عبد الرحمن رأفت الباشا

عبد الرحمن رأفت الباشا:

رائد الأدب الإسلامي في سورية

عمر محمد العبسو

الباحث ، والناقد ، والروائي ، والأديب الإسلامي الكبير .

ولادته ونشأته :

ولد أبو اليمان في أريحا – قرب إدلب – الواقعة شمالي سورية عام 1339/1920م . ونشأ في بيئة تحتفي بالعلم وتقدره ، تجرع مرارة اليتم، وهو لا يزال برعماً في شهره الرابع، فكفله جده بعد موت والده، وكان خطيب البلدة ومعلمها، وتعهده بالرعاية والتعليم، وأولاه اهتماماً بالغاً حينما لمس منه علامات النباهة والذكاء، وكان يصحبه وهو ما يزال في الخامسة من عمره إلى مجلس عالم البلدة وشيخها أبي المواهب الباشا ليمتحنه في علم النحو، وكان أبو المواهب قاضي البلدة وفقيهها .

دراسته :

ودرس الابتدائية في أريحا في إدلب، وحصل على المرتبة الأولى في الابتدائي .

بعد أن اطلع على مكتبة جده، وألمّ من خلالها بشروح القرآن، والتفسير، وعلم الحديث، والفقه .

ثم انتقل إلى حلب، فحصل على الثانوية الشرعية من كلية الشريعة في حلب ( الخسروية ) عام 1941م . وكانت أقدم مدرسة شرعية رسمية في سورية محققاً بذلك رغبة جده .

وابتعث إلى الأزهر حيث واصل دراسته في كلية أصول الدين عام 1943م .

وفي الوقت نفسه التحق بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول، وحصل على الشهادة العالية لأصول الدين عام 1945م . لكن موهبته الأدبية دفعته إلى نيل الشهادة الجامعية من كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول ، وكان ترتيبه الأول فحق له الحصول على منحة لإيفاد إلى الخارج، ولكن العثرة التي منعت ذلك شرط الجنسية المصرية للموفد، وعرضت عليه الجنسية المصرية فرفض، ورفض أساتذته أن ينقصوا من علاماته شيئاً ليتفوق عليه طالب مصري حتى لا تضيع المنحة، وضاعت المنحة في تلك السنة، ولم يذهب بها أحد .

كما حصل على إجازة في التدريس عام 1947م ..

وفي عام 1948م حصل على الليسانس في اللغة العربية في جامعة حلب .

وكان قد حصل على الماجستير في عام 1965م من كلية آداب القاهرة.

 والدكتوراه في عام 1967م ، في الأدب والنقد .

أعماله :

درّس في المرحلة الثانوية في إدلب، وفي ثانويات حلب في الخمسينات والستينات، فأسر قلوب طلابه، وطارت شهرته حتى إن المدارس الخاصة كانت تتهافت عليه لتحظى ولو بتدريسه شعبة واحدة حتى تستقطب الطلاب إليها مثل مدرسة ( الفرنسيسكان واللاييك )، وقد كان مثلاً أعلى وقدوة في الإخلاص والعطاء .

وكان التدريس عنده وسيلة، الغاية منه إدخال حب اللغة العربية إلى قلوب الناشئة للحفاظ عليها بعد أن تكاثرت ضدها السهام .

- وتكلف لسنوات عديدة بالمسؤوليات الإدارية والتربوية والتعليمية .

ثم عمل مفتشاً للغة العربية في حلب، ثم رئيساً لمفتشي اللغة العربية في سورية ( مفتشاً أولاً )  في عام 1955م بدمشق .

 ثم مديراً للمكتبة الظاهرية المنبثقة عن المجمع العلمي العربي بدمشق، في عام 1962م .

وفي الوقت نفسه عمل أستاذاً محاضراً في كلية الآداب في جامعة دمشق حتى عام 1964م .

كثر أعداء عبد الرحمن رأفت الباشا وحاسدوه من الذين يريدون الوصول إلى ما وصل إليه من دون جهد، وأحنقهم صعوده السريع بسبب إخلاصه وجده ومثابرته، فكادوا له، وألصقوا به فيضاً من التهم، وعانى الكثير من المضايقات في تلك المرحلة، فقرر التعاقد مع جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1964 م حيث أعير للعمل مدرساً في المعاهد العلمية بالسعودية .

وعمل أستاذاً بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, ورئيساً لقسم البلاغة والنقد .وصار رئيساً للجنة البحث والنشر، ورئيساً لقسم الأدب الإسلامي .وكانت له جهود عظيمة في تطوير مناهج الدراسة، وتأسيس أقسام جديدة لمواد لم تكن تدرس من قبل من مثل ( مادة البحوث، ومنهج الأدب ...وغيرهما ) .

وقد أشرف على عدد من الرسائل العلمية, وشارك في عدة مؤتمرات ولجان .

يحدثنا أحد طلابه عن أسلوبه في التدريس ومزاياه، فيقول الدكتور حسن عبد المحسن : ( لم يكن ما حبب عبد الرحمن الباشا لطلابه، وأقام بينه وبينهم رباطاً وثيقاً هو عطفه أو مجاملته، أو إعطاء الدرجات جزافاً أو غض النظر عن بعض الهفوات أو منافع يرجوها منهم، أو ما شاكل ذلك، بل جلال العلم، ورزانة الشخصية، والإخلاص في التوجيه، والصدق في التعليم .

كان رحمه الله إذا دخل ليلقي المحاضرة في النقد الأدبي، وهي مادة ثقيلة على النفس البشرية لأنها أشبه بالقوانين أحياناً شد الطلاب شداً عجيباً . حتى ليحس طلابه عند انقضاء المحاضرة أنها أقل من دقائق المحاضرات الأخرى .

كما كان قاسياً في النواحي العلمية لا يقبل فيها أي عذر ، ولا أظن أحداً من طلابه يستطيع أن يقول إنه جامله ، ولو في نقطة حرف تركها . إذا عثر على ملحوظة على الطالب وضع استفهاماً كبيراً ، فتأخذ الطالب هيبة من مقابلته لما يراه من قراءته لكل سطر ، وتدوين ملحوظات على الهامش ، حتى إذا ما لقيه وجد عنده لين الأبوة ، وروح الأستاذ ، لينا في التوجيه ، وصلابة في العلم ، وبعداً عن الحيف على الطالب أو على الموضوع .

