الشيخ الداعية عبد الرزاق خالد البيطار

( 1939- 2017م )

clip_image002_e30b1.jpg

هو الشيخ الداعية عبد الرزاق خالد البيطار ذلك العالم الحمصي الذي جاهد، فصبر، واغترب، وأعطي، فشكر، وبقي صامداً شامخاً لا تزعزع يقينه نوائب الدهر، ..عاش الشيخ عزيزاً، ومات حميداً، فحزن عليه جميع من عرفه، كان الورع صفة أصيلة في طبع الشيخ الجليل حيث صرح أنه لا يريد العودة إلى سورية لكي لا يحرم من أجر الغربة، فمات غريباً في الأردن، وقد ورد في الأثر أن (الغريب شهيد)، فنرجو الله أن يتقبل شهادته، وصبره وجهاده ، ولعل من أبرز صفات الشيخ الراحل – رحمه الله - الصمت مع التفكر ، فهو لا يتكلم إلا في الخير والدعوة والعلم ، يكره الغيبة، ويمتاز بحسن الظن، ...رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته، وفي هذه الصفحات القليلة لا يسعنا إلا نعرّف الأحباب بسيرة ذلك العالم الرباني، شذرات قصيرة، ونقطة من بحر، وما لا يدرك كله لا يترك جلّه، فمن هو الداعية عبد الرزاق خالد البيطار! وما هي سيرته! وما هي أخلاقه، وصفاته، وسجاياه الحميدة !! .

المولد والنشأة :

 ولد الشيخ الداعية أبو جابر عبد الرزاق خالد كمال البيطار في مدينة حمص في وسط سورية عام 1939م، ونشأ يتيماً في كنف عائلة مسلمة متدينة، توفي والده خالد كمال البيطار، وهو صغير، فقامت على رعايته وتربيته أمه السيدة (زهرية عبد السلام الأبرش) التي تعلمت قراءة القرآن في الكتاتيب، وقرأت الشعر والنثر، وتفرغت لتربية أولادها الأيتام الخمسة، وكانت مدرسة في الصبر والأخلاق والالتزام، أرضعت أولادها الحب والحنان مع حليب الأمهات منذ نعومة الأظافر، توفيت في الأردن عام 1998م رحمها الله تعالى، وترعرع الشيخ عبد الرزاق بين إخوته (كمال خالد البيطار) الذي يكبره في العمر، وما زال على قيد الحياة، ويقيم في جدة في الحجاز، والشيخ الشاعر محمد خالد البيطار الذي توفي قبل شهرين، وكان له ثلاثة أخوات مسلمات عفيفات ...وسميت عائلة البيطار نسبة إلى المهنة التي تقوم على خدمة الخيول، وصنع الأحذية لها .

دراسته، ومراحل تعليمه :

 درس الشيخ (عبد الرزاق) في مدارس حمص المرحلة الابتدائية، وحصل على الشهادة المتوسطة عام ١٩٥٨م 0

ثم حصل على شهادة الدراسة الثانوية الشرعية عام ١٩٥٩م 0

وفي عام ١٩٦١ م حصل على شهادة أهلية التعليم الابتدائي .

وتابع تعليمه العالي ليمنح درجة الليسانس في الشريعة عام ١٩٦٥ م 0

وأكمل تعليمه إلى أن حصل على درجة الدبلوم العامة في التربية عام ١٩٦٧م 0

أعماله والوظائف التي تقلدها :

 ابتدأ الشيخ عبد الرزاق البيطار عمله في التدريس عام ١٩٦٢ حيث عينته مديرية التربية مدرساً لمادة التربية الإسلامية في مدارس القامشلي، ثم انتقل؛ ليعمل مدارس حمص الابتدائية، والثانوية، وكذلك قام بالتدريس في مدارس اللاذقية، وكان يكمل – في نفس الوقت - دراسته الجامعية العلمية بالتزامن مع عمله بالتدريس .

 وظل يعمل مدرساً في ثانويات حمص إلى أن غادرها عام ١٩٨١م 0

سجن عام ١٩٧٩ م في سجون الطغاة؛ لأسباب سياسية .

 وعندما خرج من السجن غادر سورية في ثمانينات القرن الماضي إلى الأردن، وبقي فيها إلى وفاته.

