الحبيب الغالي خالد عثمان أحمد

رحمه الله رحمة واسعة

الطالب والأستاذ والناشط والمفكر والداعية والمبدع والموهوب والقانوني والشاعر.. صفات لخالد يستحقها بجدارة إلا أن خالداً الإنسان كان دوماً الأقرب إليه فقد اختار منذ البدء بالاقتراب من الناس فعاش معهم وبينهم ولهم، أحبوه وأحبهم أوقف نفسه ووقته وعياله لله تعالى، لم يكن له أن يختار مبدأ السلامة بل اختار سلامة المبدأ فحمل فصل راية العدل والدفاع عن المظلومين، وبرغم الظروف الأمنية المتردية، ظل عطاؤه في تصاعد مستمراً يتحرك في كل مكان منجزاً الكثير من المشاريع التي كان لها الأثر الواضح في دعم وتقدم مسيرة العمل الإسلامي على أرض عراقنا الحبيب.

المولد والنشأة

ولد عام 1967م في مدينة الموصل، في حي النعمانية وسط سوق النبي يونس عليه السلام على الضفة اليسرى لدجلة، من عائلة كردية متدينة، كان والده من أصحاب الهم والهمة، فقد قام ببناء مسجد ذي النورين عام 1983م، ليكون فيما بعد منطلقاً لأعمال دعوية امتدت آثارها جميع المحافظات العراقية.
درس الابتدائية في مدرسة "القادسية للبنين" والمتوسطة في مدرسة "الجماهير" وأكمل في ثانوية "الزهور"، أهّله المعدل للقبول بالجامعة التكنولوجية/ كلية الهندسة – قسم هندسة البناء والإنشاءات وحيث أن بناء الإنسان هو ما كان يشغل باله فلم يكن للغة الأرقام أن تمنعه عن واصلة حلمه والاقتراب منه، فلم يطل به المقام فترك هندسة البناء وتوجه صوب هندسة الإنسان وبناء النفس وتشييد المعاني، فاختار كلية القانون جامعة الموصل وأتمها بنجاح، ثم تلاها بالدراسات العليا بـــ "جامعة الجنان في لبنان" لكن الله قد اختاره للقب آخر فمنحه وسام الشهادة قبل حصوله على اللقب العلمي.

طالب العلم

نشأ خالد في بيت من بيوت الثقافة والمعرفة فقد حوت جدران المنزل الكثير من أمهات الكتب في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ والأدب العربي، فتعوّد من صغره على حب المطالعة والقراءة بشكل مستمر، أيقن أن أهم شيء يرتقي بالإنسان هو العلم مصداقاً لقول الله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة 11).

فدرس الفقه وعلومه وأصوله والعقيدة وأصولها واللغة والمنطق فبرع بها بشهادة من قرأ عنهم، فالشيخ الدكتور ريان توفيق يشهد أنه الأذكى.. وكذلك تعاقبه في الدروس الشرعية عند الشيخ الدكتور مصطفى البنجويني والشيخ صادق المزوري.. ربما ليس التميز بهذه العلوم وهضمها هو ما ميز خالد فقط، بل قدرته على استحضار القديم وتوظيفه في فهم توجيه قضايا معاصرة ودمجها دمجاً يذوب من خلاله الزمن كي يبرز خصوصية معينة يرى أن من أوليات العمل الإسلامي إنجازها.

وقد برز كل هذا واضحاً وهو يتصدى لقضايا معاصرة مرتبطة بالقانون والاقتصاد والأدب والإعلام والسياسة والاجتماع... إلخ، إذاً ثمة مزاوجات بين القديم والمعاصر لا توصل إلى النتيجة التقليدية التي مفادها تأثر الأحدث بالأقدم، بل هو استحثاث للهمم كي تمارس دورها كما مارسه الذين من قبل، فكل إنسان له دوره يحدده مكتسبه العلمي التراكمي وهو بالتأكيد يتكامل مع الأدوار الأخرى دون أن يلغيها أو أن يمارس عليها ولاية أو وصاية.

النبوغ المبكر

يقول بعض علماء التنمية البشرية "يولد المبدع وفي عينيه لمعة ذكاء".. ولعل محطات (خالد) تعطي هذه اللمعة بشكل واضح، ففي المرحلة المتوسطة أرادت وزارة التربية ابتعاثه إلى الخارج لما وجدوا فيه من النبوغ والذكاء الحاد، لكن ظروفاً حصلت حالت دون تحقيق هذا الأمر.

