قصة الملك سليمان الحكيم مع ملكة النمل

د.جعفر الكنج الدندشي

قصة الملك سليمان الحكيم مع ملكة النمل

د.جعفر الكنج الدندشي

[email protected]

ذكروا والله أعلم وأعزّ وأكرم وأرأف وأرحم، فيما مضى وتقدّم من أحاديث الأمم. روي عن كعب الأحبار، قال: أنه لمّا أعطي سليمان ابن داود عليه السلام ما أعطاه الله من الملك وسخّر له الوحوش والطير والهوام والريح والجنّ والانس وسائر ما خلق الله تعالى، وأعطاه البساط بالذهب الأحمر والحرير الأخضر والدر والياقوت. وكان طوله ستين (1) فرسخاً وعرضه ستتين رسخا. وكان لسليمان بن داود، عليه السلام، أربعة وزراء، وزيرٌ من الأنس ووزيرٌ من الجن ووزيرٌ من الهوام ووزيرٌ من الطير. فأمّا الوزير الذي من الأنس (فهو) آصف بن برخيا. وأمّا الذي من الجن (فهو) الدرمياط، وأما الذي من الهوام الأسد وأما الذي من الطير العقاب.

وكان سليمان ابن داود، عليه السلام، إذا وقف، تقف الأنس عن يمينه والجنّ عن شماله والهوام بين يديه والطير عاكفة على رأسه لئلا يقع عليه حرّ الشمس. وكانت الريح التي سخّرها الله تعالى لسليمان ابن داود عليه السلام، تسمّى رخا. غدوها شهرٌ ورواحها شهر. وكان يتغدى من أرض الشام، ويتعشّى (2) من ارض فارس.

قال، فبينما هو سائر إذا اختُلج في قلبه، وقال: من يكون ملكاً أُعطي مثل ما أُعطيت. قال، فلم يتمّ كلامه إذ مال به البساط، فوقع من ذلك (3) البساط عشرة آلاف رجل، فهلكوا جميعاً. ثم أن سليمان ابن داود، عليه السلام، جدد البساط وقال له: استوي يا رخا. فقال (4) (البساط) استوي أنت عند الله حتى أستوي عندك.

وكان سليمان بن داود، عليه السلام، سائراً، إذ مرّ بوادي النمل. إذ أنطق الله تعالى نملةً فقالت:[ يا أيها النمل اخلوا مسكنكم لا يحطّمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون] قال: وأخذ سليمان في زمام الريح وأمرها بالنزول. فنزل سليمان بن داود، عليه السلام، بذلك الوادي، وكان واديا عظيماً. قال، وأخذ بيد وزيره وسار إلى الوادي، وقال: من قال هذا القول [ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطّمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ؟] قال، فلم يتمّ كلامه، فإذا بنملة سوداء قد أقبلت وقالت:

أنا القائلة يا نبي الله. قال سليمان بن داود، عليه السلام، مالذي حملك أن تقولي وأنا عنك في الهواء، وأنتِ (5) على وجه الأرض! قالت النملة: يا ابن داود، كلّ ملك مسؤول عن رعيته يوم القيامة، وأنا ملكة النمل في هذا الوادي، وقد قدمتَ علينا، فنظرنا إلى الأنس عن يمينك والجنّ عن شمالك، والهوام بين يديك، والطير عاكفة فوق رأسك، حتى لا يقع عليك حرّالشمس. و كانت النملة مشغولة بالعبادة والتسبيح والتقديس. فخشيت أن تهلك  ونهلك معك

قال سليمان ابن داود: أيتها النملة، مسألة قد حضرت.

قالت النملة: يانبي الله، أنت السائل وأنا المسؤولة، أم أنا السائلة وأنت المسؤول؟

فقال: أنا السائل وأنتِ المسؤولة

فقالت: وكيف ذلك يا نبي الله وأنت نبي محتشم ولك قدرة النبوّة وليس هذا مقام مثلك، ولكن قف (في)( الـ)مقابل مثلي واسأل عمّا بدا لك فلمّا سمع مقالة النملة قام من مقامه وجلس بناحية من العسكر ثم حضرت النملة بين يديه، فقال سليمان بن داود عليه السلام:

أسألك يا نملة أم لا ؟

فقالت النملة: يا لله العجب يا سليمان بن داود، أيكون السائل أرفع درجة من المسؤول ! وقد جُعِل المسؤول أرفع درجة من السائل.

قال (أي كعب الأحبار): فعند ذلك أمر سليمان، عليه السلام، غلمانه أن يرفعوها (6) بين يديه. فلمّا رُفِعت قال سليمان:      يا نملة.

 فقالت النملة: يا ابن داود، خِلْقَتك أكبر من خلْقتي، فلو مررت على بعض أثوابك لغاب شخصي عنك، ولا تسمع كلامي وما أقول.

فرفعها سليمان في كفّه مقابلة وجهه. وقال سليمان: أسألك الآن يا نملة فقالت: إسأل يا سليمان، لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم فقال لها سليمان: هل سمعتي الملك مثلزمان، ممن ملوك الأرض أعطي مثل ما أعطيت من الملك ؟

فقالت: نعم يا نبي الله.

قال: ومَن ذلك ؟

فقالت: أنا يا نبي الله.

فقال لها: الذي أُعطيتِ من الملك  مثل ما أُعطيتُ أنا ؟

فقالت: نعم يا نبي الله. إن كان سخّر  الله لك الجن والإنس والطير والهوام والريح. والآن قد سخّرك الله لي أن رفعتني في راحتك، فصرت أعلى منك فلما سمع سليمان ابن داود، عليه السلام، كلام النملة، أطرق رأسه ساعة، ثم قال لها: أتعرفين مَن أنا ؟

فقالت: أنت سليمان بن داود، نبي الله. ولولا أنّك نطفة مدرة، وآخرك جيفة قذرة.

قال (كعب الأحبار) فلمّا سمع (سليمان) كلام النملة أطرق رأسه خجلاً من كلام النملة، أطرق رأسه خجلاً من كلامها ورماها من يده وقال للريح: يا رخا ارفعي البساط. فعند ذلك ارتفع البساط، وسار سليمان وجنوده وعساكره.