كان يؤمن - رحمه الله - بالعمل والفعل أكثر من الكتابة والتأليف.

 تتلمذ على يديه الكثير من أبناء الجماعة 00 وغيرهم ... وتعلموا منه الفقه، والحديث، والمواريث، والتلاوة والتجويد.

 وكان - رحمه الله- مرجعاً في اللغة، والنحو، والبلاغة، والشعر، والعروض ...الخ. وبالرغم من ذلك لم يكن ينظم الشعر .

 كما أنه لم يكن يكتب، أو يؤلف ... لرأي عنده وقناعة احتفظ بها لنفسه. وليس لعدم قدرة أو عجز عن الكتابة ، فـتأليف الرجال خير من تأليف الكتب.

-انتسب إلى جماعة الإخوان في سورية منذ بداية حياته..؛ لقناعته بفكر الجماعة الوسطي المعتدل، وإيمانًا منه بأهمية العمل الجماعي.

وتنقل في المناصب الإدارية المختلفة .

-كان الأستاذ عبد الرزاق البيطار شافعي المذهب، أشعري العقيدة.. عالماً عارفاً بالمذاهب الأخرى .

ولم يكن يلفق بين المذاهب ملتزماً بالمذهب الشافعي .

 عرضت عليه العديد من المناصب . 0 وجاءت إليه العديد من الفرص للعمل خارج الأردن حيث الحالة الاجتماعية الأفضل . فلم يذهب إليها؛ ليبقى في دار الهجرة الأولى.

كان زاهداً في الدنيا وورعاً بحق.

-كان كثيراً ما يردد عند انطلاق الثورة السورية.

أنا لا أريد العودة إلى سورية . . فلا أريد أن أضيع أجر الهجرة في سبيل الله .

 وقد كان له ذلك حيث توفي في المهجر.

أخلاقه، وصفاته :

 يصف ولده (د. عبد السلام) أخلاقه، فيقول : ( لا أذكر أنه ترك صلاة الفجر في المسجد منذ / 37 / سنة .. فقد كان يذهب قبل الأذان بزمن لا بأس به إلى المسجد، يتهجد ، ويأخذ الأوراد حتى صلاة الضحى .

ويمكث ما بين المغرب والعشاء .

وكان يصوم الاثنين والخميس في أكثر أيام السنة .

ويصلي قيام الليل والضحى، ولا أذكر أنه ترك ركعتي الأوابين بعد المغرب .

كان كثير الاستغفار والذكر، ويحافظ على الأذكار صباحاً ومساء 0

وكان شديد الكرم، عزيز النفس، يسارع في تقديم المساعدات الغذائية لإخوانه .يتعاطف مع أهله في (حمص)، ولا ينسى من معروف الآخرين حيث كان يقدم الخير للجميع .

-ولا يذكر أنه ضحك بصوت مرتفع مطلقاً، فكان لا يزيد على التبسم، قليل الكلام إلا في الدعوة والتدريس .

-أحواله الاجتماعية :

 تزوج فضيلة الشيخ عبد الرزاق خالد البيطار من امرأة تحمل شهادة جامعية بالشريعة، داعية، ومربية، وموجهة خرجت معه، ولازمته هجرته حتى توفي - رحمه الله- .

 وأنجبت له خمسة أولاد . ثلاثة ذكور، وابنتان، هم : المحاسب جابر وبه كنيته، والأستاذ د0 عبد السلام، والمهندس رائد ، وبشرى، وزلفى، 00 جميعهم أكملوا دراستهم، وحصلوا على شهادات جامعية 0

وانطفأ المصباح :

 انتقل الأستاذ عبد الرزاق خالد البيطار " أبو جابر" إلى جوار ربه فجر يوم الأربعاء 13-12-2017، في مدينة عمان - الأردن.

 وأقيمت على روحه صلاة الجنازة في مسجد حي نزال الكبير بعد صلاة عصر الأربعاء، وشيع إلى مقبرة سحاب في مدينة عمان عاصمة الأردن.

