السياسي والدبلوماسي الدكتور حسان أحمد مريود

رجالات سورية

clip_image001_666f5.jpg

في 22/12/2011، غيب الموت الدكتور حسان مريود السياسي والدبلوماسي السوري، وهو نجل القائد الثائر الشهيد أحمد مريود. 

جمع الدكتور حسان أحمد مريود،  بين دبلوماسية رصينة والتزام أصيل، بين دراية سياسية وحيوية نضالية، جعلته يرحل وهو ابن السادسة والثمانين وقد ترك بصمات له في أكثر من صفحة من حياته وحياة وطنه.

 الرجل ديمقراطي دون استعراض وتبجح، وحواري من طراز رفيع، قادر على التمييز دوماً بين ما هو محق ومشروع من مطالب الناس، وبين ما هو خطير ومشبوه من أجندات الأعداء، لذلك قاد حسان مريود مع منصور الأطرش ومحمود الجيوش والعديد من شخصيات سورية الموالية والمعارضة حركة شعبية لنصرة العراق بوجه الحصار والعدوان.

التواضع هو أحد أبرز فضائل هذا الرجل الكبير، فلم تبعده المناصب يوماً عن شعبه، وأما المواقع السياسية والدبلوماسية وقد بلغ منها أعلى المراتب (بما فيها نيابة رئاسة المجلس التنفيذي لليونسكو في باريس) فلقد كان يضعها في خدمة مبادئه وأهدافه وإيمانه العميق بالوحدة العربية.

جمع بين الرصانة الدبلوماسية وحرارة الالتزام الوطني والقومي، وأشار إلى أن مريود كان يحمل في كل حركاته وسكناته روح المقاومة العربية التي كان لبلدته جباتا الخشب ملاحم رائعة في مواجهة كل صنوف الاحتلال لاسيّما الاحتلال الفرنسي.

مريود كان يرفض التعصب بكل أشكاله طائفياً كان أم فئويا أو حتى حزبياً بل كان يدعو للحوار بين أصحاب الآراء والاجتهادات المختلفة لأنه كان يعتقد أن الحوار هو السبيل الأسلم لتحقيق الأهداف في ظل وطن موحد وأمة متماسكة. بل كان يعتقد أن التعصب هو الآفة التي طالما تسلل منها أعداء الوطن والأمة من أجل تفجير مجتمعاتنا وكياناتنا الوطنية.

كان د. مريود مؤمنا بربه، حريصاً على الالتزام بتعاليمه السمحاء وبالآية الكريمة "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" والكفار بنظره هم الصهاينة وكل من يدعم باطلهم وغيّهم.

 الدكتور حسان هو نجل القائد السوري الشهيد أحمد مريود، ووزير الخارجية الأسبق في سورية وعضو مجلس الرئاسة السابق فيها.

اختارته بلاده سورية ليكون أول سفير لها في الجزائر بعد الاستقلال في رمزية لافتة تشير إلى أن من يمثل دمشق لدى ثورة المليون ونصف شهيد، هو ابن شهيد رائد في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي (أحمد مريود)، وابن بلدة لها سجل حافل بالمعارك البطولية ضد جنود الاستعمار (جباتا الخشب).

 لم يستمر طويلاً في وزارة الخارجية التي اختير لها أواخر 1963، ولا في عضوية مجلس الرئاسة التي انتخب لها عام 1965. كان يدرك خطورة فشل أول وحدة بين بلدين عربيين شقيقين، بين قامة عربية كبيرة كجمال عبد الناصر، وحزب قومي مؤثر كحزب البعث، على مستقبل الأمة ونضالها وكفاحها.

حمل مريود رسالة الجولان إلى كل محفل عربي أو دولي شارك به،  ولكنه يعتبر أن قضية الجولان لا تتجزأ عن قضية جنوب لبنان حين كان محتلاً، ولا عن قضية فلسطين التي شارك في أكثر من هيئة شعبية لنصرتها، ولا عن قضية العراق التي أسس مع رفيق دربه الراحل منصور سلطان الأطرش وعدد من أبناء سورية الخيّرين لجان نصرة العراق في وجه الحصار والعدوان والاحتلال.

 كان حسان يعلّق ممازحاً على نشاطه في تجمع "لجان نصرة العراق" في سورية في التسعينات وبعدها بالقول: لقد بدأنا حياتنا في "لجان نصرة العراق" يوم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني المجيدة ضد الاستعمار البريطاني وأدواته، ويبدو أننا سننهي حياتنا ونحن ننتصر للعراق بوجه العدوان الاستعماري، وهو البلد الذي تربط شعبه بالسوريين أعمق الأواصر وأوثق الروابط أيّاً تكن العلاقة بين الأنظمة.

ومن يعرف حسّان مريود يدرك أن آخر نبضات قلبه الكبير قبل توقفه كانت تخفق بالحزن العميق على سورية، وعلى الشهداء من أبنائها، وبالقلق على أمنها واستقرارها ووحدتها ودورها القومي المميّز، ولقد كان في كل لقاءاته مع المسؤولين في دمشق يعرب عن قلقه وخشيته دائماً من أن تكون سورية مستهدفة من أعداء الأمة بعد العراق.

لم تكن "جباتا الخشب" مجرد مسقط رأس لحسان مريود، بل كانت محل فخر واعتزاز، لاسيّما حين كان يروي للكثير من أصدقائه العرب، حكايات المعارك التي خاضها أهلها، وقصص الشهداء الذين رووا بالدم ترابها، بل موقعها في الجولان العربي السوري المترابط جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً بفلسطين والأردن ولبنان وصولاً إلى العراق، وهو ترابط قلّما تخلو منه عائلة جولانية، فأهل مريود أنفسهم هم عائلة من جذور أردنية تنتسب إلى عشيرة "المهيدات"، ولهم مصاهرات مع عائلات لبنانية في شبعا، وفلسطينية وعراقية.

ولد الدكتور حسان أحمد مريود في قرية جباتا الخشب في الجولان العربي السوري، وكان والده الشهيد أحمد مريود من أبرز مقاومي الاستعمار الفرنسي حيث استشهد في أحد معارك المواجه معه.

أتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وحصل على دكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة ويسكونسون في الولايات المتحدة الأمريكية.

عين سفيراً لبلاده في عدة دول، أبرزها الجزائر في أوائل الستينات، ثم عين وزيراً للخارجية السورية، ثم عضواً في مجلس الرئاسة السورية عام 1965، أخيراً نائباً لرئيس المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).

-شارك مع رفيق دربه منصور سلطان الأطرش في تأسيس هيئات شعبية لنصرة قضايا الأمة أبرزها اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ، وتجمع لجان نصرة العراق قبيل احتلال العراق.

كان من الذين شاركوا في وقت مبكر في المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي – الإسلامي، والمؤتمر العربي العام، وأكثر من ملتقى واجتماع لنصرة القضية الفلسطينية، وكان عضوا مؤسساً في هذه المنظمات والمحافل القومية العربية جميعها.

وسوم: العدد 799