المنشد الإسلامي الكبير الحاج أحمد عمر بربور

( 1928- 2002 م)

clip_image002_3db3b.jpg

هو شيخ المنشدين في سورية؛ والصوت الذي كان أمضى من السيف وأشدّ وقعاً من السنان .. نال شهرة فاق فيها العلماء والشعراء؛ وحظي بمحبة الناس جميعاً، وحكى لي بعض إخوانه أنه حضر حفلة من حفلات البربور في حمص؛ فأطرب الناس؛ وشنّف الآذان .

 وبعد الحفلة التف الشباب حوله؛ وحملوا سيارته في منظر يأخذ بالألباب، وأصوات التكبير تعانق السماء ...

وكانت فرقته هي جميع من يحضر الحفلة في المسجد ..

 رحمك الله أبا عبد الله ..لقد جعلت من الإنشاد إرشاداً ..وكيف لا وأنت الذي رددت معك الملايين :

شباب الجيل للإسلام عودوا فأنتم غرسه وبكم يسود

ومعذرة اليك يا شيخ المنشدين ..

لقد شغلتنا عنك الأيام والخطوب الجسام ..

 وأرجو الله أن يهيئ لنا الفرصة لنرد لك الاعتبار، ونوفيك بعض حقوقك علينا وعلى أبناء جيلنا، ونذكر شبابنا المسلم الصاعد بسيرتك العطرة ...

المولد والنشأة :

 ولد المنشد الاسلامي البارز الحاج أبو عبد الله أحمد عمر بربور في مدينة أريحا في ريف إدلب في شمال سورية عام 1928.

 ونشأ، وترعرع في ظل أسرة مسلمة ملتزمة يغلب عليها الفقر كما هو شأن الريف السوري في ظلّ الاستبداد حيث تغيب التنمية البشرية والاجتماعية من الخارطة .

 توفي والده عمر بربور، وكان عمره ثلاث عشرة سنة، فقامت أمه على تربيته خير قيام فعلمته الأمانة والرجولة .

 لازم عمه الشيخ محمد بربور، وتعلم على يديه العلم والفقه، وتعلم صناعة الفرو، وقد أمضى حياته في هذه المهنة .

clip_image004_382e2.jpg

دراسته وأبرز شيوخه :

 تلقى الحاج أحمد بربور مبادئ الدين والعلم ومبادئ القراءة والحساب في الكتاتيب .

ثم لازم العلماء، ونهل العلم والفقه على أيديهم، وكانت له صحبة خاصة بالشيخ نجيب أحمد سالم -رحمه الله- حيث لازمه مدة طويلة، وانتفع بعلمه وتوجيهاته .

وكان من شيوخه أيضاً :

- الشيخ المحدث عبد الله سراج الدين .

- والشيخ أبو الخير زين العابدين ..

وصحب من المشايخ والعلماء :

المجاهد الشهيد الشيخ محمد خير الزيتوني .

 والأستاذ الدكتور الداعية عبد الكريم عثمان، والأستاذ الدكتور الشيخ الداعية عبد الله ناصح علوان ...رحمة الله على الجميع .

 ولقد أوتي الحاج أحمد بربور ذاكرة فذة جعلته يحفظ كثيراً من الأشعار، وكان مغرماً بشعر الأستاذ وليد الاعظمي يكاد يحفظ دواوينه عن ظهر قلب حتى يقال : إن الأعظمي أثنى عليه فقال : لولا المنشد الحاج أحمد بربور لما انتشر شعري، واشتهر .

 وقام بإحياء الحفلات الإسلامية في جامع جب القبة الذي يخطب فيه الشيخ حسن قطان .

 وأقام حفلات في مسجد أبي بكر الصديق في الباب عند الشيخ حسن عبد الحميد .

 وأنشد في جامع عمر بن عبد العزيز بحضور الشيخ عبد الله علوان؛ وتنقل بين المساجد والمدن ....

ففي إحدى الحفلات في حمص حمله المصلون على الأكتاف..

 وفي مسجد أريحا حدث تماس كهربائي وبعده حدثَ هرج ومرج، وتعالت الأصوات ونادى المشايخ بالهدوء دون جدوى، وكانت النساء حاضرات في الحفلة، فأنشد أختاه .....فصمت الناس في ظلمة المسجد، وكأن على رؤوسهم الطير، وهدؤوا، فراح ينشد حتى أصلح التيار .

