الشيخ أحمد الحارون

clip_image001_69e36.jpg

clip_image003_01f1b.jpg

·     ولادته ونسبه وكنيته:

أحمد بن محمد بن غنيم الحارون، الحجار.

ولد في منطقة الصالحية، قرية كبيرة ذات أسواق وجامع في سفح جبل قاسيون، في حي أبي جرش، بجانب مسجد الحنابلة، عام 1315ه - 1900م.

ينتسب أبوه لأبي العباس أحمد الرفاعي الحسيني، مؤسس الطريقة الرفاعية.

وتنتسب أمه لبنو شيبة، يرجع نسبهم إلى الصحابي الجليل شيبة بن عثمان بن أبي طلحة القرشي من بني عبد الدار، من أهل مكة.

ووالد الشيخ أحمد الحارون، كان يعمل في تقطير الزهور والورود، وينفق ما يجنيه على أبناءه الأربعة وكريمتيه.

·     نشأة الشيخ أحمد:

حفظ القرآن في السابعة، وانتقل والده إلى الرفيق الأعلى في هذا العمر، تعهدته والدته بالرعاية والتربية المميزة التي أهلته ليكون من العارفين بالله.

وجاءت البشارة للأم من المرحوم الشيخ مصطفى الكنّاني المشهود له بالصلاح والتقى، عند معاصريه، بأن نجلها أحمد سيكون له شأن في المستقبل إن شاء الله.

وبدأت الأم في رحلة السعادة التي تديرها بحكمة وإتقان، حيث سجلت ابنها عند الحاجة راجحة رحمها الله، وهذا أول طريق الكُتاب للابن أحمد، ثم انتقل إلى كتاب آخر في سوق الجمعة بإشراف المرحوم الشيخ عبده الأصغر، وبقي ثلاثة أعوام. تفوق على أقرانه، بقوة الحافظة لديه، في التلاوة والحفظ عن ظهر قلب للقرآن الكريم.

إلى جانب هذا التفوق الإيماني، تفوق أحمد حارون على أقرانه في عمله البدني الجسمي الذي مارسه بعد أن تعلم فنه، وهي صناعة قطع الحجارة، ففي الثانية عشر من عمره، بدأ بكسب المال من عرق جبينه، حيث كان يذهب إلى جبل قاسيون ليعمل حجاراً، هذه المهنة علمته الصبر والصبر ثم الصبر، كانت المعادلة الناتجة لهذا العمل التربوي على يد الوالده المربية، حفظ القرآن في الصغر مع عمل للرزق يرافقه الصبر والأدب، أن منَّ الله عليه بالفهم والإدراك والفتوح الإلهي.

ومع مهنة تقطيع الحجارة، عمل في مهنة النحت، مع المتابعة والمحافظة على تلاوة القرآن وأنواع متنوعة من العبادات.

استمر أحمد الحارون على العمل فيما يرضى الله عز وجل، وتميز على أقرانه بتفقد أمراض الظاهر والباطن للإنسان، مع مداواة تلك الأمراض، وجعل رأس تلك الإسقام هو اعتقال القلب وأسره لغير الله عز وجل.

هكذا كانت تربية أحمد الحارون، بدأت بخطوات تربوية صحيحة وقوية المعنى والفهم.

·     ماذا نريد من الذرية؟

إنهم للمباهاة بهم أمام سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، في حديثه الشريف، (فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، صلى الله عليك وسلم يا حبيبي يا رسول الله.

·     صور من حياته:

وهكذا بدأ الشيخ أحمد الحارون بشق طريق حياته، محتضناً رضى الله عز وجل في جميع أعماله وأحواله، لا يغيب عن ذهنه رضاه، مما جعله قبلة رفاقه في الجندية.

عندما طُلب إليها سنة 1917م، يؤمهم ويدعوهم إلى الخير والفلاح، وكان يُنشد قصائد الشيخ محي الدين بن عربي، والشيخ أحمد رزّوق المغربي، والشيخ عبد الغني النابلسي.

وكان ممن أبلى بلاءً حسناً في مقاتلة أعداء الدولة العثمانية في فلسطين، وعندما انتهت خدمته العسكرية، عاد للعمل حجاراً، يصنع البحرات والأجران، وفي سنة 1946 تزوج من خديجة بين أبي السعود الحداد، وأخذ في رعاية أسرته أفضل رعاية.

