الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد: شاعر القادسية

fdgfgfg1064.jpg

 (1 تموز/يوليو 1930 - 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2015) 

  هو الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، شاعر القادسية وأم المعارك ومتنبي العصر.

    يعد من أبرز القمم الشعرية العربية في العصر الحديث، وصاحب قصائد بليغة وصوت جهوري.

   ترجمت أعماله الشعرية إلى عدة لغات، وفاز بجوائز عربية وعالمية. 

 ومن أشهر أبيات شعره قوله: 

تهب كل رياح الأرض عاصفة والنخل لا تنحني إلا ذوائبه

المولد، والنشأة:

  ولد في بغداد عام 1930 ثم انتقل مع عائلته وعمره ثلاث سنوات إلى محافظة ميسان، وفيها قضى طفولته وصباه المبكر متنقلا.

  عاد إلى مسقط رأسه بغداد التي أكمل فيها دراسته الثانوية والجامعية. ثم أقام سنوات عديدة في عمان.

أنجب بنتا وثلاثة أولاد.

الدراسة، والتكوين:

تخرج عام 1952 من قسم اللغة العربية في دار المعلمين العالية (صارت لاحقا كلية التربية في جامعة بغداد).

الوظائف، والمسؤوليات:

اشتغل عبد الواحد في التدريس سنوات ثم عمل معاونا للعميد في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد.

في عام 1970 انتقل إلى وزارة الثقافة والإعلام فعمل سكرتيرا لتحرير مجلة "الأقلام" ثم رئيسا لتحريرها، فمديرا في المركز الفولكلوري. وعُين بعد ذلك مديرا لمعهد الدراسات الموسيقية٬ ثم صار عميدا لمعهد الوثائقيين العرب.

   تقلد بعد ذلك مناصب عدة، فبعد إدارته للمكتبة الوطنية ببغداد عُين مديرا عاما لثقافة الأطفال فمستشارا ثقافيا لوزارة الثقافة والإعلام.

  وخلال تجربته، شغل عضوية كل من اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى واللجنة المركزية لتعضيد النشر، بالإضافة إلى هيئات عراقية أخرى. كما كان من المؤسسين الأوائل لاتحاد الأدباء في العراق.

التجربة الشعرية:

  يرى عبد الواحد -الذي شارك في معظم دورات المربد الشعري العراقي- أن الشعر يتجلى في كل شيء، وحتى المعاناة التي يشهدها بلده الذي مزقته الصراعات الطائفية "تجري شعرا"، وراهن على الشعر الذي رأى أنه "الحلم كله".

  وصف النص الشعري- بأنه "حالة نفسية مستمرة أبدا لا تنقطع، غير أن أوضاعها متغيرة بين الحزن والفرح، وهي تبحث دائما عن إيقاع موسيقي تنسجم معه".

  علاقته مع القصائد الشعرية فريدة، فهو يرى أن "الشعر حالة تعاش في اللحظة التي تفرق بين الإلهام ولحظة تسجيلها على ورق"، ووصف هذه العلاقة -في تصريح صحفي- بقوله: "كتبتُ بعض قصائدي على مخدّتي بسبب نقصان الورق في فترة من الفترات".

   كتب عبد الرزاق عبد الواحد الشعر الحر لكنه كان يميل أكثر إلى كتابة القصيدة العمودية العربية بضوابطها. ومن قصائده "سلاما أيها الوطن الجريح"، "هي حرب صليبية يا محمد"، "نافورة العسل" و"في رحاب النجف الأشرف".

  كان زميلا لرواد الشعر الحر بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وشاذل طاقة عندما كانوا طلابا في دار المعلمين نهاية أربعينيات من القرن العشرين.

    وعن تجربته خلال هذه الفترة قال في حوار مع الجزيرة نت "كنت واحدا من مجموعة الشعراء الشباب الأولى آنذاك، وهم السياب ورشيد ياسين وأكرم الوتري ومحمود البريكان وشاذل طاقة وبلند الحيدري، وكنا نلتقي في مقهى حسن عجمي ونتعاطى الشعر ونعقد جلسات نقد".

   يحمل الشاعر -الذي يطلق عليه البعض لقب "المتنبي الأخير"- تاريخ وطنه ويرتبط بانتصاراته وكبواته، واستمد من نخيل العراق وآثار سومر وبابل كل صور الشعر الجميلة.

   وعُد عبد الرزاق عبد الواحد من الشعراء البارزين زمن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ولقب بـ"شاعر القادسية"، و"شاعر أم المعارك". 

 وكتب عن الحرب العراقية الإيرانية خلال 1980-1988م.

  وكذلك عن الحرب التي شُنت على العراق عام 1991، وما تلاها من حصار اقتصادي، وعن محنة العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003.

   علق على الأوضاع التي يعيشها العراق بقوله "كل شبر في العراق الآن يجري شعرا..، أطفال العراق الآن في ‘هوساتهم‘ الشعبية ينضحون شعرا..، الفلوجة بصمودها الأسطوري هي شعر..، العراق الراهن جراح نازفة وقتل واغتصاب في سجون الحكومة الطائفية، ورعب وقبور لجثث مغدورين يطوف بها العراقيون دون أن يعرفوا هوياتهم..، هذا المشهد المروع لخصته في إحدى قصائدي: أيها الوطن الجريح".

القصائد، والمؤلفات:

   نشر عبد الرزاق عبد الواحد أولى قصائده عام 1945، وبعدها بعشر سنوات أصدر أول مجموعة شعرية، ثم توالت قصائده الشعرية. 

   وصدرت له في المحصلة حوالي 42 مجموعة شعرية، منها عشر مجموعات شعرية للأطفال هي أعز شعره عليه، ومسرحيتان شعريتان.

   تخطت قصائده العالم العربي، فقد تـُرجمت مجموعة منها بعنوان "قصائد مختارة" للغة الإنجليزية، كما ترجم للغة اليوغسلافية أربعة آلاف بيت من الشعر. 

   وترجم المستشرق الفرنسي جاك بيرك مجموعة من قصائده والقسمين الأول والثاني من ملحمته "الصوت" إلى الفرنسية.

   نشرت له مجموعة قصائد مختارة في هلسنكي بعد ترجمتها إلى الفنلندية، كما ترجمت قصائد أخرى إلى لغات أخرى كالروسية والرومانية والألمانية. وكانت قصائده المتميزة موضوع عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.

   من قصائده "حشود من الحب والكبرياء" التي تحكي قصة الدبابات العراقية التي صدت الغزو الإسرائيلي عن دمشق في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

   وبعد أكثر من أربعين مجموعة شعرية، لخص -في حوار مع الجزيرة نت- تجربته في قصيدة سماها "يا سيدي المتنبي" يقول فيها:

موكّـــلٌ بكَ لا سفــــحٌ ولا قــــــممُ

ولا فَــــــنارٌ فأستــــــهدي ولا علمُ

وحدي وصوتكَ يطويني وينشرُني

للريحِ والعــــصبُ المشدودُ والقلمُ"

الأوسمة، والجوائز:

  تقلد عبد الواحد خلال مساره العديد من الأوسمة والدروع والجوائز، فقد حصل على وسام بوشكين في مهرجان الشعر العالمي ببطرسبرغ عام 1976. وفاز بجائزة صدام للآداب في دورتها الأولى ببغداد عام 1987.

حصل عام 1986 على ميدالية "القصيدة الذهبية" في مهرجان ستروكا الشعري العالمي في يوغسلافيا التي شهدت أيضا فوزه بالجائزة الأولى في مهرجان الشعر العالمي عام 1999.

  وبمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008، كُرم عبد الواحد ومُنح درع دمشق، كما كرم في مناسبات وفعاليات ثقافية أخرى.

الوفاة:

  بعد مرض عضال، توفي عبد الرزاق عبد الواحد في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس.

أصداء الرحيل:

    هو الشاعر العراقي الكبير الذي ولد في بغداد، وانتقلت عائلته من بعد ولادته إلى محافظة ميسان في جنوب العراق حيث عاش طفولته هناك، ولُقب بشاعر أم المعارك، وشاعر القادسية، وشاعر القرنين، والمتنبي الأخير.

