الدكتور محمد أبو بكر حميد

الدكتور محمد أبو بكر حميد

 

بقلم : أحمد الجدع

 

تحب المكان الذي وُلدت فيه لأن فيه ذكريات طفولتك ، فذكريات الطفولة لا تعدلها ذكريات أخرى .

وتحب أمكنة مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف لأن لها صلة بعقيدتك ، فتهفو نفسك إليها وتطير أشواقك إلى رحابها .

وتحب بلداً عندما تسمع به أو تقرأ عنه ، وترتبط مشاعرك به لأنك وجدت في نفسك نحوه أُلفة ، فانجذبت روحك إليه وتعلقت عواطفك به .

وأنا عندما قرأت عن حضرموت انجذبت عواطفي إليها وتعلق قلبي بها ، وأصبح للكلمة ومدلولها عندي سحر لا أستطيع أن أدفع سطوته وعشق لا أستطيع أن أقاوم متعته .

وعندما بحثت في أعماقي عن سر هذا الحب وجدته في هذه العواطف المشتركة بيني وبينهم في حب الإسلام دين الله الخالد ، فأنا مجبول بحب هذا الدين ، وقد لمست عند الحضارم شعوراً مثل شعوري وحباً مثل حبي ، فتوحدنا به وله ..

وعندما عزمت على تأليف كتابي "شعراء معاصرون من الخليج والجزيرة العربية" عام 1404هـ (1984م) ووضعت مخططه اخترت من بين شعراء الجزيرة شاعر حضرموت الكبير وأديبها اللامع علي أحمد باكثير ليكون واحداً ممن أدرسهم وأقدمهم في هذا الكتاب .

وكان من لزوميات البحث أن أقدم كلمة عن موطن الشاعر ، فقرأت عن حضرموت فوجدتها قلادة نفيسة في جيد الإسلام ، لها أياد بيضاء على مسيرته ، ولها قدم راسخة في نشر دعوته ، فكتبت كلمة عنها ، كلمة لم أتجاوز فيها الحق ولم أتعد فيها الصدق ، ولكنها كلمة خرجت من القلب وامتزجت بالعاطفة ، ولهذا كان لها في قلوب الحضارم موقعاً ، فأحبوني كما أحببتهم ، كل هذا دون أن أجتمع إلى أحد منهم ودون أن أزور ديارهم .

ويأبى الوفاء الحضرمي إلا أن يكون أصيلاً ، فوصلني من الأديب الحضرمي الدكتور محمد أبو بكر حميد هدية من مؤلفاته وقد سطر عليها إهداء يقطر محبة ومودة ووفاء .

كان ذلك عام 1418هـ (1997م) وكان كتابه "علي أحمد باكثير من أحلام حضرموت إلى هموم القاهرة".

والدكتور محمد أبو بكر حميد متخصص في باكثير ، وحق لباكثير أن يتخصص في حياته وأدبه أكثر من باحث وأكثر من عالم ، ولكن قومنا في هذا الزمان ينكرون على أبنائهم إبداعهم ، بل إن جفاءهم لمبدعيهم قد يصل إلى حد الضيق والنفور والتغييب ، وهذا ما كان منهم نحو عبقري الرواية والمسرحية والشعر على أحمد باكثير ، فقد جفاه قومه وذووه حتى قتلوه !

وهبَّ أبو بكر للمهمة الجلى ، وأخذ على عاتقه إنصاف باكثير ، فجد في دراسته وعكف على جمع آثاره وتحقيقها ونشرها ثم الكتابة عنها ، فملأ الصحف والمجلات بأبحاثه ودراساته ، وأصدر الكتب عن أدبه وفنه ، فأحيا ما  اندرس منها وجدد ما كان قد صدر من روائعها .

وكان من إسهاماته في إحياء ذكرى باكثير جمع ما كتب عنه ، ومقابلة من عرفوه في البلاد التي عاش فيها واستكتابهم عن ذكرياتهم معه ، ثم أصدر كل ذلك في كتاب بعنوان "علي أحمد باكثير في مرآة عصره" وأكرمني فجعل كلمتي عن حضرموت وابنها باكثير في صدر هذا الكتاب .

وعندما زارني لأول مرة في عمّان العاصمة الأردنية عام 1423هـ (2002م) أهداني نسخة من هذا الكتاب وكتب عليها إهداء أبت شهامته ووفاؤه إلا أن يملأه محبة وتقديراً ، كما أهداني كتباً أخرى من مؤلفاته فوجدتها تنم عن مسلم غيور على إسلامه ، يأسى لما وصل إليه المسلمون من تخلف فيحاول أن يَنْـقُد الأوضاع ويصحح المسيرة ، يحاول أن يشخص الداء ويصف الدواء .

وكما كان علي أحمد باكثير شعلة من إخلاص فإن في محمد أبو بكر حميد شعلة مثلها ، وإني لأرجو وأدعو أن يكون محمد أبو بكر حميد خلفاً من علي أحمد باكثير .. خير خلف لخير سلف .