أبي الشيخُ عبد الرحمن الباني مربٍّ من الطِّراز الأول

أبي الشيخُ عبد الرحمن الباني

مربٍّ من الطِّراز الأول

الشيخ عبد الرحمن الباني

د. سميَّة بنت عبد الرحمن الباني

أودُّ أن أحدِّثَكم اليوم عن والدي الحبيب الشيخ عبدالرحمن الباني غفر الله له وجعل الجنَّة مثواه.

ولا أستطيع أن أصفَ لكم ألمَ الفقد، وما أمرَّه!

لقد فقدنا بموتك يا أبي صدرًا حانيًا، وخلقًا نبيلاً، وعلمًا غزيرًا، وإنا لنرجو له الشهادة؛ لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((والمبطونُ شَهيد)).

والحديثُ عن والدي الحبيب رحمه الله ذو شُجون، لكنِّي سأقتصر على وَقَفات مهمَّة قد لا يعرفها كثيرون:

كان والدي معظِّمًا للدِّين في حياته، وغرسَ ذلك فينا، وحبَّبَ إلينا الطاعة، وللصلاة شأنٌ في نفسه وقلبه، وكم كان يردِّد لنا: {ومَن يُعظِّم شَعائِرَ الله فإنَّها مِن تَقوى القُلوب}.

وكان متواضعًا لطيفًا، مُرهَفَ الحسِّ في تعامُله مع الجميع؛ كبارًا وصغارًا، ولا يغضبُ لشيء مثلَ غضبه لتأخير الصلاة، وأؤكِّد أنه كان لا يرى للرجال صلاةً إلا في المسجد. وعلى كِبَر سنِّه كان يسبقُ الشبابَ إلى المسجد حتى لو كان شديدَ التعب، بل كان محافظًا على صلاة الفجر في المسجد.

وكان مربِّيًا من الطِّراز الأول، وتربيتُه بالقدوة وببذل الجهد، وكان يقرن القولَ بالعمل.

ومما أذكره أنه كان يعقد لنا دروسًا أسبوعيَّة، وفي الصيف تكون يوميَّة؛ في القرآن والحديث والتربية. أما اهتمامُه بالعلم فحدِّث عنه ولا حرَج، فلا يمرُّ يومٌ أو وقتٌ دون مناقشة أو مدارسة في العلم، معنا أو مع طلاب العلم أو مع أصدقائه العلماء.

وكان يهوى القراءةَ والتحقيقَ ومراجعةَ الكتب، ومتابعةَ الشؤون العلمية، ويمكُث في مكتبته وقتًا طويلاً، ومع ذلك كلِّه تراه مواكبًا لأحداث الحياة، معلِّقًا عليها، موضِّحًا سننَ الله الكونيَّة فيما يجري.

وقد أحبَّ العربيةَ والتزم الفُصحى وحبَّبها إلينا، حتى إن أحفاده الصِّغار يكلِّمونه بالفُصحى، رحمة الله عليه.

وكان دائمًا يعظِّم من قيمة العلم والعلماء في نفوسنا، ويقول: ((إن الأنبياءَ لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا، وإنَّما ورَّثوا العلمَ فمَنْ أخذَهُ فقد أخذَ بحظٍّ وافِر)). وكان يُسعدُه أن نكونَ متفوِّقينَ في الدراسة، وكان دائمًا ما يُعطينا الجوائز، ويُثني على المتفوِّق في دراسته، والمحافظ على صلواته، والملتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فهو لا يهتمُّ فقط بأمور الدُّنيا لكنه يهتمُّ أولاً بالدين.

ومن الأشياء التي قد لا يعرفها كثيرون: أنه كان مُرهفَ الحسِّ، رقيقَ الحاشية، وحاضرَ النُّكتة، وكان يُمازحنا كبارًا وصغارًا، فهو يعيش في بيته مع أهله، ولم يكن من العلماء المعزولين عن أهاليهم.

وكان يجمع الورودَ والأزهارَ يقدِّمها لوالدتي، ويقدِّم لي طاقةً من الورد، وإذا لم أكن في البيت يضعُها لي في غُرفتي حتى أعود.

وأختصر سيرته فأقول: كان والدي الحبيب الشيخ عبدالرحمن الباني متمثِّلاً لقوله تعالى: {قُل إنَّ صَلاتي ونُسُكي ومَحيايَ ومَماتيَ للهِ ربِّ العالمينَ لا شَريكَ لهُ وبذلكَ أُمِرت}.

وسأقتصر على أبيات من قصيدة في رثائه قلتُ فيها:

دَعَـوتُ أيـا ربَّـاهُ جُـدْ iiبحياتهِ
نُناجيكَ  في الليلِ الطويلِ ولم iiيكُن
إذا كـانَ ربِّي قد دَعاكَ إلى iiالسَّما
أنـبـكيكَ  عِلمًا أم تُقًى أم iiمُروءةً
دُروسُـكَ فـي لـبـنانَ ماثِلَةٌ iiلنا
وحَـبَّبتَنا الفُصحى فيا لكَ من iiأبٍ
ومـا  كنتُ أرجو أن أراكَ iiمُوَسَّدًا
تَـجـوبُ  سماءَ المجدِ حيًّا iiوميِّتًا
إلهي لقد أعطَيتَ أجزَلتَ في العَطا
لـكَ الـحمدُ حَمدًا طيِّبًا ولكَ iiالثَّنا









فـإنَّ  شَـغـافَ القلبِ فيه iiتَسيلُ
إلـى رَدِّ أمـرِ اللهِ فـيـكَ iiسَبيلُ
فـفـيـمَ  ستَبقى والعَطاءُ iiجَليلُ؟
فَـدَيـتُـكَ  شـمٌّ والـثَّناءُ جَميلُ
ودرسُكَ  دومًا في الرِّياضِ iiأصيلُ
مِـثـالُـكَ  فَـذٌّ في الرِّجالِ iiقَليلُ
ولا  أنَّ قَـبـرًا قد حَواكَ ii(ظَليلُ)
ويُـثـني عليكَ الجَمعُ وهو iiجليلُ
وأمـتَـعـتَنا دهرًا بذاك ii(طويلُ)
ومـهـما أُضاعِفْ في الثَّناءِ iiقليلُ