الشاعر الوطني الثائر عمر أبو قوس

رجالات سورية

clip_image002_7018a.jpg

ولد الشاعر عمر أبو قوس في مدينة حلب عام 1913م وتوفي عام 1981م. وهو من عائلة عريقة في التصوف منسوبة إلى الطريقة الشاذلية. وأبوه محمد أبو قوس المتوفى عام 1962م كان رجلاً عطاراً، نشأ أميّاً ثمّ ثقف نفسه بنفسه فتعلم القراءة والكتابة، وأكب على المطالعة في أشهر الكتب الفلسفية والاجتماعية والأدبية والصوفية، ولـه عليها تعليقات وحواش كثيرة، وقد نظم الشعر الصوفي وغنّاه له المغنون مراراً من إذاعة حلب، وأنشأ جمعية خيرية ظلت ترعى الفقراء والأيتام قرابة أربعين عاماً سماها "جمعية التضامن الخيري" كان هو رئيسها وكان يعقد في منزله جلسات أدبية وصوفية وكان ابنه عمر يحضرها.

نظم عمر الشعر الموزون وهو في الرابعة عشرة من عمره دون أن يعرف شيئاً عن علم العروض. وتلقى دروسه الابتدائية في "المدرسة العربية الإسلامية" التي كان مديرها عبد القادر الشوّا المعروف بتأجج شعوره القومي، وهذا ما أثر في نفس الشاعر تأثيراً عظيماً، وجعلها تتأجج حماسة للعروبة والإسلام مما يَظهر واضحاً في شعره الوطني والقومي.

انتقل إلى المدرسة العلمانية الفرنسية حيث تعلم اللغة الفرنسية ثمّ طُرد منها مع رفيقين له بسبب قيادتهم مظاهرات الطلاب ضد الفرنسيين المحتلين في ذلك العهد. فانتقل إلى المدرسة الفاروقية، ومنها إلى التجهيز الأولى في حلب حيث أكمل دراسته الثانوية وكان إذ ذاك وهو طالب أحد خطباء "الكتلة الوطنية" ومناضليها الذين كافحوا الاحتلال الفرنسي بزعامة البطل إبراهيم هنانو. ثمّ حصل على البكلوريا السورية عام 1933م.

بعد تخرجه عين معلماً عام 1934م، وظل في مهنة التعليم حتّى عام 1946م.  ثمّ نقل بناء على طلبه من التعليم إلى ملاك وزارة الداخلية فعين مُنشئاً في ديوان محافظة حلب، ثمّ مديراً للمطبوعات والإذاعة، ثمّ مدير ناحية عام 1953م، وظل في هذه الوظيفة حتّى عام 1959م حين سرِّح من الخدمة.

تزوج أبو قوس عام 1950م من سيدة فاضلة هي السيدة سامية برمدا، التي رعته خير رعاية وأعانته بمالها في أعماله الزراعية، ولكنه لم يُرزق منها بولد مما كان له أعظم الأثر في نفس الشاعر ففجّر معين عبقريته بقصائد خالدة, تفيض بالحنين إلى الأولاد, وخاصّة قصيدته "الصورة المسحورة" التي أشاد بها الدكتور كمال زبيدة في مقدمته لديوان عمر.

وفي عام 1954 حتّى عام 1959م اشتغل بالزراعة فخسر فيها كل ما يملك من المال وما تملكهُ زوجته، وركبهُ دين نال منه بلاءً عظيماً وعيشاً ضنكاً، مما انعكس أثره على كثير من شعره فيما بعد.

سافر إلى الكويت في آذار عام 1964م سعياً وراء العمل، ومكث هناك أربعة أشهر تعرَّف من خلالها على بعض شيوخ الكويت ووجهائها، زار أمير الكويت في ذلك الحين الشيخ عبد الله السالم الصباح، ولكنه خرج من كل ذلك صفر اليدين.

عاد إلى حلب حيث يرسل لواعجه وهمومه في قصائد رائعة، متنقلاً بين منزله في حي الأنصاري، وبعض المقاهي المختارة، حيث يجلس غالباً وحده بين كتبه وأوراقه مدخناً نرجيلته التي يؤثرها، وهو يحلم بوفاء دينه وبطفل يبرّد وحشة حياته.

دواوينه:

1 ـ حروف من نار "شعر الجهاد الوطني السوري" مطبعة طبّاخ إخوان ـ حلب ـ ط1 تموز 1946 م.

2 ـ وحي الليل ـ صدر عام 1948 م.

3 ـ العيون الخضر ـ مطبعة الشرق ـ حلب 1936 م ـ نشر وتوزيع مكتبة ربيع.

4 ـ جراح قلب.