أصداء الرحيل : clip_image004_41d5b.jpg

 كان لرحيل الشيخ عبد الرزاق خالد البيطار وقع أليم على قلوب أهله وإخوانه ومحبيه، حيث نعاه ورثاه العديد منهم: جماعة الإخوان في سورية، ورابطة العلماء السوريين، والأستاذ زهير سالم، وكذلك الأستاذ محمد عادل فارس، والأخ أبو جعفر الشحيل، والشاعر عامر زرده، ...وغيرهم .

1-            نعي الأخ عبد الرزاق خالد البيطار :

 ( تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية، بمزيد من الرضا والتسليم لقضاء الله تعالى وقدره، الأخ المربي، والداعية الفقيه، عبد الرزاق خالد البيطار “أبو جابر”، الذي توفاه الله تعالى فجر اليوم الأربعاء، في مدينة عمّان بالمملكة الأردنية الهاشمية، عن تسعة وسبعين عاما.

 وُلدَ الفقيد عام 1938م، في مدينة حمص، لأسرة معروفة بالتدين والالتزام، ونال فيها الثانوية العامة والشرعية، وتخرّج من كلية الشريعة في جامعة دمشق، ثم حصل على الدبلوم العام في التربية، وكان يدرّس في مدارس حمص وثانوياتها .

 انتسب الفقيد لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، في المراحل الأولى من شبابه، حيث كان واحداً من علمائها، الذين جمعوا إلى علم الكتاب حمل اللواء في الميدان، متحمّلين عبء الموقف وتبعاته، فكان ممّن لوحق وهُجّر فتحمّل في سبيل الله ما يزين دائماً العلماء الصادقين.

 كان الأخ أبو جابر من العاملين الدعاة إلى الله على بصيرة، فربى أجيالاً من شباب المسلمين على الفقه مقرونا بالحكمة والبصيرة، فيسدّ الطريق على دعاة الغلو والانبتات.

 وفي إطار العمل العام كان “أبو جابر” أنموذجاً للمسلم العالم المنصف القوام بالحق على أمور إخوانه، فكان يجمع إلى العلم والحكمة النبل والسمو والحرص على الحق والعدل والإنصاف.

 نسأل الله تعالى أن يتغمّد فقيدنا بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم لدينه ودعوته وأمّته.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

جماعة الإخوان المسلمين في سورية

المكتب الإعلامي

25 ربيع الأول، 1439ه / الموافق 13/12/2017م.

2-            في وداع الراحلين، الأخ عبد الرزاق البيطار أبو جابر في ذمة الله :

 كتب الأستاذ ( زهير سالم ) مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية يرثي الراحل الكريم، فيقول :

( توفي في عمان صباح اليوم الأربعاء 25 / ربيع الأول / 1439 هـ، الأخ الداعية الفقيه التزاماً وعلماً وسمتاً الأخ أبو جابر عبد الرزاق البيطار .

 من مواليد حمص العدية مدينة سيدنا خالد بن الوليد ..

 تعرفت على الأخ الداعية الفقيه أبي جابر مخالطاً سنين طويلة في رحاب جماعة الإخوان المسلمين .

 كان الأخ أبو جابر -رحمه الله- واحداً من علماء هذه الجماعة، الذين جمعوا إلى علم الكتاب حمل اللواء في الميدان، متحملين عبء الموقف وتبعاته، فكان ممن لوحق، وهجر، فتحمل في سبيل الله ما يزين دائماً العلماء الصادقين .

 كان الأخ أبو جابر من العاملين الدعاة إلى الله على بصيرة، فربى أجيالاً من شباب المسلمين على الفقه مقروناً بالحكمة والبصيرة، فيسد الطريق على دعاة الغلو والانبتات.

 وعاشرتُ الأخ أبا جابر -رحمه الله تعالى- سنوات في إطار العمل العام، فكان أنموذجاً للمسلم العالم المنصف القوام بالحق على أمور إخوانه، فكان يجمع إلى العلم والحكمة النبل والسمو والحرص على الحق والعدل والإنصاف ..

 وما كان لمثلي على ضعفي أن يشهد لمثل الأخ أبي جابر رحمه الله، في فقهه ومكانته وسموه ، ولكنه أمر الله أن يمضوا، ونبقى، ويصبح الحق على من بقي أن يذكر بعض مآثر من مضى..

 رحم الله الأخ أبا جابر ، وتقبل منه جهده وجهاده وصبره وثباته ورفعه في الصالحين .