أما عبارة يا بني مجموعة للطلاب ، ومفردة مصغرة للطالب فلازمة من لوازم لسانه، وإن تجاوزها فإلى عبارة يا طيب يابن الطيبين .

وإذا سأله طالب عن سؤال لا يجيبه مباشرة بل يدله على المصادر للوصول إلى الجواب .

...إلى أن يقول هناك أكثر من سبب يجذب الطلاب للإنصات لمحاضرته في سكون شديد ، ومتابعة بشغف ، من أهمها – بعد غزارة المعلومات – بيانه السلس، وطريقته المميزة في الأداء، فالكلمات تتابع على لسانه بسرعة عجيبة، وجرس لفظي جذاب، من دون أن يختل تسلسل الفكرة، أو يعرو لسانه تلعثم، أو يكسر قاعدة لغوية، فإذا ما وصل لبعض الكلمات ضغط عليها ضغطاً شد الانتباه إليها، ونبه على أهميتها .

أما تكرار عبارة قبل أن تتم فائدة الجملة ، فذاك لون آخر من ألوان توجيه الانتباه إلى ما ستتم به الفائدة ليرسخ في الذاكرة، وإذا سمعه طلابه ينطق كلمة فهو حجة في اللغة وسلامة النطق، إذ لا يعدل عن الراجح إلى المرجوح، ولا يلفظ كلمة ويستخدمها إلا بعد التأكد من سلامتها من اللحن ، أما العامية فلا تعرف إلى لسانه سبيلاً .

وتذوقه الرفيع سبب من أسباب الإقبال على محاضراته ، وهو يتجاوز التذوق في انتقاء الكلمات أو اختيار النصوص الأدبية إلى التذوق العام في الحياة واللباس والتعامل ، يرتدي المشلح فتراه يهتز وكأن طرفيه جناح طائر يخفق به في توازن من دون ميل أو سوء في المظهر ، فيظن من لا يعرفه أنه كبر .

ولكن من يعرفه يعرف أنه شموخ نفس حرة، وأبهة علماء، وتذوق رفيع، ولا أبالغ إن قلت إنه لم يغرس في طلابه التذوق السليم للنصوص الأدبية فحسب، بل تذوق الأمور الجميلة في الحياة .

وهو مع مهابته مظهراً وعلماً وجدية في البحث والإشراف، رجل لطيف المعشر، لين الجانب، يقطر وجهه خجلاً . 

من أبرز تلامذته – رحمه الله – :

1-عبد الله حامد الحامد : وقد أشرف الدكتور على كتابه شعر الدعوة الإسلامية في عصر النبوة والخلفاء الراشدين الذي صدر عام 1971 م .

2 - عبد العزيز محمد الزير : الطالب في كلية اللغة العربية في الرياض ، وقد أشرف الدكتور الباشا على بحثه ( شعر الدعوة الإسلامية في العصر الأموي  .

3 -  محمد بن عبد الله الأطرم : وقد تتلمذ على يديه في كلية اللغة العربية في الرياض وشارك في وضع كتاب ( شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الأموي ) السابق ذكره .

4 - عبد الله بن عبد الرحمن الجعثين : صاحب شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الأول .

5- عائض الردادي : وهو وكيل وزارة التربية ، وكان من تلاميذ الدكتور الباشا ، وأحد أصدقائه المقربين ، وصاحب كتاب ( شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الثاني ) الذي صدر عام 1972 م .

6 -  محمد بن علي الصامل : صاحب كتاب ( شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الثالث ) الذي صدر عام 1981 م .

عضو هيئة التدريس بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .

7- عبد الله بن صالح العريني : من طلاب كلية اللغة العربية في الرياض ، شارك في تأليف كتاب ( شعر الدعوة الإسلامية في العصر العباسي الثالث )  .

 8-  د . الشاعر الإسلامي عبد الرحمن صالح العشماوي :

الذي نال شهادة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1403 ه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت الرسالة بعنوان ( الاتجاه الإسلامي في آثار باكثير القصصية والمسرحية).

وكانت بإشراف الدكتور /عبد الرحمن رأفت الباشا - رحمه الله- .

ثم نال شهادة الدكتوراه من قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي عام 1409ه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الجامعة .وقد كانت رسالته بعنوان (البناء الفني للرواية التاريخية الإسلامية المعاصرة. وأشرف على الرسالة الدكتور  عبد الرحمن رأفت الباشا، ثم الدكتور/ أنس داود بعد وفاة الدكتور الباشا رحمه الله .

9 - أحمد بن حافظ الحكمي : صاحب القصص الإسلامية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين – مجلدان كبيران .

10 - ويقول أحد تلامذته فيما كتب عنه في جريدة الشرق الأوسط أنهم كانوا يتسابقون في محاضراته إلى المقاعد الأمامية فلا يتغيب منها أحد إذا نطق أشرأبت الأعناق إليه ، وشخصت الأبصار نحوه ، إذ كان يملك من البلاغة ناصيتها ، ومن صدق اللهجة زمامها ، ومن الأفكار والمعاني عميقها ، مع قدرة على تقريب بعيدها ، وبيان عويصها . ثم يؤكد أن شخصيته في قاعات الدرس كانت تأسر الطلاب لما يملك من مهابة الطلعة ، وقوة الحجة ، وفصاحة اللهجة ، وإخلاص في العمل .

جهاده ضد المستعمرين :

قدم الفتى عبد الرحمن رأفت الباشا إلى مدينة حلب وهي تغلي بالثورة ضد المحتل الفرنسي ، مثل باقي المدن السورية ، فسارع إلى الانخراط في العمل الوطني ، وانتسب إلى الكتلة الوطنية ، وقام بتنظيم الكثير من الحركات والمظاهرات في عدد من المدن السورية ، وقدم في تلك المرحلة الكثير من التضحيات دفاعاً عن الوطن .