وفي المرحلة الإعدادية كتب بحثاً بعنوان (الأدب الإسلامي) ولما اطلع عليه أستاذه الشاعر الإسلامي حسن طه الحسن صاحب كتاب الإستثناء في القرآن أثنى عليه ثناءً جميلاً.. كان (خالد) يسبق الآخرين في التفكير المستقبلي، ودائم الحديث عن ضرورة بناء شخصيات ذات مسؤولية للقيام بأعباء الدولة وإصلاح الأوضاع، مع التأكيد على تجديد وسائل الدعوة بما يتناسب مع العصر، بما لا يحدث أي تضييع لثوابت الشرع الحنيف..

لما حصل القمع الأمني في مدينة الموصل أيام قضية "محمد مظلوم" وإعدام الأخ المهندس (بشار عبد الرزاق) الذين كان مقرباً منه، نهج (أبو محمد) العمل الهادئ حرصاً منه على عدم تعريض شباب الدعوة للتضييق وربما الاعتقال نتيجة الأحوال المتوترة آنذاك، فعمل خلال هذه الفترة على التدريس والتربية لعدد كبير من شباب الدعوة الذين أصبح الكثير منهم أعمدة الدعوة في مناطق عديدة من الموصل، كما برز لديه مهارة إثارة السؤال الصحيح، وكل شيء قابل  للنقاش سوى نصوص القرآن وصحيح السنة، ويردد دائماً "أن عنصر المعلومة والزمن يجب أن يتوافقا".. فهو باختصار يستطيع أن يخرج من وسط الأشواك الورود الجميلة.

صناعة المعرفة

استطاع شهيدنا (خالد) أن يوظف الإمكانات العلمية داخل البلد في عمل مؤتمرات وندوات ومعارض تأتي ضمن منهجه الفكري في توظيف كل العلوم والإمكانيات في تحقيق معنى العبودية لله سبحانه، ضمن فروع العلم والمعرفة وخصوصاً الإنسانية منها.

باشر الشهيد بعد أن أصبح هناك العشرات من الشباب المسلم منبثين في مختلف الكليات الإنسانية تنفيذ العديد من المشاريع التي تحاول تقديم خطوات عملية باتجاه إيجاد نماذج إسلامية في مختلف ميادين الحياة الفكرية والثقافية، وذلك عبر سلسلة من الأنشطة الثقافية المتميزة على نطاق مدينة الموصل والعراق، في طليعة هذه الأنشطة مهرجانات النشيد الإسلامي، وملتقيا البردة للأدب الإسلامي، ومؤتمرا  الشريعة والقانون، ومؤتمر الاقتصاد الإسلامي الأول، ومهرجان الإسراء الذي تضمن أنشطة فنية وثقافية وفكرية حول فلسطين المحتلة، كل هذه الأنشطة تمت خلال مدة لا تتعدى السنوات الأربع 1998م – 2002، وقد توجت بتأسيس مركز دار الأرقم للبحوث والدراسات الذي ضم أكثر من 50 باحثاً أكاديمياً في مختلف التخصصات الإنسانية للعمل على إنتاج المعرفة، ومن ثم الأنظمة والبرامج التي تصلح للمجتمعات الإسلامية.

القانون كان الأول حيث يبث همومه القانونية على عتبات الألفيات المتعاقبة يتساءل عن الدور الذي ينبغي أن يمارسه خالد القانوني وكل من آمن بالفكرة فكان "تقاسيم إنسانية على آلة القانون"(1) متجاوزاً كل الأسئلة التقليدية التي كانت تثار بمثل هذه المحافل في العلاقة بين الإسلام والقانون كعلم ليدخل في جزئيات المزاوجات الرائعة والخطيرة آنذاك على ما وصفها عالم التاريخ الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، فمن المشرع؟ الله أم الإنسان؟

سؤال استفزازي يحاول أن يعيد للإنسان ثقته بنفسه ويحدد له معالم التعامل مع النص المقدس بل يحاول إعادة رسم العلاقة التي تربط الإنسان بالله عز وجل عبر رحلة الإنسان في فهم مراد ربه، ثم القانوني والفقيه وما ينشأ عن تحديد مفهومها وطبيعة العلاقة التي تربط بينهما، فهل الفقيه هو المتواجد في بطون الكتب أم هو الإنسان المؤهل لذلك المتواجد بيننا يأكل الطعام ويمشي بالأسواق؟

وهل القانوني خارج إطار الشرعية ما دام بعيداً عن آليات الفقه؟ أم أن للقانون أصوله كما أن للفقه أصوله، ولا بد إذن من الفصل والتكامل بينهما؟ فيأتي مؤتمر الشريعة والقانون عام 2002 ضمن ذات الاتجاه في التأسيس والتأصيل.

