التيجاني عبد الرحمن أبو جديرى: الأمين العام لمنظمة الدعوة الإسلامية

(            / 1404ه – 1984م )

clip_image001_89e4a.jpg

الداعية الإسلامي السوداني العالمي، ولد في مدينة الأبيض عاصمة إقليم كردفان بغرب السودان، ونشأ في كنف الدعوة الإسلامية الراشدة حتى أصبح أحد قادتها البارزين .

دراسته وتعليمه :

ونال تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدارس الأبيض، وحصل على تعليمه الثانوي بمدرسة (خور طقت) الثانوية، وانضم في هذه المرحلة عام 1954م إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وعمل في الحركة الإسلامية منذ ذلك التاريخ بجد ونشاط وإخلاص .

التحق بجامعة الخرطوم  في كلية الزراعة عام 1961م، وتخرج فيها بتفوق .

ابتعث إلى الولايات المتحدة لنيل درجة الدكتوراه، حيث وفق لنيل درجتين بدل درجة.

أعماله ومسؤولياته :

وعمل عند تخرجه في مشروع الجنيد، ثم أصبح رئيساً لقسم الأبحاث في سكر الجنيد إلى عام 1969م .

أثناء وجوده في أمريكا كان رئيساً لاتحاد الطلبة المسلمين بالولايات المتحدة، ووهب نفسه لوضع الأسس الصحيحة لهذا الاتحاد، وحقق في عهده إنجازات رائعة .

عند عودته من أمريكا ترك الوظيفة الحكومية، وتفرغ للعمل الإسلامي بعد المصالحة، وعمل بالتجارة .

وكان عضواً في مجلس الشعب السوداني، وعين وزيراً للزراعة في السبعينات الميلادية .

له صلات واسعة مع العالم الإسلامي وعلاقات مع العاملين للإسلام في كل قطر من أقطار المسلمين وأوربا وأمريكا، وهو عضو في كثير من المنظمات الإسلامية، أهمها الندوة العالمية للشباب المسلم .

وكان من الأسماء المرشحة للمشاركة في التشكيل الوزاري لإنقلاب 5/سبتمبر الدكتور التجاني أبو جديري الذي رشح وزيراً للزراعة.

كان الدكتور التجاني أبو جديري من قيادات (الإخوان المسلمين)، وكان حينها يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1968م. حيث أكمل دراساته العليا، وكان أحد النجوم اللامعة في اتحاد الطلاب المسلمين بأمريكا الشمالية.

وهناك رواية بأن الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمين) بعد المصالحة الوطنية عام 1977م، قد رشَّحت الدكتور التجاني أبو جديري للرئيس جعفر نميري ليكون وزيراً للخارجية، ولكن النميري رفض.

الدكتور التجاني أبو جديري الذي استشهد عام 1984م هو الذي قام بتجنيّد الشيخ إبراهيم السنوسي إلى حركة الإخوان المسلمين. أما عباس برشم فهناك رواية موثوقة بأنه (كادر سري) ل (الإخوان المسلمين) ينشط في داخل حزب الأمة.

كما قام الرئيس نميري بتعيين عدد من الإخوان في المجلس، وهم السيد/ يسن عمر الإمام، والسيد/ التجاني أبو جديري، والسيد/ أحمد عبد الرحمن، وأصبح السيد/ أحمد عبد الرحمن رئيسا للجنة الإرشاد في مجلس الشعب بالإضافة إلى وضعيته مقرراً للجنة رفع المظالم عن المهاجرين والمفصولين

تسربت في مطلع عام 1982م عدد من الأوراق التنظيمية لأجهزة الأمن، وقد حوت الأوراق معلومات عن العمل الطلابي والمعلومات مما استوجب تغييرات وتغيير في المواقع ... ولكن يبدو أن عام 1982م كان عام أمانة العلاقات الخارجية التي كان يرأسها د. التجاني أبو جديري حيث نشطت الأمانة في اتصالاتها الدولية والخارجية.