وتذكر د . مهجة الباشا أحد المواقف المعروفة له ، عندما قدم إحسان الجابري من المنفى ومنعت السلطات الفرنسية أي تجمع لاستقباله عمل عبد الرحمن مع رفاقه على تسريب الجموع من الحواري والأزقة المتفرعة لتصب في الساحة المحيطة بمكان إقامته متدفقة هادرة ، وأدهش السلطات الفرنسية كثرة الجموع ، ولم يعد بمقدورها منعها أو تفريقها ، فأصدرت أمراً صارماً يمنع الهتاف أو الكلام وحينذاك طلب عبد الرحمن من رفاقه أن يرفعوه على أكتافهم لينشد بيتين من شعر علي بن الجهم :

قالت حبستَ فقلت ليس بضائر ٍ     حبسي ، واي مهنّد ٍ لا يغمد

والحبس – ما لم تغشه لدنية ٍ      شنعاء نعم المنزل المتورّد

وارتجل كلمة شحذت الهمم وألهبت الحماسة ، وسارعت السلطات الفرنسية إلى ملاحقة ذلك الفتى الذي تحدى الأوامر وخالفها لكنها أخفقت في الوصول إليه ، فقد غاب بين الجموع وضاع أثره .

وكذلك راحت الكتلة الوطنية تسأل عن ذلك الخطيب الجريء الذي ترجم أحاسيس المواطنين ونفس عن كربها لمكافأته ، فرفض المكافأة وأكد أنه إنما فعل ذلك خدمة لوطنه الذي بفديه بالغالي والرخيص ، وعرض عليه أن يكون مديراً للإذاعة فاعتذر وتمنى أن يساعدوه فقط في تسهيل سفره إلى مصر لمتابعة دراسته ، ولا سيما وأن السلطات الانجليزية رفضت دخوله مصر لنضاله المعروف في سورية وقد بذلت جهود كبيرة لتحقيق ذلك ولم يسافر إلا بعد أن تعهد سعد الله الجابري للحكومة المصرية بأن لا يحرك عبد الرحمن ساكناً ، وأنه ذاهب للدراسة فقط .

شارك في المظاهرات ضد الانجليز عندما رحل إلى مصر للدراسة رغم أنه تعهد للسلطات بعدم المشاركة فيها وإلا أعيد إلى وطنه سورية ..وكانت له مواقف وطنية معروفة لا تختلف عن مواقفه في وطنه سورية ، لكن المقام يضيق عن ذكرها .

جهوده في النقد الأدبي :

ألف الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا كتابه النقدي ( نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد ) عام 1985 م ترسيخاً لأصالة المنهجية النقدية مع الحداثة واتجاهاتها ، ورهنها بموقف الإسلام من الأدب بعامة ، ومن الشعر بخاصة ، وذلك من خلال الكتاب والسنة .

تصدر الكتاب بموقف الإسلام من الشعر ، حيث مدح الشعر ، فقال عليه السلام إن من الشعر لحكمة ، ونصب لحسان منبراً يقلي عليه القصائد ، وكانت تعقد المناظرات الشعرية مع وفود القبائل بحضرته، فكان حسان شاعر الرسول، وكان ثابت بن قيس خطيب الرسول، وكان الإسلام في أول عهده يحصر وظيفة الأدب في الذود عن الرسول –صلى الله عليه وسلم– ومناضلة خصومه ( وظيفة نضالية ).

وكان المسلمون يفزعون إلى الشعر في ساعات الشدة، ويستروحون به في أوقات المحنة ، فتقوى به القلوب، وتهتز له المشاعر .

وخلاصة القول أن الإسلام لا يحارب الشعر لذاته، وإنما يحارب الفاسد من مناهج الشعراء .

موقف الإسلام من المذاهب الغربية المعاصرة : الكلاسيكية، والرومانسية، والرمزية، والواقعية ...

المذهب الكلاسيكي :

انتشر في فرنسة بين عام 1630 – 1660 م ، وأهم مبادئ هذا المذهب هي :

1 – تفضيل الصنعة على العبقرية، والصنعة هي مجموعة القواعد والأصول التي تحقق الكمال للأثر الأدبي .

2 – محاكاة قدماء الإغريق والرومان وترسم خطاهم وذلك لما اتسم به أدبهم من كمال ونضج .

3 – الانصراف عن موضوعات الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي والتوغل في النفس البشرية من حيث طبيعتها وعرض العادات الاجتماعية وتوافهها .

4 – الدعوة إلى سيطرة العقل، وهذا أدى إلى ضعف الخيال، والانقياد إلى المنطق

5 – الحض على إقصاء شخصية الأديب عن أدبه .

6 – تصوير النماذج البشرية بصرف النظر عما فيها من خير وشر .

7 – الأدب الكلاسيكي أدب الأناقة والصنعة الدقيقة والزخرف الجميل .

وكان رد الدكتور الباشا على مبادئ المذهب الكلاسيكي :

محاكاة أدب الإغريق والرومان، وهو أدب وثني يدين بتعدد الآلهة ويؤمن بالصراع بين الإله وبين الإنسان، والإسلام دين التوحيد يحرم ذلك .

الكلاسكية وضعت قواعد ومبادئ شكلية، أما الإسلام فلم يهتم بالشكل، وركز على المضمون والمحتوى .

وتصور أرسطو للشعر يختلف مع التصور الإسلامي للأدب .

يقصرون أدبهم على الجانب المادي ، والإسلام دين يهتم بالمادة والروح .

تصور الكلاسيكية الخير والشر، أما الإسلام فيصور الخير والشر، ولكنه يحض على الخير، وينهى عن الشر، وينفر منه .

يحلل المذهب الكلاسيكي النفس البشرية ويصور العادات الاجتماعية

ولا يطرح الحلول ، أما الإسلام فهو يعالج أشواق النفس ومطامحها ويعالج مشاكل البشر .

المذهب الرومانسي :

هو أدب الريف حيث الطبيعة البكر ذات الينابيع الثرة والأجواء الرحبة والغابات المعروشات .

وامتازت الرومانسية البريطانية بالعاطفة الجياشة والإحساس العميق ، والفردية المتطرفة ، والغموض الشديد .

وضع الرومانسيون قواعد للمذهب هي : مرض العصر ، واللون المحلي ، والخلق الشعري ، والنغمة الخطابية .

وكانت ردود الباشا على المذهب الرومانسي :

1 – استنكر شاتو بريان المذهب الكلاسيكي الذي يقوم على الوثنية ودعا إلى صبغ الأدب بتعاليم المسيحية ، أما الإسلام فهو لا يؤيد هذا ولا ذاك .

2 – تحول المذهب الرومانسي بعد هزيمة نابليون الساحقة ، إلى مآتم وأحزان ، أما الإسلام فهو أدب إيجابي يحارب اليأس ويزرع التفاؤل مهما كانت الظروف .

3 – دعا الأدب الرومانسي إلى تحرير الأدب من قيود العقل والجنوح إلى الخيال ، أما الأدب الإسلامي فهو أدب واقعي بجوادي العاطفة والعقل .

4 – تخالف النظرة إلى الرومانسية مع الأدب الإسلامي لضرورة توافر الفائدة العملية والمتعة النفسية .

5 – لم يهتم الرومانسيون بقوانين الأخلاق بينما اعتنى الأدب الإسلامي بهذه المزايا الأخلاقية .

6 – قامت الرومانسية على تقديس الأم لتطهير النفس ، أما الإسلام فهو دين الفطرة يكره التصنع ، ويحارب الانحلال الخلقي .

7 – الأدب الرومانسي دعا إلى التحلل من جميع القيود ، والإسلام دعا إلى الالتزام .

دعا الباشا إلى الفن الإسلامي الملتزم ، واحترم جهود من سبقوه من النقاد ، الندوي ، وقطب ، والكيلاني ، وعماد الدين خليل .....

درس التصور الإسلامي للخالق والكون والإنسان .

ودعا إلى الانفتاح على جميع الآفاق .

وحدد خصائص الأدب الإسلامي : فهو أدب هادف ، ملتزم ، أصيل ، ومتكامل ، ومستقل ، ويهدف إلى بناء الذات الإنسانية النبيلة .

النقد اللغوي :

ويتجلى ذلك في الكتب التي ألفها للمدارس في سورية عام 1960 – 1965 م .

وهذه الكتب منهجية وتعليمية ومصطلحية في النحو والنصوص تحليلاً وتركيباً .

نقد النثر :

ألف الباشا كتابه شعر الطرد ، والصيد عند العرب .

ومن الواضح أن نقد النثر عند الباشا يستند إلى اللغة والمنهجية والمصطلحية والمعرفية من الموروثات العربية الأصيلة الكثيرة إلى الحداثة المتجلية في إبداعات الحاضر منذ مطلع القرن العشرين ، على أنها لا ينبغي أن تنقطع الأصول الثقافية العربية التي صارت راسخة وثرية في المباني والمعاني .

نقد الشعر :

لجأ الباشا في كتابه عن علي بن الجهم : حياته وشعره . إلى الاتجاه الوصفي التحليلي الكاشف عن سيرة ابن الجهم وأغراض شعره العامة والخاصة ، وخصائصه المعنوية والأسلوبية والموسيقية .

تحدث عن الشعراء الذين سبقوا ابن الجهم وعاصروه مثل : البحتري ، والحسين بن الضحاك ، ومروان بن أبي الجنوب .

وتحدث عن المصادر، وانتقدها .

وبين سيرة حياة الشاعر ، ونسبه وعلاقته بالشعراء المعاصرين ، ومذهبه واعتزازه بالعلم ، وإطلاعه على القرآن، واقتباسه من معانيه .....

وتحدى ابن الجهم فحول الشعراء، ولم يطلع على الأدب اليوناني، والفلسفة ونادم المتوكل ، ثم سجن ونفي وقتل شهيداً .

وتحدث عن أغراضه من مدح وهجاء وغزل وفخر وحكمة، والحب والجنس والحرب وشعر السجون، ونظمه أرجوزة في التاريخ ...

جهوده في تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية :

كما شارك في تأسيس رابطة الأدب الإسلامي، وانتخب نائباً لمكتب البلاد العربية للرابطة , وعضواً في مجلس الأمناء .

لم يكن هو أول من دعا إلى إيجاد أدب إسلامي، فقد سبقه إلى ذلك كثير من المفكرين، لكنه استطاع أن يجعل أماني أولئك العلماء حقيقة واقعة ..فقام وحده برسم منهج إسلامي في الأدب والنقد، وعمل على إرساء قواعده، وتبنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هذه الفكرة الرائدة، فكان من نتاج ذلك أن أسس أول قسم في العالم يهتم بشؤون الأدب الإسلامي .

الندوات والمؤتمرات التي شارك فيها :

كان الأستاذ الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا – رحمه الله – فيضاً من العزيمة والعطاء رغم مكابدته المرض ، فقد شارك في العديد من المؤتمر، وكان له دور كبير في تقديم المحاضرات، وبذل النصيحة، والتنظير للأدب الإسلامي الحديث، ومن أبرز هذه المؤتمرات التي شارك فيها :

الندوة التي عقدت في منزل الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا مدينة الرياض عام 1400 ه / 1980 م ، والذي تم فيه تكوين هيئة تأسيسية لهذه الرابطة برئاسة الندوي .

مؤتمر الندوة العالمية للأدب الإسلامي المنعقد في لكهنو – الهند سنة 1401 هأ / الموافقة 1980 م .ودعي لهذا المؤتمر عدد كبير من رجالات العالم الإسلامي المهتمين بالأدب ، واختير د . الباشا نائباً لرئيس الرابطة ، ورئيساً لمكتب البلاد العربية .

مؤتمر مجلس أمناء رابطة الأدب الإسلامي الذي انعقد خلال صيف 1406 ه / 1986 م . وقد وصل استانبول بعد انتهاء الأنشطة الأدبية بسبب مرضه الذي اشتد عليه ، وكانت وفاته أثناء وجوده في استانبول يوم الجمعة 11 ذي القعدة 1406 ه / تموز 1986 م .

أخلاقه :

ذكرت د. مهجة الباشا أخلاقه وصفاته فقالت : ( بعد أن اشتد ساعده ، واكتمل تكوينه النفسي والروحي والأخلاقي ، وأخذت مظاهر هذا التكوين تترسخ في سلوكياته لتصبح سمة مميزة لشخصيته ، من طموح لا حدود له ، ووطنية تستهين بالموت من أجل الحرية ، ونفس وثابة إلى المجد والعلياء محصنة بما تحمله كلمة المروءة من معان كريمة ، من صدق وإخلاص ووفاء وإيثار وتفان في العمل . بقيت ملازمة له طوال حياته إلى أن وافاه اليقين ...) .

وفي باب نبله وإيثاره قال الدكتور عائض الردادي في جريدة ( الجزيرة ) وهو وكيل وزارة التربية، وكان من تلاميذه، وأحد أصدقائه المقربين، إن عبد الرحمن كان يستلم ما يصرف له من مكافآت عن برامجه الإذاعية الكثيرة فيحملها سريعاً إلى أصحاب الحاجة من طلاب العلم دون أن يشعر بذلك أحد ، وأتبع ذلك بأن أوصى بثلث ماله لطلاب العلم بعد وفاته .