وضمن ذات المنهجية يؤسس لدور الاقتصادي المسلم الذي تقع على عاتقه مسؤولية أخرى يمارسها بحرية العبد بوصفه خليفة الله في أرضه، فكان حجر أساس(2) للمعرض الاقتصادي الأول الذي جاء محاولة لتأسيس منظومة من الأسئلة والمحددات التي حاولت رسم معالم الدور الذي ينبغي للاقتصادي أن يلعبه في المصادر والمصارف والموارد لدى خالد هي ابتكارات الإنسان، فليس لغرب أن يحتكرها أو لشرق أن يتبرأ منها، بوصلته في كل هذا النص المقدس وبعده لا قداسة لرأي أو فهم لا يخلو من فائدة الأخذ منه أو الرد عليه، ويأتي مؤتمر الاقتصاد الإسلامي عام 2002م ليجيب عن تلك الأسئلة أو ربما يضيف أخرى.

وهو شاعر وأديب نسج روائع القصائد عزف بالحرف وعبد ربه به، فاهتم بالأدب فعمل ضمن هذا الاتجاه على التأسيس لملتقى البردة للأدب الإسلامي في العراق عام 2001م بمشاركة نخب من أدباء جميع محافظات القطر بالإضافة إلى المشاركات الخارجية من سورية وفلسطين واليمن والهند.

 وقد أقيم ملتقيان تم فيهما تكريم مجموعة من الأدباء بالبردة وهم: الأستاذ وليد الأعظمي رحمه الله، والأستاذ الدكتور عماد الدين خليل، والأستاذ محمد الحسناوي رحمه الله، نظمه ووزع الأدوار وأعد الكوادر بطريقة أذهلت كل الحضور حتى أن المفكر الإسلامي الأستاذ الدكتور محسن عبد الحميد قال: هذا جهد تعجز وزارة حكومية على إدارة مثله.

والفن أيضاً كان له نصيب من اهتمامه فكان مهرجان النشيد الإسلامي الأول والثاني والثالث.. فقد سعى أبو محمد لنشر فعاليات إسلامية بشكل جديد، فكانت البداية عن مهرجان النشيد الأول في الموصل، وكان ذلك عام 1998م، فتحرك هو على المنشدين وجال عليهم بسيارته واحداً واحداً، وأخذ بشرح الفكرة، وجاء الموعد وتم المهرجان الأول بحمد الله وأعطيت جوائز لأفضل الأناشيد وجوائز لأفضل لحن وكلمات، وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن الألحان والأشعار، وظهر المهرجان في أجواء عالية الجودة، ثم توالت النشاطات في هذا الصدد فتم المهرجان الثاني ثم الثالث.

هنا لا بد من الإشارة إلى إصراره على الصفة العددية التي تضيف إلى النشاط فلسفته في ذلك.. عساها أن تغري أقواماً يأتون بعدنا فيضيف للأول والثاني وللثاني الثالث.

فلسطين.. الهم الكبير

لم يزل جرح أرض الإسراء والمعراج ينزف في قلب كل مسلم، ولهذه القضية حضور ولا بد عند أهل الهمم والعطاء، فبالرغم من قسوة الحصار، والتضييق الأمني على مجالات العمل الدعوي، إلا أن (أبا محمد) استطاع بذكائه وحنكته أن يوظف قضية مساندة فلسطين حكومياً، لصالح دعوة الإسلام، فعمل مهرجان الإسراء والمعراج عام 2001م الذي تضمن فعاليات عدة، واشتركت فيه الكثير من الشخصيات الإسلامية من داخل العراق وخارجه، وكان الدكتور نواف التكروري ممثلاً عن حركة حماس.

كما شهد هذا النشاط ندوة بعنوان "أقصانا لا هيكلهم" كان لها الأثر العلمي والفكر الإيجابي في إنشاء تصور واضح عن مجريات الأحداث في فلسطين، وغيرها من القضايا التي كانت مغيبة بفعل غياب وسائل الإعلام عن ساحة العراق آنذاك..

الرجل المؤسسي

أدرك (أبو محمد) أن العمل المثمر هو الذي يستمر عطاؤه بعد رحيل المبادرين، ترك الشهيد بصماته المضيئة في مدينة الموصل التي لا زالت تشع حتى اللحظة على أهل هذه المدينة بالإيمان، ولهذا (حرص على أن يكون العمل للإسلام ضمن عمل جماعي منظم ويرتكز على مؤسسات مختصة، فكانت إسهاماته الكبيرة في تأسيس مؤسسات فاعلة ومهمة في الموصل ومنها تأسيس أول مركز لتحفيظ القرآن الكريم في مدينة الموصل هو مركز اقرأ وذلك في شهر تشرين الثاني عام 2002م، ومن ثم أسس جمعية الفرقان لعلوم القرآن، ومنذ ذلك الحين ومراكز تحفيظ القرآن تنتشر على أيدي خريجي وخريجات مركز اقرأ، أو من تأثر منهم بهذه التجربة.

لم يكتف بذلك بل سعى لتسليط الأضواء على حفظة القرآن ورفع شأنهم، فنظم مسابقة ضخمة في رمضان 2006 في حفظ القرآن وتلاوته، حملت المسابقة اسم المربي والداعية الأستاذ غانم حمودات الذين طالما أحب خالداً وأحبه خالد..

كانت من أضخم ما شهدته الموصل من فعاليات ثقافية بعد الاحتلال حيث توجت المسابقة بحفل كبير في أكبر قاعة في الموصل، حيث لم تكف مقاعد القاعة لاستيعاب الحضور الذين قدر أعدادهم بالآلاف برغم تساقط الثلوج في ذلك اليوم.

وبعدها أسس للعمل الطلابي الملتزم في الموصل، فكانت مساهمته البارزة في تأسيس رابطة الطلبة والشباب العراقية – مركز نينوى-، وبعدها أسس للعمل الحقوق والدفاع عن المعتقلين فكانت المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان، ومن ثم أسس العمل على الإنسان بكونه خليفة الله في أرضه فكانت مؤسسة بنيان للعمران البشري، وأسس للعمل الأدبي الإسلامي فكانت رابطة الأدب الإسلامي العالمية)( 3).

العمل بعد الاحتلال

لقد جاء الاحتلال ليفرض على المجتمع بأسره تحديات لم تكن في الحسبان، وفرضت على الشهيد خالد ومن معه من الشباب تحديات هي الأخرى لم تكن في حساباتهم، إذ هيمنت السياسة والعنف على المشهد في العراق، وبات الناس بأمس الحاجة لمن يوجههم ويحميهم ويخفف وطئة الاحتلال وظلمه، فتوجه الشهيد للاصطفاف مع الفعاليات الإسلامية التي برزت لتتصدى للاحتلال على مختلف الأصعدة السياسة والمدنية والإغاثية، وكان من أولى أولياته هو توحيد الجهود الإسلامية في البلد باتجاه التعجيل بإخراج الاحتلال ووضع الخلافات جانباً، فكان مقرباً من جميع التوجهات الإسلامية في المدينة، وكان الجميع يحترمون رأيه ويأخذون به، وقد نجح في لم شمل هذه التوجهات في مناسبات عديدة، والخروج بموقف محدد تجاه تجاوزات الاحتلال وتعدياته.

كما سعى إلى بناء المؤسسات التي توحد جهود المجتمع وتنظمه في مواجهة التحديات المختلفة التي جاء بها المحتل، فأسس المنظمة الإسلامية لحقوق الإنسان، وسعى لتشكيل اتحاد للمساجد، وكان عضواً في عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات التي تأسست لتقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية والتنموية لشرائح المجتمع المختلفة.

لقد برز نشاط الشهيد بشكل واضح في هذه المرحلة، في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان لا سيما المعتقلين، إذ ساهم في تخطيط وقيادات العديد من التظاهرات الشعبية التي جرت في مدينة الموصل، لا سيما بعد مجازر الفلوجة، كما نظم وقاد تظاهرة حاشدة احتجاجاً على اعتقال نساء من قبل قوات الاحتلال أسفرت عن إطلاق سراحهن، واعتقاله في نفس اليوم من مقر عمله حيث بقي عدة أسابيع في المعتقل.

ومع كل هذه التحديات لم ينس الشهيد مشروعه الحضاري فكان حريصاً على أن يتحين الفرص ليتواصل مع الشباب ليراجعوا أفكارهم ونتاجاتهم وأين وصل كل منهم في مجال تخصصه، بل نظم أكثر من دورة لطلبة الجامعة حول موضوع المعرفة الإسلامية، ودور الإنسان كان آخرها الدور التي بدأت يوم 23/8/2007 حيث استشهد في اليوم التالي وهو في طريقه إلى مكان الدورة.

كل تلك الهموم والمشاغل لم تنسِ خالداً أسرته وتربيتهم تربية إسلامية ،علمهم الصبر قبل أن يرحل، وأعطاهم الدرس قبل أن ينتهي الوقت، وهكذا بالفعل وجدناهم فخورين باستشهاده سائرين على دربه.. محمد الفاتح .. وفاطمة الزهراء.. وحسن البنا.. ويوسف الصديق وكان في آخر أيامه يلح على أولاده أن يدعو له بالشهادة القريبة، فكانوا يمتنعون وهو يصر عليهم حتى استجاب له الصغار منهم ودعوا له بالشهادة فكانت دعوة مستجابة بإذن الله.