5 ـ ديوان عمر أبو قوس "يحتوي المجموعات الشعرية الثلاث: وحي الليل, العيون الخضر, جراح القلب" طبع مكتبة البنقسلي ـ حلب ـ 1970 م ـ 142 صفحة قطع كبير آلة كاتبة ـ قدم له د. كمال زبيدة.

6 ـ بعض أشعاري ـ حلب 1974 م ـ المطبعة الحديثة.

7 ـ هذا طريقنا وهذا قائدنا ـ "نثر سياسي قومي" ـ بالاشتراك مع نديم جلال درويش ـ صدر عام 1959م ـ مطابع دار المنار دمشق وهو (الكتاب الشعبي المبسّط عن الجمهورية العربية المتحدة ونهضتها الحديثة) ويقع في 448 صفحة، وثلث الكتاب عن جمال عبد الناصرـ وما تبقى عن جيش الجمهورية العربية المتحدة، وفيه عرض عام للسياسة الداخلية للجمهوريّة وعرض للمرافق العامة.

عمر أبو قوس في آخر دواوينه "بعض أشعاري" "مرحلة الشعر الاجتماعي"

آخر دواوين عمر أبو قوس صدوراً كان بعنوان "بعض أشعاري"، وقد صدر سنة 1974 في حلب "المطبعة الحديثة".

ويضم هذا الديوان قصائد مختارة من دواوينه السابقة بلغت /36/ قصيدة هذا إلى جانب /14/ قصيدة جديدة, كان قد كتبها في مطلع السبعينيات ومؤرخة في أيلول 1970 إلى أيلول 1973م وهي آخر القصائد التي بين أيدينا للشاعر, ولا نعرف مصير الفترة التي تلت هذا التاريخ إلى أن توفاه الله في سنة 1981م والجدير بالذكر أن الديوان قد صدر بمقدمة للأديب البحاثة الأستاذ حسيب حلوي وهي بعنوان "الشاعر وشعره" وقد جاءت في خمس صفحات, وفيها عرَّف بالشاعر وقرّظ شعره, وأشار إلى أهم قصائده "التي ترتفع بصاحبها إلى مستوى الشعراء العالميين" على حدّ تعبيره, مثل:

"الصورة المسحورة"، و"الصورة المحروقة" و"المركبة" و"هوس" و"جنون" و"حبي" و"الحب والمعاني" و"البعث" و"ربيعي" و"المجذوب" و"شعور وفناء" و"شعور غريب" وبعض قصائده في الحب. وقد ثبّت الشاعر مقطعاً من هذا التقريظ على غلاف الديوان الأمامي.

ومما قاله الباحث في الشاعر" وكان الشاعر لنبوغه في الشعر في سنِّ مبكرة، ووطنيته الملتهبة موضع إعجاب الزعيم السوري المرحوم إبراهيم هنانو وإخوانه أعضاء الكتلة الوطنية في ذلك الحين كالدكتور عبد الرحمن الكيالي وسعد الله الجابري فكانوا يستدعونه وهو بعد طالب دون العشرين من عمره مع صديقه ورفيقه الشاعر عمر أبو ريشة كخطيبين في إثارة الجماهير في الحفلات العامة والتظاهرات الكثيرة التي كانوا يقيمونها مطالبين بالاستقلال ومنددين بالانتداب الفرنسي الذي كان قائماً على سورية في ذلك العهد.

أمّا عن شعره فقال: (يتميز شعر شاعرنا عمر أبو قوس بصدق العاطفة وعنفها وإشراق الديباجة ومتانة الأسلوب الذي يكاد يكون جاهلياً، والإيجاز وطرح فضول القول ودقة الوصف والبراعة في التحليل النفسي والسرد القصصي وروعة التصوير وسمو الخيال وحسْن العرض الفني، مما يجعله بحق من أعظم شعراء العرب قديماً وحديثاً, بل هو في رأينا أشعرهم جميعاً في المفهوم الحديث للشعر مع المحافظة على الأصالة العربية والبيان الناصع).

في آخر قصيدتين كتبهما الشاعر عام 1973م يقول في أولاهما:

عزمت على وصل الحبيبة صبوة ... وكدت ولم أفعل وفاء لحبها

أنزهها والحب   عمّا   يشينها ... وأطلب عنها البعد حباً بقربها

وفي قصيدة "حيرة" وهي القصيدة الثانية فيقول:

أهمّ به حيناً فيمنعني التقى ... وما ألفت نفسي طويلاً ومحتدي

أأفعل ما آبى لزوجي مثله ... وأزعم أني طاهر القلب واليد

لعمري هذا ظلم لا ظلم مثله ... وما هو من طبعي ولا هو مقصدي

وسوم: العدد 763