34 شمعة لا تنطفئ

(تعتذر الحروف لعجزها، تعتذر الكلمات للخواء الذي أصابها، تعتذر الجمل لعقمها، جفت في آبارها مياه المعاني، لم تعد في بيادرها حنطة تعطي بهاءك حقه. تستجير جميعاً بالزمن الجميل، تستعير من مواسمه زيتاً لقنديلها)

(8 تشرين الأول 1988 – 8 تشرين الأول 2022: 34 شمعة لم تنطفئ أضاءها شقيقي الشهيد أحمد الكيلاني)

باقة وعد لحزن لا ينام

  ينام الحزن تحت عباءة الجوع حيناً 

وحيناً ينام ملتحفاً شال الهموم الصغيرة والكبيرة 

وينام حيناً على شوكة الألم 

ينام مغمضاً عيناً تاركاً لأختها نوبة الحرس 

يقول حيناً: هذى هجعة أخرى في حقل التعب 

نطمئن النفس، نام الصغير المدلل الحبيب  

نام تاركاً لأمه خلوة صغيرة تضيء فيها شمعة للفرح 

لكنه، يا حرقة القلب الجريح، 

يغادر النوم القصير حزناً صارماً موجعاً 

يعانق صورة الوجه الذي لا يغيب 

حاول الحزن غفوة أخرى تحت أعواد المشانق 

تحت زخات الرصاص الذي ينهمر 

بين مسامير الصليب 

وسط خطوط الاغتيال المعلنة 

حاول الحزن المدمّى أن ينزوي لحظة  

خلف كرسي السلام المدمّى 

هتفنا: 

حزن يداري حزنه من أجلنا 

حزن يواري وجهه من أجل مجده الآتي 

حزن ينثني ألماً على جرحه  

من أجل موسم تشرّبت أرضه باكراً 

دمك الزعفراني الذي ضرّج الكف اليعبديّ  

خارجاً على الزمان والمكان 

مقيماً عزه في كل مكان وزمان 

حاول الحزن الحريص على نقاوة دمعه 

الحريص على استمرار الصعود إلى العلى 

أن يداري وجهه من شمس النهار التي 

تحضر زينة الإشراق، زينة الضياء 

أن يسكن في شرنقة الدفء قرب الفؤاد  

ويخرج فراشاً زاهي الألوان  

حاول جهده رأفة بالفرح الطفولي 

حاول من عزمه ما استطاع 

لكنه، يا حبة العين والفؤاد 

يشبّ من نومه من شدة الوجد  

للبسمة التي تنام فيك دونما انقطاع 

تعبنا يا أخي تعبنا 

تعبنا يا احمد الحزن الذي لا ينطفئ، تعبنا 

لماذا ارتحلت قبل أن تنهي لنا وصفة الارتياح  

لماذا ارتحلت ولم توقّع على شرحها اسمك الرؤوف؟ 

لماذا ارتحلت قبل أن تغمس الإصبع الماسي في خلطة الشفاء؟ 

لماذا ارتحلت قبل أن تلقي العنصر الأخير في ترياق الحياة؟ 

لماذا ارتحلت مبكراً هكذا؟ 

قبل أن يحمّر الطابون وجه الرغيف الذي كان يشتهيك 

لماذا لم تؤخر هذا الرحيل  

لنلقي برأسنا المتعب على صدرك الفسيح 

وتنزع من صوتنا شوكة الألم؟ 

لماذا ارتحلت ولمّا ينكشف زيف العقارب؟ 

لماذا ارتحلت؟ 

ألم تسمع أننا ندرج اسمك في كل المهمات التي 

لا تليق إلا بقامتك التي لا يطالها التعب؟ 

بربكم أيها الماضون لشمسه التي لا تغيب  

احملوا مني رسائل الوجد والغياب الممض الطويل  

كان أبونا يحمل خرجه قبل الفجر ويسري 

إلى قِبْلة الخبز والحلوى والدفاتر 

وكانت جنة الحنان تلم شمل الزغاليل 

على كسرة الخبز ووعد الإياب 

وأنت يا توأم الوعد والعطاء 

حملت جعبة الوطن المدلل في دمك  

ومضيت تاركاً لوجهنا دورة الانتظار  

أيها الماضون لشمس تشربت نهر الدماء

احملوا له من ربعنا قبلة للجرح وباقة الوعد الذي  

يؤاخي دورة الزمان 

قبلّوا جرحه واخفوا عنه حزننا الثقيل.

وسوم: العدد 1001