فقالت النملة: يا ابن داود، ستأتي في سفرك أمراً عجيباً وخبراً طريفاً.

فقال سليمان ابن داود، عليه السلام: لله الأمر من قبل ومن بعد ثم جعل يسير بين الصفا والهواء عشرة أيام بلياليها، فلمّا كان في اليوم الحادي عشر أشرف على قصر مليء الفناء، عالي البناء، مرتفع المدى، لا يُدرك علّوه ولا ارتفاعه، وهو لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضة. فلما رآه سليمان بن داود، عليه السلام،  أمر الريح أن تهبط بهم في ذلك الموضع. فلما هبطت بهم، أخذ سليمان ابن داود يد آصف بن برخيا بيده، رضي الله عنه، وقال: والله يا آصف، قد درت في مشارق الأرض ومغاربها، فلم أرَ(7) مثل هذا القصر، ولو كان هذا القصر من الطين لكان عجباً عجيبا، وكيف وانه لبنة من الذهب الأحمر ولبنة من الفضّة البيضاء! فليت لأي ملك كان هذا القصر. قال وزيره: يا نبي الله كان لملك عظيم، (فـ)أقبلوا نحو هذا القصر في تلك الأرض وهي كثيرة التراب متدفّقة الأنهار، عظيمة الأشجار. فقال سليمان لوزيره آصف بن برخيا: يا آصف، أما ترى إلى هذه الأرض وإلى حسنها ولا أرى بها حسيساً ولا أنيسا. ثم أن سليمان بن داود، عليه السلام، سار (8) هو ووزيره آصف حول القصر، فلم ير (9) له باباً، لأنه صُبَّ عليه التراب صبّاً وقُلِبَ قلباً.فقال سليمان: كسف بهذا القص ولا به حسيس ولا أنيس، ولا له باب يُعرف، ولا يخلو هذا القصر من عجبٍ عجيب وخبرٍ طريف.

قال( كعب الأحبار) فبينما هما كذلك، إذ أقبل وزيره الدرمياط وقال: يا نبي الله، أنا آتيك إن شاء الله بخبر هذا القصر على التحقيق. قال، فلمّا سمع سليمان ذلك الكلام، قال: اصنع ما تريد. قال، فعند ذلك أقبل الدرمياط على الجن الطائرين في الهواء المسترقّين السمع، وقال لهم: ارتفعوا على أعلى (10) القصر وانظروا ما فيه وأتوني بالخبر على التحقيق. قال فارتفعت الجن في الهواء، وغابوا عن الأبصار ساعة زمانيّة، وأقبلوا منقضيّن من الهواء، حتى أقبلوا بين يدي سليمان بن داود، عليه السلام.، والدرمياط عن يمينه، وقالوا: وعينك يا نبي الله، لقد صعدنا في الجو حتى أصبحت الدنيا في أعيننا كالحلقة، فلم ندرك علو هذا القصر ولا منتهاه.

 فقال سليمان بن داود، عليه السلام: هل رأيتم شيئاً من الطير ؟

فقال بعض الجان: أنا رأيت على جانبيه يا نبي الله نسراً عظيم

قال، فدعا سليمان بن داود،  عليه السلام، بالعقاب. وكان ملك الطير، وقال: أظهر علي هذا النسر فقال سمعاً وطاعة.

قال، ثم أنّ العقاب ارتفع ساأقبل وعندهتى غاب عن الأبصار. قال، فما كان إلاّ ساعة حتى أقبل  وعنده نسرٌ عظيم، أعظم ما يكون من الطير، فأوقفه بين يدي سليمان بن داود، عليه السلام. فنادى ذلك النسر بلسانٍ فصيحٍ: لا إله إلاّ الله، والسلام عليك يا نبي الله. فقال له سليمان بن داود، عليه السلام: كم لك أيها النسر في هذا القصر ؟ وكم لك من العمر ؟فقال: يا نبي الله لي من العمر سبعمءة عام، وأما في هذا القصر (فـ)ولد أبي. ولكن أخي في رج الثاني وهو أكبر مني سنّاً. قال فأمر سليمان بن داود العقاب أن يأتي به. فارتفع العقاب ساعة زمانية، ثمّ أقبل ومعه (11) أعظم ما يكون من الطير. فلما وقف بين يدي سليمان بن داود، عليه السلام، نادى بلسان فصيح: لا إله إلاّ الله، السلام عليك يا نبي الله. فقال سليمان بن داود: كم لك في هذا القصر ؟ وكم لك من العمر. قال: لقولك،لعمر يا نبي الله تسعمائة عام. وأمّا قولك ، كم لي في هذا القص، ولّدني أبي فيه.

فقال سليمان: فهل سمعت له حسيساً أو أنيساً؟، أو تعرف له باباً ؟

فقال: لا وعينيك يا نبي الله، ولكنَّ أخي أكبر مني سناً، وهو في البرج الثالث، وهو أوفى (12) عقلاً، فاستدعيه (13)، فلا يخلو منه علماً.

قال، فأمر العقاب أن يأتي به، فعند ذلك ارتفع العقاب ساعة زمانية، وأتى ومعه نسرٌ عظيم، قد تساقط ريشه من كثرة السنين والأعوام، وتداول الشهور والأيام. قد حملوه على أجنحتهم. فلمّا أوقفوه بين يدي سليمان بن داود، عليه السلام، نطق النسر    بلسانٍ فصيح، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، السلام عليك يا نبي الله. فقال سليمان بن داود عليه السلام: كم لك أيها النسر في هذا القصر ؟ وكم لك من العمر ؟.

فقال: ألف وثلاثمئة عام.

فقال له سليمان بن داود، عليه السلام:  وكم لك على جانب هذا القصر ؟

فقال: يانبي الله، أتيت إليه وأنا على أحسن ما يكون من الشباب، ولي من العمر مئة عام، وإلى اليوم على جانبه ألف ومئتي عام.

فقال سليمان بن داود، عليه السلام: وهل سمعت له حسيساً وأنيساً ؟ أو تعرف له باباً؟

فقال: وعينيك يا نبي الله، ما رأيت له حسيساً ولا أنيساً يا نبي الله أيام قوّتي وشبابي ونشاطي. أردت أن أشرف  وأنظر إليه، وكلما نظرت إلى علوّه، كأنّ راداً يردني أو صاداً يصدّني (14)أو غاش يغشي على بصري. فلم أقدر على ذلك. وكل سنةٍ يا نبي الله أسمع  فيه غيلة عظيمة.