في البيت رعى زوجته، وابنه عبد الفتاح الذي توفي في العقد الثاني من حياته، وكان له ابنة اسمها سلمى، قام على تنشئتها التنشئة الصالحة النقية.

وقد كان موفقاً في أصحابه وزملاءه: المرحوم الشيخ أمين الخربوطلي، والشيخ عبد المحسن التغلبي، والشيخ أمين كفتارو، والشيخ توفيق الأيوبي، والشيخ عبد المحسن الاسطواني، والشيخ إبراهيم الغلاييني.

وكان يتردد على المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني، والسيد محمد جعفر الكتاني، والمرشد محمد الهاشمي، والشيخ أمين سويد، وغيرهم من العلماء أكابر ذلك العصر.

وفي العقد الرابع من عمره اتصل بعلماء آخرين:

محمد شكري الاسطواني، وقاضي دمشق عزيز الخاني، ومفتي سورية عطا الكسم، والمرحوم العارف بالله أمين الزملكاني، والشيخ عبد الله المنجد، والشيخ هاشم الخطيب. وعلماء آخرون من خيرة علماء الشريعة والحقيقة في سورية، أي من خيرة الصوفيين، المشهود لهم بالصلاح والتُقى.

وكان لشيخنا الفاضل أحمد الحارون مكانة كبيرة لدى علماء ذلك العصر، لأنه جعل من الحقيقة نور الشريعة، وانصرف في هذا العمر لدراسة الكتب الدينية الكونية، في خلواته، جلساته العلمية التي يعقدها في داره، أو دار محبيه ومريديه، أمثال الشيخ أبو الخير الميداني، رئيس رابطة العلماء، والهاشمي وغيرهم.

·     أهم الكتب التي درسها:

 1- الفتوحات المكية / للشيخ ابن عربي.

2- زاد المعاد / ابن القيم الجوزية.

3- الرسالة القشيرية / النيسابوري.

4- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء / أبي نعيم الأصبهاني.

5- إحياء علوم الدين / للغزالي.

6- رياض الصالحين.

وغيرها من الكتب:

تفسير كتاب دياسقوريدوس في الأدوية المفردة، وكتب تشريح، والفلك، وعلم طبقات الأرض، والأدب، والبنات... وغيرها. مصداقاً للحديث الشريف: "ما اتخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه". ومصدقاً للحديث القدسي: "كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به"

أخذ بالتأليف والجمع في العقد الخامس من عمره".

ألف وكتب وجمع في النواحي التالية: التصوف، التفسير، الأخلاق، العلوم الكونية.

كتب عن مملكة الإنسان، والطب، والتشريح، والكهرباء، الفلك، علم النبات، وعلوم أخرى.

أكثر مؤلفاته أنجزت خلال ست سنوات، بأسلوب ولغة سهلة جذابة، تجذب كل فرد ليفهم حسب ثقافته ومؤهلاته. ولم يكن يسمح لأحد بنشر مؤلفاته، وتميزت كتاباته بالدقة العلمية، وفهم أسرار الشريعة والحقيقة.

·     جهاده رحمه الله:

كان يمسك بالقرآن والحديث بيد، وينافح باليد الأخرى ضد الذين يسعون لإضاعة المسلمين عن دعوتهم الواجبة، وأن لهم ديناً واجب اتباعه. بحواس يقظة ولسان واعظ راشد، نزل أحمد حارون إلى ساحة الحياة. مطبقاً لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ}الصف4

وجهاده الثاني كان ضد فرنسا، حيث جاهد بالمال والنفس، فكم من مرة ساهم في منع القوات الفرنسية من عبور جسر تورا، وكان ينتقل بين الغوطة معقل الثوار وبين دمر والفيجة في آن واحد.

ففي الأولى قتال والثانية لوقف الإمداد عن الأعداء.

ولذلك دخل التاريخ من بابه العريض ديناً علماً ثقافة، وعظاً، إرشاداً، تدريساً، جهاداً وقتال، "كما قال عزة حصرية".

·     إنفاقه وبره:

لم يتوقف أحمد حارون على جمال وصفه الذي أشرنا إليه فقط، إذ لم ينسى أن المحب لله هو الأكثر إنفاقاً. فكان يستخدم الصدقات كجواز للعبور إلى القلوب، حيث عُرفت داره كملجأ للمحتاجين والفقراء، وكالمستشفى لمعالجة أمراض القلوب.