أخلاقه وصفاته :

clip_image006_1035c.jpg

 كان رحمه الله ذا خلق رفيع وابتسامة دائمة وقلب رقيق ولسان عذب ونكتة حاضرة.

 عرف الحاج أحمد بربور بالتزامه الديني التام في حياته كلها سواء فيما يتعلق بسلوكه الشخصي أو تربية الأولاد أو الأناشيد التي سارت بها الركبان .

 كان -رحمه الله- ذا صوت عذب شجي وقدرة صوتية فائقة ومعرفة نادرة بالألحان والمقامات، وقد أوقف هذا كله للدعوة إلى الله بهمة عالية ونشاط دائم حتى طاف كثيراً من البلاد ، وشارك في الكثير من الاجتماعات والحفلات واللقاءات .

وهو يجود بصوته ونشيده وقصائده .

 ذاع صيته، واشتهر في أواخر الستينات .. ولم يكن الشيخ أحمد بربور يتقاضى قرشاً واحداً بل يحتسب ذلك في سبيل الله ، يكفي أن يكون لديك وسيلة مواصلات تتكفل بذهابه وعودته إلى أريحا ليلبي دعوتك في إقامة تلك الأفراح .

خِلْقته وصورته:

كان الشيخ حاج أحمد بربور أبيض الوجه، طويل القامة، متوسط الصحة، يزينه فصاحة اللفظ، وعذوبة اللسان.

 وفي الوقت الذي كنا نحيي به ذكرى المولد النبوي كانت وزارة الأوقاف تقيم حفلاً باهتاً بعد ظهر يوم الثاني عشر من ربيع الأول يمجّدون به حافظ الأسد بدلاً من صاحب الذكرى - صلى الله عليه وسلم - .

 كان خطباء الدعوة يذكرون الأمة بتاريخها الناصع عندما اعتزت بإسلامها،

ويقارنون بينه وبين واقعنا الحالي بعد أن تركنا العزة بإسلامنا

- لم يتجاوز الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - الحقيقة عندما قال :

( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )

 رحم الله منشد الدعوة الشيخ أحمد بربور الذي كان يشدو بأبيات شاعر الدعوة الأستاذ وليد الأعظمي:

شريعة الله للإصلاح عنوان وكل شيء سوى الإسلام خسران

لما تركنا الهدى حلت بنا محن وهاج للظلم والإفساد طوفان

لا تبعثوها لنا رجعية فترى باسم الحضارة والتاريخ أوثان

لا حامرابي ولا خوفو يعيد لنا مجدا بناه لنا بالعز قرآن

تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا عز ولا شان

محمد أنقذ الدنيا بدعوته ومن هداه لنا روح وريحان

لولاه ظل أبو جهل يضللنا وتستبيح الدما عبس وذبيان .

 وقد أنشد أكثر من أربعة آلاف بيت من الشعر الإسلامي الرائع ..

 وهذه القصائد والأناشيد في معظمها لشعراء الدعوة الإسلامية من أمثال :

-الأستاذ وليد الأعظمي .

- والأستاذ بديع المعلم.

- والشهيد هاشم الرفاعي ...وغيرهم .

ومن تلك الأناشيد الخالدة :

لا شرقية ...لا غربية .

الله أكبر يا مآذن رددي .

شريعة الله للإصلاح عنوان .

نور أضاء الخافقين .

فجران فجر سنا وفجر سناء

سطعا من قلب سكينة الصحراء .

شباب الجيل للإسلام عودوا

فأنتم غرسه وبكم يسود.

 وقد أقام الشيخ بربور حفلاً في مدينة التل بريف دمشق، وكان زفاف أخ من عائلة السوادي، وكانت جلسة ممتعة بعد الحفل، وقد أنشد نشيد (ولست أبالي حين أقتل مسلماً)

 ثم زار مدينة دوما، وكان ذلك عام (1979) ، وبعدها انطلقت أحداث الثمانينات، رحم الله تلك الشيخوخة الفذة الحيوية .

