الإمام البنا

الأستاذ (عمر بهاء الأميري)

يصف الإمام (البنا)

الإمام الشهيد حسن البنا

سمعت عنه كثيراً، ورأيت له في قلوب محبيه صوراً لامعةً رائعةً، فتراءى لعقلي عملاقُ هُدىً ورأيٍ وحكمةٍ، وتخيلته أمام عينيَّ عملاقاً في جسمه أيضاً، جبَّاراً في قسماته وسماته.

ولما رأيته بين صحبه - أول ما رأيته- ما ظننت أنه هو، ثم قدِمت إليه فتلقَّاني في بشاشةٍ، لا تكلفَ فيها، ورحبَّ بيَ، منساقاً مع فطرة رحبة.

لم أجد له في مشاهدتي صورتَه في مخيلتي.. كان أقرب إلى القِصَر منه إلى الطول، وأدنى إلى الوداعة منه إلى الجبروت.. في صراحته إباء، وفي جرأته إغضاء.

زُرتُه في بيته، فوجدته زاهداً بسيطاً، وأكلتُ على مائدتِه، فوجدتُه فقيراً كريماً، وصحِبتُه في أسفارٍ، فلم أرَ أكثرَ منه أُنساً وإيناساً في مواطِن الراحة، ولا أكثرَ منه فناءً في العمل وقت العمل.

شاهدتُه يتكلم بين أفراد، فلم أجد صوتَه يتطاول على الأصوات، ولاحَ لي أنه أميلُ إلى الإصغاء منه إلى إبداء الآراء، فإذا دخل الحديث طورَ المِراء صمَتَ في إعراضٍ، أو أقبلَ في ابتسام، وهو بين الإشفاق والشفقة؛ حتى إذا انتهى الأمر إلى زبدته، كانت كلمته هي الفاصلة.

وأصغيت إليه، وهو يخاطب ملأه فخيل إليَّ أنه يحاول أن يسكت لسانه، وينطق قلبه بل وكل جوارحه، وإذ ذاك كان يمعن النظر فيمن أمامه وكأنه يحدق في أفق بعيد فينبعث من عيونه شبه نور وهاج، يتصل شعاعاً يجذب القلب.

وسمعته يخاطب الجماهير، فوجدته الطبيب الخبير، يعالج في ثنايا حديثه شؤوناً من صميم حياة المستمعين؛ حتى ليظن أحدهم أنه كوشف بخويصه مشكلته، وأخذ يصفه له الرواد، فإذا آنس أن القوم قد ركنوا إليه، اشتد عليهم في موعظته وجلجل بصيحات الحق، تتخلل حديثه الدفاق، المرصع بآي القرآن، فيضعون أنفسهم منه – دون اختيار – موضع الرعية من الراعي.

وهكذا يبلغ منهم لدعوته ما يريد، وينتهي غير مملول، محبوباً ومرهوباً.