 وأتقدم بأحرّ مشاعر العزاء لأنجال الفقيد وإخوانه على درب الدعوة الطويل .

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله ..

وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

25 / ربيع الأول / 1439 – 13 / 12 / 2017م .....) .

3-            رابطة العلماء السوريين :

 تنعى (رابطة العلماء السوريين) الأستاذ الشيخ (عبد الرزاق البيطار) الذي توفي في عمان صباح أمس الأربعاء 25 من ربيع الأول / 1439ه ، وهو من مواليد حمص العدية مدينة سيدنا خالد بن الوليد ..

 كان - رحمه الله تعالى - أنموذجاً للمسلم العالم المنصف القوام بالحق على أمور إخوانه، فكان يجمع إلى العلم والحكمة النبل والسمو والحرص على الحق والعدل والإنصاف.

 رحم الله الشيخ أبا جابر، وتقبل منه جهده وجهاده وصبره وثباته ورفعه في الصالحين .

 وتتقدم الرابطة بأصدق مشاعر العزاء لأنجال الفقيد وإخوانه على درب العلم والدعوة .

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

4-            رحم الله أخي أبا جابر :

وكتب الأستاذ (محمد عادل فارس) يقول :

 ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم لا تسَعُون الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسْط الوجه وحسن الخُلُق". حديث حسن، أخرجه البزار وغيره.

 والذين يعرفون أجواء المعتقلات، وما يلازمها من صنوف القهر والتضييق والحرمان... تمارسها السلطة الحاكمة في سورية، وما تضُمّه مجموعة المعتقلين من مستويات متباينة، ممن تربّوا في أحضان الدعوة ونضجوا فيها، وممن هم حديثو عهد بمثل هذه التربية، وممن اعتقلوا لمجرد أن بعض أهليهم كانوا إسلاميين... الذين يعرفون هذه الأجواء يعلمون أنها لا تخلو من تذمّر، ومن مضايقات، ومن مشاحنات... وهي تحتاج إلى الأخ المربي الحكيم الذي يَسَع هؤلاء المعتقلين جميعاً، ويؤلّف بينهم، ويقودهم قيادة حسنة، تخفّف عنهم آلام السجن، بل تحوّل حياتهم إلى واحة ظليلة من الحب في الله، والألفة والتعاون، وتجعلها حافلة بكل ما يرضي الله عز وجل، ويربط القلوب، وينمّي القدرات...

 ولقد كان الشيخ أبو جابر هو ذلك المربي الحكيم، بما حَبَاه الله عز وجل من صفاء في النفس، وذكاء في الفكر، وغزارة في العلم، ودماثة في الطبع والخلق... ، قد تمكّن من جعل المهجع، ميداناً للعبادة والعلم والأنشطة الهادفة، من تنظيم لصلاة الجماعة، وإلقاء الدروس والمواعظ، وفتح المجال لتشكيل مجموعات تستوعب المواهب والميول، فهذه مجموعة تتوافق على صيام سيدنا داود عليه السلام، الذي كان "يصوم يوماً ويفطر يوماً" [كما في صحيحي البخاري ومسلم]، وتلك مجموعة تتوافق على حفظ بعض السور القرآنية وتفسيرها، أو حفظ مجموعة من الأحاديث النبوية، وأخرى تتوافق على دراسة بعض العلوم الشرعية كالفقه وأصوله وعلوم الحديث... بل هناك من يُلْقُون محاضرات في موضوعات شتى، طبيّة أو هندسية أو غيرها...

 وزيادة على ذلك تُقام ندوات في المهجع، يخصّص كل منها لموضوع يشغل الأذهان ويحتاج إلى بيان، وكانت تثار بعض المسائل التي تحتاج إلى معرفة حكم الشرع فيها، فتشكّل لجنة للفتوى. ولا عجب في ذلك كله، ففي المهجع عدد من علماء الشريعة، ومن الأطباء والمهندسين والمدرّسين وغيرهم. وكان ذلك كله بإشراف الأخ أبي جابر وتوجيهه وإدارته الحكيمة.

 وفي هذا السجن تعلمتُ منه، فيما تعلّمت، طريقة نطق الإخفاء الشفوي التي ينقلها عن الشيخ الكبير عبد العزيز عيون السود رحمه الله. ولقد استغربت هذه الطريقة ثم اقتنعت بها، ووجدت في تطبيقها صعوبة، ثم سهّلها الله عليّ.

