موقف المعارضة التركية من التطبيع مع النظام السوري

إسماعيل ياشا

نفى وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الثلاثاء، الأنباء التي تفيد بأن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، سيجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في قمة ثلاثية ستعقد على هامش قمة دول منظمة "شنغهاي" منتصف أيلول/ سبتمبر المقبل، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرا إلى أن الأسد ليس مدعوّاً إلى قمة شنغهاي، وأضاف قائلا: "سئمنا من الأكاذيب".

الوزير التركي ذكر أن تركيا ليست لديها "شروط مسبقة" للحوار مع سوريا، في إشارة إلى نظام بشار الأسد، إلا أنه شدد على أن الحوار مع حكومة دمشق يجب أن يكون "هادفا". كما لفت إلى أن هناك حوارا يجري حاليا بين أجهزة المخابرات السورية والتركية، ما يعني أن أنقرة ترفض اشتراط انسحاب القوات التركية من كافة الأراضي السورية للبدء في الحوار، وأن استمراره ووصوله إلى مستويات أعلى مرهون بمدى إحراز تقدم نحو الأهداف المنشودة.

إلا أن النظام السوري له رأي آخر، وهو ما كشف عنه وزير خارجية الأسد، فيصل المقداد، خلال زيارته الأخيرة لموسكو، حيث قال إن النظام السوري يأمل "انسحاب القوات التركية من الأرضي "المحتلة" والتوقف عن دعم المجموعات المسلحة"، على حد تعبيره. وأضاف قائلا: "من تعوّد على دعم الإرهاب لا يمكن الثقة به"، في إشارة إلى تركيا.

ظهرت في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد تصريحات تشاوش أوغلو حول ضرورة التفاهم بين نظام الأسد والمعارضة السورية، أصوات مؤيدة للحكومة التركية تتحدث عن ضرورة التطبيع مع النظام السوري لـ"إخراج القوات الأمريكية من سوريا" و"إفشال خطط تقسيمها"، بالإضافة إلى خلق ظروف آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي

المعارضة التركية تستغل ورقة اللاجئين السوريين لتحريض الشارع ضد الحكومة منذ فترة طويلة، وتدعو إلى تطبيع علاقات أنقرة مع دمشق، وإعادة جميع اللاجئين إلى بلادهم، ولو بشكل قسري. وظهرت في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد تصريحات تشاوش أوغلو حول ضرورة التفاهم بين نظام الأسد والمعارضة السورية، أصوات مؤيدة للحكومة التركية تتحدث عن ضرورة التطبيع مع النظام السوري لـ"إخراج القوات الأمريكية من سوريا" و"إفشال خطط تقسيمها"، بالإضافة إلى خلق ظروف آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بشكل طوعي. ومن المؤكد أن المعارضة لن تعترض على مثل هذه الخطوات، حتى وإن لم تبدِ تأييدها كي لا تظهر أمام الناخبين مؤيدة لإجراءات الحكومة. ولعل الشيء الوحيد الذي يقلق المعارضة التركية هو نجاح الحكومة في سحب ورقة اللاجئين من يدها قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها في الصيف القادم.

حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، هو الوحيد الذي يرفض تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. ويحذر داود أوغلو الحكومة التركية، في حديثه للصحفي روشان تشاكير، من أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري في الظروف الراهنة يؤدي إلى موجة نزوح جديدة من إدلب نحو الأراضي التركية، كما أن اللاجئين لن يعودوا إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. وذكر أن الظروف ليست مواتية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، مشيرا إلى أن هناك ثلاث حالات يمكن القول فيها بأن الظروف أصبحت مواتية للبدء بمثل هذه الخطوات، وهي: إبداء النظام السوري رغبة صادقة في المصالحة مع الشعب السوري، أو سيطرة النظام على كافة أراضي سوريا، أو إرسال النظام السوري رسائل إيجابية نحو تركيا.

تصريحات داود أوغلو التي أعرب فيها عن رفضه لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، أثارت استياء في صفوف حلفائه من أحزاب الطاولة السداسية؛ لأن التطبيع مع بشار الأسد لإعادة اللاجئين إلى سوريا بأي طريقة، هو من أبرز وعود تلك الأحزاب التي بذلت وما زالت تبذل جهودا حثيثة لبث مشاعر العنصرية والكراهية في المجتمع التركي ضد اللاجئين لأهداف انتخابية. وذكرت صحيفة "جمهوريت" التركية المقربة من حزب الشعب الجمهوري في مقال نشرته قبل أيام، أن داود أوغلو الذي يرفض تطبيع العلاقات مع النظام السوري، بدأ يشكل مشكلة للطاولة السداسية.

تصريحات داود أوغلو التي أعرب فيها عن رفضه لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، أثارت استياء في صفوف حلفائه من أحزاب الطاولة السداسية؛ لأن التطبيع مع بشار الأسد لإعادة اللاجئين إلى سوريا بأي طريقة، هو من أبرز وعود تلك الأحزاب التي بذلت وما زالت تبذل جهودا حثيثة لبث مشاعر العنصرية والكراهية في المجتمع التركي ضد اللاجئين

المعارضة التركية ترى أن داود أوغلو هو المسؤول عن "تورط تركيا في المستنقع السوري"، وليس من الوارد أن تلتقي آراء داود أوغلو وحلفائه من قادة الطاولة السداسية حول النظام السوري واللاجئين في أرضية مشتركة، كما أن رئيس حزب المستقبل الذي تتراوح شعبيته ما بين 1 و2 في المائة، لا يمكن أن يفرض رأيه على الأحزاب الخمسة الأخرى، أو أن يحول دون التضييق على اللاجئين في حال نجحت المعارضة في إسقاط أردوغان في الانتخابات.

تحذيرات داود أوغلو في محلها، وما يقوله عن النظام السوري واللاجئين صحيح، إلا أن ما يفعله يشكل مفارقة عجيبة، لأنه يحذر الحكومة التركية التي تسعى إلى خلق ظروف آمنة تشجع اللاجئين على العودة ليعيشوا بعز وكرامة في بلادهم، من أن مساعيها لن تكون لصالح اللاجئين، ولكنه في ذات الوقت يدعم المعارضة التركية التي تتعهد بالتطبيع مع النظام السوري دون أي قيد ولا شرط، وطرد كافة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، حتى وإن لم يرغبوا في العودة إلى أحضان النظام الدموي الذي يؤكد داود أوغلو نفسه أنه لم يتغير.