قال (كعب الأحبار)، فلما سمع كلام الطير قالك له: زعمت يا أخا النسر، أنّ له باب وأنك قد طفت به ولم تر له بابا.

فقال: يا نبي الله، قد ذرت عليه الرياح.بكرة  ورواح، فانطمّ الباب من كثرة السنين والأعوام وتداول الشهور والأيام.

قال، فعند ذلك أمر سليمان بن داود، عليه السلام، الريح أن تدور حول القصر، ثمّ انطلق منه قدر نخت الإبرة، فكشف ما حول القصر، فانكشف عن باب من الحديد، عليه قفلٌ من الذهب الأحمر، وقد بقي كالرغيف المحترق من كثرة السنين والأعوام وتداول الشهور والأيام. قال، فدنا سليمان بن داود، عليه السلام، من الباب، وإذا مكتوب عليه هذه الأبيات:

نزلنا  في فناء القصر
سـكـنّا  ذلك القصر
هـددنا الجوع يا iiقوم
تـركنا القصر iiللنسرِ
فمن يسأل عن القصر
فلا  تسأل عن القصر






ذات الـمـال iiوالجاه
سـنـيـناً ما iiعددناه
سـنـيـناً ما iiأطقناه
وفـي  تـربٍ iiنزلناه
ومـا أسـس iiبـنيناه
فـمبنيٌ وجدناه.(15)

قال، ثم تقدّم سليمان بن داود، عليه السلام، إلى القصر الثاني، وإذ مكتوبٌ عليه:{ لا يدخل هذا القصر إلاّ نبي، أو وصي نبي. فمن أراد الدخول، فليحفر عن يمين الباب، فإنه يرى تابوتاً من الزجاج، وعليه قفلٌ من الذهب، مرصّع بالياقوت والجوهر. فإذا أخذت ذلك التابوت، فليستخرج منه مفاتيح القصر (16)، ويُفتَح الباب الأول ويُدخل إلى البهو. فإنه يرى مُلكاً عظيماً، ويرى وسط القصر فيه من الزمرّد الأخضر والبلور الأبيض، ويرى سعة، (و) يجري له أمرٌ عظيم وخبرٌ عجيب. فإذا خرج من القبّة يسير على الجانب الأيسر، فيعدّ تسعة عشر مقصورة من الذهب الأحمر، فإذا وصلت إلى العشرين فإنّك ترى عقرباً من النحاس، ثم تفرك ذلك العقرب (17)، ثم تنفتح لك مقصورة حيطانها من الذهب الأحمر بعد عشر سواطن (18)، فترى عقرباً من الفضّة البيضاء. ثمّ تفرك ذلك العقرب، ينفتح لك عن سردابٍ، له إحدى وعشرين درجة. فتنزل إلى ذلك السرداب، وتسير تحت الأرض في ظلمة عظيمة، فيتبيّن لك ضوء من بعيد، فإنك تخرج إلى نهر عظيم مشتبك بقضبان الدرّ والجواهر واليواقيت. وترى على جوانبه سريراً من العرعر (19)مصفّح بالياقوت والجوهر والدرر، قوائمه من الزمرّد الأخضر، وعلى ذلك السرير صنم من الذهب الأحمر مرصّع بالدرر والياقوت والجوهر، وله عينان تلمع في أم رأسه، وله دوران حول الكرسي كدوران الرحا. في عنقه سلسة من الذهب الأحمر، وفيها لوح من الزمرّد. وفي ذلك اللوح مكتوبـ(ـة) أحوال القصر، وما جرى لصاحبه ولمن حوله، فإنه اليوم للجنّ الموكلين به، وهم أولاد إبليس اللعين}.

فعند ذلك أمر سليمان بن داود، عليه السلام، أن يحفروا حول القصر. فحفروا، ثمّ استخرجوا تابوتاً من الزجاج، فكسروا ذلك التابوت وأخذوا المفاتيح منه، ثمّ تقدّم سليمان عليه السلام، إلى التابوت الأول وفتحه، ثم دخل هو ووزيره، وإذ هو ببابٍ من الفضّة البيضاء، مكتوبٌ عليه هذه الأبيات:

قد كان صاحب هذا القصر في iiرغدٍ
فـبـيـنـما  كان مسرورا iiبنعمته
فجرّعته كؤوس الموت في iiغصصٍ



في ظلّ عيشٍ تخاف الأسد من بأسه
في  موضع الحسن محبوراً iiبجلاسه
فـخرّ  ميتاً وزال التاج عن iiرأسه.

قال (كعب الأحبار) ثم فتح الباب ودخل إلى القصر، وهو قصر عالي البناء، واسع الفناء.وإذا ببركةٍ من الذهب الأحمر مملؤة دقيقا نقيّ (20) البياض. وكان الدقيق من الجوهر واللؤلؤ، قد طحنته (21)الملوك. فلم يغني عنهم شيئاً من الجوع.

 فقال سليمان، عليه السلام: أما ترى يا آصف إلى هذا الدقيق وهم يشكون عدم الطعام.

فقال له: يا نبي الله، ما هو (بـ)طحين، وإنما هي جواهر قد طحنها الملوك، فلم تغني عنهم شيئاً من الجوع.

وإذا على جانب هذه البركة مكتوبٌ:

يـا  واقـفـاً تـقرا iiالسطور
كـم قـد وقـفـتُ كما iiوقفتَ
مـا ان جـزعـت ولا iiهلعت
ولـكـم  نـعمتُ وكم iiطربتُ
كـم  قـد أكـلتُ وكم iiشربتُ
كــم قــد سُـررت iiوكـم
ولــكــم أمــرتُ iiوكـم
حـاصـرتـهـا  ومـلـكتها
قـد كـنـتُ قـبـلك يا iiفتى
حـتـى سُـقـيتُ من iiالردى
فـانـظـر لنفسك يا فتى iiقبل
فــكـأنـنـي بـكَ واقـفٌ












على القبور الدارســــات.
وكـم  قـرأت كـما قـرات.
ولا خـشـيـت مـن iiالممات
وكـم  سـمـعـتُ iiالغانيات.
وكـم نـكـحـتُ الـناعمات
فرحت  وكم ركبتُ iiالصافنات.
نـهيتُ  وكم حصونٌ iiمانعات.
وســبـيتُ  فيها المحصنات
مـتـوقّـعـا  iiلـلنـائـبات
كـأسـاً  فـصرتُ إلى iiالغواة
الـتـنـغّـص iiوالـمـمات.
فـسـألت  عنكَ فقيل iiمـات.

