"بنك الأهداف" الذي جهلناه

زهير سالم*

في الثورة والسياسة

"بنك الأهدف" وهذا عنوان متداول، في عالم الحرب بشكل خاص.

اختيار الأهداف الأولوية التي يستهدفها الثائر أو المحارب، بعلمية وموضوعية ودقة، وحسب أهداف الحرب، ووفق ضوابط شرعية أو قانونية، يلتزم بها كل فريق ذاتيا، أو تلزمه بها جهات قانونية أعلى إن وجدت مثل القانون والمواثيق الدولية مثلا..

والأهداف التكتيكية لأي حرب تشتق من هدفها العام، وما أظن من أهداف ثورتنا في سورية تحرير الأرض بل تحرير الإنسان. فتأمل أين قادنا من زج بنا في معركة تحرير البراري والقفار!!

ولكي لا أغرق في التنظير

استهدف اختيارُ أهدافِ الحرب ضد الشعب السوري عند الروس والايرانيين والأسديين، "إنزال أكبر قدر من الفواجع في المجتمع السوري، الثائر والحاضن، والمحايد، وكذا الموالي إلى حد ما…" وهذا قد يكتب فيه كلام كثير..

 

استُهدف المحايد لكي لا يثور..

واستُهدف الموالي لكي ينقاد، ومن أراد دليلا جئناه بعشرة!!

كان الهدف العملي في مواجهة بيئة الثورة:

إنزال أكبر قدر من الفواجع في فضاء الثورة وحاضنتها"، ولا ننسى ان الضغط على الحاضنة هو نوع من الضغط على الثوار، وأن بث الرعب في قلوب الموالين، لكي لا يفكر أحدهم في الانحياز الى الثورة، وحكاية الرقيب الذي يقف على رأس المجندين، فكل من يتردد في القتل يقتل.

وفي اختيار المجرمين لأهدافهم تم الدوس من موقع القوة والغطرسة، على جميع القوانين والمواثيق الدولية في اختيار هذه الأهداف، وفي الإثخان في تدميرها، وسط لامبالاة متوافق عليها من دول العالم اجمع..

تذكرون عندما كنتم أقوياء كم حدثوكم عن انفاقيات جنيف الأربعة، نسيت هده الاتفاقيات أمام تغول بقية الأطراف. يجب أن تعلموا ويعلموا أنني أيضا اوصي باتفاقيات جنيف الأربعة، وإنما أدين ازداوجية الأخلاق والمعايير.

كانت البنى البشرية المدنية الهشة هي النقاط التي ركز عليها الطيران الروسي - الاسدي والميليشيات الايرانية التي شكلت الأقدام التي تدب على الأرض في خدمة الطيران الروسي.

وقد تم تصعيد عمليات الأرض المحروقة التي لا تبقي ولا تذر، منذ الاحتلال الروسي ، مترافقا مع سقوط حلب وأسرد عليكم مذكرا ببعض تلك الأهداف:

المخيمات العشوائية- المدارس -والمساجد وقت الحمعة- والأسواق الشعبية العامة- والمستشفيات، وتذكروا كيف اعتبرت المستشفيات حيثما وجدت كقواعد عسكرية، فقصفت بلا رحمة، مع انها محمية وسيارات الاسعاف، بالقانون الدولي والمواثيق الإنسانية؛ وكان مغزى استهداف المستشفيات ان يقطعوا على الجريح او المصاب أي امل في النجاة. كانت وما زالت هذه هي الأهداف وقصف المخيمات ما زال هو الهدف..أضيفوا إلى ذلك محطات الكهرباء، ومحطات تكرير المياه، ومستودعات توزيع الغاز، ومستودعات التموين.

كل ذلك كان مقدمة تذكيرية بمقالي اليوم، الذي اردت ان أتساءل فيه، عن بنك الأهداف الثورية؟؟ أين كنا من كل هذا؟؟ من فكر؟؟ من قدر؟؟ من دبر؟؟

من جمع رصيد البنك؟ من حدد مفرداته؟ من رتب أولوياته؟ وكل الأهداف الفرعية تشتق في علم الحرب من الهدف العام؟! وهدفنا العام: الشعب يريد إسقاط النظام، لا إسقاط سورية!!

أي فرق يكون مثلا أو فرضا، في الأهداف الفرعية لثورة تعمل لتحرير أرض من مستعمر غاصب وأخرى تعمل لإسقاط نظام عميل، يتمثل في النهاية في عصابة من عشرات أو مئات الأشخاص؟!

واليوم في علم الهندسة الحديث، يهدّون ناطحة سحاب، بالكبس على زر واحد فيخر البناء الضخم كما ينزل أحدنا للسجود في الصلاة؟؟ عندما تشتغل العقول يجب ان يصمت أصحاب اللعاعات "عليهم عليهم"

في علم تركيع الأنظمة، هناك بضع نقاط يسمونها في علم الحرب "مواقع القيادة والسيطرة"، من خلال السيطرة عليها يتم تحقيق الأهداف التي خرج الناس من أجلها..

و مع الاسف - ولا ينفعنا شيء تكرير الأسف- إن ثورتنا وثوارنا أو فصائل ثورتنا على الأرض لم يكن لديهم "بنك أهداف" استراتيجي حقيقي متفق عليه. بنك أهداف استراتيجي يختصر الطريق، ويقرب الهدف، ويقلل الخسائر..وكل شجرة قطعت في سورية خسارة، وكل بيت هد خسارة، وكل نسمة أزهقت كارثة.

جيوش الفتح في ناريخنا لم تكن تحارب لا الرهبان في الصوامع، ولا الفلاحين والأكّارين في المزراع. إنما الحرب للمحارب. وفي حالتنا، إنما الحرب مع مرتكزات الشر، والقابضين على خطامه. والمديرين لرحاه،

في يوم القادسية، يوم فاجأ الفرس جيش الفاتحين بالفيلة، وحار الفرسان المسلمون، كيف ينالون منها، صاح القعقاع: اطعنوا أعين الفيلة. نقطة الضعف التي لا أسهل ولا أقرب. ففرت الفيلة لا تلوي.. عندما يعمل العقل..

ويوم الجمل- لا كان يوم الجمل- عندما استبسل المسلمون الأباة في الدفاع عن جمل أمهم عائشة، رضي الله عن أمنا عائشة، وكثر القتلى حوله: نادى سيدنا علي رضي الله عنه: اصربوا عراقيب الجمل أي قوائمه..

يوم الحديقة وما كان أصعبه من يوم، وصار شعار المسلمين فيه "يا أصحاب سورة البقرة" ونعم الشعار والله، واستقتل الصحابة من حفظة القرآن، وعدو الله مسيلمة متحصن وأصحابه وراء سور الحديقة؛ نادى سيدنا البراء بن مالك، الرجل الذي قال سيدنا رسول الله فيه: لو أقسم على الله لأبره، نادى سيدنا البراء: ضعوني في فم المنجنيق وألقوني وراء السور يا إخوتاه، ففعلوا، فنرل خلف سور الحديقة وقاتل وحيدا دون الباب حتى فتحه..ورجل بألف رجل..،

في متابعتي للمعلقين الأمريكيين استمعت يوما لصانع قرار أمريكي قد بلغ من العمر عتيا "ريتشارد ميرفي" ومنذ السنوات الأولى للثورة يقر : استراتيجيتنا في سورية "انهاك الطرفين" وفعلوا…

ولله الأمر من قبل ومن بعد، وماذا نفعل وقد تولى أمورنا الذين لا يعلمون.

هذه ربما المرة العاشرة التي نبدئ ونعيد، ذكرى لقوم يذكرون.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية