رحلتي إلى مصر

عبد الله الطنطاوي

عبد الله الطنطاوي

[email protected]

سافرت إلى مصر مرات ومرات، ومن يستغني عن (أمّ الدنيا) وعن عاصمة من عواصمها الكبيرة (القاهرة) ذات العشرين مليوناً من البشر، من المقيمين والزائرين في كل يوم. وكان لكل زيارة من زياراتي هذه طعمٌ يختلف عن سابقاتها، وعن لاحقاتها، وسوف أتحدّث اليوم عن زيارتي في شباط 1977 وكانت لأكثر من هدف، ليـس الآن ولا هنا مكان ذكرها، وقد تحدثت عنها في مكان آخر من الذكريات.

في دمشق

في شباط 1977 غادرت مدينتي الحبيبة (حلب الشهباء)، إلى دمشق، لأطير منها إلى القاهرة. وفي دمشق بتّ ليلة قبل سفري إلى القاهرة، زرت خلالها الصديق الأستاذ مدحت عكاش، رئيس تحرير مجلة (الثقافة) الدمشقية، وتعرفت في مكتبه إلى الأستاذ الحجار الذي كان سفير سورية في الهند، ثم عاد إلى دمشق، وأصدر كتابه اليتيم (تعريب النحو).

قدّم لي الأستاذ الحجار نسخة من كتابه الذي كان صدر قبل أيام، وقرأت على الغلاف: تقديم الأستاذ أحمد موسى سالم. فسألته عن مقدم الكتاب، فقد قرأت له كتاباً منذ بضعة أشهر، لم أتبيّن فيه هويته، هل هو إسلامي؟ قومي؟ اشتراكي؟ فقال الأستاذ الحجار:

- الأستاذ أحمد مفكر كبير من مصر، واسمه الأصلي: أحمد صبري شويمان.

قلت له:

- أعطني عنوانه، إذا سمحت، فأنا مسافر غداً إلى مصر، وأحبّ أن أتعرف إلى هذه الشخصية العجيبة، فقد قرأت لشويمان عدة كتب، كما قرأت الأعداد الثلاثة عشر التي أصدرها من مجلته (الأنصار) ولكن.. لماذا يكتب الآن بغير اسمه؟

قال: عندما تلتقيه، تستطيع أن تعرف.

ثم قال الأستاذ الحجار:

- هل تحمل معك عشر نسخ له؟

- بل.. أحمل مئة نسخة إن شئت.

وانتقلنا إلى بيت الأستاذ الحجار، بالقرب من ثانوية جودت الهاشمي، فشاهدت على الباب الحرس المدججين بالسلاح، ولكنه طمأنني وقال:

- هذا بيت ابني، وهو من المسؤولين الحسّاسين.. لا تخف..

وفي البيت جلست في (صالون) ضخم فخم، طويل عريض، فيه أثاث وزينات وتحف، فقال الأستاذ ضاحكاً:

- صالون يجري فيه الخيّال.. أليس كذلك؟

- ولكن الحصان سيكسر الثريات والتحفيات و.. إذا جرى..

فقاطعني بقوله:

- لا تكترث، فهو حصان اشتراكي مدرّب.

وكان الأستاذ الحجار لطيفاً جداً، دبلوماسياً دمثاً، خفيف الظلّ، لا يغادر نكتة، ولا يغادر محيّاه طيف ابتسامة ودود.. حدّثني عن الهند، وعن سبب إقالته وإحالته على التقاعد فقال:

- السبب نكتة.. نكتة بسيطة أعادتني إلى بلدي، لألتفت إلى كتبي وأوراقي. أمّا النكتة، فهي أنني كنت على موعد مع رئيسة الوزراء أنديرا غاندي، وجاءت أنديرا بعد خمس دقائق من الموعد، وهي في كامل مكياجها وزينتها، فنظرت إلى ساعتي وقلت مازحاً:

- يبدو أن السيدات لا يغادرن طباعهن في المكيجة والزينة، حتى ولو كنّ رئيسات وزارة، وحتى لو أخّرهنّ المكياج عن مواعيدهنّ؟

فنظرت رئيسة الوزراء في ساعتها وقالت:

- انتهت المقابلة.

ثم طلبت من الخارجية السورية سحبي من سفارتها في الهند، واهتبلها الخدّام فرصة ذهبية ليتخلّص مني، وكان خيراً، وكان هذا الكتاب الذي ستفرح بقراءته، لأنه نمط جديد في الكتابة والتفكير.

في المطار

في مطار دمشق الدولي وقفت في الطابور أمام الموظفة التي كانت تتلهّى بالحديث التافه مع زميل لها، يبدو أنه كان (يستلطفها) وكانت ضحكاتها تثير الواقفين أمامها في هوان، كأنها كانت تريد إذلال مَنْ أمامها من الناس، وكانت إذاعة المطار تنادي نداءاتها الأخيرة إلى المغادرين إلى القاهرة، والرتل طويل، والناس يحملون أثقالهم، ومع بعضهم نساء وأطفال، فصحتُ بها في شيء من نزق:

- مشّينا يا آنسة، تكسّرْنا من هذه الوقفة.

فانفجرت بصياح كصياح الجن في الليالي الحوالك، كما كنّا نتخيّل الجن وصياحهم وأشكالهم ونحن صغار. قالت:

- نحن هنا نموت من الشغل، لخدمتكم، وأنتم لا تصبرون على كلمة نتكلمها مع أحد الزملاء.. العمى..

- العمى في عينك إن شاء الله.. لسنا عبيداً لك ولا لأبيك .. أنت تعملين بأجر، وليس لوجه الله، ولا لخدمة المواطنين.. ثم.. كلميني أنا، فهؤلاء المساكين لا دخل لهم.. أنا أحتجّ وهم يسمعون.

وتوقّفت المسترجلة عن العمل، وتدخل الناس، وفضّوها بيننا، وقد اقترب موعد الإقلاع، وسلّمتني بطاقة السفر، وأسرعت إلى الطائرة، وقال لي رجل مسنّ ونحن في طريقنا إلى الطائرة: يسلّم فمك، ما قصّرت مع هذه السفيهة.

في القاهرة

كان في استقبالي في المطار أخي وصديقي أبو محمد الحامد.. أخذني إلى غرفته المستأجرة فوق سطح عمارة، وبعد استراحة يسيرة من طلعة الدرج الطويل، استأذنته في حلق لحيتي، فلم يردّ عليّ، فعدت أستأذنه مرة أخرى فقال لي:

- يا أخي تريد أن تعصي الله وأشاركك في المعصية؟! البيت بيتك ولا تستأذني في شيء.

ابتسمت، وحلقت لحيتي وشاربي، كعادتي في تلك الأيام العصيبة التي اضطرتنا إلى فعل ما نكره، ثم نزلنا واستأجرنا غرفة في فندق متواضع قريب من بيته.

قلت لصديقي الذي كان يلازمني في القاهرة (الأستاذ محمود الحامد):

- سنذهب إلى حلوان، لزيارة مفكر كبير هناك، أحمل له أمانة، واسمه أحمد صبري شويمان، وأريد أن أتعرَّف إليه عن قرب، لأعرف ما هو. هل تعرفه؟

قال:

- أنا لا علاقة لي بالأدباء، ولا أعرفهم.

وذهبنا إلى حلوان، وسألنا عن بنك الإسكندرية، فقد كان بيت الأستاذ شويمان فوق بنك الإسكندرية، وأدخلتنا الخادم إلى غرفة بسيطة، أي متواضعة، ولكن ترتيب أثاثها غريب..

كانت مفروشة بسجادة عادية، وفي الصدر ما ندعوه عندنا في حلب (دشك) أي طرحة، أي فرشة ممدودة على الأرض، وعليها وسائد، وعلى جداري الغرفة الجانبيين صُفَّت أرائك، وقد علقت على الجدار الذي في الصدر، صورة لشيخ عربي بلباس عربي، يتلاءم مع (الدشك) والوسائد، وعلى الجدار الأيمن صورة لجمال عبد الناصر.

بعد لحظات دخل الأستاذ أحمد، وهو شيخ في الستينيات من عمره، مربوع القامة، حنطي اللون، ممتلئ الجسم، يرتدي (الصاية) والصاية ثوب عربي مفتوح من أمام، يحوطه بحزام، وعلى رأسه منديل أبيض، وعقال مقصَّب.. رحَّب بنا، وعرَّفته على نفسي وعلى صديقي، ونقلت إليه تحيات الأستاذ الحجار، وقدَّمت له النسخ العشر من كتاب (تعريب النحو) ففرح بصدور الكتاب فرحاً ظاهراً وقال:

- هذا الكتاب سيكون فتحاً جديداً في عالم النحو العربي.. سوف يخلص العرب من نحو الأعاجم الذي كسروا به رؤوس الدارسين العرب منذ الأعجمي سيبويه حتى الغلاييني وعباس حسن.

فسألته:

- هل النحو العربي أو النحو الذي ندرسه ليس عربياً حتى نعرِّبه؟

أجاب في حدة:

- طبعاً ليس عربياً.. إنه نتاج أعجمي، والأعاجم سبب كل بلاء أصاب العروبة والإسلام.

فقال صديقي الأستاذ محمود:

- لا يا شيخ.. حرام عليك.. أين ذهبت بالإمام البخاري مثلاً؟

فانفجر الأستاذ أحمد انفجاراً ما كنت لأتوقعه من رجل في مثل سنه وعلمه، فشتم صاحبي، وشتم إمامه البخاري، فنهض صاحبي محتداً يصرخ، والأستاذ شويمان يصرخ، وأنا أحاجز بينهما، حتى هدّأتهما، فجلسنا جميعاً ننفخ من الغيظ، وأردت تغيير مجرى الحديث-كما يقال- فقلت له:

- قرأت مجلتك (الأنصار) وأعتقد أن كتّابها جميعاً هم كاتب واحد، هو أنت ، فما رأيك؟

قال:

- مجلتي توقَّفتْ في أواسط الخمسينيات، فكيف قرأتها؟ ومتى؟

قلت:

- أستاذي الدكتور محمود بابللي هو الذي..

فقاطعني:

- الشيخ محمود بابللي كان مندوبنا.. أين هو الآن؟ وما أحواله؟

فطمأنته على أحواله وصحته، وقلت له: إنه خبير اقتصادي في الرياض، ثم قلت له:

-ولكنك في العدد الأخير أعلنت عن إيقاف المجلة، وأنك وصحبك في جمعية الأنصار سوف تذهبون إلى الصحراء، وتعيشون في البادية كما كان يعيش العرب الأولون، ثم انقطعت أخبارك.

فاعتدل الأستاذ شويمان في جلسته فوق (الدشك) وقال:

- خرجنا إلى الصحراء، واشترينا بعض الشياه والنوق، ونصبنا الخيام، كما أعلنا في (الأنصار) وعلم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك، فأرسل إلينا وفداً من مجلس الأمة، كان الرئيس السادات على رأسه، ورجانا أن نعود، وأمر الرئيس بتعييني عضواً في مجلس الأمة، فعدنا.

قلت له:

- وماذا عن تغيير اسمك يا سيدي؟ فنحن نعرفك باسم أحمد صبري شويمان، ولولا الأستاذ الحجار، ما عرفت أن أحمد موسى سالم هو نفسه أحمد صبري شويمان.

فقال:

-لهذا صلة بالأعاجم الذين يدافع عنهم صاحبك هذا..

وتحفز صاحبي للكلام، فرجوته أن يسكت، فسكت وهو ينفخ شواظاً من نار، وقال الأستاذ أحمد:

- أنا اسمي أحمد صبري.. اسم مركب على عادة الأعاجم من الأتراك، وعشيرتنا التي ننتسب إليها (شويمان) فصار اسمي أحمد صبري شويمان، ولكن، وبعد أن كبرت ووعيت وأدركت تقاليد الأعاجم، رفضت أن أستسلم لهم، فعدت إلى الأسلوب العربي الأصيل، وهو أن أدعى إلى أبي فجدي، واسم أبي موسى، واسم جدي سالم، فصرت أحمد موسى سالم، بعد أن حذفت أو عدلت عن التركيب في اسمي.. أليس هذا خيراً من سلوك مسلك الأعاجم الأوباش؟

ولم يكتف الأستاذ شويمان بهذا، بل شتم -من جديد- الإمام البخاري ومسلما وسائر العلماء من الأعاجم. فقلت له، لأهدئ من ثورة صاحبي:

- ولكن، يا أستاذ، كيف كنا نصلي لولا..

فصرخ:

- احذر أن تقول الإمام البخاري.. نحن نعترف على القرآن الكريم ونؤمن بما جاء فيه، ولا نعترف على سواه.. نصلي كما أمرنا القرآن.. أنا الآن أصلي وأنا معكم.. أم أنكم تريدونني أن أصلي على طريقة البخاري؟

قلت له:

- دعنا من هذا، وأريد أن أقول لك، أنا قرأت كتابك الكبير (رسالة في ضوء التوحيد) -أكثر من ثماني مئة صفحة- ورأيتك تقسو على الصوفية.

فقال في حدة:

- لأنهم كفار.. أخذوا من الوثنية، ومن اليهودية، ومن النصرانية، ومن الشيعة، ومن الزنادقة. وخلطوا بين هذه وتلك، ثم جاؤونا بهذه العجينة المنتنة التي أسموها صوفية.. وهذا كله من فعل الأعاجم.. من فعل إمام صاحبك هذا.. من فعل البخاري الــ.. وسواه من الأعاجم.

ونهض صاحبي محتداً وقال:

- أنا لا يمكن أن أبقى في بيت يكفر فيه..

فقال الأستاذ:

- اخرج لا ردَّك الله.. أنا ما دعوتك، وأنت لست ضيفي.. عبد الله وحده ضيفي..

وبذلت جهدا الله وحده به عليم، حتى هدأتهما، ثم قلت:

- دعوتك هذه إلى العروبة، تشبه، في مسارها العام، دعوة حزب البعث في بلاد الشام.

فانتفض محتجاً وقال:

- اسمع.. زرت دمشق سنة 1949 ونزلت في فندق (أوريان بالاس) قرب محطة الحجاز. وجاءني الأستاذ ميشيل عفلق والأستاذ صلاح البيطار زائرين، ثم دعواني إلى غداء عمل في (دمر) وخرجنا في اليوم التالي إلى جنة الله في أرضه.. إلى دمر، وتمليت ذلك الجمال العجيب، ودعوت الله أن يرزقني مثله في الجنة..

وأفاض الأستاذ شويمان في وصف جمال دمر، وغبطنا على ما حبا الله بلاد الشام من جمال أخاذ، من أنهار وأشجار ومناخ، ومن... ثم قال:

- ونحن على الغداء، قال لي الأستاذ صلاح البيطار:

- يا أستاذ أحمد، أنت في (جمعية الأنصار) تدعو إلى العروبة، ونحن هنا في حزب البعث ندعو إلى العروبة، فما رأيك في توحيد الجمعية والحزب، بضمها إلى حزب البعث، وتكون أنت رئيس الحزب في مصر بل في الشمال الإفريقي كله، ونحن هنا في بلاد الشام والعراق مسؤولون عن الحزب؟

فقلت له:

- ولكن العروبة التي أدعو إليها، غير العروبة التي تدعون إليها.. أنا أدعو إلى العروبة المؤمنة، وأنتم ملاحدة.

فانتفض الأستاذ ميشيل الذي كان ملازماً الصمت، وقال:

- لا يا أستاذ.. أنا أحتج.. أنا لست ملحداً.

فقلت له بهدوء:

- فعلاً يا أستاذ ميشيل، أنت لست ملحداً، ولكن الأستاذ صلاح ملحد.

فسكت الأستاذ ميشيل، ولم يحتج الأستاذ صلاح البيطار..

ثم قال:

هل فيما رويت لك جواب على زعمك بأن دعوتي إلى العروبة كدعوة البعثيين عندكم؟

هذا بعض ما حدث في تلك الجلسة الصاخبة التي استمرت أكثر من ساعة، والتي ما رويت منها إلا القليل، لأنني لا أستطيع أن أذكر إلا الخلاصات التي تسمح الصحافة بنشرها، وقد تكون لنا عودة إلى رأيه في القصة والمسرحية، وعن رأيه في كبار الكتاب المصريين، كطه حسين، والحكيم والعقاد ومحمود شاكر والرافعي وسيد قطب وحسن البنا وسواهم من الشخصيات المصرية، السياسية والفكرية والأدبية.. أكتفي الآن بهذا، ترويحاً عن النفوس المأزومة، في هذا العصر الذي يحار المرء في وصفه، ويعاف الكثير من جوانبه، هرباً، وقرفاً، وضعف قلب، ووهن أعصاب.

وقبل أن نودع الأستاذ أحمد، جاءني بمجموعة من كتبه، وكتب على بعضها إهداء، ولم يهد صديقي ورفيقي إليه أي كتاب، فقلت له:

- والأستاذ محمود؟ ألا تهديه كتبك؟

فنظر إليه شذراً وقال:

- هو لا يريد كتبي.. هو من جماعة حسن البنا.

فسألت صديقي:

- ألا تريد كتب الأستاذ؟

قال صديقي:

- بلى.. أريدها.

فجاءه الأستاذ أحمد ببعضها، وقدمها إليه، ولم يكتب أي إهداء عليها. قلت له:

- ألا تكتب له إهداء؟

قال في تقطيب:

- أنا أكتب لأصدقائي، وضيوفي.

وخرجنا من عنده ونحن متوتران، وقال لي صاحبي:

- والله هذه الساعة عند هذا الشيخ، كانت أقسى ساعة تمر بي في حياتي.

أخذنا تاكسي إلى (المترو) ووقفنا حيث يقف كثير من الناس في انتظاره، فقال لي صاحبي:

- أرى أن نذهب إلى الجانب الآخر، لنأخذ المترو العائد إلى القاهرة.

وقفز نازلاً إلى الأخدود الذي يمر به المترو، ولا يتسع إلا للمترو..

سمعت زعيق المترو الذي برز فجأة مسرعاً.. كان زعيقه كولولة امرأة عجوز أصيبت في وحيدها.. ونظرت إلى صاحبي الذي سوف تمزقه عجلات المترو، ثم أغمضت عينيّ، وضغطت على أذنيّ بكفيّ، وأنا لا أشك لحظة بالكارثة التي سوف تحلّ بصاحبي الذي أحبّه وأجلّه..

بعد لحظات رفعت كفيّ عن أذني لألتقط أصوات الناس وضجيجهم حول ما جرى لصاحبي، فلم أسمع شيئاً مريباً، ففتحت عينيّ بخوف، وإذا صاحبي واقف أمامي يحدثني ولا أسمع حديثه.