 ومن خلال ما ذكرتُ آنفاً عن أجواء السجن، ومما لم أذكره كذلك، من المتوقع أن تمرّ كل يوم بعض مشكلات تتعلق بتنظيم خدمات المهجع، أو بتنظيم ساعات النوم واليقظة، والخروج إلى "التنفّس"، وشراء بعض الحاجيات... وكان أبو جابر، بقلبه الكبير، وتواضعه العفوي، وابتسامته الحلوة، وأدبه الجمّ... يحلّ كل مشكلة، ويشيع السرور والسعادة في قلوبنا.

 وقيّض الله أن ألتقي الشيخ أبا جابر بعد السجن كذلك، ولكن في عمّان، فكان نِعمَ الصديق ونعم المعلّم، ولقد حظيتُ باتّباع دورة عنده، بصحبة إخوة آخرين، في علم المواريث، وبذلك تبيّن لي قدرته على الشرح وتبسيط المفاهيم، وتكشّف لي علمه الغزير وعقله الرياضي الذي يمكّنه من التعامل مع الكسور بمقدرة جيدة.

 وإذا كان العلم النافع يرفع مقام صاحبه عند الله، وهو ما امتاز به الشيخ عبد الرزاق البيطار، مصداقاً لقوله تعالى: (يرفعِ الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات). {سورة المجادلة: 11}. وقوله سبحانه: (قل: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). {سورة الزمر: 9}. فإنني أحسب، ولا أزكّي على الله أحداً، أن صديقي وشيخي أبا جابر هو من الذين يشملهم قول الله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا مَن أتى اللهَ بقلب سليم). {سورة الشعراء: 89}.

 اللهمّ تقبّل عبدك أبا جابر في الصالحين، واحشُره تحت لواء نبيّك محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد.

4-دمعة في وداع أخي وشيخي عبد الرزاق خالد البيطار :

ونعاه الأستاذ الأخ (أبو جعفر شحيل) الذي كتب يقول :

 إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أخي أبا جابر لمحزونون

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)

بمزيد من الأسى والحزن ننعى أحد الدعاة المربين إنه :

 الأخ المربي، والداعية المخلص، عبد الرزاق خالد البيطار الذي طواه الموت فجر اليوم الأربعاء الرابع والعشرين من ربيع الأول عام تسعة وثلاثين وأربعمئة وألف الموافق الثالث عشر من كانون الأول عام سبعة عشر وألفين ميلادية في مدينة عمّان في المملكة الأردنية الهاشمية.

 نِعْمَ الأخ المربي أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين السوريين، عن تسعة وسبعين عاماً، قضاها في التربية والدعوة ، وفي العمل مع الجماعة في مناهضة الحكم الأسدي الجائر، مما اضطره - مع الآلاف غيره – لمغادرة الوطن أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، إلى الأردن الذي عاش فيه أكثر من نصف عمره ، مهاجرا إلى الله ، وحادِباً على إخوانه في غربتهم، وداعياً للخير وساعياً فيه.

 * وُلدَ الفقيد عام ثمانية وثلاثين وتسعمئة وألف، في مدينة حمص لأسرة معروفة بالدين * نال الثانوية العامة والشرعية، وتخرّج من كلية الشريعة في جامعة دمشق ، ثم حصل على الدبلوم العام في التربية ، وكان يدرّس في مدارس حمص وثانوياتها .

انتسب الفقيد لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ، في المراحل الأولى من شبابه.

يقول الشاعر :

" المرءُ ما دامَ حَيّاً يُستَهانُ به * * * ويَعظُمُ الرِّزءُ فيه حينَ يُفتَقدُ "

ويقول شاعر آخر :

يُوَدِّعُ غصن العلم بالحزن زهرة و يبقى شذاها في سماء العوالم

قضى عمره بين الدفاتر مشعلاً يضيء بذاك النور درب الأكارم

وغاب عن الأوطان ظلما ً لأنه أبى أن يكون العلم طوعاً لظالم

فيا رحمة الله المؤمل جودها أفيضي عليه اليوم حسن المراحم

فَمَنْ مِثْلَهُ في القلب قد عَزَّ فَقْدُهُ كفى العمر بَلْوى فَقْدُ شيخٍ وعالِمِ

أيها الأخ الحبيب .... طيّب الله ُ ثراك ْ

يا أخا الإسلام ِ والإيمان ِ والدرب ِ الطويل ِ

كيف تتركُني وحيداً لاغترابي ونحيبي ؟!