 وكان يحسن اختيار القصائد والأناشيد التي تعالج القضايا السياسية والاجتماعية، فلنستمع إليه، وهو يقول:

انا لنهتف والرسول زعيمنا ... وكتاب ربك عندنا دستور

يا قوم لو عدنا إلى قرآننا .. .لم يبق فينا عاطل ولا فقير

من حيث لا ظلم ولا بغي ولا ...خمر فكيف يعربد السكير

أنعم بدستور السماء و حكمه ... إذ أنه للمعدمين نصير

قالوا أفي الدين الحنيف سياسة ... الدين حق والسياسة زور

فأجبتهم بصراحة ماضر لو ... ساس الأنام مهذب وغيور

ويشجيك صوت المنشد الشيخ أحمد بربور، وهو يغني، ويردد الجمهور خلفه :

فوق المنابر يا بلابل غردي *** في مولد الذكرى وذكرى المولد

وترنّمي بين الرياض بنغمةٍ *** تنسي تلاحين (الغريض) و (معبد)

يا ليلة الذكرى بهاؤك ساطعٌ *** وأريجك الفوّاح يعبق في الندي

يحيي النفوس، ويبعث استيناسها *** ويحيلها توّاقة للسؤدد

من مولد المختار أشرقت المُنى *** وتقشّعت سُحُبُ الأذى المتلبَدِ

واهتزّت الدنيا سروراً ، وانتشت *** بالمرشد الهادي لأعذب موردِ

ماذا أقول وأنت ملء جوانحي *** ومشاعري أملٌ ونورٌ سيدي

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي *** أنّا بغير محمد لا نقتدي

لا نستعيض عن الشريعة منهجاً *** وضعته فكرة مستغل ملحد

أبكل يوم فكرةٌ وعقيدةٌ *** تغزو الحمى من تاجرٍ مستورد

يغري بها البسطاء من أبنائنا *** بالموبقات وبالحسان الخُرَّد

ويصدُّهم عن دينهم بخديعة *** ما شابهتها حيلة المتصيّدِ

قرآن ربك يا محمد عِزُنا *** ونظامنا الداعي لعيش أرغد

 ويتوقف الشيخ المجاهد عن الإنشاء ليقول بصوته الجهوري : القرآن هو الرسالة الخالدة، وأما شعارهم ( ذات رسالة خالدة ) كله كذب، لا توجد رسالة خالدة غير القرآن:

لناس فيه على السواء جميعهم *** لا فضل فيهِ لأبيض أو أسودِ

إلاّ بتقـوى الله وهي كرامـة *** للنـاس لم تحصر ولم تتحددِ

ما احوج الدنيا الى اسلامنا *** حتى يفك قيودهم من اربد

ما احوج الدنيا لجيل مؤمن *** فدي رسالتهم بكل مرد

حتى يعيد الدهر ماضينا الذي *** خطى الزمان حروفه بالعسجـد

ظنــوا النجاة بغير دين محمد *** تبا لهم من ذلك الظـن الردي

العز بالإسلام يا دنيا اسمعي *** والنصر معقود بمبدأ أحمد

يوم يحق فيه لكل مطالب *** من ذي العدل والإنصاف أن يستبشرا

فكأنما بالناس يهتف هاتف *** من جانب الغيب انهضوا طال الكرى

اليوم تاريخ الضلالة ينتهي *** ويجيء تاريخ الهداية مسفرا

لا ملك يرجى لا سيادة بعدها *** لكتوج أو كاهن دع قيصرا

قد آن محو الشرك يامن أشركوا *** قد آن للوثني أن يتبصرا

قد آن أن تذروا عبادة محدث *** إن العبادة للذي خلق الورى

شاء المهيمن أن يكون بدينه *** طه ختام المرسلين مبشرا

فاحتاطه بعناية متنقلاً *** في أشرف الأصلاب بدرا مزهرا

والحمل تم به لأشرف زوجة *** من خير زوج ما أجل وأطهرا

في بطن آمنه استقر جماله *** طفل تيتم قبل ما أن يظهرا

وبليلة الإثنين قبل صباحها *** كان ابتداء الطلق لا متعثرا

حتى إذا اشتد المخاض بأمه *** وضعته كالبدر المنور مبهرا

علام النوح مهلاً خبرينا :

ومن الأناشيد التي أبدع الحاج أحمد بربور في إنشادها:

بربك يــا مطوقة اصدقينـــا علام النوح مهلاً خبريــنا

بربك هل فؤادك مثل قــلبي لهيب الحب يجعلـه حزيــنا

تذكرت الحطيم فسال دمعي على الخدين مدراراً سخيـــنا

وأذكر طيبة فأذوب شوقاً فحــب المصطفى يحي الشجــونا

فيـا لله مـا أحلى ليــال شربنـا حلوهـا حباً وديـــنا

وروحي في ظلام الليل نــاجت مع الأكوان رب العـالمينا

إلـهي جد بوصل من حبيــبي فإنك لا ترد الســائليــنا

رسول الله معذرة القوافي إذا مـا كلَّ شعرُ المــاديحيـنا

فأنت القمة الشمـاء دوماً ترد الطرف منـكسراً مهيــنا

نسور الطير لا ترقى إليها إذا ما حاولت تلقى المنونا

وأنت البدر في ليــل بهيم ينير دروب كلّ السـالكيـنا

وأنت الشمس سـاطعة بنــورٍ يجمد في محـاجرها العيونا

بنيت حضارة لا عيـب فيها سوى تحريـر كل البـائسيــنا

ولا معبـود غير الله فيـها وكل النـاس فيهــا آمنيـــنا

أرى تاريخنـا مداً وجذراً مع الإسلام يعلـو أو يهـــونا

أخذنا شرعة الهــادي زمانا فصرنا للأنـام معلميـــنا

نقول فلا يرد القــول منــا فكل كلامنــا حقّاً مكيــنا

ونحن الآن واحراه قلــبي أضعنا ديننا فالذل فيــــنا

أبا الزهراء لا تعتِب علينا فإنا بالمعاصي قد بليــنا

حبيــــب الله للرحمن أشكو فإن الله خيــــر المنقذيـــنا

أفاعي المكر من رزق وحمر أقــامت في عقول الناشئينا

سقتنا من جهالتها سمـوماً شربناها فبئس الشـاربيــنا

تركنا شرعك السامي فضعنا وسلمنا المواقع والحصــونا

زرعنا حنظلاً نحسبه براً فيـا بئس المنـابت زراعيـــنا

فلما اشتد ماكنـا زرعــنا حصدنا علقماً مراً لعيـــنا

وكنا أصلب الأقاوم عوداً فصرنا من شقــاوتنا عجيـــنا

تحوله الثعالب كيف شاءت وتعبث فيه أيدي العابثيــنا

تركنا نبعك الصــافي فصرنا بأقذار المبادئ والغيـنا

ترى الخنزير يعطيـنا نظاماً وحتى الكلب يستعلي علينا

وضيعنا إرادتنا فصرنــا نردد قول كل النـــاهقيــنا

فلو جاء الحمار لنــا برأي لكنـا للحمـار مصفقيــنا

ونهتف عـاش عـاش أبو المعـالي فخروا للمفدى ساجدينا

بغاث الطير نحسبها نسوراً وهل تحمي البغاث لنا عرينا

فوا أسفـاه لو فينا عقـولٌ لكنا في القلوب دماً بكينا

أبا الزهراء عفواً من كلامي فإنّ بمهجتي ألماً دفيـــنا

ونيران تلظـى في فـؤادي تكـاد تمزق القلب الحزيــنا

فأنت النور والدنيا ظلامٌ وأنت إمام كل المصلحيــــنا

وأنت البلسم الشافي جراحاً وأنـت الروح تحي الميتينا

وأنت سراج أمـتنا منيـراً إذا ما ضلت الدرب الأميــنا

وأنت نذير من شردوا وضلــوا وأنت مبشر للمؤمنيـــنا

وأنت شـاهد يوم انبعــاث وأنت مشفــع بالمذنبيـــنا

أبا الزهراء ألمح من بعيـدٍ سناً فجرٍ يرد الشارديــنا

ومن تحت الثرى جمراً تلظى وبركاناً يهد الجاهلــــينا

ولولا ذلك الأمـل المندى لكان الموت خيــر الزائريـنا

فأرجوك الشفـاعة يا حبيبي فإنك أنت خير الشافعيــنا

لعل الله يهديـنا جميـعاً ويصلح بـال كل المسلميـــــنا

بجـاه محمدٍ رب استجب لـي فإنـك معقل المستضعفيـــنا

ومن الأناشيد التي نالت شهرة فائقة :

