمقراطية في الوطن العربي ولا تقدر العواقب الوخيمة التي ستترتب عن ذلك لأن سياسات هذه الأنظمة لا يمكن أن ترقى إلى مستوى طموح الشعوب العربية ، ولا يمكن أن تقطع صلتها بالفساد ، وأن الوضع سيظل كما كان قبل اندلاع ثورات وحراكات الربيع العربي ، وأن هذا الربيع لم ينته أوانه بل لا زالت سماؤه تنذر بالمطر الغزير الذي سيغير وجه الأرض في هذا الوطن العربي الذي طال جفافه .

ولا يوجد حل أمام الجهات التي تقف وراء إفشال التجارب الديمقراطية في الوطن العربي سواء القوى الغربية أم طوابيرها الخامسة سوى إزالة العراقيل من طريق التجارب الديمقراطية والقبول بنتائج اللعبة الديمقراطية ، وتنكب أساليب الانقلابات العسكرية والسياسية على هذه النتائج . ولئن لم تتخل تلك الجهات عن موقفها السلبي من نشوء الديمقراطيات في الوطن العربي ، فإنها ستكون أول من سيصطلي بنيران ثورات وحراكات أعنف ، وستكون الخاسر الأكبر . وعلى الطوابير الخامسة التي تتمسك بتلابيب القوى الغربية أن تعلم أن هذه القوى ستتخلى عنها حين تشتد الثورات والحراكات ، وستقبل بما ستفرزه نتائجها، وما سيتمخض عنها ، وستحاول التودد إلى من ستؤول الأمور إليهم  لأن تلك القوى ليست لها صداقات أو عداوات دائمة  وإنما لها مصالح دائمة  كما صر بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق إبان غزوه العراق .

وأخيرا على الأنظمة العربية المسارعة بالتوبة النصوح التي تجب ما قبلها ، والمصالحة مع شعوبها عن طريق القبول بالديمقراطية الحقيقية  قبل فوات الأوان وحلول ساعة الندم، ولات حين مندم .

وسوم: العدد 742