يا أبا المساكين والمحتاجين رحلتَ، وتركتَ الهمَّ لنا ، الهَمَّ الذي منه نعاني ؟!

*مَنْ عَرفَك كما عَرفتُك، شخصيًا منذ الثمانينيّات من القرن الماضي، وما أَحبَبْتُ أحدًا مِمَّن تَعَرَّفتُ عليهم؛ مثلك ، فقد رأيْتُ أُنموذجاً لرجل هادئ أنيس، صابر، وكم سمعتُ عن صبرك وثباتك في سجن الظالمين.

 نِعْمَ الرَّجلُ أنت من رجالات الحركة الإسلامية، ودعوتها الراشدة : تضحية، وإخلاصاً، وزهداً ، وحرصا على تعليم العلوم الشرعية، فقد عَلّمْتني الفرائض ، والتلاوة ؛ فنعمَ الرّجلُ أنتَ بقدّك الوسيم ومحيّاك البشوش وروحك المرحة، تجذب إليك من يلقاك أو يخالطك

– والله يشهد – أنني كنت أحب الرّجل وأحب الحديث معه وأحب لقاءه الهادئ، بل أشتاق أنْ ألْتَقِيَهُ وأتجاذبُ وإيّاه أطراف الكلام حول هموم الدعوة والوطن، وكنتُ أستمعُ إلى نصائحه الشخصية والعامة ، لأتمثلها ، وأستشيره في أمور كثيرة ؛ فنلتقي كثيرا، ونختلف في بعضها أحياناً، دون أن يغيّر ذلك ممّا بيننا من وِدادٍ، فإنّ ما يربطنا من عناصر المحبّة والأُخوّة في هذه الدّعوة الكريمة فوق كلّ اعتبار.

 ويشهد لك يا أخي وشيخي عارفوك أنّك كنت في كل موقع ، مِثالُ العامل الجادّ والمسؤول الأمين والقائد المنظّم والرّاعي الشّفيق والأخ المتواضع ورئيس القوم الخادم لقومه والدّاعية الدّؤوب.

 وكم تألّمتُ ألماً شديداً، إذ فوجئتُ بما ألمّ به مرضٌ عُقام غيّر من حاله وملامحه وحديثه. وكم كنت من بعدُ ومن قبلُ أهمّ بزيارته في بيته ، لأكتسب بزيارته دفئاً وأزداد بها له وُدّاً، لكنّ كثرة المشاغل – وإن كان هذا ليس عذراً كافياً – كانت تؤخّرني عن ذلك وكنتُ أتواصل معه على الهاتف ، وعندما ازداد مرضه ذاك، كنتُ أطلبُ من أبنائه لأستأذنه بزيارةٍ له أخويّة أبويّة، غير أنّ أولاده ردّوا عليَّ بأنّه في وضعٍ لا يسمح فيه لنا بإمضاء هذه الزّيارة، وقد تشرَّفْتُ بزيارته يوم الجمعة الماضي ، وسلَّمت عليه ودعوتُ له ، ومازحتُه ثم استأذنتُ بإنهاء الزيارة حتى لا أثقل عليه ، إلى أن فُجِعْتُ بخبر وفاته وذلك فجر اليوم الأربعاء فترحّمتُ عليه واسْتَرْجَعتُ

 رحمةُ الله عليكَ يا صاحب الحديث اللطيف يا شيخَ المساكين ، ورمزَ الصابرين، متواضعًا في مشيتك، رزيناً في قولك، حكيمًا في مشورتك، إلْف مألوف، لا تتحدث إلا بخير، نفعنا الله سبحانه بشرف معرفتك

 أبا جابر، فنعم الخِلُّ أنت بل نعم المربي أنت ، فقد كنتَ يا شيخنا مثالاً للصدق والأمانة والوفاء والعطاء رحمك الله وأعلى مقامك