قال، فتقدّم سليمان بن داود، عليه السلام، إلى القصر وإذ فيه شئ مليح. وقد تعجّب من الأموال وكثرتها والسلاح والأواني واليواقيت والدرّ والجوهر والذهب الحمر والفضّة البيضاء، وهو لا يحصي عدده إلاّ الله تعالى. وإذ فيه قبّة من الذهب لها أربعة أبواب. فتقدّم إلى الباب الأول، وإذا هو مكتوبٌ (عليه) هذه الأبيات:

عجبت لمن يبني على الأرض منزلاً
إذا  مـا بـنى ركنًـا وتمّ iiبـنـاؤه


وعـمّـا  قـلـيـلٍ فوق لبنتها تبنا
يـهدّم صرْف الدهر من عمره iiركنا

قال ثمّ تقدّم إلى الباب الثاني، وإذا هو مكتوبٌ عليه { يا واصلاً إلى هذا المكان، اعتبر ما ترى من طوارق الزمان والدهر الخوّان، لا تغرنّك الدنيا وزخارفها، فإنّ الدنيا غدّارة مكّارة بأهلها. أين الخدم والعبيد والولدان! صاح عليهم هادم اللذات، المُفرّق بين الأهل والجماعات، وميتّم البنين والبنات، ومحزن الآباء والأمّهات، كانوا فبانوا وكأنهم ما كانوا. أيها الواصل اعتبر بما تراه من الدهر والزمان.} وإذا مكتوبٌ في اللوح هذه الأبيات:

هـو الـمسالك من قومٍ إلى iiقوم
هي المنايا وقد أصبحتَ في شغَلٍ
لا تعجلـنّ.. رويـداً إنـها دول



كـفـرحة النائم المسرور iiبالنوم
تـدور حـولـك حوماً أيما حوم
دنـيـا  تـقلّب من قومٍ إلى قومِ

ثمّ تقدّم إلى الباب الثالث، وإذا مكتوبٌ عليه { يابن آدم، إيّـاك والدنيـا، فإنها غدّارةٌ مكّـارة، لا يطيب لها نعيم، ولا يهنأ لها عيشٌ سليم، ولا يدوم لها حلو ولا ذميم، فهي السمّ القاطع، النشوب بالعلقم، ومن احتزم منها لم يسلَم، ومن استنصر منها لم يُعصَم} وإذ هو مكتوبٌ عليها هذه الأبيات:

تـزوّد  مـن الـدنـيـا فإنّك لا iiتبقى
ولا تـأمـنـن الـدهـر، إنْ ذا iiأمنته
ولـمّـا مـلكت الخلق والملك iiوالورى
أتـانـي  رسول الموت من كلّ iiجانبٍ
غـريـبـاً  وحيداً في التراب بذلّــةٍ





وخـذ صـفـوها عمّن مضى بلا iiرفقا
فـلـم يـبقِ لي حالاً ولم يرعَ لي iiحقا
وبعتهُهم غربـاً وشـمّـتّهم شـــرقا
فـهـا  أنـا فـي القبر رهيناً بما ألقى
فـمـن ذا إلـي يوماً بمصرعه iiيُسقـا

قال، فلمّا قرأ سليمان  ابن داود، عليه السلام، هذه الأبيات، خرّ مغشياً عليه.فلمّا أفاق من غشيته قال: إنّ صاحب هذا القصر كان ملكاً عظيماً، فيا ليت شعري، لمن يكون هذا القصر من الملوك ! قال (كعب الأحبار) ثمّ أنه رفع الستر، فتقطّع قطعاً ووقع بعضه على بعض من كثرة السنين والأعوام، وتداول الشهور والأيام. وإذا هو مكتوب عليه هذه الأبيات، أفلح من صلّى على الرسول:

أنـظر إلى ما ترى يا أيها iiالرجل
واكـثر  من الزاد من خيرٍ iiتقدّمه
أين الملوك وأبناء iiالملوك...مضوا
أين  الجيوش التي كانوا إذا ركبوا
بـاتوا على قلل الأجيال iiتحرسهم
أيـن  الـوجوه التي كانت iiمُنعّمةً
دعـاهُم  داعيٌ من بعد ما iiقُبضوا
فـأفـصح القبر عنهم ثمّ iiجاوبني
فـطالما كنّزوا الأموال iiواحتجزوا
إلـى  القبور ثووا فيها على iiرغَمٍ
قـد طال ما أكلوا فيها وما iiشربوا











وكـن عـلى حذرٍ من قبل iiتنتقلُ
وكـلّ  مـا كان دارٍ فهو iiمرتحلُ
تحت التراب برغم الرأي ما فعلوا
من  تحتهم يُزعجنَّ السهلُ iiوالجبلُ
وأُنـزِلوا حُفراً، يا بؤس ما iiنزلوا
من  دونها تُضرب الأستار iiوالكللُ
أيـن  الإمـارة والتيجان iiوالحللُ
تـلـك الوجوه عليها الدود يقتتل.
وخـلّفوها  إلى الأعداء iiوارتحلوا
فـهم  بما قدّموا رهناً وما iiحصلوا
فأصبحوا  بعد ذاك الأكل قد iiأُكِلو.

