مصر: محاكم صورية واقتصاد يترنح

رأي القدس

أصدرت الدائرة الأولى المتخصصة بالإرهاب في محكمة الجنايات المصرية سلسلة أحكام بالسجن المؤبد على عشرات المواطنين، والسجن لمدد تتراوح بين 5 إلى 15 سنة على أطفال كانت أعمارهم ساعة إلقاء القبض عليهم تتفاوت بين 15 و17 عاماً، في إطار قضية تعود إلى تظاهرات أيلول/ سبتمبر 2019 التي كان المقاول محمد علي قد دعا إليها. ورغم أن العديد من المحافظات المصرية شهدت تظاهرات مماثلة، وأن السلطات الأمنية اعتقلت العشرات من المواطنين في حينه ثم أطلقت سراح البعض منهم، إلا أن الأحكام الأخيرة طالت بصفة خاصة المشاركين في احتجاجات محافظة السويس لأنها كانت أوسع نطاقاً وأكثر عدداً.

ومن غير المجدي التعقيب على طبيعة التهم الموجهة إلى الغالبية الساحقة من المحكوم عليهم في صفوف الأطفال تحديداً، لأنها تكرر اتهامات سابقة خالية من أي مضمون فعلي، مثل ارتكاب أعمال إرهابية، وحيازة أسلحة نارية وبيضاء بقصد استعمالها في أنشطة تخل بالأمن العام، والترويج بشكل مباشر لارتكاب جرائم إرهابية عبر استخدام شبكات التواصل، والشروع في قتل ضباط الشرطة.

وكانت منظمات حقوقية مصرية قد اشتركت مع عدد من المحامين المصريين في فضح القسط الأكبر من هذه التهم، بالنظر إلى خلو أضابير القضايا من الأدلة الدامغة والوثائق المقبولة، ولأنّ الأحكام تعاني من تناقضات كثيرة وتخبّط صريح بين الحكم ببراءة طفل معترف بالتظاهر من أجل السرقة، وإدانة طفل آخر أنكر جملة الاتهامات الموجهة إليه. وعلى نحو خاص كانت إدانة الطفلة الوحيدة في القضية مثار استنكار، فقد حُكم عليها بالسجن 5 سنوات رغم أن أوراق ملفها لا تتضمن إذن النيابة بتوقيفها وكذلك لا يرد اسمها في محضر التحريات الخاصة بالقضية.

وتأتي هذه الموجة الجديدة من الأحكام في مناخات اقتصادية ومعيشية عصيبة على المواطن المصري، تشهد صعود مصر إلى المرتبة الخامسة في لائحة ستيف هانكي الشهيرة لمعدلات التضخم الأعلى عالمياً، وتنضم أيضاً إلى قائمة العملات العشر الأسوأ أمام الدولار، وارتفاع حجم الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار بزيادة خمسة أضعاف بالمقارنة مع 34.4 مليار دولار نهاية 2012. يضاف إلى هذه التطورات الكارثية أن النظام المصري اضطر إلى التضحية باقتصاد مؤسسة الجيش العزيزة على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصياً، فأدرجت للبيع إلى مستثمرين في القطاع الخاص حصصاً تتراوح بين 20 و30٪ من خمس شركات وقود تابعة للمؤسسة العسكرية، ليس انحناء أمام اشتراطات صندوق النقد الدولي فقط، بل كذلك بسبب الشحّ الشديد في احتياطي مصرف مصر المركزي من العملات الصعبة. وخلال يوم واحد، بتاريخ 11 كانون الثاني / يناير الجاري، شهد الجنيه المصري هبوطاً أمام الدولار بدأ من 27.6 ليتجاوز 32 جنيهاً خلال 3 ساعات فقط، كما سارعت صناديق استثمار خليجية إلى شراء أذون خزانة من المصارف المصرية بما يساوي ربع مليار دولار ضمن واحد من أشرس أدوات بيع الديون الوطنية.

الأزمات الخانقة المتلاحقة تطحن حياة المواطن المصري اليومية، وأما محاكم النظام الصورية فإنها منشغلة بتلفيق الاتهامات وإدانة الأطفال.