كان بيته فخماً لطلابه، يحتفي بهم، ويكرمهم، ويفتح لهم مكتبته العامرة ليستفيدوا منها ...كان رحمه الله متعدد المواهب، متنوع العطاء ، فهو كاتب للقصة، والرواية، وباحث في تاريخ الأدب وأعلامه، ومؤسس لمذهب جديد في الأدب والنقد، وواضع للمناهج التعليمية في مراحلها المختلفة، ومنافح عن التراث واللغة ، ومشرف على الدراسات العليا وبحوث الطلاب فيها في الأدب والنقد وأخيراً مؤسس لرابطة عالمية تحافظ على التراث وتعنى بالأدب العربي والإسلامي ، فعطاؤه لم يقتصر على حدود وطنه ، بل تجاوز ذلك إلى فضاء الإنسانية .

كان مربياً فاضلاً، وأستاذاً جليلاً قوي الشخصية مع تواضع ووقار، مهيباً مع لطف معشر ولين جانب، عفّ اللسان، لا يذكر أحداً بسوء، جمّ النشاط صادق العزيمة كريم السجايا، واسع الأفق، غزير العلم، رصين الأسلوب، سخياً كريماً قلما يخلو بيته من ضيف عابر أو مقيم .

وكان قوياً في مواقف الحق، لا ينافق، ولا يداهن، ولا يضعف، ولعل ذلك كان سبباً في ميله إلى العزلة أحياناً، وشعوره بشيء من الانقباض، نبيل النفس، كريم الطباع ، لا يخذل من يلجأ إليه يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، رقيقاً مع زوجه، عطوفاً على أبنائه، سمحاً مع أقاربه .

وقد كان مثلاً أعلى وقدوة    في الإخلاص والعطاء .

وهو فارس من فرسان البيان  وعاشق ولهٌ للغة القرآن .

نماذج من جهوده الإعلامية في إذاعة الرياض :

كما عمل الدكتور الباشا رحمه الله على توسيع نطاق التعريف بهذا الأدب اليتيم  كما كان يُطْلِق عليه في بعض المناسبات  وذلك من خلال برنامج إذاعي سجلت حلقته الأولى إذاعة الرياض في 30/4/1395ه، وقد أربى عدد حلقاته على ( 240 ) تحت اسم مع أدب الدعوة الإسلامية       .

وتجربة الدكتور عبد الرحمن الباشا في الإذاعة تجربة ثرية ، وهو لم من المتهالكين على الكتابة للإذاعة أو غيرها ، ولا يقدم على ذلك إلا بعد أن يطلب منه ، على أنه ليس من المتعالين الذين يصطنعون الترفع ، ولذا فهو سهل الاستجابة ، وإن اعتذر فلعذر مقنع لكثرة أعماله .

وقد قال الدكتور عبد الرحمن العشماوي عن ذلك :

تجربته مع إذاعة الرياض تسبق عملي بها ، ولكنه – عندما التحقت بالإذاعة – كان يجد راحة في أن أكون مسؤولا عن برامجه ، كان مثالاً للتعامل الجيد والدقة في العمل ، يولي إنتاجه عناية خاصة ، ويرتب كل شيء قبل أن يصل للإذاعة ، فإن كانت ندوة اختار الضيوف بدقة، ودخل الاستديو مع ضيوفه، وقد اتفق معهم على مخطط سيرها، فلا يدع مجالاً للتكرار أو سطحي الأفكار، وتبدو على قسمات وجهه علائم الاستياء إذا جنح أحد الضيوف عن الموضوعية، ولكنه لا يقاطعه، بل يستدرك، ويعلق، ويظهر للمستمع أن ذلك رأي للضيف ولكل ما رأى، أما بعض العبارات التي لا يرتضيها فينتحي بي بعد التسجيل جانباً، ويقول : ألا يمكن حذف هذه الكلمة . وكان يتهرب من استخدام كلمة مونتاج لأنها أجنبية . وأذكر مثالاً على ذلك، ففي مرة أخذ أحد الضيوف الحماس في مناقشة موضوع الدعوة للعامية، وقال : لحساب من ترتكب هذه الجريمة وعند انتهاء التسجيل قال لي : يا بني الموضوعية في النقاش تستدعي أن تقرع الحجة بالحجة من دون الطعن في ذمم الناس .

وقد كتب لإذاعة الرياض أحاديث، وأعد برامج، منها : بيت القصيد، ومع أدب الدعوة الإسلامية، وصور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، ولعل البرنامجين الأخيرين هما اللذان ارتبطا في أذهان الناس، وهما برنامجان متشابهان في المنهج، وثانيهما امتداد للأول، وكان في نيته أن يواصل التسلسل فيعد برنامجاً باسم صور من حياة إخوان النبي وهم من بعد التابعين .

وفي باب نبله وإيثاره قال الدكتور عائض الردادي في جريدة الجزيرة وهو وكيل وزارة التربية، وكان من تلامذته، وأحد أصدقائه المقربين، إن عبد الرحمن كان يستلم ما يصرف له من مكافآت عن برامجه الإذاعية الكثيرة فيحملها سريعاً إلى أصحاب الحاجة من طلاب العلم دون أن يشعر بذلك أحد، وأتبع ذلك بأن أوصى بثلث ماله لطلاب العلم بعد وفاته .

وفاته :

توفي –رحمه الله– في تركيا في يوم الجمعة 18 / 7 /  1406 ه / 1986م .. ودفن في مدينة استانبول وسجي جثمانه في مقبرة الفاتح، حيث يرقد كثير من الصحابة والتابعين .

وأقمت له الندوات في حياته وبعد وفاته في السعودية، وفي تركية، وفي غيرها من الدول التي امتد نشاطه إليها، وكرمته وزارة الثقافة في سورية فأقامت ندوة ( عبد الرحمن الباشا )، وألقيت عنه المحاضرات، وكان من جملة المشاركين في الندوة : د. حسن عبد المحسن، ود. مهجة الباشا، وعبد القادر الأسود ممثل اتحاد الكتاب العرب، و د . عالية صالح ( الأردن )، ود . سمر ديوب ( سورية )، ود . عبد الله أبو هيف ( سورية ) .

