الشيخ محمد تاج الدين

د. محمد مطيع الحافظ

حقائق تاريخية (2)

ابن المحدث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسني

(1307 – 1362هـ) (1890 – 1943م)

ثالث رئيس للجمهورية السورية – مات مسموماً

د. محمد مطيع الحافظ

يُعدُّ الشيخ تاج الدين الحسني ثالث رئيس للجمهورية بعد محمد علي العابد، ثم الداماد أحمد. ينتهي نسبه إلى الإمام عبد العزيز التباع إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهم.

وُلد بدمشق ونشأ برعاية والده، في بيت العلم والفضل والولاية والورع. وأمّه سليلة بيت العلم والفضل والحسب فهي الحاجة رقية بنت الشيخ محيي الدين العاني.

طلب العلم على والده وعلى تلامذته الأعلام، كما درس في المدارس الرسمية حتى بلغ رتبة علمية يقرر فيها الكتب الأصول والحواشي الكبار، كحواشي الأزميري على المرآة، التي لا يجرؤ على إقرائها إلا فحول العلماء.

وظائفه العلمية الشرعية:

1 -         عُيِّن مدرساً للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق سنة 1912م وعمره اثنان وعشرون عاماً.

2 -         ثم كان من أعضاء إصلاح المدارس.

3 -    وعينه الملك فيصل مديراً عاماً للأمور العلمية في دائرة هي مرجع أعلى لدوائر الأوقاف والفتوى والمحاكم الشرعية، وهي وظيفة تشبه المشيخة الإسلامية في العهد العثماني.

4 -         درَّس في معهد الحقوق مادة أصول الفقه والأحوال الشخصية والفرائض والوصايا.

5 -         في بداية الاستعمار الفرنسي عُيِّن قاضياً شرعياً.

وظائفه الحكومية والسياسية:

1 -         كان من أعضاء المجلس العمومي لولاية سورية في أواخر عهد العثمانيين ولم يبلغ خمساً وعشرين سنة.

2 -         تولى تحرير جريدة الشرق سنة 1916م.

3 -         انتخب عضواً في المؤتمر السوري في العهد الفيصلي.

4 -         عُيِّن عضواً في مجلس الشورى ثم في محكمة التمييز بعد شهور من وصول غورو.

5 -    عرض عليه رئاسة الدولة، عند انتهاء الثورة السورية حيث كانت البلاد تتخبط بالفوضى والمشكلات، والمفوض السامي بحاجة لرجل حازم حكيم محبوب عند الناس موثوق به فرفض أولاً، ثم رضي حقناً للدماء، وعُيِّن رئيساً للحكومة السورية في 14 شباط عام 1928م وعمره ثمانية وثلاثون عاماً.

6 -         دُعي مرة ثانية لتأليف الوزارة سنة 1934م فقبل وبقي قرابة سنة واحدة ثم استقال.

7 -         تولى رئاسة الجمهورية في 17 أيلول سنة 1941م وبقي فيها حتى وفاته، وكلَّف حسن الحكيم برئاسة وزرائه.

الإصلاحات التي أجراها الله على يده في عهده:

ما كان الشيخ ليقبل بمنصب حكومي أو سياسي دون أن يكون ذلك في خدمة دينه وفي مصلحة أهل بلده وصيانة حقوقهم وكرامتهم، فهو قد تربى في بيت الطهر والورع وجدّه هو الشيخ المقدام الذي حرر دار الحديث الأشرفية ولم تأخذه في الله لومة لائم.

وكان قد عرضت عليه رئاسة الحكومة سنة 1925م وعمره خمس وثلاثون سنة، فلم يُسارع للقبول طامحاً للشهرة طامعاً بالمكانة والمكاسب، بل إنه وضع شروطاً للقبول تتضمن الاعتراف بالأماني الوطنية وغير ذلك، فلمّا رفضت شروطه اعتذر ورحل إلى فرنسا ليتصل بالأوساط السياسية المختلفة، وليطلع الرأي العام الفرنسي على ما يجري في سورية.

إصلاحاته:

1 -    حقق الشيخ إصلاحات مباركة عندما عُين مديراً عاماً ومرجعاً لدوائر الأوقاف والفتوى، ويُعدُّ الشيخ صاحب اليد البيضاء في دوائر الأوقاف حيث إنه من أحدث وظيفة مدرس فتوى فيها وجعلها وظيفة لا يعزل صاحبها إذا تقاعد ببلوغه سناً معينة وإنما يبقى فيها إلى آخر عمره عزيزاً كريماً ولا تزال إصلاحاته في دوائر الأوقاف سارياً أغلبها إلى زمننا هذا.

2 -    وفي استلامه للحكومة أول مرة، نجح في نشر الهدوء في البلاد بحكمته وحنكته وبراعته على الرغم من تعرضه لهجوم شديد من أصحاب المصالح من خصومه السياسيين وإثارتهم للفتن.

وبدأ عهده بـ:

1)       إصدار عفو عن السجناء السياسيين.

2)       إلغاء الأحكام العرفية التي ظلت قائمة خلال ثلاث سنوات.

3)       كما اهتم بالثوار.

4)       وكان يمد المخلصين بالمساعدات المالية إلى جانب قيامه بالمشاريع العمرانية.