  ولد عبد الرزاق عبد الواحد في 1 يوليو/تموز 1930

بغداد، المملكة العراقية

 وأما الوفاة فكانت في 8 نوفمبر 2015 (85 سنة)

باريس، فرنسا، غريباً طريدا.

تخرج من دار المعلمين العالية (كلية التربية حالياً) عام 1952م.

 وعمل مدرساً للغة العربية في المدارس الثانوية، وكانت زوجته طبيبة، وله ابنة وثلاثة أولاد.

 وشارك في معظم جلسات المربد الشعري العراقي.

   وتوفي صباح يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 عن عمر ناهز 85 عاماً في العاصمة الفرنسية باريس.

سيرته المهنية، والعملية:

  عمل مدرساً لمادة اللغة العربية، ومعاوناً للعميد في معهد الفنون الجميلة في بغداد.

  وفي عام 1970 نقلت خدماته من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الثقافة والإعلام، فعمل فيها سكرتيراً لتحرير مجلة الأقلام، وبعدها رئيساً للتحرير في المجلة. ثم مديراً للمركز الفولكلوري العراقي، ثم شغل منصب مدير معهد الدراسات النغمية، فعميداً لمعهد الوثائقيين العرب، ثم مدير عام المكتبة الوطنية العراقية، ثم صار المدير العام لدار ثقافة الأطفال، ثم مستشاراً لوزير الثقافة والإعلام.

الصابئة ومجلة صروح السورية:

  يعتنق الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد الديانة الصابئية المندائية وهو الذي أعدَّ إلى اللغة العربية الكتاب المقدس للدين الصابئي المندائي كنز ربا.

   وكتب في العدد الرابع من مجلة صروح السورية بحثاً مطولاً عن هذه الديانة إذ شرح فيهِ أصولها والجواهر اللاهوتية التي تعتبر أساسيات هذه الديانة، وتاريخها. 

   كما شرح في البحث العقائد التي يستند عليها هذا الدين: كالعقيدة في الله، والعقيدة في الروحانيات، والعقيدة في النبوة، وأخيراً العقيدة في الموت والحياة الأخرى والجنة والنار.

   وهو أحد مؤسسي نادي التعارف للطائفة المندائية في بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين.

  شغل مناصب مرموقة في وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وكان رئيس تحرير مجلة أقلام، ومعاون عميد معهد الفنون الجميلة، والمدير العام للمكتبة الوطنية العراقية، والمدير العام لدار ثقافة الاطفال وعميد معهد الدراسات النغمية، ومستشار وزير الثقافة والإعلام.

    ولقد كتب عنهُ مؤخرا الباحث صباح نجم عبد الله رسالة ماجستير في مدينة عمان. 

   وأيضا كتب عنه الباحث خالد العامري من الاهواز رسالة الماجستير في جامعة أراك الايرانية، وتناول فيها أشعاره الاجتماعية.

خصائص شعره:

   يُذكر أن عبد الرزاق عبد الواحد كان زميلاً لرواد الشعر الحر بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وشاذل طاقة عندما كانوا طلاباً في دار المعلمين نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وقد أبدع في الشعر الحر ولكنه يميل إلى كتابة القصيدة العمودية العربية بضوابطها.

أعماله الشعرية:

  كان لعبد الرزاق عبد الواحد 59 ديوانا شعريا منشورا، حيث نشرت أول قصائده عام 1945 ونشر أول ديوان لهُ عام 1950، ومن دواوينه:

لعنة الشيطان

طيبة

قصائد كانت ممنوعة

أوراق على رصيف الذاكرة

خيمة على مشارف الاربعين

الخيمة الثانية

في لهيب القادسية

أنسوكلوبيديا الحب

قمر في شواطئ العمارة

في مواسم التعب

120 قصيدة حب

يا صبر أيوب

   وغيرها العديد من الدواوين بالإضافة إلى 10 مسرحيات شعرية من ضمنها «الحر الرياحي» و«الصوت» و«الملكات» بالإضافة إلى ما كتب إلى دار الأزياء العراقية و 22 رواية شعرية للأطفال والعديد من الأناشيد الوطنية.

   كما تُرجمت قصائده إلى لغات مختلفة منها الإنجليزية والفنلندية والروسية والألمانية والرومانية واليوغسلافية.

حصل على العديد من الجوائز منها:

وسام بوشكين في مهرجان الشعر العالمي في بطرسبرغ 1976.

درع جامعة كامبردج وشهادة الاستحقاق منها 1979.

ميدالية «القصيدة الذهبية» في مهرجان ستروكا الشعري العالمي في يوغوسلافيا 1986.

جائزة صدام حسين للآداب في دورتها الأولى - بغداد 1987.

الجائزة الأولى في مهرجان الشعر العالمي في يوغوسلافيا 1999م.

وسام «الآس»، وهو أعلى وسام تمنحه طائفة الصابئة المندائيين للمتميزين من أبنائها 2001.

نوطي «الاستحقاق العالي» من رئاسة الجمهورية العراقية 1990

    جرى تكريمه ومنحه درع دمشق برعاية وزير ثقافة الجمهورية العربية السورية، في 24 و25 تشرين الثاني 2008 بمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية، وحضر التكريم عدد من كبار الأدباء العرب، وألقي فيه عدد كبير من البحوث والدراسات.

شعره في عهد حزب البعث العربي الاشتراكي:

  لُقِّب عبد الرزاق عبد الواحد بشاعر القادسية تارة، وشاعر أم المعارك تارة أخرى، ولقب أيضاً بشاعر القرنين، والنهر الثالث 

   ومن أشهر قصائده الحماسية أثناء الحرب العراقية الإيرانية روعتم الموت، ومنها:

وهؤلاء الذين استنفروا دمهم

كأنما هم إلى اعراسهم نفروا

السابقون هبوب النار ما عصفت

والراكضون إليها حيثُ تنفجرُ

الواقفون عماليقا تحيط بهم

خيل المنايا ولا ورد ولا صدرُ

وكان صدام يسعى بينهم أسداً

عن عارضيه مهب النار ينحسرُ

قصيدة «في رحاب الحسين»:

   تُعدُّ قصيدة «في رِحَابِ الحُسَين» من القصائد المشهورة التي قيلت في رثاء الإمام الحسين بن علي إلى جانب قصيدة «آمنت بالحسين» لمحمد مهدي الجواهري والكثير من القصائد الأدبيّة الأخرى، ألقاها عام 1995 في كربلاء بمناسبة استشهاد الإمام الحسين بن علي.

وهذه أبيات رائعة من القصيدة:

قَدِمتُ.. وَعَفْوَكَ عن مََقدَمي

حَسيراً، أسيراً، كسيراً، ظَمي

قدِمتُ لأُحرِمَ في رَحْبَتَيْك

سَلامٌ لِمَثواكَ من مَحرَمِ

فَمُذْ كنتُ طفلاً رأيتُ الحُسَين

مَناراً إلى ضوئِهِ أنتَمي

ومُذْ كنتُ طفلاً وجَدتُ الحُسَين

مَلاذاً بأسوارِهِ أحتَمي

وَمُذْ كنتُ طفلاً عرَفتُ الحُسَين

رِضاعاً.. وللآن لم أُفطَمِ!

سلامٌ عليكَ فأنتَ السَّلام

وإنْ كنتَ مُخْتَضِباً بالدَّمِ

وأنتَ الدَّليلُ إلى الكِبرياء

بِما دِيسَ مِن صَدرِكَ الأكرَمِ

وإنَّكَ مُعْتَصَمُ الخائفين

يا مَن مِن الذَّبحِ لم يُعصَمِ

لقد قلتَ للنفسِ هذا طريقُكِ

لاقِي بِهِ الموتَ كي تَسلَمي

وخُضْتَ وقد ضُفِرَ الموتُ ضَفْراً

فَما فيهِ للرّوحِ مِن مَخْرَمِ

وَما دارَ حَولَكَ بَل أنتَ دُرتَ

على الموتِ في زَرَدٍ مُحكَمِ

من الرَّفْضِ، والكِبرياءِ العظيمةِ

حتى بَصُرتَ، وحتى عَمِي

فَمَسَّكَ من دونِ قَصدٍ فَمات

وأبقاكَ نجماً من الأنْجُمِ!