أقوال العلماء والأدباء فيه وثناؤهم عليه :

1-تقول د. عالية صالح ( الأردن ) : ( قضى الدكتور الباشا حياته العلمية والعملية مكافحاً ومنافحاً عن لغة القرآن ، وداعياً إلى فن أدبي إسلامي يجمع جمال التعبير وإبداع التصوير إلى المتعة والفائدة والنفع والهدف ، فن يلتزم أمام متصف بصفات كلها ، ويكون بسماته هذه مغايراً للتيارات الأدبية الأخرى .

رسم منهاجاً إسلامياً في الأدب والنقد ، وأرسى قواعده ، وثبت تدريسه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

وسعى لإيجاد عمل موسوعي يخدم الأدب الإسلامي ويكون له بمثابة الخلفية التاريخية والقاعدة الصلبة التي ينهض عليها بناؤه ، ليساعد الدارسين في معرفة هذا الأدب ودراسة خصائصه ورصد موضوعاته ، فظهرت فكرة موسوعة أدب الدعوة الإسلامية .

ودعا إلى تجنيد العمل القصصي لخدمة الفكرة الأساسية ، وهي ترسيخ العقيدة السليمة القويمة في النفوس ، وذلك لأن الدعوة الإسلامية بحاجة إلى الاستعانة بكل سلاح ابتكره العصر لمقاومة خصومها الألداء ، والدفاع عن وجوده المستهدف ، وضمان استمرارها في الأرض ، وهذه الفكرة ليست جديدة استحوتها العصر ، أو أمر طارئ على المسلمين اقتضته ظروف الحياة الجديدة ، وإنما هي أمر قديم عرفه المسلمون منذ كان الإسلام وليداً في مكة .

2-يقول صديقه الدكتور عبد القدوس أبو صالح الذي لخص لنا مكانته الأدبية بقوله : ( كان الدكتور عبد الرحمن الباشا رحمه الله من فرسان البيان ، وممن نذروا أنفسهم للدفاع عن لغة القرآن ، وقد أبدع بقلمه البليغ نتاجاً أدبياً ورفيعاً ، سيبقى ذخراً للأجيال ومنارة للأدباء ..) .

3- وقد قام وحده رحمه الله برسم منهج إسلامي في الأدب والنّقد، وعمل على إرساء قواعده، وتبنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هذه الفكرة الرّائدة، وأوسعت لها في المحاضرات الجامعية… حتى قيض لمادة منهج الأدب الإسلامي أن تقف على أرض صلبة قوية، وأنشئ على أثرها أول قسم خاص بها في العالم الإسلامي… وقد عبر عن ذلك سماحة الشيخ أبو الحسن الندوي في التقديم الذي كتبه لكتاب نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد حيث قال :

( كان الدكتور عبد الرّحمن ممّن يتصف بالعمل والتطبيق، فلم يستجب لهذه الفكرة استجابة فكرية فحسب، بل سبق إلى تنفيذها وتجسيدها خلال تدريسه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإشرافه على البحوث الأدبية، ثم تطورت آماله إلىتأسيس رابطة تُعْنى بهذا الموضوع، وعقد ندوات حول الموضوع، والتف حوله أساتذة وكتاب كان بينهم انسجام فكري، وتحولت هذه الفكرة إلى منظمة عالمية )

4 – ويقول د . حسن عبد المحسن ( سورية ) : ويعد بحق رائداً من رواد الأدب ، وناقداً من كبار النقاد المعاصرين . خاطب الكبار والصغار وراعى الاعتبارات التربوية والتعليمية كلها ، ولا سيما تلك التي تعنى بالقيم السلوكية والأخلاقية والوطنية والإنسانية .

وقد عمل على إبراز الأدب العربي والإسلامي بقوة ، وثابر على المناداة به ، وإبراز خصائصه وإحياء تراثه بإخلاص . وكان في دراسته وتدريسه مثلاً يحتذى في الجد والصبر والثبات ...) .

5 – وتقول د . مهجة الباشا ( سورية ) : كان رحمه الله متعدد المواهب ، متنوع العطاء ، فهو كاتب للقصة ، والرواية ، وباحث في تاريخ الأدب وأعلامه ، ومؤسس لمذهب جديد في الأدب والنقد ، وواضع للمناهج التعليمية في مراحلها المختلفة ، ومنافح عن التراث واللغة ، ومشرف على الدراسات العليا وبحوث الطلاب فيها في الأدب والنقد وأخيراً مؤسس لرابطة عالمية تحافظ على التراث وتعنى بالأدب العربي والإسلامي ، فعطاؤه لم يقتصر على حدود وطنه ، بل تجاوز ذلك إلى فضاء الإنسانية .

-كان مربياً فاضلاً ، وأستاذاً جليلاً قوي الشخصية مع تواضع ووقار ، مهيباً مع لطف معشر ولين جانب ، عفّ اللسان ، لا يذكر أحداً بسوء ، جمّ النشاط صادق العزيمة كريم السجايا ، واسع الأفق ، غزير العلم ، رصين الأسلوب ، سخياً كريماً قلما يخلو بيته من ضيف عابر أو مقيم .

وكان قوياً في مواقف الحق، لا ينافق، ولا يداهن، ولا يضعف، ولعل ذلك كان سبباً في ميله إلى العزلة أحياناً ، وشعوره بشيء من الانقباض، نبيل النفس، كريم الطباع ، لا يخذل من يلجأ إليه يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة ، رقيقاً مع زوجه ، عطوفاً على أبنائه ، سمحاً مع أقاربه .

6 - ويقول د . محمد علي الصامل في تقييم جهوده :

( وكان لشيخنا عبد الرحمن رأفت الباشا  رحمه الله  الفضل الذي لا ينكر، ولكلية اللغة العربية في الرياض الريادة التي لا تغفل؛ وذلك بإخراج موسوعة أدب الدعوة الإسلامية بشقيها: الشعري والنثري، وأسهم في إخراج الموسوعة بإشراف الدكتور عبد الرحمن الباشا  رحمه الله  كوكبة من الطلاب الذين أصبح لهم شأن في ميدان الأدب الإسلامي فيما بعد.

وأود التنبيه  هنا  إلى ما يجري في ساحة الأدب الإسلامي من اختلاف في المصطلح، وآمل ألا يكون ذلك عائقاً ولا مشغلاً عن الهدف الأسمى، وهو إشاعة هذا اللون من الأدب في أوساط المسلمين، ولا مشاحَّة في الاصطلاح؛ فالغاية هي مواصفات هذا الأدب، وليس الوقوف عند تسميته.