5)       كما أنه نصح للفرنسيين بنشر الدستور الذي تبنته الجمعية وكان ذلك عام 1931م.

3 -    في رئاسته الثانية للحكومة استمر على سياسته الإصلاحية ومشاريعه العمرانية وخدمته للناس مباشرة أو من وراء ستار فقد ذكر الشيخ الصالح الورع التقي الشيخ أحمد الحبال أنه بحكمته وعقله وفطانته كان إذا علم أن رجال الانتداب يريدون زيادة سعر القمح والخبز وهو قوت الناس الأساسي يخبر وجهاء البلد سراً فيخرجون باحتجاجات ومظاهرات تبطل ما كانوا ينوون فعله لما يرون من ردود أفعال الناس الشديدة.

4 -    في زمن توليته لرئاسة الجمهورية استقلت سورية ووقع على وثيقة الاستقلال ممثلون من فرنسا وبريطانيا وأمريكا في اجتماع تاريخي حضره مندوبون من كثير من الدول العربية وغيرها ثم توالت الاعترافات بالجمهورية العربية السورية المستقلة.

شخصيته وأخلاقه:

كان الشيخ صاحب شخصية بارزة تتجلى بالذكاء والدهاء، كان يرغب بمعرفة الرجال ومخالطة المجتمعات وكانت حياته حافلة بالتقدم السريع مع الاهتمام بقوت الشعب وتقديم مصلحة الفقراء بل لقد كان يشغل رئاسة الحكومة وتأتي عليه أيام يقترض فيها المال من بيوت أخواته في المساء. كما أنه كان متواضعاً أديباً خلوقاً صفوحاً فقد كان يمر بسيارته في أحد شوارع دمشق مرة فألقى رجل متهور مدفوع من قبل معارضي الشيخ الأقذار على سيارته فلما أوصله سائقه رجع وجاء بهذا المعتدي سوقاً إلى الشيخ فلما رآه غضب واعتذر إليه وعوضه بمبلغ من المال تطييباً لنفسه لما لحقه من خوف وضرر ولا غرو أن يصدر عنه ذلك فهو ابن عمدة العلماء وجده سيد الأنبياء الرؤوف الرحيم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم لكن الذين جاروا عليه بالإيذاء والبهتان لقوا بعده ذلاً وبلاءً قصاصاً من الله تعالى.

وفاتـه:

توفي الشيخ بدمشق يوم الاثنين 10 محرم 1362هـ الموافق لـ 17 كانون الثاني 1943م ودفن بجوار والده المحديث الأكبر في مقبرة باب الصغير رحمهم الله أجمعين.

*          *          *

وفي مقابلة مع الأستاذ فارس الخوري عندما سئل عن الشيخ  تاج الدين الحسني وصحته ما كانت تقول عنه  الكتلة الوطنية من أنه صنيعة الفرنسيين، وممالئاً لسياستهم الاستعمارية: أجاب: (لم يكن تاج الدين كذلك، ولكن كان وطنياً سورياً مخلصاً، وعاملاً باراً في الحقل العام .. إلا أنه يختلف عنا معشر رجال الكتلة بالاجتهاد، فيقول: ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن، ولذلك فإنه كان يتظاهر بالتفاني بصداقته للفرنسيين لجلب أكبر نفع لبلاده، ودرء ما يمكنه درؤه من الضرر، إضافة إلى أنه كان عمرانياً كبيراً، خلّف آثاراً كثيرة في مختلف أنحاء الوطن السوري ناطقة بفضله).

(الموسوعة التاريخية الجغرافية لمسعود خوند 1997م، ج10، ص194، 58، 59، 60، 61). تاريخ علماء دمشق 2/576.

وعن موت الشيخ تاج الدين الحسني مسموماً كتب الأستاذ مطيع النونو مقالاً موسعاً عن الشيخ تاج الدين الحسني في جريدة الشرق الأوسط العدد 7236 بتاريخ 20/9/1998 عنوانه: تاج الدين الحسني ثالث رئيس للجمهورية مات مسموماً. وفيه يقول: (أصيب الشيخ تاج الدين بانهيار في صحته ألزمه الفراش، وعندما ساءت صحته تم استدعاء كبار الأطباء في لبنان ومنهم يوسف حتي وإلياس الخوري، وتبين أنه يشكو من احتقان في الرئة، وتسمم في الدم، وارتفعت نسبة التسمم إلى نسبة 3.5 سغ، وعندما سأل الدكتور حتي أطباءه المعالجين عن الكمية التي أعطيت له من (الداجنان) فلما علم بعظم الكمية ضرب جبينه بيده، وقال لهم: لقد قتلتموه، وقد قضى رئيس الجمهورية الثالث نحبه .. نتيجة لذلك دون أن يعرف أحد من هو الذي دسَّ السُّم؟ هل هم الفرنسيون؟ أم هم الإنكليز؟ أم هم الذين يحلمون ببلوغ الرئاسة الأولى من الزعماء السياسيين؟ وقد بقيت هذه الأسئلة من دون جواب. وفي اليوم التالي صدرت جميع الصحف السورية، وهي تتحدث عن وفاة الشيخ تاج الدين الحسني وتتساءل في تعليقاتها عن أسباب وفاته).