شعره بعد تغيير النظام عام 2003م..

   ومن قصائده التي كتبها بعد احتلال العراق هي قصيدة يا نائي الدار التي كتبها في باريس بتاريخ 14 تموز 2004.

لا هُم يَلوحـُون.. لا أصواتـُهُم تـَصِلُ

لا الدار، لا الجار، لا السُّمّار، لا الأهَلُ

وأنتَ تـَنأى، وَتـَبكي حولـَكَ السـُّبـُلُ

ضاقـَتْ عليكَ فـِجاجُ الأرض ِيا رَجُـلُ !

سـَـبعـينَ عاما ً مَلأتَ الكـَونَ أجنِحَـة ً

خـَفـْقَ الشـَّرارِ تـَلاشـَتْ وهيَ تـَشـتـَعِـلُ

لا دَفــَّأتـْـكَ، ولا ضاءَ الـظـَّلامُ بـِهـا

طارَتْ بـِعُـمرِكَ بَـيْـنـا أنتَ مُـنـْذهـِلُ

تـَرنـُو إلـَيهـِنَّ مَبهـُورا ً.. مُعـَلـَّقـَـة ً

بـِهـِنَّ روحُـكَ، والأوجـاعُ، والأمَلُ

وَكـُلــَّما انـطـَفـَأتْ منهـُنَّ واحـِـدَة ٌ

أشـاحَ طـَرفـُكَ عـَنهـا وهوَ يـَنهـَمِلُ !

سـَبعـونَ عـاما ً..وهذا أنتَ مُرتـَحِـلٌ

ولـَسـتَ تـَدري لأيِّ الأرض ِتـَرتـَحِـلُ !

يا نـائيَ الـدّار.. كلُّ الأرض ِمُوحِـشـَة ٌ

إنْ جـِئتـَهـا لاجـِئـا ًضاقـَتْ بـِهِ الحِـيَـلُ !

وكـنـتَ تـَملـِكُ في بغـــدادَ مَملـَكـَة ً

وَدارَ عـِزٍّ عـَلـَيـهـا تـَلـتـَقي المُقـَـلُ

وَالـيَومَ ها أنتَ..لا زَهـوٌ، ولا رَفـَلُ

وَلا طموحٌ، وَلا شـِعـرٌ، وَلا زَجَـلُ

لكـنْ هـمومُ كـَسـيرٍ صـارَ أكبـَرَهـا

أنْ أيـنَ يَمضي غـَدا ً..أو كيفَ يـَنتـَقـِلُ !

يا لـَيـلَ بغـداد.. هـَلْ نـَجـمٌ فـَيـَتـبـَعُـهُ

مِن لـَيـل ِباريس سـَكرانُ الخُطى ثـَمِلُ

الحـُزنُ والـدَّمعُ سـاقـيـهِ وَخـَمـرَتـُهُ

وَخـَيـلـُهُ شـَوقـُهُ.. لـَو أنـَّهـا تـَصِـلُ

إذ َنْ وَقـَفـتُ على الشـُّـطآن ِأسـألـُهـا

يا دَجلـَة َالخـَير، أهلُ الخـَيرِ ما فـَعَـلوا؟

أما يَـزالـونَ في عـالي مَرابـِضِهـِم

أم مِن ذ ُراهـا إلى قـِيعـانِها نـَزَلـوا؟

هَل استـُفـِزُّوا فـَهـِيضُوا فاستـُهـِينَ بهـِم

عـَهـِدتُ واحـِدَ أهـلي صَبـرُهُ جـَمَـلُ !

فـَأيُّ صائح ِمَوتٍ صـاحَ في وَطـَني

بـِحَيثُ زُلـزِلَ فيـهِ السـَّهـلُ والجـَبـَلُ؟

وأيُّ غـائـِلـَة ٍ غـالـَتْ مَحــارِمـَهُ

وما لـَدَيـهِ عـلى إقـصـائِهـا قـِبـَـلُ؟

يا دَجلـَة َالخَيرِ بَعضُ الشـَّرِّ مُحتـَمَلٌ

وَبـَعـضُه ُليسَ يُدرَى كيفَ يُحـتـَمَلُ !

خـَيرُ الأنـام ِالعـراقـيـُّونَ يا وَطني

وَخـَيرُهُم أنَّ أقـسى مُرِّهـِم عـَسـَلُ !

وَخـَيرُهُم أنـَّهـُم سـَيفٌ.. مروءَتـُهُم

غـِمْدٌ لـَهُ..والتـُّقى، والحِلـْمُ، والخَجَلُ

وهُم كـِبارٌ.. مَهـيـبـاتٌ بَـيـارِقـُهـُم

شـُمٌّ خـَلائـِقـُهُم.. خـَيـَّالـُهُـم بَـطـَلُ

لا يَخفِضونَ لـِغـَيرِ اللهِ أرؤسـَهـُم

ولا يـَنامونَ لو أطفـالـُهـُم جَفـَلـُوا

فـَكيفَ أعراضُهُم صارَتْ مُهَتـَّكـَة ً

وَحـَولـَهـُنَّ سـتـورُ اللهِ تـَنـسـَدِلُ؟

وكيفَ أبوابـُهُم صارَتْ مُشـَرَّعَة ً

لـِكلِّ واغـِل ِسُـوء ٍبـَيـنـَهـا يَغـِلُ؟

وكيفَ يا وَطنَ الثـُّـوّارِ داسَ على

كلِّ المَحـارِم ِفيكَ الـدُّونُ والسـَّفـِلُ؟

أهؤلاء ِالذيـنَ الـكـَونُ ضاءَ بـِهـِم

وَعَلـَّموا الأرضَ طـُرّا ًكيفَ تـَعتـَدِلُ

وَمَنْ أعانـُوا، وَمَن صانـُوا، وَمَن بَذ َلوا

وَمَن جَميعُ الوَرى مِِن مائِهـِم نـَهَـلوا

دِماؤهُم هذهِ التـَّجـري؟..هَـياكِـلـُهُم

هـذي؟؟..أقـَتـلى بأيْدي أهـلِهـِم قـُتِـلوا؟

تـَعـاوَنَ الكـُفـْرُ والكـُفـّارُ يا وَطني

عـَلـَيهـِمو.. ثمَّ جـاءَ الأهـلُ فاكتـَمَلـُوا !

يا ضَوءَ روحي العـراقيـُّين..يا وَجَعي

وكبـريائي.. ويا عـَيني التي سـَمَلـُوا

أنتـُم أضالـِعُ صَدري..كلـَّما كـَسـَروا

ضلعـاً أحِـسُّ شـِغـافي وهوَ يَنبـَزِلُ

فـَكيفَ تـَجـرؤ ُ يا أهـلي بَـنـادِقـُكـُم

على بـَنـيكـُم ولا تـَندى لـَكـُم مَقـَلُ؟

وكيفَ تـَسـفـَحُ يا أهلي خـَنـاجـِرُكُم

دِما بَـنـيـكـُم ولا يَـنـتـابُهـا شـَلـَلُ؟

وكيفَ يا أهـلـَنـا نالـُوا مروءَتـَكـُم

فأوقـَعـُوا بـَينـَكـُم مِن بَعدِ ما انخـَذلـُوا؟

يا أهلـَنـا.. ليسَ في حَـربِ العـِدا خـَلـَلٌ

بـَلْ قـَتـلـُكـُم بَعضُكـُم بَعضا ًهوَ الخـَلـَلُ

لا تـَكسِروا ضِلعـَكـُم أهلي فـَما عُرِفـَتْ

أضلاعُ صَـدر ٍلـِكي تـَحميـه ِتـَقـتـَتـِلُ

فـَدَيـتـُكـُم أنـتـُم الـبـاقـُون.. راحـِلـَة ٌ

هـذي المُسـوخُ كـَما آبـاؤهـُم رَحـَلـُوا

فـَلا تـُعـينـُوا عـليكـُم سـافِحي دَمِكـُم

كي لا يـُقـالَ أهـالـيـهـِم بـِهـِم ثـُكِـلـُوا

صُونـُوا دِماكـُم، فـَيَوما ًمِن قـَذارَتـِهـِم

كلُّ العــراق ِبـِهـذا الـدَّمِّ يَغـتـَسـِلُ!