قال، ثمّ أن سليمان بن داود، عليه السلام، قال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. قال (كعب الأحبار) فبينما هو كذلك، إذ صاحت عليهم القبّة، من كلّ جانبٍ ومكان، من أربعة أركان. وظهرت عليهم رؤوسٌ بلا أبدان وأبدانٌ بلا رؤوس. وقوم كأمثال الكلاب، وقومٌ كأمثال السباع، وظهرت عليهم النيران، وكثر الدخان. قال (كعب الأحبار) فأخذ سليمان عليه السلام، بيد آصف بن برخيا، وطلع من القبّة ثمّ قال: أما ترى هذه القبة وقد أحاطت بها النيران. قال اصف بن برخيا: هذا بعض الموكلين بالصنم والقصر. ثم أنهم أتو عن يمين القبّة وإذا من الياقوت والسلاح، رأوا شيئاً عظيماً. ثمّ عدّوا تسعة عشر مقصورةً، فلمّا وصلوا إلى العشرين، وإذا هم بعقربٍ من الزجاج، مكتوب عليه  هذه الأبيات شعراً، أفلح من يصلّي على الرسول:

لِـمَـن  أكـدُّ لمن أسعى، لمَنْ لمَنِ
صـبـراً  جـميلاً وإن تأتيك نائبةٌ
هي  المطامع فاحذرها فكم iiصرعت
هـي  القناعة في دنياك فارضَ iiبها
أنـظر إلى من حوى الدنيا iiباجمعها
يا نفس توبي وجودي واعملي حسناً






والـقلب منّي رهينٌ أيّ iiمرتـهـنِ
وإن رزيـت فلا تعتب على iiالزمن
من حازم الرأي ذو عقلٍ وذو iiفطن.
لـو  لـم يـكن لك إلاّ راحة iiالبدن
هـل راح منها بغير القطن iiوالكفن
يـجزيك  ربّك يوم البعث iiبالحسن.

ثمّ أنّ سليمان بن داود، عليه السلام، حرّك العقرب، فانقسم له بابان ومقصورة حيطانها من الذهب الأحمر، وفرشها البلور الأبيض وبنيانها الأعمدة (من) الذهب. فعند ذلك عدّوا عشرة طوانيق (22) فلمّا وصلوا إلى الحادي عشر، وإذا بعقرب من الفضة البيضاء مكتوب عليه (23) هذه الأبيات:

لِـمَـن  أكـدُّ لمن أسعى، لمَنْ لمَنِ
صـبـراً  جـميلاً وإن تأتيك نائبةٌ
هي  المطامع فاحذرها فكم iiصرعت
هـي  القناعة في دنياك فارضَ iiبها
أنـظر إلى من حوى الدنيا iiباجمعها
يا نفس توبي وجودي واعملي حسناً






والـقلب منّي رهينٌ أيّ iiمرتـهـنِ
وإن رزيـت فلا تعتب على iiالزمن
من حازم الرأي ذو عقلٍ وذو iiفطن.
لـو  لـم يـكن لك إلاّ راحة iiالبدن
هـل راح منها بغير القطن iiوالكفن
يـجزيك  ربّك يوم البعث iiبالحسن.

قال (كعب الأحبار) ثمّ أن سليمان بن داود، عليه السلام،حرّك العقرب، فانقسم له سردابٌ له إحدى وعشرين درجة. فساروا ولا يدرون أين يذهبون. وإذا بضوءٍ من بعيد، فلم يزالوا يتبعون ذلك الضوء إلى أن أخرجهم إلى نهرٍ عظيم، وفيه قبّة من المسك والعنبر والكافور، مشبكٌ بقضبان اليواقيت والجوهر، قوامه من الزمرّد الأخضر، مرصّع بالدرر والجوهر واليواقيت. وعلى السرير صنم من الذهب الأحمرن عيناه من ياقوتتان يلمعان في أم رأسه. فقال سليمان: يا آصف، أما ترى إلى هذا الصنم، كأنّه إنسانٌ من الأحياء ينظر إلينا. قال آصف بن برخيا: يا نبي  هذا صنمٌ عملوه الجبابرة والملوك من طول الزمان. وإذا على جانب السرير

مكتوب هذه الأبيات شعراً:

ركـبـنا  العتاق الصافنات انجائب
وفـيـها  نواقع ذا بكلِّ iiمصيبــةٍ
وحكم القضا للمرء في الدهر iiماضيا



وسـرنـا بها في شرقها iiوالمغارب
ولـم نـدرِ أنّ الموت للمرء iiطالبِ
وهيهات ، لاينجو من الموت هارب

قال (كعب الأحبار)، فتقدّم سليمان بن داود، عليه السلام، إلى ذلك الصنم، فدار الصنم، كدوران الرحا. ثم أنّ الصنم ارتقى إلى أعلى (24)القبة.وصاح: يا أولاد إبليس، يا أولاد المعاويل والتيجان، ويا أولاد الأبالسة وبنو مرّة، هذا سليمان بن داود، عليه السلام، الذي ذلّ الجنّ والإنس قد أتاكم بالموت ليهدم عزّكم ويخمد ناركم.

قال، فلما سمعوا ما قال الصنم، دارت (25) الجن من أربع قوائم وتصارخوا من كلّ جانب ومكان، وأظهروا عليه أبداناً بلا رؤوس ورؤوساً (26) بلا أبدان على صور مختلفة. فقوم على أمثال الكلاب وقوم كامثال السباع وارتفع الدخان وعَلت النار.فعند ذلك صاح بهم صائح سليمان بن داود، عليه السلام: يا ويلكم يا أولاد إبليس، إلى أين تهربون؟أم علي تظهرون ؟ ، فها أنا ذا سليمان بن داود الذي اذلّ الجنّ والإنس والشياطين، لأُعذّبنّكم أشدّ العذاب، ولأرمينّكم بأليم العقاب. أقسمتُ عليكم بالسوَّر المحرِقات والآيات البينات، بحم عسق، وبكهيعصن ٌ والقرآن المجيد، واللوح المحفوظ، ص والقرآن ذي الذكر، ن والقلم وما يسطرون، وانه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآنٌ كريم، في كتابٍ مكنون، لا يمسّه إلاّ المطهّرون، اقتربت الساعة وانشق القمر، إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون، فتعالى الله الملك الحق، ما اتخذ الله من ولدٍ وما كان معه من إلهن إذاً لذهب كلّ إله بما خلق، أين تذهبون، بالصافات صفّا والزاجرات زجران فالتاليات ذكرا، إنّ إلهكم لواحد، ربّ السموات والأرض وما بينهما، وربّ المشارق، والطور وكتابٍ مسطور في رقٍّ منشور، والبيت ، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، إنّ عذاب ربّك لواقع، ماله من دافع. أقسمت عليكم باللإله الذي خضعت له الجنّ والجبابرة.