حينما قام نظام البعث السوري في فبراير 1982م فيما عرف بأحداث حلب "يدمر حركة الإخوان السورية عسكريا"، جندت الأمانة عضويتها على امتداد العالم لمعاونة الحركة الإسلامية السورية وتوزيع مطبوعاتها وتعبئة الحركات الإسلامية لمناصرة إخوان سوريا، وقام إخوان السودان بتولي مسئولية طبع وتوزيع أوراق حركة المقاومة على امتداد بريطانيا وأوروبا ... كما فتح مكتب العلاقات الخارجية أبواب السودان للمقاومة الإخوانية الليبية ومع أن هذه القضية كانت لها تداخلات إقليمية ودولية .. حيث شجع المصريون والأمريكان نظام الرئيس نميري على دعم حركة المقاومة الليبية لنظام العقيد معمر القذافي، بينما لم يكن التنظيم الدولي راضياً عن التعاون الجاري بين الحركة الإسلامية السودانية والتنظيم الليبي .. وكان نميري يريد استخدام وجود حركة المقاومة الليبية في السودان لمجابهة وجود حركة المعارضة السودانية في ليبيا، وكان هذا من المواضيع الشائكة، حيث إن كثيراً من الإخوان كان يعتقد أنه لا توجد أولوية لمقاومة نظام القذافي ضمن قائمة أولويات العمل الإسلامي.

وفي 24 أبريل 1984م افتقدت الحركة الإسلامية واحداً من دعاماتها بوفاة د. تجاني أبو جديري في حادث حركة في طريق القضارف حيث ذهب إلى هناك في ذات يوم مجيئه من السعودية لتفقد مشروعه الزراعي .. وقد حزن شباب الإخوان – على الأخص – على وفاة التجاني؛ لأنه كان صديقا شخصياً لكثيرين منهم كما أنه كان مهتما بقضاياهم وفتح لكثيرين منهم أبواب العمل والدراسة خارج السودان ... حاولت بعض شرائح الأمن إلقاء ظلال من الريبة حول وفاة د. التجاني لخلق سوء تفاهم بين الحركة الإسلامية والنظام مدعية أن ذهاب التجاني لشرق السودان ارتبط بمحاولات لتهريب السلاح لداخل السودان ... وفي مايو 1984م نجحت المعارضة الإسلامية الليبية لأول مرة في تاريخ ليبيا الثورة من اقتحام عرين نظام القذافي أي القيادة العامة للجيش الليبي وضرب مركز وجود القذافي مما أحدث هزة عنيفة في نظام الأمن الليبي، كما أدى الحادث إلى زيادة التوتر ما بين ليبيا والسودان.

وفي 25 سبتمبر 1979م توفي المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي، والذي أثرت كتاباته على تأصيل حركة الإخوان في السودان، وقامت الجماعة بإرسال وفد تعزية برئاسة يسن عمر الإمام ود. تجاني أبو جديري

ويقول عبد الكريم مطيع الحمداوي: (وعندما عُيِّن حسن الترابي عوناً ونائباً للنميري، وعُيِّن وزيراً للداخلية عضو آخر من حزبه كنت قد تعرفت عليه في جدة عند الدكتور الشاوي هو أحمد عبد الرحمن، وعدني أحد أعضاء حزب الترابي من جماعة أمريكا التقيت به في الكويت هو الدكتور التيجاني أبو جديري بأن يستخرج عن طريقهما جوازات سفر لي ولأهلي وأبنائي وطلب مني تمكينه من الصور والوثائق اللازمة فسلمتها له ثم سافر إلى السودان بعد أن طلب مني تذكيره بواسطة هاتفه وفاكسه هناك، ومرت مدة طويلة حاولت الاتصال به عدة مرات دون أن يرد على مكالماتي أو مراسلاتي، وكان الشيخ حمد الصليفيح يسافر دائماً إلى السودان للتعاقد مع مدرسين يستجلبهم إلى السعودية فطلبت منه تذكير الترابي وأحمد عبد الرحمن وزير الداخلية، فرد الشيخ حمد ضاحكاً: لقد قالوا إنهم راسلوا السلطة المغربية وينتظرون الجواب، وبقيت معهم وثائق أهلي وأبنائي شاهدة عليهم إلى يوم القيامة، ثم ذكر لي الأخ كمال الهلباوي أنه بصدد الاتصال بالترابي لأمر بينهما فاقترحت عليه أن يذكِّره بالجوازات، فرد عليَّ الأخ الهلباوي بقوله: (إن الترابي يقول: دع عبد الكريم يتيه كما تاه من قبله).

