حسن البنا

الشيخ علي حسب الله

حسن البنا

الإمام الشهيد حسن البنا

الشيخ علي حسب الله

أستاذ الشريعة الإسلامية

بكلية دار العلوم

"في صيف سنة 1927م دخلت مكتبة دار العلوم فوجدتُ الداعية المخلص إلى الله في دعواه الشيخ: (محمد عبد العزيز الخولي) - رحمه الله- ومعه شاب ممن تخرجوا ذلك العام في دار العلوم، وما كاد الشيخ يرد التحية حتى قال: تعال أسرع إن صاحبك هذا "حسن البنا" عُيِّن مدرساً ببلدكم الإسماعيلية وهو غير مستريحٍ لهذا التعيين، فتحدثتُ إليهما حديث المعتز ببلده، وذكرتُ للزميل الكريم ما في طباع أهل تلك البلد من التودد إلى الوافد عليهم، وأنه سيجد فيهم أهلاً بأهل، وإخواناً بإخوان، وقد صادف هذا الكلام هوًى في نفس الشهيد - رحمه الله-، ظهرت آثاره بعد سفره.

جاء الفقيد الإسماعيلية عقب نزاعٍ ديني انقسم فيه المسلمون قسمين:

قسم متمسك بالقديم على علاته، وآخر عاملٌ لإصلاح عقائد الناس وتطهيرها من أدران البدع والخرافات، وظهر الخلاف في مسائل فرعية، كان كل فريق يتمنى أن يسمع من الداعية الجديد ما يؤيد وجهةِ نظره فيها، ولكن (حسن البنا) كانت غايته أسمى وأعمق من أن يُثير خلافاً أو ينصر فريقاً على آخر، كانت غايته أن يُؤلِّف بين القلوب بالمحبة ويوجهها إلى الله، ويعدها للتضحية في سبيل الحق، ويرى أن هذا كفيلٌ برفع أسباب النزاع، فإنَّ النفوس الطاهرة والقلوب الخالصة في منعةٍ من وساوس الشيطان وعوامل الفرقة والخذلان.

وقد كان له ما أراد بالنية الصادقة والإخلاص إلى الله، وإذا كان قد تقدمه من المصلحين في العصر الحديث من كان عمله نظريّاً يبدأ من أعلى أو من الوسط فإن (حسن البنا) رأى أن يبدأ من الأساس الذي بدأ به النبيون دعواتهم، وهو إصلاح العامة والفقراء، فلم يعتمد في بادئ أمره على المال ولا على الأغنياء، ولهذا كان يفضل في دعوته أن يغزو المجالس الشعبية العامة كالمقاهي، وشهدت الإسماعيلية بجهوده انقلاباً هامّاً، فإن ذلك الشباب الذي أعماه الجهل وأضله الفساد الشائع بين الناس، والذي يئس العقلاء من إصلاحه، انقلب شباباً متديناً متحمساً للدين معتزّاً به، وقد فهم لأول مرة وبطريقة عملية أن الدين ليس عبادة في المحراب فقط، بل هو - مع هذا- عمل متواصل قوي لجمع الشمل وتآزر القوى وإعزاز الأمة، وإحلالها المحل اللائق بها، ومن الرعيل الأول أُلفت الجماعة "الإخوان المسلمون" التي كان أول شعار لها ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، وأسمى غايتها ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8) ثم نمت الشجرة وأينعت وآتت ولا تزال تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فبارك الله فيها، ومتَّع غارسها برضوانه، وآنسه بالذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".