سألته في ذعر:

- كيف خرجت؟

كان ارتفاع جدار الأخدود أكثر من مترين في المكان الذي قفز فيه، فقال:

- والله لا أدري.. ما كادت قدماي تستقران على الأرض، حتى سمعت صوت المترو المخيف، نظرت إليه فكان وحشاً هائجاً في هجوم صاعق، ولم أر كيف صعدت الجدار العالي هذا، وعدت إليك.

ثم نظر إليّ في ابتسام مذعور وقال:

- ظننتني مت.. أليس كذلك؟

ولما لم أجب قال:

- هذا ظاهر من امتقاع وجهك.

قلت في همس خائف:

- الحمد لله على سلامتك..

كان صاحبي يأتيني في الصباح الباكر، لننطلق في القاهرة العملاقة التي تحنو على زوارها، وتطلعهم في كل لحظة على جديد من أوابدها، وأحيائها، وناسها،. كنت مبهوراً في كل ما أشاهد وأسمع، وتذكرت مقالاً للأستاذ الأديب الشهيد سيد قطب، رحمه الله رحمة واسعة، كان نشره في مجلة (الرسالة) عام 1934 بعنوان: (العالم يجري) تحدَّث فيه عن حركة السير في القاهرة في تلك الأيام، وصحت:

- أين أنت الآن يا أستاذ سيد لترى القاهرة وهي تجري لا كما كانت وكان العالم يجري قبل نصف قرن من الآن.. حوادث الدهس والموت تحت العجلات تسهم في تنظيم نسل أولئك الفقراء الذين لا يجدون ما يركبون سوى أقدامهم، فيتعرضون للموت تحت عجلات المراهقين والطائشين من أبناء الخسة والدلال.

قلت لصاحبي:

- ننظم وقتنا الآن.. بحيث أحقق البرنامج الذي جئت من أجله، وهو كذا وكذا وكذا، ثم أطلع، بعده، على بعض الآثار والمساجد والأحياء الشعبية التي تحدّث عنها نجيب محفوظ في رواياته.

وكان ذلك.. ولكن اعترضتنا مشكلة التنقلات، فإذا استخدمنا التاكسي، لم نستطع فعل شيء، لتباعد المسافات بين من سوف نزور، وإذا فكّرنا في استخدام التاكسي، فإن صاحبي يعتذر ويقول:

"لا أستطيع أن أدفع أجور التاكسي، ولا أرضى أن تدفع عني، أو يدفع عنّا من جئت بأمر منه".

وكادت تفشل الرحلة بسبب ورع صاحبي، وهو تقي ورع بل هو شديد الورع والتعفّف، وهذه أمور مبدئية عنده لا يمكن أن يتنازل عنها، وبها لا نستطيع فعل شيء ذي بال.

ولكنّ الله سلّم..

ذهبنا إلى مجلة الدعوة في حيّ السيدة زينب، رضي الله عنها، والتقينا هناك رئيس التحرير الأستاذ الكبير عمر التلمساني، رحمه الله، وكانت جلسة طيبة تفسدها علينا المكالمات التي تأتيه من كل مكان، فهذا يريده أن يحاضر في المنصورة، وذاك يدعوه إلى حفل في الإسكندرية، وثالث ضابط كبير برتبة لواء يريد موعداً يستفهم به عن بعض القضايا الحقوقية في الشريعة الإسلامية، ويعلّق الأستاذ الكبير، وهو سمّاعة الهاتف في مكانها: "ابن.. قال يريد أن يسألني بعض الأسئلة في أطروحته للدكتوراه، وهو يضع يريد أشياء أخرى.." يظنني مغفّلاً لا أعرف أن سيّده هو الذي بعثه إليّ.

قلت للأستاذ الكبير:

- لقد ظهرت بعدكم أجيال، وهم في العلم، ومن الوعي بحيث يستطيعون أن يحلّوا محلّكم، فلماذا لا تكلّفون هؤلاء الأساتذة بكثير من الأعباء التي تنوء بحملها أجسامكم المتعبة، وتضيق عن استيعابها أوقاتكم المزدحمة بالأعمال؟

قال في ألم:

- يا ليتهم يرضون.. إنهم يصرّون على حضوري، وأعتذر فيزداد إصرارهم.

- هذا لا يجوز.. تعطون أوامركم، وتعوّدونهم على تنفيذها, تدربون الأجيال التي تلت الجيل الذي تلا جيلكم، للاضطلاع بهذه القضايا.

ثم رجوته ألا يجيب على المكالمات، فأمر الأخ السكرتير ألاّ يحوّل إليه أي مكالمة، وألا يسمح بدخول أحد علينا، فأنا لا أستطيع البقاء معه طويلاً لارتباطي بموعد آخر، ولا أريد أن أثقل عليه بموعد آخر، فقد كانت صحته لا تساعده على صعود الدرج، ولا على المشي.