قال(كعب الأحبار)، فعند ذلك انقطعت أصواتهم وخمدت نيرانهم وبطل كيدهم، وأُعميـ(ت)أبصارهم وذلّ عزّهم،وفرّق جمعهم، وحطّم بها أجنادهم، ومكث بها متمرّدهم، وزهّق بها أرواحهم، وسقط صنمهم من أعلى القبّة بين يدي سليمان ابن داود، عليه السلام,وأخرج اللوح الذي في رأس الصنم، وخرج (27)من ذلك السرداب، وخرجوا منها وطلعوا (من) القبّة وجلس (سليمان)على سرير مملكته، ونادى في وزرائه وحُجّابه، وحضروا بين يديه.

ثمّ أن سليمان بن داود، عليه السلام، ألقى اللوح إليهم، فلم يقدر أحدٌ منهم على خطابه وفهم معناه ولا نظامه. فقال سليمان بن داود، عليه السلام، نُقلت إلى هذا القصر وكأني لم أظفر به.

قال (كعب الأحبار)، فبينما هم كذلك، إذ أقبل إليهم من البرّية، شابٌ حسن الثياب، مليح الأثواب، يتوكّـأ على قضيب خيزران. فلمّا وصل بين يدي سليمان بن داود، عليه السلام، فقال: السلام عليك يا نبي الله.

 فقال له: وعليك السلام يا غلام.

 فقال: دخلت القصر والقبّة وأخذت اللوح من عنق الصنم ؟

فقال: نعم يا غلام، إني لا أجد من يفهم عليه خطاباً.

فقال: يا نبي الله، إدفع إلي اللوح فلن (28) يقدر عليه أحدٌ غيري.

قال(كعب الأحبار) فرفع سليمان اللوح إلى الغلام، فلمّا قرأه وفهم ما فيه، خرّ مغشياً عليه. فلمّا أفاق من غشوته،

 قال له سليمان بن داود، عليه السلام، يا غلام، وأي شيٍْ مكتوب في هذا اللوح ؟

فقال: يا نبي الله، مكتوبٌ عليه هذه الأبيات:

هـل مـنكري أحدٌ بطول iiزماني
فـأنا  ابن شدّاد الذي ملك iiالورى
ولـي الـقـبائل والجحافل iiطوّعٌ
قـد  كـنـتُ في عزٍّ أذلُّ ملوكها
وإذا  ركـبت رأيت عدّة iiعسكري
ومـلـكتُ مُلكاً ليس يحصى iiعدّه
فـأتـاني  الموت المُفرّق iiللورى
ولـقـد  لـقـيت جميع ما قدّمته
فـأبـى الإلـه يـريد إلاّ مهجتي
فـكـأنّ عـمري كان يوماً واحداً
فـاعمل لنفسك قبل موتك iiصالحاً











وتـقـلّـب الأيـام iiوالـحـدَثانِ
والأرض قـاطـبـة وكل iiمكان.
ولـي الـبـلاد وأهـلها iiتخشاني
وتخاف أهل الأرض من سلطاني.
فـوق الصواهل ألف ألفِ iiعنان.
وذخـرتـه  لـنـوائب iiالحدثان.
فَـنُـقِـلـتُ  من عزٍّ لدار هوانِ
فـأنـا  الرهين به وكنتُ iiالجاني
وأنـا  الـوحيد الفرد من iiإخواني
أو سـاعـة من بعض يومٍ iiثاني.
واحـذر  هـدية طارق iiالحدثان.

ثم وجد مكتوب عليه : أيها الواصل إلى هذا المكان، اعتبر بما ترى من فوارق الحدثان والدهر الخوّان. فأنا شدّاد بن عاد، إرم ذات العماد، ملكت ألف بلاد، وركبت أربعة ىلاف جواد، وعشت أربعة آلاف عام، وتزوجت أربعة آلاف جارية أبكارا، كانّ وجوههنّ أقمارا. وكان جنودي ألف ألفٍ. فأمرتهم أن يلبسوا الدروع ويعتلقوا الرماحن وقلت لهم: أتقدرون أن تردو مانزل بي من حكم ربّ العالمين. فعجزو عن ذلك. ثمّ قلت لهم اجمعوا الأموال، فجمعوها بين يدي، فقلت لهم: اشترو لي ساعة واحدة من دون عمري، فأبوا وعجزوا عن ذلك. يا ابن آدملا تغترّ بالدنيا فإنها دار أحزانٍ وهوان وذل وانتقام. طوبى لعبدٍ أحسن المعاملة لله ربّ العالمين. ثمّ دنا من اللوح الثاني وإذ مكتوبٌ عليه هذه الكلمات: أكل على هذه الآنية ألف ملك اعور بعين اليمين، وألف ملك أعور بعين الشمال، ,الف ملك فارقوا العيون طمس، فلم يدوموا في الدنيا. إعلم أيها الواصل هذا المكان.كنّا آمنين مطمئنين في دهرنا، وكنّا نستعمل الذهب والفضة وكنا نعبد الأصنام من دون الله الواحد العلاّم، ولم نعتبر بطوارق الزمان، وكنّا لاهين ساهين، نأكل رزق الله ونعبد غيره، حتى سبق علينا القضاء المقدور المحتوم، ونفذ عنّا الرزف المقسوم. وكذلك تواترت علينا سبع سنين بمحلٍ قاطع. فلا نزلت من السماء قطرة واحدة، ولا نبتت في الأرض ورقة خضراء، فأكلنا ما كان عندنا من الطعام حتى فني ذلك، فأكلنا البهائم والإبل حتى صرنا إلى الهلاك، فطحنا الذهب والفضة، فلم يغني عنّا ذلك عن الطعام، وقد خلت علينا البلدان من الطعام. وقد ترك علينا حكم ربّ العالمين، فلم نجد عن حكمه مهربا. وإذ مكتوبٌ هذه البيات:

الـمـال  بـعدك للورّاث iiمنصرفا
ومـا شـحـحـت به خلّفته iiكرهاً
حـتـى إذا جاءت الأكياس iiموفرةً
وفـي  حـسـابك تلقى الله iiمنفرداً
فـلا  تـغـرنّـك الدنيا iiوزخرفها





بـعـد انـتقلك من دارٍ إلى iiداري
بعد القضاء وحكم في الورى جاري
وقـد  أتـوك بـجـمّـالٍ iiوحفّار
حـمّـال أثـقال في الدنيا iiوأوزار
وانـظر  إلى أهلها بالحي iiوالجار.