من أشعاره:

  قال الشاعر عبد الرزاق عام 2006 في ذكرى مرور 3 سنوات على فراقه للعراق:

  «بعد فراق ثلاثة أعوام.. وقفت على شاطئ الفرات في الرقة، وبين جريان موجه ودموعي، كتبت هذه الأبيات.. وبها بدأت قراءتي الشعرية هناك» بعد ثلاث سنوات

وقفتُ على نهرِ الفراتِ بأرضِكم

وعينـايَ فـَرط َ الوَجدِ تـَنهَـمِلان ِ

فـقـلـتُ لهُ يـا ماءُ أبلـِغْ تـَحـيـَّتي

إلى كلِّ نـَفس ٍفي العراق ِتـُعاني

وخُـذ دَمعَة ًمنـِّي إلى كلِّ نـَخـلـَةٍ

تـَمُرُّ بها.. وانْحَـبْ بـِألفِ لـِسـان ِ

على كلِّ غـُصن ٍفي العراق ِمُهَدَّل ٍ

وكلِّ عـزيزٍ في العراق ِ مُهـان ِ

وَمُرَّ بأحفادي، وقـُلْ قلبُ جَدِّكم

يَـظـَلُّ عـلـيـكم داميَ الـخـَفـَقـان ِ

وسـَلـِّمْ على أهلي، ونـَثـِّرْ مَدامِعي

على وطني يا مُسـرِع َالجـَرَيان ِ

سَلاما.. سَلاما.ً. بعدَ يوم ٍوليلـَةٍِ

سَتشتاقُ حَدَّ الموتِ للفيَضان ِ!

قيل فيه:

  قال الشيخ أحمد الكبيسي: إن عبد الرزاق عبد الواحد مبدع أفسدته السياسة إذ لا يجوز للشاعر المبدع أن يبيع نفسه لأحد، إذ كان يشير إلى أن عبد الرزاق كان شاعر بلاط، ولكن عبد الرزاق قال في مقابلة مع وكالة أنباء الشعر:

  «لست شاعر بلاط وإنما كنت أمجد العراق وجنوده وليس شخص واحد والدليل على ذلك إني لا أزال أكتب لصدام كرمز للعراق».

  وأشار إلى أن الشاعر المتنبي كان يمدح سيف الدولة كشخص وإنه لم يكن يمدح صدام حسين كشخص وإنما كرمز للعراق.

  ويقول الشاعر العراقي فالح نصيف الحجية في كتابهِ الموجز في الشعر العربي الجزء الرابع:

  «إن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد يتميز بأسلوبهِ القريب من شعر المتنبي في فخرهِ ومدحهِ ذو حنكة شعرية فذة وأسلوب شعري يميل إلى قوة الشاعرية والبلاغة غير المقصودة بحيث تجعله من أوائل الشعراء المعاصرين في قصيدة عمود الشعر في العربية».

وفاته:

   تُوفيَّ في العاصمة الفرنسية باريس صباح يوم الأحد 26 محرم 1437 هـ الموافق 8 تشرين الثاني 2015م، عن عمر ناهز 85 عاما ودُفن في العاصمة الأردنية عمان بحسب رغبة عائلته بانتظار أن يعم السلام في بغداد ثم ينقل جثمانه إليها.

شعر عبد الرزاق عبد الواحد: دراسة موضوعية، وفنية:

   وها هو الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد يكتب قصيدة صور فيها ألم العراق وجراحه تحت عنوان (يا صبر أيوب)، مهد لها:

(من مأثور حكاياتنا الشعبية، أن مخرزا نسي تحت الحمولة على ظهر جمل..)

قالوا وظل.. ولم تشعر به الإبل

يمشي، وحاديه يحدو.. وهو يحتمل..

ومخرز الموت في جنبيه ينشتل

حتى أناخ بباب الدار إذ وصلوا

وعندما أبصروا فيض الدما جفلوا

صبر العراق صبور أنت يا جمل!

وصبر كل العراقيين يا جمل

صبر العراق وفي جنبيه مخرزه

يغوص حتى شغاف القلب ينسمل

ما هدموا.. ما استفزوا من محار مه

ما أجرموا.. ما أبادوا فيه.. ما قتلوا

وطوقهم حوله.. يمشي مكابرة

ومخرز الطوق في أحشائه يغل

وصوت حاديه يحدوه على مضض

وجرحه هو أيضا ناز ف خضل

يا صبر أيوب.. حتى صبره يصل

إلى حدود، وهذا الصبر لا يصل!

يا صبر أيوب، لا ثوب فنخلعه

إن ضاق عنا.. ولا دار فننتقل

لكنه وطن، أدنى مكارمه

يا صبر أيوب، أنا فيه نكتمل

وأنه غرة الأوطان أجمعها

فأين عن غرة الأوطان نرتحل؟!

أم أنهم أزمعوا ألا يظللنا

في أرضنا نحن لا سفح، ولا جبل

إلا بيارق أمريكا وجحفلها

وهل لحر على أمثالها قبل؟

وا ضيعة الأرض إن ظلت شوامخها

تهوي، ويعلو عليها الدون والسفل!

كانوا ثلاثين جيشا، حولهم مدد

من معظم الأرض، حتى الجار والأهل

جميعهم حول أرض حجم أصغرهم

إلا مروءتها.. تندى لها المقل!

وكان ما كان يا أيوب.. ما فعلت

مسعورة في ديار الناس ما فعلوا

ما خربت يد أقسى المجرمين يدا

ما خربت واستباحت هذه الدول

هذي التي المثل العليا على فمها

وعند كل امتحان تبصق المثل!

يا صبر أيوب، ماذا أنت فاعله

إن كان خصمك لا خوف، ولا خجل؟

ولا حياء، ولا ماء، ولا سمة

في وجهه.. وهو لا يقضي، ولا يكل

أبعد هذا الذي قد خلفوه لنا

هذا الفناء.. وهذا الشاخص الجلل

هذا الخراب.. وهذا الضيق.. لقمتنا

صارت زعافا، وحتى ماؤنا وشل

هل بعده غير أن نبري أظافرنا

بري السكاكين إن ضاقت بنا الحيل؟!

يا صبر أيوب.. إنا معشر صبر

نغضي إلى حد ثوب الصبر ينبزل

لكننا حين يستعدى على دمنا

وحين تقطع عن أطفالنا السبل

نضج، لا حي إلا الله يعلم ما

قد يفعل الغيض فينا حين يشتعل!

يا سيدي.. يا عراق الأرض.. يا وطنا

تبقى بمرآه عين الله تكتحل

لم تشرق الشمس إلا من مشارقه

ولم تغب عنه إلا وهي تبتهل

يا أجمل الأرض .. يا من في شواطئه

تغفو وتستيقظ الآباد والأزل

يا حافظا لمسار الأرض دورته

وآمرا كفة الميزان تعتدل

مذ كورت شعشعت فيها مسلته

ودار دولابه، والأحرف الرسل

حملن للكون مسرى أبجديته

وعنه كل الذين استكبروا نقلوا!

يا سيدي.. أنت من يلوون شعفته

ويخسأون، فلا والله، لن يصلوا

يضاعفون أسانا قدر ما قدروا

وصبرنا، والأسى، كل له أجل

والعالم اليوم، هذا فوق خيبته

غاف، وهذا إلى أطماعه عجل

لكنهم، ما تمادوا في دنائتهم

وما لهم جوقة الأقزام تمتثل

لن يجرحوا منك يا بغداد أنملة

ما دام ثديك رضاعوه ما نذلوا!

بغداد.. أهلك رغم الجرح ، صبرهمو

صبر الكريم، وإن جاعوا، وإن ثكلوا

قد يأكلون لفرط الجوع أنفسهم

لكنهم من قدور الغير ما أكلوا!

شكرا لكل الذين استبدلوا دمنا

بلقمة الخبز.. شكرا للذي بذلوا

شكرا لإحسانهم.. شكرا لنخوتهم

شكرا لما تعبوا.. شكرا لما انشغلوا

شكرا لهم أنهم بالزاد ما بخلوا

لو كان للزاد أكالون يا جمل!