وفيما كنّا في هذا، قُرع الباب، ودخل الأخ الكبير الحبيب الشهيد كمال الدين السنانيري، وابتساماته العذبة، وكلماته الضاحكة تسبقه، فاحلولى الجوّ، وطاب الحديث، وحلّ بعض الإشكالات التي كنت أشكو منها.

وفيما نحن في هذا الجوّ الجميل، قُرع الباب، ثم فُتح على قامة مديدة، ودخل شاب زاده الله بسطة في الجسم، وفيه وسامة تحبّبه للنفس، وهبّ الأستاذ كمال قائماً، فقمت وصاحبي لقيامه، وعرّفنا إليه أستاذنا السنانيري بقوله:

- باركوا للعريس، فقد جاء من شهر العسل.

باركنا للعريس، ثم قدّمت نفسي بذكر اسمي واسم صاحبي، فردّ الأستاذ السنانيري:

- وهذا العريس هو الأستاذ الصحفي الصاعد بقوة: محمد عبد القدوس.

سألته:

- هل تقرب إحسان عبد القدوس؟

أجاب الأستاذ كمال بمرح:

- إنه والده، والست روز اليوسف جدّته. وقد تزوج بنت أخينا الشيخ محمد الغزالي، وجاء من شهر العسل.. أمس.

فغمغمتُ: يخرج الحيّ من الميت.

اكتفى العريس بالسلام، ثم ودّعنا وانصرف، فرفعت صوتي قليلاً: يخرج الحيّ من الميت.

دعوت الأستاذين الكبيرين إلى سهرة مع بعض شبابنا، فاعتذر الأستاذ عمر، وقبل الأستاذ كمال بشرط أن نقدّم له عشاء حلبياً وقال:

- أنا أعرف الأكلات الحلبيات.. أعرف الكبب الحلبية، والكباب الحلبي، والمحاشي الحلبية.

قلت: هل يعني هذا أننا سوف نقدّم الكبب والمحاشي والكباب فقط على العشاء؟

قال، وابتسامة عريضة تملأ وجهه الوضيء:

- ليس على الكريم حرج.

وتعشينا عشاء حلبياً رائعاً من يد كريمة صناع، ثم جيء بالشاي الحلبي المعتّق، فاعتذر الأستاذ كمال، فسألته:

- هل يورّقك؟

- لا.

- هل منعك الطبيب من شرب الشاي؟

- لا

- ألا تحبّه.

- أموت فيه.

- إذن.. لماذا لا تشرب؟

فاعتدل الأستاذ كمال في جلسته وقال:

ذات يوم أمرنا الإمام الشهيد رحمه الله بألا نكثر من شرب الشاي والقهوة، فاستنكرت هذا في نفسي وقلت: لا يجوز للأستاذ أن يتدخل في مثل هذه القضايا الشخصية، ولكنني التزمت بالأمر، وكدت أمتنع عن شرب الشاي الذي أحبّه كثيراً.. ثم جاءت المحنة على يد النقراشي ثم إبراهيم عبد الهادي، ورأيت بعض الشباب المغرمين بالشاي يكاد بعضهم ينهار من أجل كأس شاي، فآليت على نفسي منذ تلك اللحظة، ألاّ أذوق الشاي ما حييت، وفهمت حكمة الإمام في هذا الأمر: لا تكن عبداً لعادة.

كانت الجلسة مع هذا الشيخ الرائع رائعة، سألناه وأثقلنا عليه في الأسئلة، وكان يجيب بعفوية وصراحة، وأفدنا منه علماً ومعلومات وسلوكيات، وما تزال كلماته، ونكاته اللطيفة حيّة في النفس، وقد سجّلتها في غير هذا المجال.

*    *    *

فيما كنت وصاحبي نتجول في (خان الخليلي) شاهدنا جمعاً غفيراً من الناس الذين وصفهم محفوظ فأحسن وصفهم، فسألت صاحبي:

- هل هي مظاهرة؟

أجاب:

- المظاهرات قُضي عليها من أيام عبد الناصر.

- إذن.. ما هذه الحشود؟

قال: ربّما كان هناك قرّاد يلاعب قرده.

قلت: وتجتمع عليه كل هذه الجموع؟ أريد أن أراه لأتأكد بنفسي، لأمر خطر ببالي الآن.

تقدمنا نحو تلك الجموع، وإذا الأمر كما قال صاحبي.. قرّاد يلاعب قردين، ومئات من الناس (يتفرجون) في سعادة أو سرور. فقلت:

- سبحان الله.. ما أصدقك يا دكتور مرسي.

