ضد التيار!

آيات عرابي

منذ 87 عاماً لم يتوقف الإعلام المصري عن شيطنة حسن البنا، ذلك المدرس هادئ الطباع ووصفه بصفات تبدأ من العمالة للاحتلال البريطاني وحتى الاتهام بالماسونية. ورغم هذا كله نجح الرجل في إقامة أقوى كيان دعوي سياسي خلال سنوات قليلة في مثابرة وهدوء. تجمع حوله مئات الآلاف من المؤمنين بالفكرة خلال سنوات قليلة حتى أصبح قادراً على حشد جيش من المتطوعين إلى فلسطين لمحاربة العصابات الصهيونية، ولكنه ربما لم يدرك وقتها أن نجاحه هذا سيحشد ضده عدداً من الحاسدين الذين تربوا على موائد بريطانيا.

وعلى الرغم من التضييق الذي تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومتطوعوها يقاتلون العدو الصهيوني في فلسطين، إلا أنه كان يصر أن يتفرغ رجاله لمهمتهم وألا يشغلوا بالهم بما يجري في القاهرة.

كان حسن البنا بمظهره الهادئ وقدراته القيادية ملفتاً لنظر المنصفين من الصحفيين الغربيين بقدر ما كان يثير عداوة البعض الآخر، ففي عام 1946 كتب عنه الكاتب الأمريكي روبرت جاكسون قائلاً : "هذا الأسبوع قابلت الرجل الذي قد يصبح أعظم رجال التاريخ المعاصر، أو الذي قد يغيب في الظلال إذا أثبتت الظروف أنها أكبر منه وعلى الرغم من أنه لم يكن يتحدث الإنجليزية، فقد كان مهذباً هادئاً، شديد الثقة في مشروعية تطلعاته، وإذا تسلم القيادة يوماً ما، فلن يقود مصر وحدها بل الشرق كله، هذا الرجل يؤمن أن الإسلام هو القوة التي تسكن ضمير وكيان الشرق، وأن الإسلام نتيجة لذلك سيعطي ذلك الجزء من العالم الحياة والديناميكية".

الرجل الذي أسس جماعة وصل عدد أعضائها قبل اغتياله إلى نصف مليون، والذي كان موظفو الوكالة اليهودية يقولون عنه في الصحف الأوروبية إنه عدوهم الأول في الشرق الأوسط، لم يكن يتوقع أن تكون العداوة له من الداخل أشد من عداوة الخارج، فالإخوان المسلمون أثبتوا في معركة التبة 86 التي طردت منها العصابات الصهيونية قوات الجيش المصري في حرب فلسطين 1948، أنهم قادرون تماماً على مواجهة العدو الواضح، 35 رجلاً، فقط نجحوا في استرداد موقع التبة الذي هاجمه الجيش المصري ثلاث مرات وفشل.

نجاحات مثل هذه أرقت بريطانيا فأوعزت إلى كبير غلمانها في مصر، النقراشي أن يبدأ في مهاجمة هيكل الجماعة بالحل والاعتقال .. إلخ، بل إنه بلغ حضيضاً غير مسبوق من العمالة لإنجلترا حين أمر باعتقال متطوعي الإخوان العائدين من الحرب في فلسطين، وهذا الخائن هو الذي يستغل الإعلام حادثة مقتله لتشويه الإخوان، فلا نجد كاتباً واحداً يريد شيطنة الإخوان إلا وبدأ حديثه قائلاً : "هما اللي قتلوا النقراشي" وهم نفس الكتاب بالمناسبة الذين لا يترددون في وصف السادات بالوطنية لاشتراكه في التخطيط لقتل رجل إنجلترا أمين عثمان.

 لم يكن المخططون الإنجليز يتوقعون، وهم يمهدون الساحة السياسية لأمثال سعد زغلول الذي عينه كرومر وزيراً للعدل بسبب علمانيته وتصالحه مع الغرب كما قال عنه، ويعدون كوادر حزب الوفد ليقودوا الحركة السياسية في مصر حاملين الفكر العلماني المتصالح مع بريطانيا ومع مصالح الغرب والدولة القومية، لم يتوقع هؤلاء أن يظهر رجل مثل البنا يربك حساباتهم ويجمع المؤمنين بفكرة الخلافة ووحدة البلاد الإسلامية، وأن هذا الرجل بشوش الوجه سيكون سبب الصداع الذي سيؤرق الغرب حتى الآن، وسيقلب الطاولة على الجميع حتى بعد اغتياله بما يقل عن القرن، حين صعد من بين صفوف الجماعة التي أنشأها أول رئيس منتخب لمصر منذ خلقها.

 هذا الرجل السابح ضد التيار، الذي اغتاله صبيان الاستعمار البريطاني في مصر، وظلت الشرطة تحاصر جثمانه حتى دفن لكيلا يحضر جنازته أحد، هو من قلب الطاولة على مخططات الاستعمار البريطاني، الذي ربى حزب الوفد ولمّع قياداته العلمانية ليسلمهم مصر، فإذا به يجمع المؤمنين بقيم الإسلام والوحدة الإسلامية والخلافة، التي أرادت بريطانيا للمصريين أن ينسوها، والتي يصفها القزم عبد نتنياهو بأنها تعادي الدنيا كلها.

هذا جزء من كثير أردت به أن أنصف ذلك الرجل في ذكرى اغتياله، الذي لا يتوقف الغوغاء عن سبه وترديد ما يقوله لهم الإعلام بريطاني الهوى، أمريكي الصنع، صهيوني الغرض.

 فرحمة الله عليه!