لكن أهلي العراقيين مغلقة

أفواههم بدماهم فرط ما خذلوا

دما يمجون إما استنطقوا، ودما

إذ يسكتون، بجوف الروح، ينهمل!

يا سيدي.. أين انت الآن؟ خذ بيدي

إني إلى صبرك الجبار أبتهل

يا أيهذا العراقي الخصيب دما

وما يزال يلالي ملأه الأمل

قل لي، ومعذرة ، من أي مبهمة

أعصابك الصم قدت أيها الرجل؟!

ما زلت تؤمن أن الأرض دائرة

وأن فيها كراما بعد ما رحلوا

لقد نظرت إلى الدنيا، وكان دمي

يجري.. وبغداد ملء العين تشتعل

ما كان إلا دمي يجري.. وأكبر ما

سمعته صيحة باسمي.. وما وصلوا!

وأنت يا سيدي ما زلت تومئ لي

أن الطريق بهذا الجب يتصل

إذن فباسمك أنت الآن أسألهم

إلى متى هذه الأرحام تقتتل؟

إلى متى تترع الأثداء في وطني

قيحا من الأهل للأطفال ينتقل؟

إلى متى يا بني عمي؟.. وثابتة

هذي الديار.. وما عن أهلها بدل؟

بلى... لقد وجد الأعراب منتسبا

وملة ملة في دينها دخلوا!

وقايضوا أصلهم.. واستبدلوا دمهم

وسوي الأمر.. لا عتب، ولا زعل!

الحمد لله.. نحن الآن في شغل

وعندهم وبني أخوالهم شغل!

أنا لنسأل هل كانت مصادفة

أن أشرعت بين بيتي أهلنا الأسل؟

أم أن بيتا تناهى في خيانته

لحد أن صار حتى الخوف يفتعل؟

وها هو الآن يستعدي شريكته

بألف عذر بلمح العين ترتجل!

أما هنا يا بني عمي، فقد تعبت

مما تحن إلى أعشاشها الحجل!

لقد غدا كل صوت في منازلنا

يبكي إذا لم يجد أهلا لهم يصل!

يا أيها العالم المسعور.. ألف دم

وألف طفل لنا في اليوم ينجدل

وأنت تحكم طوق الموت مبتهجا

من حول أعناقهم.. والموت منذهل!

أليس فيك أب؟.. أم يصيح بها

رضيعها؟؟ طفلة تبكي؟ أخ وجل؟

يصيح رعبا، فينزو من توجعه

هذا الضمير الذي أزرى به الشلل؟

يا أيها العالم المسعور.. نحن هنا

بجرحنا، وعلى اسم الله نحتفل

لكي نعيد لهذي الأرض بهجتها

وأمنها بعدما ألوى به هبل!

وأنت يا مرفأ الأوجاع أجمعها

ومعقل الصبر حين الصبر يعتقل

لأنك القلب مما نحن، والمقل

لأن بغيرك لا زهو، ولا أمل

لأنهم ما رأوا إلاك مسبعة

على الطريق إلينا حيثما دخلوا!

لأنك الفارع العملاق يا رجل

لأن أصدق قول فيك: يا رجل!

يقودني ألف حب.. لا مناسبة

ولا احتفال.. فهذي كلها علل!

لكي أناجيك يا أعلى شوامخها

ولن أردد ما قالوا، وما سألوا

لكن سأستغفر التاريخ إن جرحت

أوجاعنا فيه جرحا ليس يندمل

وسوف أطوي لمن يأتون صفحته

هذي، لينشرها مستنفر بطل

إذا تلاها تلاها غير ناقصة

حرفا... وإذ ذاك يبدو وجهك الجذل!

يا سيدي؟؟ يا عراق الأرض.. يا وطني

وكلما قلتها تغرورق المقل!

حتى أغص بصوتي، ثم تطلقه

هذي الأبوة في عينيك والنبل!

يا منجم العمر.. يا بدئي وخاتمتي

وخير ما في أني فيك أكتهل!

أقول: ها شيب رأسي.. هل تكرمني

فأنتهي وهو في شطيك منسدل؟!

ويغتدي كل شعري فيك أجنحة

مرفرفات على الأنهار تغتسل!

وتغتدي أحرفي فوق النخيل لها

صوت الحمائم إن دمع ، وإن غزل

وحين أغفو... وهذي الأرض تغمرني

بطينها... وعظامي كلها بلل

ستورق الأرض من فوقي، وأسمعها

لها غناء على أشجارها ثمل

يصيح بي: أيها الغافي هنا أبدا

إن العراق معافى أيها الجمل!

   وكتب الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة مطلعها (على سناك سلام الله)، وعدد الأبيات: 38 بيتا، يقول فيها:

أكادُ أُقسِمُ يا مَولاي.. لَو تَقِفُ

في قَبرِكَ الآن كُلُّ الأرضِ تَرتَجِفُ!

لأبصَرَ النَّاسٌ عِملاقاً ، ذُؤابَتُهُ

بالغَيمِ والقُبَّةِ الزَّرقاءِ تَلتَحِفُ!