وكان يتفقد العائلات المستورة وينفق عليها، ولم يكن يملك إلا داره التي ورثها عن والده.

·     وفاته:

توفي الشيخ أحمد الحارون ليل جمعة في 19 جمادى الأول عام 1382 /16 تشرين الثاني سنة 1962. بكت الشام عليه، وبكاه العالم الإسلامي، وحمله العلماء إلى المقر الأخير الذي وصى أن يدفن فيه، عند الشيخ رسلان الدمشقي، حيث عسكر خالد بن الوليد يوم الفتح.

(الشيخ الحارون واللغة العربية )

ويروي هذه القصة الأستاذ هاني المبارك عن أخيه الدكتور مازن المبارك ( من مواليد دمشق 1930 نال الدكتوراه في الآداب من جامعة القاهرة وهو الآن أستاذ العربية في كلية الآداب بجامعة دمشق ) فيقول :-

عاد أخي الدكتور مازن من مصر أوئل الستينيات يحمل شهادة الدكتوراة في النحو .

وفي يوم من الأيام زار أخي الدكتور مازن الشيخ أجمد الحارون في منزله ، وكان الشيخ أحمد رحمه الله يعتبر الدكتور مازن إبناً من أبنائه ، لأن الشيخ عبدالقادر المبارك والد الدكتور مازن والأستاذ هاني كان بمثابة أخ وزميل للشيخ الحارون .

أمر الشيخ أحمد الحارون رحمه الله مازن أن يقرأ في كتاب ، فسها الدكتور مازن بلحن لغوي .

فصوّب الشيخ أحمد قرأة الدكتور مازن (أي أعدل شأنها ) مما عظم على الدكتور مازن أن يصوب له إنسان شبه أمي قرأته وهو الذي يحمل الدكتوراة في النحو .

واعتبر ذلك الأمر مصادفة من قبل الشيخ .

وبعد فقرتين أو أكثر خطّأ الدكتور مازن نفسه ممتحناً الشيخ , وبكلمة تحتمل عدّة أوجه ، فعندما سمع الشيخ الخطأ الجديد قال :

( ولــك ابــن أخـي عـم تـمـتـحنـي ) .

وصحّح له الخطأ الثاني الذي أوقع الدكتور مازن نفسه به عن قصد ممتحناً الشيخ أجمد الحارون .

وله كرامات كثيرة ، ومن أدعيته قوله رضي الله عنه وأرضاه : ( اللهم لاتـُشمِّت أعدائي بدائي ، واجعل القرآن العظيم شفائي ودوائي ، فأنا العليل وأنت المداوي ، أنت ثقتي ورجائي ، واجعل حسن ظني بك شفائي .

اللهم احفظ عليَّ عقلي وديني ، وبك ياربِّ ثبت لي يقيني ، وارزقني رزقاً حلالاً يكفيني ، وابعد عني شر من يؤذيني ، ولاتحوجني لطبيب يداويني .

اللهم استرني على وجه الأرض ، وارحمني في بطن الأرض .

اللهم اغفر لي يوم العرض .

بسم الله الرحمن الرحيم طريقي ، والرحمن رفيقي ، والرحيم يحرسني ، من كلِّ شيء يلمسني ، ومن شر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد ، قل هو الله أحد .

وظلّ العرف بالله تعالى الشيخ أحمد على هذا الخط القويم إلى أن وافته المنية ( ليلة الجمعة في 19 جمادى الأول من عام

1382 الموافق 16 تشرين الثاني سنة 1962م ) .

وانتقل من الدار الفانية الى الدار الخالدة بعد أن ظلَّ عشرات السنين ملء الأبصار والأسماع ، أباً وأخاً ، وأستاذاً ، ومرشداً ، ومجاهداً وبطلاً ، ومثلاً للإيمان الصادق والورع والتقوى ، وبكته الشام على لسان الخطباء ، وبكاه العالم الإسلامي والعربي كله ، وبكته دمشق حين حمله على الأكف علماؤها ورجالها

إلى المقر الأخير الذي إختاره لنفسه في المكان الذي عسكر به الصحابي الجليل خالد بن الوليد ، ورابط فيه الشيخ أرسلان.

رضي الله عنه وأرضاه .

وسوم: العدد 812