7- ويقول ولده يمان عبد الرحمن رأفت الباشا، تحت عنوان : عبد الرّحمن رأفت الباشا مهندس الأدب الإسلامي  : ( لقد أمضى الدكتور عبد الرحمن حياته العلمية والعملية منذ بدايتها مكافحاً ومنافحاً عن لغة القرآن.. داعياً إلى فن أدبي إسلامي لا يكتفي بجمال التعبير وإبداع التصوير؛ وإنما يشترط فيه أن يكون ممتعاً هادفًا نافعاً في وقت معاً.. فن أدبي إسلامي يلتزم أمام إله متصف بصفات الكمال كلها، منزه عن صفات النقص جميعها.. ويكون بسماته هذه مغايرا للتيارات الأدبية الأخرى التي تلتزم أمام النفوس البشرية الأمارة بالسوء....) .

8- ويقول د. عدنان علي رضا النحوي : ( كان الأستاذ الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا – رحمه الله تعالى – فيضاً من العزيمة والعطاء رغم مكابدته المرض، أثناء مؤتمر الندوة العالمية للأدب الإسلامي المنعقد في لكهنو – الهند سنة 1401 ه / الموافق 1980 م .

وكان – رحمه الله – من أوائل الدعاة إلى إحياء الروح الإسلامية في الأدب، وإلى إنشاء رابطة للأدباء المسلمين ليقدموا النظرة الإسلامية في الأدب والنقد، وفي الإنتاج والعطاء والنص، واصطلح على ذلك ب ( الأدب الإسلامي ) ورابطة الأدب الإسلامي .

وقد بذل –رحمه الله– جهوداً كبيرة أثناء عمله في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى تكونت دراسات في هذا الباب، وخصصت مادة تولى تدريسها ) .

رثاء الشعراء له وثناؤهم عليه :

ورثاه د. عدنان النحوي بقوله :

  أين الهزار وأين اللحن والوتر           أين الشذا والندى والأيك والشجر

 كانت تمج فطواها الردى فنأت        وعاد منها لنا الأصداء والصور

 أبا يمان..وكم خلفت رابية             تلفت الشوق فيها والهوى خضر

هنا الرياض التي سامرتها زمنا ً          حنّ النديّ بها والشدو والسمر

وكم رحلت إلى أفياء حانية             زكا منك على أشواكه السفر

فالشاعر يتساءل عن الهزار الذي توقف عن التغريد، وعزف أعذب الألحان، بل أين ذلك الرجل الذي ترك ذكراً عطراً في كل مكان نزل فيه، وأشاد بأخلاق الراحل الكريم وصفاته، فقال :

عزم على مرض ، صبر على محن      بلوى على وطن ، يمضي بك القدر

تكاد تقتحم الأحداث في لُحَج ٍ        ما صدّه حذر أو راعه الخطر ُ

حتى بلغت من الأيام غايتها            كما تبلّغ من أيامه الحذر ُ

غرست في كلّ ناد ٍ غرسة ً نبتت        طيباً ففوّح منها العود والزهر

سكبت من عودك الفواح دفق هوى    فطاب منه ومن طيب الهوى العمر

وقمت تجمع من روض الهدى أدباً        بفتّح الورد أو تزهو به الغرر ُ

وإن من أعظم الصفات التي تحلى بها الفقيد هي العزم والصبر والشجاعة والصمود أمام العواصف الهوجاء، لقد ترك ذكراً حسناً في كلّ نادٍ سكن فيه، ومن ذلك :

وإن أطيب ما يلقاه مرتحل        أهل إذا غاب عن ميدانهم ذكروا

يا يوم لكنو على ساحاته ائتلقت        دنيا وماجت على ميدانها البشر

على رعايتهم يجلى البيان هدى         ونفحة من يقين الحقّ تنتشر

تألق الحشد حتى كنت بينهم         صفو الوداد أخاً ما مسه كدر

جاد البيان على ما صغت من درر     ومن سجاياك شعّت بينها الدرر

على ضفافك يا بسفور رابية          حنت وأفت وأوفى عندها القدر

كم مجلس ضمنا من قبل فرقتنا             دنا علينا ليهنا بيننا القمر

هناك بين ظلال التوت رفرفة           من البيان زكا من طيبها الثمر

رفّ الهدى وجرت آياته ودنت        أطيافه وحلت في ذكره السير

نطلّ منها على البسفور ننفحه         شوقاً فينفحنا من شوقه النهر

لقد شارك في ندوة لكنو في الهند، وفي مؤتمر (اسلام بول)، ويتذكر الشاعر مجالسه مع الأديب رأفت الباشا ، وما كان يطرحه في تلك الندوات من أفكار تمتاز بالجدية في الالتزام ، والأصالة ، لذلك أحدث رحيله فراغاً كبيراً :

حتى مضيت وخلّفت الديار بها        حيرى من الوجد يطويها ويعتصر

هلاّ رجعت لها ؟ أم هل دعاك هوى    اعلى ولجّت بك الأشواق والعبر

أبا يمان كأن الدار ما برحت        هناك من وله ٍ تهفو وتنتظر

هلاّ تلفّتّ للشهباء تودعها           لمحاً من الشوق أم لم يمهل القدر ؟

أم أنت كفكفت من عينيك أدمعها       تستودع الله ما لم يبلغ النظر

خلّفت في الشام أهلاً أم ترى أملاً        ودمعة لم تزل تهمي وتستعر

يا ربوة الشام أين الورد نقطفه          أم جفّ عندك منه العود والزهر

مضيت في الدرب كم ضاقت به سبل   فوسّع الموت ما قد ضيّق البشر

لقد اشتاقت مدينة حلب إلى عطاء الراحل، وأدبه النبيل، وكذلك اشتد حنين الشام إلى رؤية ابنها البار، ولكنه آثر ما عند الله على ما عند البشر، وحبذا الباقية على الفانية، فرحل عن الدنيا وهو يقول : وعجلت إليك ربي لترضى :

تلقى هناك من الرحمن جنته             وتلتقي عندها الأجيال والعصرُ

تمتد حتى كأن الكون ساحتها           فلا تضيق على سكانها الحجرُ

من كل ياقوتة تزهو بساكنها                 وكلّ حانية يزهو بها البصر

هي الحياة ممر لا انكفاء له             ورحمة ماج فيها الشوق والضجر

وشهوة طحنت أنيابها جثثاً               أو ملجأ رقّ فيه الآي والسور

كل ابن آدم مشغول بشهوته          فمن صريع هوى أو فتية ظفروا

لا يطمئن بها إلا فتى صدقت           لله همّته والسعي والأثر

فكم سؤال على الجفنين مختبيء          وكم من الظن يطوي ثمّ يبتدر

يفتّح الموت منها كل منغلق         نوراً تدفق يجلى عنده الخبر ُ

زخارف العمر أشباح ٌ ، إذا نشبت        منيّة ولّت الأشباح والصور

هي الحياة ابتلاء لا نجاوزه           ختى تمحّصنا الأيام والغير

وتخلص النفس في ميزان بارئها         لكل ما كانت الأعمال تدّخر ُ

21 / 8 / 1986 م

راجع ديوان مهرجان القصيد : ص 204 – 208 .