يَرنُو إلَيهِم ، وَفي عَينَيهِ مَغفِرَةٌ

وَنَظرَةٌ مِلؤها الإشْفاقُ والأسَفُ

أوشَكتُ أهتفٌ يا.. ثمَّ اقشَعَرَّ دَمي

مِن هَيْبَةِ اسمِكَ..ظَلَّ الياءُ والألِفُ

على شِفاهيَ مَبْهورَين.. وابتَدأتْ

سِيماكَ مِن ذروَةِ الجَوزاءِ تَنكَشِفُ

أجَلْ أنا أيُّها القِدِّيس، يَحمِلُني

إليكَ دَجلَة ُ، والأهوارُ، والسَّعَفُ

*

*

حَنينُ كلِّ العراقيِّين يَصعَدُ بي

وَكُلُّ أهلِكَ في الأرُدُنِّ تَنعَطِفُ

قُلوبُهُم صاعِداتٍ في مَدارِجِنا

حَرَّى، وَنحنُ إلى مَرقاكَ نَزدَلِفُ

إجَلْ أنا يا أعَزَّ النَّاسِ.. تَعرفُني

لأنَّني مِنكَ حَرفٌ ليسَ يَنحَرِفُ

لا عَنكَ لاعن عراقِ المَجدِ يُبْعِدُني

لا الحُزنُ لا الخَوفُ لا الإرهاقُ لا الشَّظَفُ

فأنتُما كُنتُما لي كلَّ عافيَتي

عَلَيكُما نَبْضُ قلبي ظَلَّ يَعتَكِفُ

وأنتُما كُنتُما لِلعُرْبِ أجمَعِهِم

قَدْرا ً، وَقِدْرا ً، وَماءً منهُ تَغتَرِفُ

وَأنتُما القُوَّةُ الأبْقَتْ مُكابَرَتي

حتى وَفَيْتُ، وَصانَتْ أهلَنا لِيَفُوا

وَقَد وَفَوا.. إي وَرَبِّ البَيْت.. أدمُعُهُم

عَلَيكَ في كلِّ أرضِ العُربِ تَنْذَرِفُ

**

هَل..هَل سَمِعتُكَ يا مَولايَ تَسألُني ؟

أدري بأنَّكَ تَدري فَوقَ ما أصِفُ

أنا أرى حَدَّ عَيني، وارتِفاعَ يَدي

وأنتَ مِن مَلَكُوتِ اللهِ تَرتَشِفُ

ها مُقلَتاكَ ، وَفي لألاءِ ضَوئِهِما

أرى أعَزَّ حُدودِ اللَّهِ تَنْكَشِفُ

الحبُّ، والعَطفُ، والغفرانُ، والرَّأَفُ

وَلَمْعَةٌ كانخِطافِ البَرقِ تَنخَطِفُ

أرى بِها كبرياءَ الكَونِ أجمَعِهِ

بَيْنا أُ ُحِسُّ بِشَيءٍ دافِيءٍ يَكِفُ

كأنَّهُ الدَّمعُ ، لولا عُمْقُ مَعرِفَتي

بِأنَّ دَمْعَكَ غالٍ أيُّها الأنِفُ

أنا الذي جِئتُ أبكي.. جِئتُ تَحمِلُني

ألَيكَ أوجاعُ أهلي.. كُلُّهُم نَزَفوا

وَكُلُّهُم وُطِئَتْ هاماتُهُم صَلَفا ً

يا سَيِّدي ضَجَّ فينا الظُلمُ والصَّلَفُ

**

وَبَعدَ تِلكَ الذُّرى والعِزِّ، أ ُمَّتُنا

صارَتْ لأدنَى مَهاوي الذّلِّ تَنْجَرِفُ

يا أهلَنا.. يا عراقيّون .. يا أ ُنُفُ

يا حافِرينَ قُبورا ًفَوقَها وَقَفوا

نَيْفا ًوتسعينَ شَهراً يَنزفونَ دَما ً

كُلُّ على قَبرِهِ .. هَيهاتَ يَنصَرِفُ

فَقَبرُهُ كانَ مِعيارا ً لِغَيرَتِهِ

لا كاليَلُوحُونَ أحياءً وَهُم جِيَفُ

اللهَ .. لَو أنَّ أهلي أنصَفُوا دَمَهُم

لكنَّ أهليَ فَرْط َالذُّلِّ ما نَصَفُوا

بَل سَوَّغُوا كلَّ ما يَندى الجَبينُ لَهُ

حتى لقد ماتَ فينا الصِّدقُ والشَّرَفُ!

أمَّا الذينَ أغارَتْ خَيلُهُم زَمَناً

لكنْ على أهلِهِم صالُوا وما نَكَفُوا

كانُوا جَبابِرَةَ الدُّنيا بما هَتَكوا

وأهلُهُم في مَهاوي ظُلمِهِم رَسَفُوا

**

ها أنتَ تُبصِرُ يا مَولايَ كَم صَغُروا

كبيرُهُم صارَ مِنهُ الخِزيُ يَنكَسِفُ

وَنَحنُ نَرنُو إليهِم .. لا مُقارَنَةً

حاشاكَ ياسَيِّدي.. يا مَن لَهُ تَجِفُ

حتى نجومُ السَّما.. لكنْ مُفارَقَة ٌ

أنْ يُذكَرَ الكَوكَبُ الدُّرّيٌّ والحَشَفُ!

على سَناكَ سَلامُ اللهِ ما مَطَرَتْ

وَما الضُّحى وَظلامَ الليلِ يَختَلِفُ

   كتب عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة مطلعها: (أطلق لها السيف لاخوف ولا وجل)، وعدد الابيات : 8 يقول فيها:

أطلق لها السيف لا خوف ولا وجل

أطلق لها السيف وليشهد لها زحل

أطلق لها السيف قد جاش العدو لها

فليس يثنيه إلا العاقل البطل

أسرج لها الخيل ولتطلق أعنتها

كما تشاء ففي أعرافها الأمل

دع الصواعق تدوي في الدجى حمما

حتى يبان الهدى والظلم ينخذل

واشرق بوجه الدياجي كلما عتمت

مشاعلا حيث يعشى الخائر الخطل

واقدح زنادك وابق النار لاهبةً

يخافها الخاسئ المستعبد النذل

أطلق لها السيف جرده باركه

ما فاز بالحق إلا الحازم الرجل

واعدد لها علما في كل سارية

وادع إلى الله أن الجرح يندمل

   وكتب عبد الرزاق عبد الواحد قصيدة مطلعها (شدوا اليك نياط القلب والعصبا), وعدد الأبيات: 70 بيتا:

شَدُّوا إلَيكَ نياط َ القلبِ والعَصَبا

وَوَطَّؤوا خَطوَكَ الأجفانَ والهُدُبا

وَسَمَّروا كُلَّ ضِلْع ٍمِن أضالِعِهِم

في كلِّ مُنْعَطَفٍ جاوَزتَهُ نُصُبا

وَفَتَّحُوا لَكَ أبوابَ الصُّدورِ وَقَد

كانَتْ تَلوحُ كأنْ قَد أُوصِدَتْ حِقَبا

لو استَطاعُوا أضاءُوا مِن مَحاجِرِهِم

على طريقِكَ في تِلكَ الدُّجى شُهُبا

وَسَيَّروا الرِّيحَ مِن أنفاسِهِم شَرَفاً

أنْ يَحمِلوكَ على أنفاسِهِم حُدُبا

أنْ يَلمِسُوا مِنكَ كَفَّا ًباللَّظى غُمِسَتْ

وَيَلثِموا مِنكَ وَجْها ًبالسَّنا عُصِبا

وَيَحضِنوا ذلكَ الصَّدرَالذي حَضَنَتْ

عِظامُهُ الكَونَ كلَّ الكَونِ ما رَحُبا

أسبابُ أهلِكَ يا أوفاهُمُ رَحِماً

أقاطِعٌ أنتَ مِن أسبابِهِم سَبَبا ؟!

اُنظُرْتَجِدْ في عيون ِالنَّاس ِأيَّ هَوىً

جَذلانَ تَهتِكُ عَنه ُالنَّظرَة ُالحُجُبا

يَكادُ مَن يَشهَدُ الأعناقَ مُتْلَعَةً

إلَيكَ يُبصِرُ منها مَنظَراً عَجَبا

أكُلُّ قَلبٍ لَه ُ في ما شَدَوتَ بِه

شأنٌ، فَكُلٌّ بِشَيءٍ منكَ قد جُذِبا ؟

أم أنَّها هالَة ُالمَجْدِ التي سَكَبَتْ

على الجَبين ِمنَ الأضواءِ ما خَلَبا

وأروَعُ المَجْدِ مَرْمَى هامَةٍ زَحَمَتْ

ذ ُرا السَّماءِ، وَخَطْوٍ لم يَزَلْ تَرِبا !

ما كانَ مَجْدُ كَ مِزماراً تُرَنِّمُهُ

وَقَيْنَةً تَتَلَوَّى حَولَه ُ طَرَبا

وَلا رَنينَ كؤوسٍ كُلَّما امتَلأتْ

طَفَتْ حُلومُ ذ َويها فَوقَها حَبَبا

وَلا حَدَوتَ رِكابَ الأرذلينَ بِما

يُوحَى إلَيكَ، وَلم تَمسَحْ لَهُم ذنَبا

بَلى ، رأيْتُكَ حَتْفاً والِجاً أبَداً

بيوتَهُم، مُكْفَهِرَّاً، عاصِفاً ،غَضِبا

لم تخْشَ إذ ْكنتَ صِلَّ الرَّملِ مُنتصِباً

أنْ يَسلِبوكَ، وَهَل مِن مُرمِلٍ سُلِبا ؟

حتى إذا عَجَمُوا صُلْبَ القَناةِ فَلَم

يُلْفُوا، كما وَهِمُوا، باناً ولا قَصَبا

جَرَتْ نُهَيْراتُهُم مِن حَولِ رَمْلَتِها

تُشَعشِعُ المالَ ،والألقابَ ،والُّرتَبا

تَوَهَّمُوا هامَةَ العِملاق ِتُثْقِلُها

تِلكَ الثِّمارُ فَتَحني جذعَها الصَّلِبا

لكنْ أبَتْ كلُّ ذ َرَّاتِ الرِّمال ِ فَلَم

تَشرَبْ، وَظلَّ مَهيبُ العُودِ مُنتَصِبا !

وَهَلْ يَقَرُّ جَناحٌ أنتَ ناشِرُهُ

إلاّ عَلى مُرتَقىً أو يَفرَعُ السُّحُبا !

أبا فُراتٍ ، وَلَنْ يَنفَكَّ مُرتَقِباً

شَوقُ الجموع ِ، وَلنْ تَنفَكَّ مُرتَقَبا

خَمسونَ عاماً صَواريهِم يَجيشُ بها

خِضَمُّ شِعرِكَ ما لانَتْ، وَلا نَضَبا

أولاءِ واللهِ، لو خَيْلُ الفُراتِ كَبا

طُوفانُها عَذروا أنَّ الفُراتَ كَبا

إلاّكَ يا حاديَ الطُّوفانِ ، لا عُذُرٌ

ولا شَفاعَةَ إنْ لم تَفرَعِ الشُّهُبا !

