النقيب الشهيد أحمد الإسماعيل

النقيب الشهيد أحمد الإسماعيل

نذير علمدار

لم يكن أحمد يتصور أن حقد الطغاة ، يصل إلى هذا الحد .

لم يكن يدور في خياله ، أن اسم الرجل ، و اسم بلدته كافيان للحكم عليه بالإعدام في المحاكم الطائفية ..

ما دار في ذهنه أبدا أن كونه من الأكثرية المتنورة يعتبر مسوغا قانونيا لتنفيذ حكم الإعدام فيه ..

و فوجئ يوم رأى نفسه مع ثلة من إخوانه يدخلون المعتقل .. ظنه توقيفا وقتيا للاحتراس و التحفظ فقط .

و فوجئ ثانية حين رأى نفسه - مع إخوانه أولئك - يساقون ، بعد ثلاثة أشهر ،  إلى حقل الرمي في [ عرطوز ] ينفذ بهم حكم الإعدام

و لم تكن جريمته و جريمة إخوانه ، غير أنهم يمتلكون وعيا .. و نخوة و شرفاً .. و حبا لأوطانهم سيدفعهم في يوم من الأيام إلى التصدي لصفقات مثل صفقة السابعة و الستين !!

لم يكن خائفا من الموت الذي يراه أمام عينيه و لم يرهبه الناب الأصفر الذي كان يشرف على إعداد المجزرة ..

لقد انتهى هو .. فما عليه إلا أن يفكر بمن خلفه من إخوانه من ضباط و جنود .. و بنظرة مطمئنة ثاقبة رأى أحمد جموع الضباط ممن يملكون مثل ما يملك من وعي .. و ثقافة أو أقل مما يملك .. أو ممن بقيت فيهم بقية شرف أو نخوة أو حمية .. يساقون أفواجا إلى المسرح نفسه لتنفذ عليهم الأدوار عينها .

و تند من أحمد آهة عميقة : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعرّفت هؤلاء الطغاة كيف يموت الرجال .. كنت أظن أنني أعيش في ظل دولة .. و حماية قانون !! و لكن ... ها أنا أواجه عصابة من القتلة و المجرمين ، لقد فرطت ، و ما ينبغي أن يستمر التفريط ..

و من ساحة الشهادة ، و أمام أصحاب الأنياب الصفر أعلن أحمد كلمة [ الله أكبر ] ثم نادى : إننا نقتل ظلما و عدوانا فلا يموتن أحد بعد اليوم بغير ثمن

كانت تلك رسالة أحمد إلى إخوانه رؤساء و مرؤوسين .. و ها نحن  نؤدي عن الشهيد رسالته ، و نرفع أذانه و نبلغ شعاره : يا ضباط الجيش .. سيقتل الطغاة منكم كل حر شريف .. بل سيقتل الطغاة منكم من كانت لديه بقايا من كرامة أو شرف أو إباء .. سيقتلون منكم من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان .. ألا هل بلغنا اللهم فاشهد .

النقيب أو المهندس [ أحمد ] واحد من أبناء هذه الأمة المنكوبة رأى يوم تخرج من كلية الهندسة ، [ مهندسا إلكترونيا ] ، أن يؤثر بحياته ، و بجهده و بعلمه أمته ، فقد كان باستطاعته أن يفتح مكتبا .. أو أن يتعاقد مع إحدى الحكومات التي تسعى لمثل اختصاصه بمبلغ طائل .. ينال من ورائه ما ينال من دنيا ، و لكنه آثر على نفسه و التحق بجيش بلده !!

و قُـبل أحمد في الجيش .. و صرف وقته و طاقته في تثقيف نفسه و تربيتها و الارتقاء بها فكان الكتاب رفيقه في حله و ترحاله .. بدلا من زجاجة الخمر التي اعتاد رؤوس النظام تقديمها لرجال الجيش . و كانت تلك إحدى جرائم أحمد في عرف النظام الباغي الفاسد

و كان أحمد إلى ذلك قويا في جسده .. قويا في نفسه .. قويا في خلقه و سما بذلك عن دركات العفن و النتن من شباك التي يعتبر الترفع عنها خيانة عظمى في قانون المجرمين الفاسدين

و لعل أكبر جرائم أحمد ، أنه كان آلفا مألوفا ، يحب الناس و يعينهم ، و يحبونه و يعجبون به و بخلقه .. و يقتدون بسلوكه و مواقفه و كان إلى ذلك برا بأبيه ، محبا لإخوته ، يدفع لهم من راتبه ما يعينهم و يكفيهم ..

أحمد شاب مسلم ، فتى من فتيان هذه الأرض الطاهرة المباركة ولد في [ كفر نبل ] من محافظة إدلب سنة [ 1950 ] لأب معلم مرب ، و ما أحسن ما علم وربى !!

متوسط القامة - أشقر الشعر - أبيض البشرة ، أزرق العينين هادئ النفس .. كبير القلب .. متوقد الذهن .. و هو قبل كل أولئك .. مؤمن عزيز أبي

رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جناته اللهم لا تحرمنا أجره و لا تفتنا بعده ،و اغفر لنا و له ..