دمعة من القلب :

وكتب الدكتور عبد القدوس أبو صالح ( سورية) قصيدة يرثي فيها أبا اليمان – رحمه الله تعالى - :

لهفي عليك أبا اليمانْ         ناضلتَ فانتصرَ الزمانْ

ناحتْ عليكَ الورقُ كالثكلى            ولجَّ الناعيانْ

الهاتفاتُ مع الضحى        تبكيكَ أمْ يبكي البيانْ؟

ولقد شهدتُ الرزءَ         ما أدهى بسمعٍ أو عيانْ؟

لقد أعلن الشاعر عن عظيم المصاب الذي نزل بالمربي الراحل وأهله وإخوانه، وتلهف على فقده، وشاركت الطيور في النوح عليه، وبكى عليه البيان :

رضوانُ أذهلتِ المصيبةُ لُبّه ..وبكتْ جُمانْ

وبكتْ وراءَ الستر                سيّدةٌ مرزّأةٌ حصانْ

ظلت تذودُ اليأس عنهُ           ولم يغضْ نبعُ الحنانْ

حتى هوى ..فذوتْ       كما تذوي زهورُ الأقحوانْ

وتساءلت في سرّها            أين المضيُّ..ولا أمان ؟

واسترجعتْ : إن الإله    هو المعينُ ..أبا يمان ؟

لقد بكت السيدة الرزان (أم يمان) على زوجها الحبيب الذي أحاطته بالحب والحنان حتى ذوى كما تذوي الزهرة الجميلة :

هذا عميد القوم ..     ملءَ العينِ والأسماع كانْ

الفارسُ المغوارُ إما كانتِ الحربُ العَوانْ

رجلُ المنابرِ والمحافلِ ..قد وهى منهُ الجنانْ

الجسم كلَّ عن العزيمة          والضربة والطعانْ

وترجلَّ المصلوبُ        عن آلامه أزفَ الأوانْ

إنه الفارس الشجاع ورجل المنابر والمحابر، الذي كلّ جسده الطاهر، وتعب قلبه الحنون من الطعان والذود عن دين الله ولغة القرآن ورد شبهات المارقين :

نبكيك يُذهلنا المصابُ ..    وهلّلتْ حورُ الجنانْ

يا فارساً خانته ساحُ الحربِ ..   فارتدّ العِنانْ

ما كان يثني العزمَ منك عن العلا إنسٌ وجانْ

كيف انثنيتَ .وفي يديك مهنّدٌ عصبُ السنانْ

ولمنْ تركتَ لواءكَ المعقود يومَ المهرجانْ ؟

ربأتْ بكَ النفسُ الأبيّة أن تهون وأن تُهانْ

فرحلتَ عن دنيا الصغائر والمذّلة والهوان

ومضيتَ لا تأسى على دنيا بدت كالأفعوان

ويحمل الراحلين إلى الرياض رسالة يقول فيها :

يا راحلين إلى الرياض ..    ألا انقلوا الخبر العيانْ

حتى يبكيه الرفاقُ          الأوفياءُ ..مدى الزمانْ

والموتُ آجالٌ ..تحدُّ         فلا هروبَ ولا توانْ

إنا احتسبنا الخطبَ في  ذات الإله المستعانْ

والموتُ موعظةُ القلوب ..كأنه فيها أذانْ – من الشعر الإسلامي الحديث : ص 73 – 75 .

مصادر الترجمة :

1- الفيصل :ع 115/ ص 141 .       

2 - المجتمع : ع 779 / ص 49  .             

  3- تتمة الأعلام : 1/276 .

4- إتمام الأعلام : نزار أباظة ، ومحمد رياض المالح .

5- مئة أوائل من حلب – أعلام ومعالم ، عامر رشيد مبيض : ص 391 .

6- ندوة عبد الرحمن الباشا – التي أقامتها وزارة الثقافة في سورية ، وكانت في المركز الثقافي في إدلب ، بتاريخ 2010 م .

7- جريدة الشرق الأوسط .

8 - جريدة الجزيرة ( السعودية ) .

9 – ديوان مهرجان القصيد – د . عدنان علي رضا النحوي – ط1 – دار النحوي – 1993 م

10 – من الشعر الإسلامي – إصدار رابطة الأدب الإسلامي العالمية .

11 - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا. ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1405ه/1985م.

12 -  منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، بيروت، القاهرة.

13- في الأدب الإسلامي المعاصر، محمد حسن بريغش، مكتبة المنار، الأردن الزرقاء.

14 - الأدب في خدمة الحياة والعقيدة، عبد الله حمد العويشق، ط. كلية اللغة العربية بالرياض، 1389ه/1390ه.

15 - نظرات في الأدب، لأبي الحسن الندوي، دار القلم، دمشق 1408ه/1988م.

16 - الأدب الإسلامي وصلته بالحياة، محمد الرابع الندوي، مؤسسة الرسالة، ط1 1405ه/1985م.

17 - أدب الصحوة الإسلامية، واضح الندوي، مؤسسة الرسالة ط1، 1405ه/1985م.

18 -  تعريف برابطة الأدب الإسلامي، إصدار الرابطة عام 1409ه/ 1989م.

19 - مجلة المشكاة. العدد 13 السنة الرابعة 1410ه/1990م.

20 - النقد الأدبي أصوله ومفاهيمه، سيد قطب، دار الشروق، بيروت.

21 - الإسلامية والمذاهب الأدبية، د. نجيب الكيلاني/ مؤسسة الرسالة ط2 (1401ه).