يا صاحب الوجه المضيء بلحية ما بال وجهك في السنا يتشعشعُ

هي سنة لا بل حرام حلقها عنـــــــــــــــــــد الأئمة كلهم قد أجمعوا

وهي الدليل على فؤاد صالح وعـــــــــــــــــــزيمة شمــــــــــــــــــــــــاء لا تتزعزعُ

هي قلعة تحمي الشباب بحصنها من انحراف في السلوك وتمنعُ

هي مدفع طلقاته اشعـــــــــــــــــــارها تفري فؤاد الكفر لما تسطعُ

مهما تمادوا بالعدى فوجوهنا ستظل دوما باللحى تترصعُ

حتى إذا أذن الإله بنصره كان الجواب والرصاص يلعلعُ

"الله أكبر يا مآذن هللي"..

 كلماتٌ رددها كثيراً الشيخ أحمد بربور رحمه الله، قبل اعتقاله، وبعد خروجه من سجن تدمر الذي قضى فيه قرابة / 13 / عاماً، وكأنه كان يعلم أن مآذن مدينته أريحا ستهلل تكبيراً لنصرها كما كان اليوم، وكأني بصوته كان حاضراً في سماء أريحا بتكبيرات الفتح التي أرادها وحلم بها قبل أربعين عاماً.

 أهالي أريحاً يعرفون جيداً سيرة الشيخ أحمد العطرة الممزوجة بالثورة، وتذكروه عندما فتح الثوار مدينته التي طالما حلم بتحريرها من قبضة الأسد الأب في حياته، وها هي تحررت على يد أحفاده وأبناء مدينته ومن قبضة الأسد الابن الوارث السلطة عن أبيه.

 ويعرف أهالي أريحا أيضاً، وكل أهالي إدلب التي ثارت على حكم البعث منذ وصوله للسلطة في ستينات القرن الماضي، وسخر في سبيل ذلك صوته الشجي، وهو منشد أريحا الأوحد بل إدلب كلها، سخره في سبيل ثورته، فردد العديد من القصائد التي انتقدت حكم البعث وأركانه في ذلك الوقت، ومع وصول حافظ الأسد للسلطة لم يتأخر البربور في اكتشاف أنه مغتصب لها وأنها كانت ثمناً لجولان باعه؛ وهنا رفع الشيخ أحمد من وتيرة انتقاده لحكم الأسد الذي رآه البربور مصبوغاً بلون الطائفة، فأنشد ضد الأسد، وحاول شحن الشباب ضد حكمه ومن قصائده المعروفة في ذلك الوقت: "شباب الدين للإسلام عودوا" وهي القصيدة التي كانت من أهم القصائد الحماسية التي كان يحفز الشيخ أحمد فيها الشباب على الثورة.

 ومن القصائد التي كانت سبباً لاعتقاله عندما انتقد محاكم العسكر وسجن تدمر حيث يقول البربور:

كلا ولا أمر الجنود بسوقه.. حتى يحاكمه القضاء العسكري

حتى ولا أمر القضاء بسجنه.. عشرين عاماً في صحارى تدمر

 تلك الأبيات وغيرها كلفت الشيخ أحمد / 13 / عاماً من السجن والغياب داخل السجن الصحراوي، وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي خرج الشيخ أحمد من معتقله فتوفي في عام 2002، لتأتي ثورة الحرية والكرامة، ويكون أبناء الشيخ أحمد وأحفاده من أوائل الثائرين على نظام الأسد الابن، ويكون بذلك الشيخ قد أدى الأمانة، وأوصل الرسالة بنجاح.

 كان ابن الشيخ أحمد الشيخ عبد لله بربور وأولاده أهم نشطاء الثورة، حيث كان الشيخ عبد الله من أول من أسس القضاء الشرعي في المناطق المحررة، وعمل على ذلك حتى استشهاده في عام 2013، وكذلك كان أحمد بربور حفيد الشيخ ، وابن الشيخ عبد لله من أوائل الإعلاميين في إدلب لفضح انتهاكات النظام، ويكون اليوم أول الداخلين إليها مع الثوار كمصور في قناة أورينت نيوز.

