واقع الأقليّة والأكثريّة في سوريّة

محمد علي شاهين

سقطت الدولة السوريّة بعد انقلاب الثامن من آذار في قبضة مجموعة قليلة من الضبّاط المتعطشين للسلطة والمجد، قال قائلهم ذات يوم وقد أسكرته نشوة الانتصار:        

تعيّرنا أنّا قليل عديدنا    فقلت لها إنّ الكرام قليل

وكان على الأكثريّة السنيّة المستهدفة أن تدرك حقيقة ما يراد بها منذ اليوم الأوّل للانقلاب، وأن تلقّن ابن اللئام هذا درساً لن ينساه، هو والذين يتآمرون معه.

وما لبثت االدولة أن سقطت بين فكي فئة هي أكثر تنظيماً وحقداً، وولاءً لطائفة أدمنت الباطنيّة حتى سرت في عروقها، فكانت مصدر قوّتهم وقسوتهم.

أقليّة لا يتجاوز عددها عشر السكان، ومع هذا تصرّ على حكم الأغلبيّة، استغلّت النظام الرئاسي والسلطة التي يعطيها الدستور المفصّل على قياسها للرئيس، واستثمرت الحزب الحاكم أبشع استثمار، وتغوّلت على المؤسّستين العسكريّة والأمنيّة، وفرّغتهما من ضباط ينتمون للأكثريّة لأنّها لا تضمن ولاءهم، ولو أدّى تسريحهم من الجيش إلحاق الهزيمة في حرب الأيّام الستّة.

وتحالفت الأقليّة النصيريّة مع الأقلّيات الأخرى ضدّ الأكثريّة السنيّة فلم تصل إلى هدفها، وبقيت تفتقد إلى الشرعيّة.

وكان الأسلوب الأمثل لمنظّري الطائفة هو استقطاب مرتزقة ومنافقي السنّة، ومع هذا فلم تصل إلى مبتغاها، ولم تشعر بالأمان.

زيّفت الانتخابات، واستخدمت أسلوب قوائم الجبهة الوطنيّة التقدميّة، فكانت مهمة هذه المجالس التصفيق ورفع الأيدي والموافقة على قرارات الحكومة، والتمتع بمزايا وسيارات وراتب النائب.

وجرت استفتاءات مضحكة كانت مضرب المثل في العالم، ثم تفتّق فكرهم المريض عن توريث الحكم، فورث الأبن عن أبيه تركة مثقلة بعد ثلاثين سنة من العبوديّة والاستبداد والتخلّف.

ولم يكن من العسير على الطائفة بعد استيلائها على الحكم، الاستيلاء على المال العام، واستخدام نفوذها، واحتكار مصادر الثروة، للتعويض عن الثروة التي يجب أن تتوفّر في أي نظام (أوليغارشي)، وتعويض ما كانت عليه الطائفة من فقر وتخلّف، والتحالف مع الصناعيين، والمصرفيين وأصحاب رؤوس الأموال وشركات التأمين والطيران، الذين دفعت بهم إلى البرلمان، على حساب العمال والكادحين من أبناء الشعب السوري المخدوع.

وكانت مهمة إعلام السلطة الفوقيّة تكريس عبوديّة الفرد، والاستخفاف بعقول الناس، والادّعاء بأنّ النخبة الطائفيّة التي انفقت عليها الملايين لتتسلّم مفاصل الدولة، هي وحدها التي تملك الكفاءة والمقدرة على حكم لبلاد والدفاع عنها في وجه مخطّطات الأعداء.

وعاش الشعب السوري ومعه أحرار الأقليّات، نحو نصف قرن، يحلمون بالحريّة والانعتاق من قيد العبوديّة، وعودة السلطة والسيادة إلى الأكثريّة، حيث يكون الحكام مفوّضين عن الشعب، ونوّاباً عنه في ممارسة مظاهر السلطة، وضمان حقوق الإنسان، وحريّات المواطنين.  

وقامت ثورة الشعب السوري لتنهي حكم الطغيان والواقع المأساوي الذي وصلت إليه البلاد، المتمثّل في السلطة القمعيّة والفساد الإداري والمالي وتردي الاقتصاد، والخلاص من حكم الطائفة، واستئثارها بالمناصب العليا، واحتكارها للحقيقة، ووقف التعذيب، وإطلاق سراح المساجين، وعودة المبعدين، ومحاسبة القتلة والمجرمين....... والقائمة طويلة.

فتصدّى لها النظام بشبيحته، وميليشيّاته الطائفيّة، وكانت القرى العلويّة الخزّان البشري الذي شارف على الجفاف، واستعان بحليفه حزب الله الشيعي اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، والميليشيات الشيعيّة القادمة من باكستان وأفغانستان، والحوثيين من اليمن.

ورافق هذا التحالف الشرير بين النظام الذي يدّعي المقاومة من جهة، والطائفة النصيريّة المتحالفة مع الشيعة، عمليّات تطهير بالغة البشاعة في قرى منطقة صهيون وجبل الأكراد والتركمان بمحافظة اللاذقيّة، وتهجير قرى الغوطة، وتدمير مدن وبلدات بكاملها بالبراميل المتفجّرة وراجمات الصواريخ، ولم يتورّع النظام عن استعمال الغازات السامّة المحرّمة دوليّاً مرات ومرّات. 

وهكذا فضح النظام طائفيّته عندما وقفت النصيريّة بجميع عشائرها ضدّ تطلّعات الشعب، وتأكّدت طائفيّته عندما استعان بالشيعة على أهل السنّة والجماعة، واستنجد بإيران الصفويّة لبسط سيطرتها على بلاد الشام، واستقبل الدعاة الشيعة لنشر مذهبهم بالمال، وشراء ذمم ضعاف النفوس ممن هم على استعداد لبيع دينهم بالمال الحرام.   

فهل تصح بعد هذه التجربة المرّة مع الأقليّة النصيريّة مقولة: إنّ الكرام قليل؟