قالوا عنه

يقول الشيخ الشهيد الدكتور فيضي الفيضي يرحمه الله تعالى عن شخصيته "خالد عثمان حسن البنا في الموصل" ويصف الأستاذ الراشد نشاط (خالد) بكلمات رائعة إذ يقول (وخالد عثمان، عبقري الموصل، وأنشط من تجرد للدفاع عن حقوق الإنسان في العراق عبر جمعية رائدة أنشأها وأصدر من خلالها مجلة مختصة بموضوع الحريات، وبحوثاً وتقارير عن أحوال معتقل أبو غريب، والتعسف الأمريكي فيه، ونشر أخبار السجناء والتعذيب، واتصل بالمنظمات العالمية والأمم المتحدة يحثها على التدخل، ولكن يداً آثمة اغتالته يترجح أنها قاعدية، وكان يمر عليّ ويعرض أشكال نشاطه ويستشيرني، وأنا أقترح على الجهات الإعلامية إعادة طبع كل أعداد مجلته وبحوثه في مجلد واحد، لتكون مرجعاً ووثيقة تاريخية وخبرة عن تجربة ناضجة أسلفها داعية مندفع شديد الانغماس في قضايا الناس).

وقال الأستاذ المربي والداعية الإسلامي غانم حمودات رحمه الله "كان خالد شعلة من الطاقة الحيوية تدب في النفوس الخاملة فتحيلها خلية نحل عاملة منتجة" وكان يردد دائماً "يا خالد الكرد جدد خالد العرب".

فيما يقول ناصر المانع وهو مدرب دولي ومستشار العلاقات العامة (ليبي الأصل) بنبرة يغلب عليها طابع الحسرة: "إن اغتيال خالد عثمان ليس خسارة للحركة الإسلامية المعاصرة بل خسارة للحركة الإسلامية على مدار التاريخ".

ومن جميل ما وصفه به الدكتور محسن عبد الحميد هو أنه: " كان فلتة من فلتات العصر"، فيما اعتبر المؤرخ الإسلامي عماد الدين خليل "أن الشهادة لا تليق إلا لمثل خالد عثمان فهو أهلٌ لها وهي تليق به..".

وقال عنه يحيى عبد محجوب أحد تلامذته وزملائه: "لو أن مجرماً منافقاً حاقداً على الإسلام بحث عن جريمة يؤذي بها الدعوة الإسلامية في الموصل والعراق، بل في العالم أجمع لن تكون كاغتيال الشهيد خالد عثمان".

يوم الشهادة.. ترجل وهزم الرصاص

يوم 23/8/2007م اتصل به أحد الشباب طالباً منه الحضور لإلقاء محاضرة في مخيم دعوي، وسأل (خالد) مسؤول إدارة المخيم ماذا تحتاجون؟ قال نحتاج إلى كلمات نشيد، فكتب له على الفور كلمات النشيد يتضمن أركان البيعة للإمام الشهيد حسن البنا يرحمه الله تعالى، وأعطى بعد ذلك دورة في "مشروع التمكين" وهو في اليوم الثالث للدورة، استقل سيارته مع الأخ علاء وعند مرورهم عند جسر الكفاءات تعرضوا لإطلاق النار من قبل مجموعة مسلحة، وأدى هذا الحادث إلى ارتطام السيارة بإحدى أعمدة الجسر حيث استشهد السائق على الفور، أما خالد فقد اتصل بأخيه هاتفياً وقال له: أنا ضربت تحت جسر الكفاءات، وتم الوصول إليه متأخراً بعض الشيء نتيجة حظر التجوال في الجانب الآخر من المدينة، وبعد إيصاله إلى المستشفى كانت الاطلاقة قد سببت له نزيف داخلي عميق، ومع عدم وجود طبيب مختص في الطوارئ جعل النزيف في تصاعد مما أدى إلى استشهاده.

تغمد الله عز وجل أخانا أبا يوسف بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته... آمين..

               

(1) تقاسيم إنسانيته على آلة القانون المعرض القانوني الأول الذي عرض في كلية القانون جامعة الموصل ثم في عدد من جامعات القطر.

(2) المعرض الاقتصادي الأول الذي أقيم في كلية الإدارة والاقتصاد عام 2001م.

(3) شهداء الدعوة والحركة الإسلامية في الموصل، جاسم عبد شلال، مخطوط، بتصرف.