قال سليمان بن داود لوزيره آصف بن برخيا: ما أحسن يقين هؤلاء القوم لوكانوا على دين الله عزّ وجلَّ. ثم أنهما صعدا(29) القصر، وطلعا إلى القبّة، وإذا فيها بركة ينحدر الماء (منها) كبطون الحياة من أعلى الجبل، وقد عملها (30)الملوك والجبابرة. ثم سارا يدوران حول الأسواق، وإذا بالقوم موتى قد رميوا (31)وصاروا كالهشيم وما عادت إلا صورهم مربعة.والذهب والأواني والمال واللؤلؤ والجواهر والياقوت ما لا يُحصيه إلاّ الله تعالى. وإذا بالخلق موتى لا يُسمع لهم حسيس ولا أنيس. وتصفر الجنّ في عوارضها وتهب الرياح في أماكنها، والخلائق كلّهم موتى، قد بلوا من كثرة السنين والأعوام وتداول الشهور والأيام، ثمّ صعد إلى القبّة العالية وإذا هم بفارسٍ متّكيْ في أول الدرج (32) وعنده نشّابٌ وقوس وهو ينظر، وهي صورة صنعها (33)الملوك في الزمان الماضي. فقال سليمان بن داود،عليه السلام: يا آصف ما هذا الذي ينظر إلينا ؟ فقال آصف بن برخيا: يا نبي الله، هذه صورة صُنِعت حتى يحسبها الناس أنها من الأحياء، ولهذا ضربة.

قال(كعب الأحبار) فأخذ آصف بن برخيا ترساً وتقنّع بها ثمّ صعد الدرجة الأولى فتأهّب، ثمّ الثانية فهبط، ثمّ الثالثة فجعل كأنّ القوس في كبده. وكلما صعد درجة تأهّب ذلك الشخص أن يضرب بسهامه حتى رمى السهام  فأصابت الترس ولم يَصِب آصف شيئاً من ذلك. ثمّ خرّ (الصنم) ميتاً. ثمّ طلعوا القصر، وإذ هم بصورة جارية كأنها القمر الطالع، ومن حولها الجواري والخدم والملوك وهم مصروعون. وأمّا الجارية كأنها أحسن ما يكون. تنظر إليهم بعينٍ دعج. فسلّم عليها سليمان بن داود، عليه السلام. فقال وزيره : يا نبي اللهن تسلذم على جارية ميتة عملت تصاوير يحسبها الأحياء كأنها تنظر إليهم. وإذا حولها صنم من الذهب. فتناول الصنم وإذا في عنقه لوح مكتوب عليه هذه البيات شعراً يقول، أفلح من يصلي على الرسول:

بـنـيـنـا  قصر شدّاد بن iiعادٍ
أقـمـنـا  بـابـهـا ألفين iiعامٍ
وكـم  مـن حـرةٍ بـكرٍ iiرداحٍ
مـلـكـتُ  بصارمي الفي iiبلادٍ
أحـاطـتنا صروف الدهر iiحتى
فـلـم يـنـفـع هنالك ما iiأكلنا
فـقـل لـلـشـامتين بنا iiرويداً







مـن  الـيـاقوت والتبر iiاللجينا
وألـفـاً  مـن سـنين iiالعاددين
من السادات واضحة الجبينا(34)
وكـانـت  أهـلـها لي iiطائعينا
خـبـزنا الدُّر كي نكفي iiالبطونا
ولا يـكـفـي بـطون iiالجائعينا
سـيـلـقى  الشامتون بما iiلقينا.

وإذ مكتوبٌ عليها: أيها الواصل هذا المكان، إن كنت (35) لم تعرفني فأنا أُعرّفك بنفسي، أنا قديرة بنت الملك إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد.(36). عشتُ في عيشٍ رغيد وملكت الصناديد والعبيد والولدان والوليد، حتى صرنا إلى الهلاك. وذلك كلّنا نعبد الأصنام من دون الله الواحد العلاّم. فنزل بنا هادم اللذّات ومفرّق الآباء والأمهات. هذا دهرنا، فلا تغرنّكم الدنيا وزخرفتها، فإنها دار بلاء ومصائبٍ ، غدّارة مكّارة بأهلها. أيها الواصل إلى هذا المكان، خذ من المال ما شئت ولا تفرح بالدنيا فإنّك عن قليل منقلب عنها ولو عشت سنينا وأحقابا، فلا بدّ لك من الممات ومن سكون الظلمات، والسؤال عن الحسنات والسيئات. أيها الواصل إلى هذا المكان، اتقّ الله واعبده فإنه حي باقٍ دائم لا يموت، ولا يغرنّك الشيطان كما غرّنا وغرّ الأسلاف الماضين، وتكون تجارتك العبادة فهي تجارة لن تبور وزاد لا ينفذ. واحذر يوم يبعثر ما في القبور وضاقت الستور وانكشف عن المستور.

ثمّ أنّ سليمان بن داود، عليه السلام، بكى بكاءًشديداً وقال: لا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم، وعادَ ملكه عنده لا يساوي حبّة من خردل. ثمّ وقروا من المال وأخذوا ما يحتاجون إليه من المال والأواني، من الذهب الأحمر والفضّة البيضاء

واللؤلؤ وأخذوا مالاً عظيماً من ذلك القصر. وأمّ ما كان من الشياطين، فإنه صنع بهم قماقم من النحاس ورماهم في بحر الكركر من بحور الظلمات، ورجع بإذن الله تعالى، ونادى، يارخا ارفعي البساط، فارتفع البساط، ومرّت بهم الريح هو وجيشه من جنٍّ وأنس. وهذا بما انتهى إلينا من خبر قصر شدّاد بن عاد.