تكريم :

وقد عرفت تطورا كبيرا في ادائها ونوعية مشاريعها التي اتسمت دائما بالاستدامة، وقد كنت حاضرا كما سبق وأن أسلفت في الدورتين الأخيرتين لمجلس الأمناء (الدورة السادسة والعشرون والسابعة والعشرون) لمجلس أمنائها الموقر عام 2016 بحضور الرئيس السوادني المشير عمر البشير، وفي الثانية قبل سبعة أشهر تقريبا (منتصف فبراير 2018 )، وقد حضرَتها وفود من السودان ودولة جنوب السودان، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ومملكة البحرين، وسلطنة عمان ودولة الكويت، وجمهورية مصر العربية، ودول تركيا وماليزيا ونيجريا وتشاد وملاوي ويوغندا وجنوب إفريقيا واليمن وألمانيا، كما خاطب الجلسة الافتتاحية حينها النائب الأول لرئيس الجمهورية السودانية ورئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول ركن / بكري حسن صالح، بكلمة أشاد فيها بالدور المتميز الذي ظلت تقوم به المنظمة في القارة الإفريقية ثم خاطب الجلسة تباعا، البروفسور عبدالرحيم علي- الأمين العام للمنظمة مرحباً بالحضور ومثمناً الجهود التي بذلت من لجان إعداد مجلس الأمناء وكذلك خاطب الجلسة إنابة عن أعضاء مجلس الأمناء الأستاذ/ على كورت الأمين العام لاتحاد المنظمات الأهلية بالعالم لإسلامي الذي مقره اسطنبول – تركيا وقد تخلل الجلسة الافتتاحية تكريم عدد من رواد منظمة الدعوة الإسلامية المؤسسين وهم: اللواء ركن / مزمل سليمان غندور – أول رئيس لمجلس أمناء منظمة الدعوة الإسلامية والمرحوم الدكتور/ التجاني عبدالرحمن ابو جديري – أول امين عام للمنظمة، والمرحوم الأستاذ / مبارك قسم الله زايد، أول مدير تنفيذي للمنظمة ثم الأمين العام لها. والدكتور/ الأمين محمد عثمان – المدير التنفيذي والأمين العام الأسبق. والفاضل/ عبد السلام سليمان سعد – المدير التنفيذي.

وفاته :

توفي صباح يوم الثلاثاء 24 ( إبريل ) نيسان عام 1984م  في حادث أليم بمنطقة القضارف إثر عودته من السعودية، حيثُ كان يعمل على وضع الترتيبات الأخيرة لافتتاح المقر الرئيسي لمنظمة الدعوة الإسلامية ومشروعاتها . وكان الأمين العام لهذه المنظمة الرائدة، التي أنشئت عام 1400ه ومقرها الخرطوم .

أصداء الرحيل :

التيجاني أبو جديري في ذمة الله :

كتب الأستاذ مصطفى الطحان تحت عنوان: التيجاني أبو جديري في ذمة الله – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من السودان

كل شيء في الخرطوم كبير وضخم حتى اسمها..

ومن غرفتي في الطابق التاسع في الفندق كنت أنظر إلى النيل يتدفق باعتزاز وشموخ.. وفي مصر نيل.. وفي السودان نيلان.. النيل الأبيـض والنيل الأزرق.

وعند العاصمة المثلثة يلتقيان في منظر بديع أخاذ يوحي للإنسان بكل ذكريات البطولة، بكل التاريخ المجيد الذي سطره زعماء المسلمين في هذا البلد الإسلامي العريق.

هنا هزم المهدي القائد البريطاني كتشنر.. وهنا قامت الدولة الإسلامية المهدية.. وهنا وقف السودان يجمع بين الشمال والجنوب، ينقل الحضارة ويرفع أعلام الإسلام.. ويعيد للحاضر ذكريات الماضي.