 واليوم أيضاً وبعد تحرير مدينة أريحا كان تلك التكبيرات التي كان يطلقها الشيخ أحمد في جامع (الشيباني) في مدينة أريحا كمؤذن ومنشد، كانت حاضرة بين تكبيرات النصر بتحريها، فهو أول منادٍ للحرية بها قبل ثلاثين عاماً من اليوم أو يزيد...

 وأنشد الشيخ أحمد بربور غيرها من القصائد والأناشيد التي أصبحت تمثل مدرسة في النشيد الإسلامي صار من جنودها وتلاميذها الأستاذ أبو دجانة، والمهندس محمد منذر سرميني، والشيخ أمين الترمذي، والأستاذ أبو راتب محمد مصطفى، والأخ الأستاذ أبو مازن .....وغيرهم .

الاعتقال والسجن :

clip_image008_0af08.jpg

 كان على الدعاة إلى الله أن يدفعوا ضريبة الالتزام بمنهج الأنبياء، فيصبروا كما صبر إخوانهم عبر العصور ...

 وقدر لأبي عبد الله البربور أن يدخل السجن لمدة / 16 / سنة كان خلالها في سجن تدمر، فصمد الحاج أحمد بربور على البلاء، وكان يصبر إخوانه، ويثبت قلوبهم على دعوة الحق، وينشد لهم بصوت منخفض؛ فيسليهم بأناشيده العذبة؛ ويخفف عنهم من صور المعاناة .....

الخروج من السجن :

clip_image010_9e621.jpg

 ثم خرج من السجن أصلب عوداً وأكثر تصميماً على مواصلة الطريق اللاحب المفروش بالأشواك ..وكان يؤذن في جامع الشيباني فلما خرج من السجن صار مؤذناً في الجامع الكبير في أريحا .

وعندما حضر في مسجد أريحا أنشد:

هوّن اللهُ عُدنا فالتقينا فتذكرنا الليالي فبكينا

يوم كنا في بساتين الصبا من ثمار الحبّ نجني ما اشتهينا

فجلسنا في حمى صفصافةٍ أغصانها خيّمتْ عطفاً علينا

وَهَنَت مثلي ولكن لم يزَل في حواشي العمر ما يجلو لدينا

قلتُ هذي روضَةٌ هيّا بنَا نتصابى فمشينَاها الهوينَا

وقد أثقلت ظهري الذنوب وإنما رجائي لغفار الذنوب كبيرُ

وجاهُ رسول الله أحمدَ نصرتي إذا لم أجد بالخطوب نصير

ومدحُ رسول الله فألُ سعادتي أفوزُ به يوم السماء تمورُ

نبيٌّ تقيٌّ أريحيٌّ مهذّبٌ نذيرٌ لكلّ العالمين بشيرُ

وفاته :

 انتقل إلى -رحمة الله تعالى- في مدينة أريحا في سوريا يوم 28/ 12/ 2002 ..عن عمر ناهز السبعين .

 وترك خلفه السمعة الحسنة، والذرية الطيبة، والعمل الصالح ....وسيرة تفوح بالعطر .

زواجه وأولاده هم:

وهو متزوج من السيدة ( أم عبد الله ) التي صبرت معه على حياة الفقر والحلو والمرّ، والاعتقال وفقد الولد ، وقد رزق منها بعدة أولاد :

-عبد الله : وبه كنيته .

-وفضل الرحمن: مدير سابق لدى شركة وتار، ومتزوج ولديه أولاد ..

-ومحمد نبيل ، وعبد الرحمن ، وأنس .

-والشاب ياسر: الذي قضى شهيداً شاباً في الثمانينات من القرن العشرين .

ثناء العلماء عليه :

 كتب الشاعر الإسلامي يحيى حاج يحيى كلمة تحت عنوان : ( شاعر ومنشد!! .. وليد الأعظمي وأحمد بربور) نشرها في موقع مركز الشرق العربي يقول فيها :

في أدبنا القديم، وحتى الحديث كان لعدد كبير من الشعراء رواة يذيعون بين الناس شعرهم ويؤدونه في الغالب كما سمعوه من أفواه الشعراء ! فكان بذلك يكتب للشعر الذيوع والانتشار ولا سيما في وقت لم تكن فيه الكتابة والطباعة ووسائل النشر كما هي عليه اليوم .