وورد هذه القصة في كتاب درّة الفاخرة في علوم الآخرة الصحيفتين 70 – 71 لدرويش بن جمعة بن عمر بن درويش المحروقي *، بهذا الشكل.

وقف رجل من العارفين على قصر قد خلا من أهله وساكنيه، فدخل إليه، فرأى فيه قبراً بلى، وعليه لوح من حديد، فتأمّله، فإذا عليه مكتوب: يا أيها الواصل إلى هذا المكان، اعتبر بما ترى من حوادث الزمان، ولا تثق بالدنيا (37) وزينتها، ودع عنك زخرفتها وغرورها، فإنها ملاّقة عذاب ومكر (38) وأمرها مستعار. تأخذ المطمئنين إليها منهم. وهي مثل السراب، يحسبه الضمّان ماءً، حتى إذا جاء لم يجد شيئاً. وأعلمك بأنني ممن تعلّق بحبّها وتمسّك بأذيالها.

ملكتُ فيها اربعة آلاف مدينة ذات أسوار وأنهار، وركبت فيها أربعة آلاف حصان، وتزوّجت فيها ألف بنتٍ يهود أبكار، وجمعت من المال ما يعجز عن مثله ملوك الأقطار، وعشتُ فيها أطول الأعمار، خمسمئة عام، وكان لي من الجيوش ألف ألف عنان شجعان، برماح مداد وسيوف حداد. وكنّا في هذه الدار آمنين، حتى نزل علينا حكم ربّ العالمين. فلمّا نزل بي الموت، أمرت الجيوش أن يلبسوا الدروع السابغات، ويركبوا الخيول الصافنات، ويقلّدوا السيوف البارزات. وأمرْتُهم أن يدفعوا عني هادم اللذات ومفرّق الجماعات. فعجزوا عن ذلك. فأمرت بإحضار أموالي، وكانت تُكال بالمكيال، كأنها غرام القمح من الذهب والفضّة واللؤلؤ والجوهر والزبرجد وغير ذلك...

وقلت لأعواني: اشتروا لي بذلك يوماً واحداً أعيش فيه، فلم يقدروا على ذلك، فرجعوا خائبين. فعند ذلك استسلمتُ لقضاء ربّ العالمين، وأمرتُ أن يكتبوا على قبري هذه الأبيات موعظة للغافلين وتذكرة للمتذكّرين.

مـن  كان ينكرني بطول iiزماني
فـأنا  بن شدّاد الذي ملك iiالورى
ذُلّت  لي الأمر الصعاب iiبأسرها
وركـبـتث  في عزٍّ أَذلّ ملوكها
وإذا  ركـبتُ رأيت حولي iiمنهمُ
ودخـرت مالاً ليس يُحصى iiعدّه
فـأتـانـيَ الـملك المفرّق بيننا
وجـهـدتُ  أن أُفدى بحالي iiكلّه
فـأبـى  الإله بأنّ يبَقّي iiمهجتي
ولـقـد  لـقيتُ جميع ما iiقدّمته
فـانظر  لنفسِكَ يا فتى ماذا ترى











وتـقـلّـب  الأيـام والـحدثانِ
والأرض  أجـمـعها وكلّ iiمكانِ
والـشـام  أجـمعها إلى iiعبَدانِ
وجميع أهل الأرض تجزع شاني
فـوق  الأعـنّة ألفَ ألفِ iiعنانِ
وجـمـعـتـه لطوارق الحدثانِ
فَـنُـقِـلتُ  من عزٍّ لدار iiهَوانِ
روحـي،  ولو حيناً من iiالأحيانِ
فـأنـا  الوحيد الفرد من iiخلاّني
فـأنـا الرهين به وكنتُ iiالجاني
واحـذر كـفيت نوائب iiالحدثانِ

              

الهوامش:

(1) وردت ستون.

(2) وردت يتغدا.

(3) وردت تلك.

(4) وردت فقالت

(5) وردت في الهوى، وأنتي    

(6) وردت يرفعها   

(7) وردت فلم أرى.

(8) وردت صار.

(9) وردت فلم يرى.

(10) وردت أعلا. 

(11) وردت وعنده.

(13) وردت اوفا. وردت فاستدعا به. 

 (14) وردت كأن راد يردّني أو صاد يصدني.

(15) ناسخ النص، لم يستطع التمكن من حفظ الوزن، فحاولنا وزنه قدر ما يمكن لنا باعتبار معنى الأبيات، ولسوف تتكرر هذه الحالة في صفحات أخرى

(16) وردت وليستخرج منه مفاتيح القصر من ذلك التابوت.

(17) وردت تفرج تلك العقرب.

(18) السواطن، بمعنى السواري ، وسوطن بمعنى الساري.

(19) العرعر، هو شجر السرو.

(20) وردت دقيق ناقي.

(21) وردت طحنوه.                                             

(22)ربّما يعني بها عشرة أطواق.

(23) وردت  عليها.

(24)وردت ثم ارتقاعلىأعلا.

(25) وردت داروا.

 (26)أظهروا وردت أظهروا عليه أبدانٌ بلا رؤوس ورؤسٌ.

(27) وردت وأخرج.

(28)وردت فلم.

(29)وردت صعدوا.

(30) وردت عملوها.

(31) وردت رموا.

(32) وردت الدرجة.

(33) وردت صنعوها.

(34)وردت والفخريدة . ومعنى الرادحة، المرأة المستوية القوام,

(35) وردت كان.

(36) إرم ذات العماد، موضوع يطول شرحه، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، سورة الفجر، الآية 5. و وقف عندها المفسرون والمؤرّخون طويلاً كياقوت الحموي والطبري والمسعودي، فاعتبرها بعضهم دمشق، وبعضهم في جنوب جزيرة العرب. ولكن لا بد أن تكشف علوم الآثار عن مكانها أن عاجلاً ا/ آجلاً.

(37) وردت إلى الدنيا.

(38) وردت مكار.

* كاتب عماني عاش في القرن  الحادي عشر للهجرة، له كتاب آخر بعنوان كتاب الدلائل على اللوازم والوسائل. والكتابان على شكل مخطوطتين في المكتبة الجامعية والوطنية في ستراسبورغ بفرنسا