هذا هوَ المَجدُ سَبَّاقاً يُقَصِّرُعَن

أدنى مَرامِيه ِسَعيُ المَجدِ ما وَثَبا

ذا المَجدُ يا فاصِداً أعراقَهُ جَذِلا ً

أنْ يَشرَبَ النَّاسُ منها عَلقَماً عَذِبا !

ذا المَجْدُ يا مُطعِماً مِن لحْم ِصِبْيَتِهِ

جُوعَ الجياعِ وَهُم أشجى الوَرى سَغَبا !

تَجِفُّ كلُّ بحارِالأرض ِغَيْرَ دَمٍ

وَهَبْتَ لِلنَّاس ِيَبقى دافِئاً رَطِبا

وَخَيْرُهُ، وأُحَيْلاهُ، وألصَقُهُ

بالرُّوحِ والفِكرِ، والخَفَّاقِ ما وَجَبا

أنَّا، إذا لُحْتَ، أومأنا بِألفِ يَدٍ

مُنَبِّهينَ بِها أفراخَنا الزُّغُبا !

أولاءِ أهلُكَ يا حادي مَواكِبِهِم

كم أُجْهِدُوا فحَدَوتَ المَوكِبَ التَّعِبا

تَرمي بِه ِالوَعْرَ لا يَلوي أعِنَّتَهُ

وَتَزحَمُ المَوتَ لا يَثني لَهُ رُكَبا

وأينَ تَلقى عَظيماً قالَ قافيَةً

فَقادَ في كلِّ بَيْتٍ جَحْفَلاً لَجِبا !

يا خالَ عَوفٍ وأكْرِمْ بالتي وَهَبَتْ

مُخَلَّدَ الشِّعرِ أنقى دُرَّةٍ وُهِبا

سَلْ عَن أُهَيْلِكَ هَل غَصَّتْ مَحافِلُهُم

وَلَم تَكُ القَلبَ مِمَّا قيلَ أو كُتِبا

هَل ارتَقى مِنبَراً لِلشِّعرِ مُلهَمُهُم

إلاّ وَكُنتَ خَيالاً دونَهُ انتَصَبا

حَتَّى لَتَنفَتِحَ الأجفانُ مُثقَلَةً

وَيُنصِتَ السَّمْعُ لا نَبْعاً وَلا غَرَبا

لَقَد قَرَعْتَ نَواقيساً مُدَوِّيَةً

تَرَكتَ كلَّ قَريض ٍبَعدَها لَغَبا !

قالوا اغتَرَبْتَ، ألا فُضَّتْ مَقاوِلُهُم

متى رأيْتَ الأديبَ الفَرْدَ مُغتَرِبا ؟

متى سَيَفهَمُ هذا الخَلْقُ أنَّ لَنا

في كلِّ آهِلَةٍ مِن شِعرِنا نَسَبا

لَقَد رَحَلتَ عَزيزاً إذ تَرَكتَ لَنا

شقى غَريبَينِ فينا الفِكرَ والأدَبا !

سَل ِالعراقَ الذي غَنَّيتَ، ما وُصِبا

وَما تَحَدَّى، وما استَعدى، وما غَضِبا

ألَم يَكُنْ مِنهُ أفواهٌ مُمَزَّ قَةٌ

تَمُجُّ والدَّمَ بَيْتا ًمِنكَ مُلتَهِبا ؟!

تاللهِ ما بارَكَتْ شَمسٌ مَرابِعَهُ

وَلا تَدَ لَّى بِه ِغَيمٌ ، وَلا سَكَبا

إلاّ سَمِعنا سَلاماً مِنكَ تُرسِلُهُ

عَبْرَ البُحورِ ، وَتَرجيعاً لَهُ طَرِبا !

يا واهِبَ الشِّعرِ مِن عَينَيهِ ضَوءَهُما

وَمِن جِراحٍ يُعانيها دَماً سَرِبا

وَمِن مَصائِرِ أطفالٍ تُطالِبُهُ

عُيونُهُم دونَ أن يُدني لَهُم طَلَبا

يُقَلِّبُونَ على شَعواءَ يُطعِمُها

مِن لَحْم ِ جَنْبَيهِ تِلكَ الأوجُهَ النُّجُبا

مُؤمِّلا ًأنْ تَهيضَ الرِّيحُ جَذوَتَها

فَتَستَحيلَ لِخيْرٍ دائِم ٍ سَبَبا

آمَنتُ أنَّكَ أنقى الحاطِبينَ يَداً

أنْ رُحْتَ طَوعاً لِنارٍ هِجْتَها حَطَبا !

يا خالَ عوفٍ وَقَد أضرَيْتَ جَذوَتَها

واحَسْرَتا ، إنْ أحِدْ عنها ، وَواحَرَبا !

نارٌ نَذَرنا لها الأضلاعَ مُضطَرَباً

حتى تَضَرَّتْ على أفراخِنا لَهَبا

وَلم يَزَلْ نَحوَها يَسعى بِنا خَبَباً

رَغمَ الأذى كَونُها أُمَّاً لَنا وأبا !

يا خالَ عوفٍ وَلم نَفزَعْ لِقافيَةٍ

مِمَّا نُعانيهِ، سُلواناً ولا هَرَبا

وَيْلُمِّ كَفِّيَ مِن حَرفٍ أُسَطِّرُهُ

فَلا أرى بَعضَ عُمري فوقَهُ صُلِبا !

فَإنْ تَمَزَّقتُ عن آهٍ يُغالِبُها

صَبْري، فكُنْ عاذِرَ الصَّبْرالذي غُلِبا !

يا خالَ عوفٍ، أأوراقٌ مُبَعثَرَةٌ

هذي القلوبُ نأتْ عن بَعضِها عُصَبا ؟

تَعَرَّت الدَّوحَةُ المِعطاءُ مُعْوِلَةً

وأذبَلَ الخُلْفُ ذاكَ المَرْتَعَ الأشِبا

وَقَطَّعَ الشَّكُّ أسباباً نَلوذ ُ بِها

في عاصِفٍ لم يَدَعْ مِن خَيمَةٍ طُنُبا

يا خالَ عَوفٍ وأشجى ما يُؤرِّقُنا

أنَّ المَصائبَ تُذ ْكي بَينَنا الرِّيَبا

في كُلِّ يَومٍ لَنا جُرحٌ نُفَتِّقُهُ

لِنَلعَقَ الدَّمَ يُوري الحِقْدَ ما شَخَبا

قَد يُسفَحُ الدَّمُ، جُذ َّتْ كَفُّ سافِحِهِ

لكنْ أمَضُّ مِنَ السَّفَّاح ِ مَنْ شَرِبا !

أمسَتْ ظَلاماً قلوبٌ كانَ يَعمُرُها

مِن المَحَبَّة ِ نُورٌ ، لا أقولُ خَبا

لكنْ أرى زَمهَريرَالحِقْدِ يَصفَعُهُ

وَلا أرى شا جِباً مِن بَينِنا شَجَبا

يا خالَ عَوفٍ أقِلْني إنْ عَثَرتُ فَقَد

يَنبُوالصَّقيلُ وَإنْ لم يَنْبُ مَن ضَرَبا !

أورَيْتَ أنتَ زِنادي فاحتَرَقتُ بِهِ

عشرينَ عاماً صَبوراً، شامِخاً ،شَحِبا

وإنَّني مِنكَ فَرْخُ النَّسْرِ يَحمِلُهُ

على جَناحَيْهِ جَبَّارَينِ إن تَعِبا

   وهذه قصيدة الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد في رثاء الرئيس الشهيد صدام حسين:

قــائــد عظيــم يرثيـــه شــاعـر عظيــــم:

لستُ أرثيكَ .. لا يَجوزُ الرِّثاءُ

كيفَ يُرثى الجَلالُ والكِبرياءُ ؟!

لستُ أرثيكَ يا كبيرَ المَعالي

هكذا وَقفة ُ المَعالي تشاءُ !

هكذا تصعَدُ البطولة ُ للهِ

وَفيها مِن مجد ِهِ لألاءُ !

هكذ ا في مَدارِهِ يَستقرُّ

النجمُ .. ترتجُّ حَولهُ الأرجاءُ

وهوَ يَعلو .. تبقى المَحاجرُ

غرقى في سناهُ وَكلها أنداءُ !