سأل صاحبي:

- من هو الدكتور مرسي؟

قلت:

- كان طبيباً مصرياً جيء به إلى بلدتي (إعزاز) وكان من الذين يكتمون إخوانيته، وكنا – كما تعلم - نتخوّف من أيّ مصري، سواء أكان معلماً، أم ضابطاً، أم طبيباً.. كلهم كانوا عندنا متهمين، وهذا ما أساء إلى الوحدة بين مصر وسورية، واستغل الانفصاليون كراهية السلوك الناصري المباحثي، وقاموا بالانفصال، ولقوا تأييداً شعبياً، مع أن الشعب السوري شعب يعشق الوحدة، ويضحي من أجلها، إلا الكرامة، فقد كان.. كان يملك كرامة وشموخاً كالجبال، ويأبى المهانة والهوان... يا حسرةً عليه من شعب أبيِّ ديست كرامته!.

قال صاحبي:

- ما قلتَه أعرفه.. أريد أن أعرف حكاية الدكتور مرسي.

قلت:

- كان الدكتور مرسي على خلق ودين، وزوجته أخت كريمة محجّبة، وكنت أحاول أن أستوثق من صدق انتمائه إلى الإخوان، وبُعده عن مباحث عبد الناصر، بأحاديث جانبية، وأسئلة تنمّ عن براءة وسذاجة، فقلت له مرة، وأنا أشير إلى جريدة الأخبار التي كانت عنده، وفيها عبد الناصر يخطب، وآلاف مؤلفة من الجماهير تقف تحت قدميه، تهتف له. قلت للدكتور مرسي:

- يبدو أن الشعب المصري يعبد عبد الناصر.

فسألني:

- وكيف عرفت هذا؟

قلت:

- من هذه الجماهير.. انظر إلى هذه الألوف...

فقاطعني:

- وهل تظن مصر مثل إعزاز أو حلب؟ في الدُّقي، والسيدة، وباب اللوق، وخان الخليلي، وغيرها من الأحياء الشعبية، يأتي قرّاد ومعه قرد أو قردان يرقصهما، فتجتمع عليه ألوف كالتي تراها.

فقال صاحبي معقباً:

- يا سبحان الله.. كلام قيل لك قبل سبعة عشر عاماً تراه مجسّداً أمامك الآن. ما أشبه الليلة بالبارحة!.

*  *  *

قلت لصاحبي:

- يجب أن نؤكد الحجز إلى دمشق.

وفي مكتب الخطوط الجوية قدّمت البطاقة للموظف، فنظر إليها، ثم نظر إليّ وقال:

- أين بطاقة العودة؟ إنها منزوعة.

حكيت له ما جرى معي في مطار دمشق، فقال:

- لعل الست الموظفة أرادت أن تغيظك بهذا التصرف.

وتناول سماعة الهاتف، وتلفن إلى جهة لا أعرفها، ثم طلب منا أن ننتظر الجواب قليلاً.

بعد دقائق، جاءني الجواب بأن بطاقة العودة موجودة في مطار دمشق. فطلب منهم أن يرسلوها فوراً مع أول طيارة، واعتذر منا، وطلب أن نراجعه بعد يومين.

جئنا بعد يومين، فقال: لم يرسلوها.. تفضلوا استريحوا. وتلفن لجهة ما، ثم قال لنا:

- البطاقة ما تزال في المطار. تفضلوا غداً.

- في صباح اليوم التالي زارني صاحبي، والسرور بادٍ في وجهه وقال:

- أبشرْ.. الأمور ميسّرة بإذن الله، وسوف نحجز اليوم وتستلم البطاقة إن شاء الله.

- كيف؟ من قال لك هذا؟

كنت قلقاً، فقد جئت في العطلة الانتصافية التي أشرفت على الانتهاء، وأخشى من التخلف عن مدرستي.

قال أبو محمد:

- رأيت الليلة والدي في المنام، وصلَّى بنا في جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه، وما من مشكلة تعترضني، وأرى خلالها الوالد في المنام، إلا وتُحلّ بإذن الله. فأبشرْ.

- انطلقنا في العاشرة صباحاً إلى مكتب الخطوط الجوية، فلم نرَ الموظف الذي كان يتابع البطاقة، ورأينا مكانه موظفة قد علّقت صليباً على صدرها، نظرت إلينا في ابتسام، وقالت:

- تفضلوا..

فأما صاحبي فخرج مسرعاً من المكتب، وأما أنا فجلست على الكرسي الذي كنت أجلس عليه في كل مرة، وسألت الموظفة:

- أين ذهب سيدنا الشيخ؟

- خرج يتمشّى قليلاً، ثم يعود.

وقصصت عليها قصة البطاقة، فرفعت سماعة الهاتف، وتكلمت ثم قالت في أسف:

- لم يرسلوا البطاقة من دمشق.

قلت: لا بأس.. نقطع بطاقة عودة جديدة.

قالت: عندي حل.. سوف نقطع بطاقة من هنا، وتدفع جنيهاً تأخذه من مكتبنا في دمشق.. ما رأيك؟

قلت في فرح:

- اقطعيها أرجوك، إكراماً للشيخ محمد.