كما قدر لعدد من القصائد من ينشدها، أو يغنيها، وقد فطن الشاعر القديم إلى ذلك فقال:

تغنّ بالشعر إما أنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ

 وأذكر هنا أن الشيخ أحمد بربور المنشد ذا الصوت المؤثر، والفن الراقي كان يحفظ كثيرا من قصائد الشاعر وليد الأعظمي ؟! بل إن كثيرا من هذه القصائد ذاع في بلاد الشام عندما أنشدها الشيخ أحمد ، قبل أن نقرأها في ديوان ؟!

 ففي أواخر الستينيات، و عامة سنوات السبعينيات من القرن الفائت كانت مجالس الإنشاد تزخر بتلك القصائد الجميلة، و كان لاختيار الشيخ بربور، و ذوقه الفني، مع جمال صوته، و حسن أدائه الأثر الكبير في ذيوع قصائد الأعظمي، و هي في الحقيقة - جديرة بالانتشار لكونها من جميل الشعر الملتزم، مع قوة في المعنى، و وضوح في الأسلوب، و سمو في الغرض !!

 وإن أنس لا أنس قصائد الأعظمي بصوت أحمد بربور وهو يترنم بها مع فرقة من المبدعين في مساجد حلب و حماة و حمص وجسر الشغور و أريحا و معرة النعمان، ومجالس أنسها، من ذلك :

يا فتيـة الإسـلام سـوّوا صفّكم و بغير ديـن الله لا تتدرّعوا

صونوا كما صان الحمى أجدادُكم سيروا على آثارهم و تتبعوا

و ليعـلـمِ الأعـداءُ أنّـا أمـةٌ بعواصف التهديد لا تتزعزع

و منها :

إنا لنهتفُ، و الرسولُ زعيمُنا وكتابُ ربك عندنا دسـتورُ

يا قومُ ! لو عُدنا إلى إسـلامنا لم يبق فينـا عاطل ٌوفقيـرُ

و منها :

فوق المنابر-يا بلابلُ- غرّدي في مولد الذكرى ، و ذكرى المولدِ

الله أكرمنــا بنـور محمـدٍ فعن البصـائر -يا ظلامُ - تبـدّدِ

و منها :

من مشرق الدنيا لأقصى المغرب روحٌ يحن إلى تعاليم النبـي

يشتاق للمُثـل اللطـاف تسـوده ما دام نجم سعودها لم يغربِ

و لعل أكثرها جمهورا ، و أشدها تأثيرا في السامعين :

شباب الجيل للإسلام عودوا فأنتم روحُه و بكم يسـودُ

و أنتم سِـرُّ نهضته قديمـا وأنتم فخرُه الزاهي الجديدُ

عليكـم بالعقيدة فهـي درعٌ - نصون به كرامتنا - حديدُ

و منها :

شهد العدوُّ بعزتي و تمنعي لاأرهبُ الدنيا وقرآنـي معـي

هذه مشاعرُ كل قلب مؤمنٍ وخواطرٌ تنـداحُ بين الأضـلع

يا ليلـة القرآن رُدِّينا إلـى هدْي الرسول، ووحدّينا واجمعي

 وإذا كان ما قاله الأعظمي جميلاً، و ما أنشده البربور بديعا فأنت في حديقة غنّاء تفتحت أزاهيرها، وشدت الأطيار فيها !

 ولعمري ما ذكرت مطالع هذه القصائد إلا وجدتني أترنم بها، وأهتز للحنها !

رحم الله الشاعر وليد الأعظمي [ ابن الأعظمية الأصيلة في العراق ] ورحم الله المنشد أحمد بربور [ ابن أريحا المجاهدة في سورية ] وجعل ملتقاهما في جنان الخلد !