 طيب الله ثراك، وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين، فقد كنت زاهداً ورعاً؛ حَسَنَ المعشر والأخلاق، ودِقَّةَ تعاملاتك

 فأنت من خيرة من عرفتُ منذ سنوات عدة في صفائك وحبك للخير وصدقك في دعوتك وصبرك على الابتلاء وعطفك على الضعفاء ورقة قلبك وحسن توكلك ..كنت رحمك الله مثالاً للمؤمن الذي وقف حياته في سبيل الله خدمة لدينه وأمته 0

 ووفاءً منّي لأخي وشيخي الحبيب عبد الرزاق خالد البيطار - رحمه الله- ها أنا أنعيه، الذي وافاه الأجل فجر اليوم إثر مرضٍ عُضال عانى منه طويلاً ، بعد أن قضى الرّدح الطّويل من عمره المبارك الذي نيّف على الثمانين، في ميادين العلم والتعليم، والدّعوة إلى الله وطاعته.

 وإنّني باسم عائلتي وإخواني أنقل لأهله آل البيطار الأكارم وأولاده وإخوانه وأصهاره ومعارفه وأصحابه أحرّ آيات العزاء، وأسأل الله لهم جميل الصبر والسلوان، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون

 سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّم لدينه ودعوته وأمّته ، ونتقدّم للأولاده : جابر، وعبد السلام، ورائد ، وبشرى، وزلفى، بأرقّ مشاعر التّعزية وأندى كلمات المواساة بوفاته رحمه الله، ونقول لهم : نشاطركم مصابكم الجلل، وهو مصابنا بوفاة الأخ العزيز عبد الرزاق البيطار، ولئن كان أبو جابر مثال الإنسان البَرّ، والدّاعية المخلص والعالم الجليل، إنّ الفضل في ذلك لله ثمّ لدعوة الإخوان التي كان ينتمي إليها، ومن ثمّ لمنبته الطّيب في أسرة البيطار، مصداقاً لقول الشّاعر :

وهَلْ يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إِلاَّ وَشِيْجُهُ وتُغْرَسُ إِلاَّ فِي مَغارِسِها النَّخْلُ

وحقاً، لا ينبت الشيء إلا أصلُه، ولا يطلعه إلا فصلُه

فاللهمّ إن أخانا أبا جابر قد وَفَدَ عليك، فأحسن اللهمّ وِفادَتَه،

 اللهم عوّضه عن هجرته في سبيلك، وعن صبره على مرضه، وعلى بذله وجهده وجهاده في سبيلك ، اللهم عوّضه الفردوس الأعلى، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً

 وأَلْهِمْ أخاه أبا تمام، وزوجه وأولاده ( المحاسب جابر، د. عبد السلام، المهندس رائد، وبناته: بشرى، وزلفى، وأحفاده وجميع آله وذويه، وإخوانه ومحبيه، الصبر الجميل والسلوان

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله

 رحمك الله أخي وشيخي أبا جابر، و جعل الفردوس الأعلى مثواك

اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة

 اللهم اجعل قِراهُ منك الجنة من غير حساب، ولا عتاب، ولا سابقة عذاب. برحمتك يا أرحم الراحمين .

 اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ومِنْ عَذَابِ النَّارِ

 وأنتم يا أبناء شيخي، أُعزّيكم بقوله تعالى : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

وأقول لكم: ثابروا على بِرِّهِ كما عَهِدْناكم بارِّين به في حياته

وآخر دعوانا أَن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسولنا وأُسْوَتِنا محمد وسلَّم تسليما كثيراً.

5-            رثاء الشيخ الجليل :

 وكتب الأستاذ ( عامر زردة ) قصيدة في رثاء أستاذنا المربي عبد الرزاق البيطار ( أبو جابر ) - رحمه الله - والذي عاش ما يقرب من أربعين سنة خارج وطنه فاراً بدينه من كفر آل أسد وإجرامهم، أنزله الله منازل الشهداء :