لستُ أرثيك .. كيفَ يُرثى جنوحُ

الروح ِِللخُلدِ وَهيَ ضَوءٌ وَماءُ

لا اختلاجٌ بها، وَلا كدَرٌ فيها

رَؤومٌ .. نقية ٌ .. عصماءُ

ضخمة ٌ .. فرْط َ كبْرِها وَتقاها

يستوي المَوتُ عندَها والبقاءُ !

***

كنتُ أرنو إليكَ يومَ التجَلي

كنتَ شمسا ً تحيطها ظلماءُ

أسدا ً كنتَ طوَقته ُ قرود ٌ

وأميرا ً حفتْ به ِ دَهماءُ

وَهوَ كالفجرِ مُسفِرُ الوَجهِ، صَلتٌ

بينما الكلُّ أوجُه ٌ سوداءُ

هكذا وَقفة ُ المعالي تشاءُ

كيفَ أبكيكَ؟ .. لا يليقُ البكاءُ

أفتُبْكى وأنتَ نجم ٌ تلالا؟

كيفَ يُبكى إذا استقامَ الضياءُ ؟!

١

أفتبْكى وأنت تشهَقُ رَمزا ً

حدَّ أنْ أشفقتْ عليكَ السماءًُ

فرْط َ ما كنتَ تدفعُ الموتَ

للأرض ِ وَترقى .. يَفيضُ منكَ البَهاءُ ؟!

لستُ أبكي عليكَ يا ألقَ الدُّنيا

أتُبكى في مجدِها العلياءُ ؟!

أنا أبكي العراق .. أبكي بلادي

كيفَ في لحظة ٍطواها الوَباءُ ؟

كيفَ في لحظة ٍ يُطأطِيءُ ذاكَ

المَجدُ هاماتهِ، وَيهوي الإباءُ ؟!

بينَ يوم ٍ وَليلة ٍ يا بلادي

يتداعى للأرض ِ ذاكَ البناءُ ؟!

بينَ يوم ٍ وَليلةٍ تتلاشى

فيكِ تلكَ الوجوهُ والأسماءُ ؟

كلُّ ذاكَ التاريخ .. بابلُ .. آشورُ

أريدو .. وأور .. والوَركاءُ

كلها بينَ ليلةٍ وَضحاها

وَطئتْ فوقَ هامها الأعداءُ ؟!

وَإذَنْ أيُّ حرمة ٍللذي يأتي ؟ ..

وَماذا أبقى لدَينا الفناءُ ؟

ذِمة ً؟؟ .. أيُّ ذِمة ٍ يا بلادي

بقيتْ فيكِ لم تطأها الدِّماءُ ؟

أيُّ نفس ٍما أ ُزهِقتْ ؟ ..

أيُّ عِرض ٍلم يلغ ْ في عفافه ؟

أيُّ نكراءَ لم تمارَسْ إلى أنْ

نسيَ الناسُ أنها نكراءُ ؟!

هكذ ا؟ بعدَ كلِّ ذاكَ التعالي ؟

بَعدَ عينيكَ .. هكذا الناسُ ساءُوا ؟!

٢

أم هيَ الحكمة ُ العظيمَة ُ شاءَتْ

لبلادي أنْ يحتويها البلاءُ

ليرى أهلها إلى أيِّ ذلٍّ

بعدَ ذاكَ الزَّهو ِالعظيم ِ أفاءُوا

ليرَوا كيفَ لحمهم يتعاوَى

حوله ُ الأقرِباءُ والغرَباءُ

فإذا الأبعدون محْضَ أكفٍّ

والسكاكينُ كلها أقرِباءُ !

أيها الهائِلُ الذي كانَ سدَّا ً

في وجوه ِالغزاة ِمِن حيثُ جاءُوا

كانَ محضُ اسمِهِ إذا ذ َكرُوهُ

تتعرَّى مِن زَيْفها الأشياءُ !

وَيكادُ المُريبُ، لولا التوَقي

وَيكادُ المنيبُ، لولا الرَّجاءُ

كنتَ رَمزا ً لفارِس ٍ عرَبيٍّ

حلمتْ عمرَها به ِ الأبناءُ

كلُّ بيتٍ مِن العروبةِ فيهِ

منكَ سترٌ، وَشمعة ، وَغطاءُ

فتلاقتْ عليهِ أبوابُ أهلي

لا وِقاءا ً .. فأينَ منها الوِقاءُ ؟

أغلقوها عليكَ دَهرا ً وَلما

فتحوها اقشعرَّ حتى الهواءُ

سالَ غابٌ مِن الدَّبى والثعابين ِ

لبغداد ضاقَ عنه ُ الفضاءُ

لم تدَعْ شاخِصا ًعلى الأرض ِ إلا

لدَغته ُ، حتى الصوى الصَّمَّاءُ

ثمَّ هيضَتْ بنا مَلاسِعُها السودُ

بما هاجَ حقدَها الأ ُجراءُ

٣

كلُّ دار ٍ في عقرِها الآنَ أفعى

كلُّ طفل ٍ في مهدِهِ عقرَباءُ

وانزَوى أهلنا كأنْ لم يرَوها

أهلنا طولَ عمرهم أبرياءُ!

هكذاهكذا المُروءاتُ تقضي

هكذا هكذا يكونُ الوَفاءُ

أنْ تعضَّ اليدَ التي دَفعَتْ عنكَ

ففي قطعها يَزولُ الحياءُ

وَغدا ًحين تلتقي أعينُ الناس ِ

فكفٌّ كأ ُختِها بتراءُ!

لا .. وحاشا العراق .. لستَ عراقا ً

لو تمادى عليكَ هذا الوَباءُ

لستَ أرضَ الثوّار لو ظلَّ فينا

فضْلُ عِرق ٍ لم تجر ِمنهُ الدِماءُ

أنه ُ مَرَّ بالترابِ ولم يسمَعْ

وَقد ضجَّ في الترابِ النداءُ !

فسلامٌ عليكِ أرضَ الشهاداتِ

تتالى في أرضكِ الشهداءُ

وَسلامٌ عليكَ يا آخرَ الرّاياتِ

ما نالَ مِن سناكَ العفاءُ؟

لا، وحاشاكَ .. أنتَ سيفٌ سيبقى

وَلهُ، وَهوَ في الخلودِ، مضاءُ

هيبة ٌوَهوَ مُغمدٌ، فإذ ا ما

سلَّ يَجري مِن شفرَتيهِ الضياءُ!

هكذا أنتَ غائبا ً .. فإذا ما

قِيلَ ميْتا ً، فلتخْجل ِالأحياءُ !

رُبَّ موتٍ عدْلَ الحياةِ جميعا ً

هكذا جدُّكَ الحسينُ يراءُ !

٤

لا ترَعْ سيدي، وَحاشاكَ، أنتَ

الجبلُ لا تهزُّه ُ الأنواءُ

نحنُ نبقى بنيكَ .. مازالَ فينا

منكَ ذاكَ الشموخُ والكبرياءُ

لم يزَلْ في عراقنا منكَ زَهوٌ

تتقيهِ الزَّعازِعُ النكباءُ

فيهِ قومٌ لو أطبقَ الكونُ ليلا ً

أوقدُوا كوكبَ الدِِّماءِ وَضاءُوا !

أنتَ أدرى بهم فهم مِنكَ عزمٌ

وإباءٌ، وَنخوَة ٌ شماءُ

وَدِماهُم .. لو أ ُطفئَتْ غرَّة ُ الشمس ِ

قناديلُ ما لهنَّ انطِفاءُ

جرَيانَ النهرَين ِ تجري لتسقي

فلتسلْ زَهوَ أرضِها كربلاءُ!

***

لا ترَعْ سيدي، وَنمْ هاديءَ البال ِ

قريرَ العيون ِ .. فالأنباءُ

سوفَ تأتيكَ ذاتَ يوم ٍ بأنَّ ال

أرضَ دارَتْ، وَضَجَّ فيها الضِّياءُ !

مصادر الترجمة:

١_ موقع الديوان : عبد الرزاق عبد الواحد.

٢_ موقع الجزيرة نت.

٣_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٤_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1064