منذ زمن طويل وأنا احلم أن أزور الخرطوم.. فلي فيها إخوة وأصدقاء.. ويدافع الزمنُ الزمنَ.. وتمر الأيام مثقلة بالأعمال المتراكمة فلا تكاد تترك مجالاً للاختيار.. حتى جاءني الخبر.. أن التيجاني أبو جديري قد توفاه الله .. ونزل الخبر كالصاعقة.. وسافرت إلى الخرطوم.. لأقدم العزاء وأن أتلقاه.. والأمر لا يتم إلا هناك بين أبناء الفقيد وأهله وإخوانه..  صفوف من المعزين كلهم يستشعر فداحة الخطب وعظم المصيبة.

التيجاني أبو جديري

قال أحدهم: لم نكن نعرف قيمة الرجل حتى فقدناه.. وأصعب شيء هو هذا السهل الممتنع.. إذا رأيته قائماً على عمله ظننت أن كل أحد يستطيع أن يصنع مثله، فإذا غاب واستجبت للتحدي فشلت لقد كان من السهل الممتنع (رحمه الله).

وقال أحدهم: بل هو صلتنا مع العالم الخارجي.. مع الحركات الإسلامية في العالم. مع الاتحادات الطلابية.. في ميدان الدعوة.. في ميدان السياسة.. أو ميدان الاقتصاد.. فلقد كان يدنا التي تناول الآخرين، وخطونا الذي نتقدم به منهم.. عيوننا التي نراهم من خلالها.. لقد كان مجموعة في واحد.. أو أمة في رجل (رحمه الله).

هل يقال هذا الكلام عن التيجاني ابو جديري على طريقة (اذكروا محاسن موتاكم).. أم إنها الحقيقة.. ورجعت بنفسي إلى الوراء خمس عشرة سنة.. يوم أسسنا الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وكان من بين الحاضرين: المعارضون والمؤيدون، والمتفائلون والمتشائمون.. بل واليائسون من العمل الإسلامي أن تقوم فيه مؤسسات تقويه وتدعمه.. وكان صوت أخينا التيجاني ويده التي تشارك فمه في الحديث.. عالية مؤثرة في اتخاذ القرار.. وتكرر هذا الموقف بالنسبة للأخ التيجاني في كل منظمة إسلامية قامت.. فلقد كان له فيها فضل السبق.. أو فضيلة العمل والإصرار.. كان إيجابياً سباقاً إلى كل مكرمة (رحمه الله).

حدثني مرافقه الأخ مبارك.. قال كنا قبل يومين في الرياض.. وكان على عجلة من أمره يريد أن يعود فوراً إلى السودان.. وحاول إخوانه إقناعه انه لا ضرورة لهذه العجلة ومن الأفضل أن نمضي يوماً آخر في جدة نلتقي فيه بالأحباب.. ثم نتوكل على الله.. ولكنه أصر.. ووصلنا الخرطوم.. وأصر كذلك أن يسافر إلى مكان آخر لأداء مهمة كان عليه أن يؤديها.. وأصرّ إخوانه أن يأخذوا قسطاً من الراحة والنوم.. وأصرّ هو بالمقابل.. وانتزع مفتاح السيارة قائلاً لمرافقه: سأقود السيارة بنفسي!

كانت السماء مغبرة حزينة.. والظلمة دامسة لا ضوء فيها ولا حياة.. وفي غفلة من كل شيء في الدنيا الكئيبة.. أغمض الأخ التيجاني عيناه المرهقتان المتعبتان.. وكانت المرة الأخيرة.. فقد أسلم الروح.. ونُقل أخواه إلى المستشفى.

رحم الله الفقيد.. وأحسن الله عزاء إخوانه.. الذين يلتقون كل يوم، وفي عيونهم دمعة، وفي قلوبهم غصة، ولسان حال كل منهم قول الشاعر:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر          فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

رحم الله الأخ الحبيب التيجاني أبو جديري رحمة واسعة.

مصادر :

1-تتمة الأعلام : ج1 / 99 ، 100 .

2-المجتمع : ع 673 ( 28 / 8 / 1404ه ) ص 18 ، 19.

3-وإضافة معلومات من الأستاذ عبد السيد عثمان من السودان أدلى بها إلى الشيخ محمد خير رمضان يوسف .

4- الحركة الإسلامية في السودان – حسن مكي .

5- مدونة مصطفى الطحان .

وسوم: العدد 799