عقود خمسة ..... كانت قتاما وكان بصبره يعلو الغماما

نحدثه ..... يحدثنا بلطف وبالإحسان يختتم الكلاما

له الأخلاق تسعى في فخار وتلثمه ... .. فيثريها ابتساما

ويفتننا بصبر واتزان فننهل منه حبا واحتراما

لقد أمضى الشيخ الراحل سحابة عمره المبارك في الغربة، كان فيها مثالاً للصبر والثبات، وكان متزناً وقوراً ، ويتابع الشاعر وصف شيخه، فيقول :

فيا لمعلمي والقلب باك وفيه الحزن يضطرم اضطراما

غدوت السمح تعفو عن مسيء وكم نلت المودة والوئاما

لزمت الحق وقافا تقيا لشرع الله تحتكم احتكاما

خدمت الغارمين وكنت شهماً وما أخلفت وعداً والتزاما

أودع ذا التقي لعفو ربي ودمع العين منهمر سجاما

عميد ( ابن الوليد ) الغر سافر إلى الجنات لن تلقى الضراما

وعش في جنة الباري سعيداً وكن للأتقياء غداً إماما

 إن التلميذ المحب لشيخه يرسل الدموع غزيرة على فقده ورحيله، ويثني على خصاله الحميدة، ومن أبرزها السماحة والحب والمودة ، والوقوف عند الحق، والتقى ، والرضى بأحكام الشريعة، ومساعدة الفقراء والمساكين والغارمين، والشهامة والمروءة العالية، وفياً للعهد محافظاً على الوعد، ثم يدعو الشاعر له بدخول الجنة، فهو إمام المتقين - إن شاء الله-، فطوبى له وحسن مآب .

وداعــاً يــا ( أبــا جـــابــر ) :

وكتب الشاعر . أبو الفضل شمسي باشا قصـــيدة رثــاء في الأســـتاذ الشـــيخ عـبـــد الــرزاق البيطـــار (أبو جــابــر ) جاء فيها :

وداعــاً يــا ( أبــا جـــابــر ) وداعـــاً مــا عــدت أعـــرف ُ للنــعـي ســمــاعـا

خبــرٌ يجـلجــل كالـصــواعــق نــــازلٌ والقــلــبُ مــن هــول المصاب ضـياعا

قــد غــادر ( الشــيخ الجليــل) بــلاده ليــزيـــد َ مــن جــرح القـلــوب قلاعــا

قــد مــات في أرض الجــوارِ بــغــربـة ٍ (عمــان)كـانت مــــلــتقــى ووداعـــا

حمــل الــرســالـة َ للأمــام بغبــطــة ٍ والأهــل مــن حــول الـفــقـــيـد دفـــاعـا

خمســـون عــامـاً بالجهــاد تـكــللــت مــا حــاد عـــن درب الجهــــاد ذراعــا

قــد ســار فــي درب الخــلــود ســمـاحــة ً مــن بعــد وأدٍ للخــلاف نــزاعــــا

هــربــاً مــن الطــاغــوت في غــلــواء قــد تــرك وطنــاً زائــلاً ومتـــاعـــا

 لقد جاهد الشيخ عبد الرزاق خمسين سنة ولم يضعف ولم يركع جبينه لغير الله، هرب من بطش طاغية الشام حافظ أسد ، وبقي نجماً متألقاً في بلاد الغربة ، ويدعو الشاعر للراحل الكريم، فيقول :

قــد كــان نجمــاً فــي البــلاد بطــــــــــــــولهـــا وبــعــرضــــــــــــــهــا يـتــحيــن الإقــلاعــــــا

رجل ٌ لــه تبكــي القــلــوب لفـقـــــــــــــــــده يــا رب أتمـم فــي الــقــبــول وداعــــا

يا رب اجـعـــل فــي الجنان فـقــيدنـاً وامـــــــــــــــــــلأ قــلـــوب الكــافــريـن نـــزاعـــا

وأنــا وقــلبــي والـفــؤاد مـــــــــــــــــــــــعــزيــاً وداعـــاً يــا ( أبا جـــابــر ) وداعـــا

المراجع :

1-             رسالة من ولده الدكتور عبد السلام البيطار – بتاريخ يوم الاثنين 25 كانون الأول عام 2017م .

2-             رابطة أدباء الشام - وسوم: العدد 751 .

3-             رابطة العلماء السوريين .

4-             مركز الشرق العربي للدراسات الإستراتيجية – زهير سالم 0

وسوم: العدد 759