 أثنى عليه الأستاذ الفاضل أبو مهدي حياني، فقال: ( كان الشيخ أحمد بربور ) رحمه الله طيب النفس ليناً بين يدي إخوانه كريمًا سمحاً بساماً في وجوه من يحدثهم، أو ينشد لهم مهتما بالشباب على وجه الخصوص، وكان يعمل فراء وله دكان في سوق أريحا، وكان لا يتقاضى أي أجر على موالده وحفلاته لأنه كان يقصد بها الدعوة وتوجيه النشء وأجمل أناشيده عندما كان ينشد والجمهور جميعه الكورس فيضج المكان بنشيد قلّ نظيره :

( شباب الجيل للإسلام عودوا ... فأنتم روحه وبكم يسود )

( ملكنا هذه الدنيا قرونا ... وأخضعها رجال خالدونا )

( يا صاحب الوجه المنير بلحية ...)

 وقد كانت لي صداقة مع ولده عبد الله -رحمه الله - عندما قدم من السعودية لعمل دورات تدريبية عسكرية في عام1981 وكذلك في الإمارات فقد عمل واعظا منتدبا من السعودية

 وقد تواصلت معه في بداية الثورة وسعدت أيما سعادة عندما وجدته في الصفوف المتقدمة للعلماء العاملين في الثورة ولكن ذلك لم يدم طويلاً فقد استشهد رحمه الله بعد فترة من تواصلنا وله أبناء يسيرون على منهجه ولله الحمد صادفت أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي ...

 أرسلني أستاذي خالد عبد اللطيف - حفظه الله ورعاه - إلى أريحا لدعوة الشيخ أحمد بربور للإنشاد في أول عرس يقام في مسجد من مساجد تل رفعت للشهيد أحمد الصن - رحمه الله- وصهري الأستاذ محمد البارحي ... وصلت إلى السوق في أريحا، ووجدت الشيخ بوجهه الباسم، وهو يقلب الفراء في محله، ويتفحصها ... فرحب بي وبأخي الذي يرافقني وأبلغته الرسالة... فتبسم، وقال يا بني نحن صرنا موديل قديم ... فقلت له : أنتم الأصل والبركة بكم ... فقال لي سلم على أستاذك خالد، وقل له أن يدعو للحفل الأخ منذر سرميني وفرقته فهم شباب مثلكم !!!! وسأضع تحت هذه العبارة أكثر من خط ... وقال لي يا أخي الحبيب ... الآن أصبح الوقت عصرا ومن حقكم علي أن أفطر معكم للغداء... أو إذا سمحتم لي أن أمسك للصيام ويضيفكم شاب من جيلكم بدلا عني ... فوافقنا وكان الذي أضافنا من بيت غريبي ... رحم الله شيخنا أحمد بربور رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته في عليين ... فقد كان المنشد الوحيد والفريد في بلاد الشام وكورسه كل من يحضر في المسجد... ويملأ الدنيا حماسة ويؤثر في الحاضرين أكثر من مائة خطيب ... أفلا يأتي يوم نحيا فيه حياة إسلامية... يهتف كل الكون يغني ... لا شرقية لا غربية إسلامية إسلامية....

يا صاحب الوجه المضيء بلحية...

من مشرق الدنيا لأقصى المغرب...

جزاك الله خيراً أخي أ - عمر محمد العبسو على إحياء ذكر هؤلاء الرجال الرجال

 كان الشيخ أحمد بربور يصنع الفراء للملاحقين مجاناً وهذا من لطفه وحبه لإخوانه وعندما تمر عليه في دكانه في أريحا يسقيك شاياً لذيذاً، فإذا سألته عن طريقة صنعه للشاي فيقول - وهو يبتسم - : هذا سر الشيخ رحمك الله يا أبا عبد الله، وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

 وأثنى عليه الأخ الأستاذ خليل محمد، فقال :

( رحم الله شيخ المنشدين أبا عبد الله أحمد بربور صانع الفراء الأنيق والرجل الطيب حتى النخاع، ومما يروى عنه رحمه الله أنه يوم اعتقل سأله المجرم مدير المخابرات العسكرية في إدلب من هي أسرتك، ويقصد المجرم الأسرة التنظيمية، فقال له الشيخ أحمد : أسرتي أم عبد الله، وعبد الله، وأخذ يعدّد أبناءه، فزاد في تعذيبه ، وأرسله إلى تدمر ما يزيد عن اثنتي عشرة سنة.

 ورحم ولده الشهيد عبد الله، وتقبله شهيداً، وشفعه بأهله وأحبابه إنها عائلة طيبة بعضها من بعض...

وسوم: العدد 794