ونظرتُ تجاه باب المكتب، فرأيتُ أبا محمد يسترق إليّ النظر، فأشرت إليه أن يأتي، فأبى، وأنهت الموظفة الكريمة البطاقة، وأكّدت الحجز، ومدّت يدها بها إليّ، وهي تعتذر عما حصل، وترجوني أن أردّ الجنيه إلى جيبي، وحمّلتني سلامها إلى الشيخ أبي محمد، وأسرعتُ إلى صاحبي الذي كان متجهّم الوجه، مقطّب الجبين، وبادرني بقوله:

- هذه أول مرة أرى فيها الوالد في المنام، ولا تُقضى حاجتي.

قلت له في فرح:

- ولكنها قُضيتْ..

فأقبل نحوي فرحاً وقال:

- صحيح؟ كيف؟

وأريته البطاقة، وقصصت عليه ما كان، وبلغته سلام الست، فحمد الله الذي لم يخيّب رجاءه هذه المرة أيضاً.

*    *    *

اضطررت لاستدانة خمسين جنيهاً من صاحبي، وقلت له:

- سوف أرسلها إليك مع الطيار فؤاد إن شاء الله.

- إن شاء الله.

ثم استدرك صاحبي قائلاً:

- لا.. لا يجوز.. فهو ليس موظفاً عندنا حتى يحملها لنا.. إنه موظف عند الدولة.

- ولكنَّ حمله هذا المبلغ لن يؤثر على وظيفته، ولا على عمله.

قال بصرامة:

- لا يجوز يعني لا يجوز شرعاً.

وفي يوم السفر، جاء صاحبي إلى الفندق، وبعد أن دفعتُ الحساب، أخرج صاحبي عشرة قروش من جيبه، وأعطاها للمحاسب وهو يقول له:

- أنا لست نزيلاً عندكم.. كنت أزور أخي هذا مرة، واستخدمت الحمام، وهذه القروش لذلك الاستخدام.

فانفجر المحاسب ضاحكاً، وأخذ القروش وقبّلها ووضعها على رأسه، ودموعه تغسل خديه وهو يقول في تأثّر ظاهر:

- سآخذها منك للبركة يا سيدنا الشيخ.

وخرجنا من الفندق، والمحاسب في حال غريبة لتصرّف صاحبي معه. وعندما وصلنا إلى المطار، شاهدنا الطيار فؤاداً خارجاً منه، ولما رآنا أسرع إلينا مسلّماً، فقلت له:

- هل معك خمسون جنيهاً؟

فأخرج من جيبه المبلغ.. أخذتُه وقدّمته لصاحبي وقلت له كما يقول الإخوة المصريون:

- ينفع؟

قال: ينفع.

ركبت الطائرة عائداً إلى بلدي، وفي النفس ما فيها من هذه الرحلة.. عدت أحكي لزوجتي وأصدقائي ما شاهدت في مصر، أمّ الدنيا.. أحدّثهم عن مكتباتها، وعن أعياد مولد سيدنا الحسين رضي الله عنه، عن المتناقضات التي تطالعها في اللحظة الواحدة، عن التدين الممزوج بالمنكرات، المغلَّف بالشعوذة والأوهام.. عن قلعة محمد علي، عن ذبحه للمماليك.. عن الأحياء المكتظة بالناس.. عن طيبة أهل مصر.. عن مناظر الصعايدة كما نراها في الأفلام.. عن الباصات واكتظاظ الناس فيها، عن المترو، عن البؤس والفقر من جهة، والغنى الفاحش من جهة أخرى.. عن الخوف المزروع في نفوس الناس من مباحث عبد الناصر الذي مات قبل سبع سنين، ولكن شبحه وأشباح مباحثه ما تزال في قلوب الناس.. عن أمّ الدنيا.. بما فيها من صالحين وطالحين.. عرفت هذا خلال الأيام الخمسة عشر التي أمضيتها في القاهرة، واستمعت فيها لكثيرين، وشاهدت الكثير.. حدّثتهم عن الخطيب الأعجوبة الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله, وعن السيدة المجاهدة زينب الغزالي، حفظها الله وشفاها وعافاها، وعن حزن الناس على كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، حتى بلغ الحزن بخطيب المسجد الذي صلينا فيه صلاة الجمعة. أن يذكرها في خطبته بأسلوب مؤثر بكى فيه وأبكى، ويعتب على الذين يقولون "الست ح تخش جهنم" وقال "الست حتخش الجنة، الست حتخش الجنة، الست حتخش الجنة".

حدثتهم عن لقاءاتي مع مشايخنا الكبار: التلمساني، والسنانيري، والملط، وعن نجل الإمام الشهيد سيف الإسلام البنا، ومحمد عبد القدوس، وزينب الغزالي، وسواهم من الأحرار الأبرار الأطهار، عن الشعب المصري الذي يرجى منه كل خير، فهو شعب عربي مسلم أصيل، وفيه خير كثير.. فيه خير كثير..