محمد الصالح النيفر

 الاب الروحي للحركة الاسلامية المعاصرة في تونس 

(1902-  

clip_image001_b51de.png

تمهيد :

ينحدر الشيخ محمد الصالح من عائلة عريقة في العلم والتقى، أسرة آل النيفر التي أنجبت ثلة من العلماء والفقهاء تبوَّؤوا مناصب هامة في البلاد كالإفتاء والقضاء والتدريس والإدارة وغيرها. وهو حفيد الشيخ الصالح النيفر رئيس المجلس الشرعي المالكي والإمام الأكبر بجامع الزيتونة المتوفي سنة 1290هـ.

المولد والنشأة :

وقد ولد الشيخ، الفقيه , الداعية , وأحد رجال الإصلاح التونسيين . علم جهاد، ومنارة فقه، في 26 رمضان 1320 هـ / 26 ديسمبر 1902 م في المرسى بسانية النيفر في تونس .

والده هو محمد الطيب النيفر وأمه حنيفة بن عطار من عائلة تلمسانية الأصل.

رزقا بثلاثة ذكور وثلاث بنات ولم يبق من الذكور على قيد الحياة غير محمد الصالح لذلك نشأ مدللاً محبوباً في أسرته ولم تؤثر على أخلاقه وصفاته المعاملة المتميزة التي حظي بها خاصة من طرف جده الثري علي النيفر فعرف باستقامته وتواضعه كما كان قنوعاً بشوشاً حسن المعاملة بارا بوالديه.

 دراسته :

بعد تردده على الكتاب بدأ تعليمه الابتدائي بمدرسة السلام القرآنية، ثم انتقل إلى المعاهد الزيتونية، وارتقى في جميع مستوياتها إلى أن تحصل على شهادة التطويع في 5 جويلية 1923 الموافق لذي الحجة 1342 هـ.

ولم يهتم الشيخ في هذه الفترة من حياته بغير الدراسة والمطالعة فاغترف منهما ما أشبع نهمه من البحث ولكنه أدرك الخطأ الذي ارتكبه في حق نفسه حينما امتثل لأوامر أبيه الذي نهاه عن تعلم الفرنسية فقاطع دروسها بالمدرسة الخلدونية.

 لكنه استطاع أن يتدارك هذه الثغرة في ثقافته بالاطلاع على النظريات والتيارات الفكرية الغربية مترجمة.

 وبعد تخرجه شغل معاونا على التعليم في جامع الزيتونة ثم مدرساً من الطبقة الثالثة درجة ممتاز ثم مدرساً من الطبقة الأولى في ماي 1953، ثم مديرا للفرع الزيتوني للبنات.

كان بدء تعلمي في كتاب خاص بالمنـزل ثم أدخلني والدي رحمه الله إلى مدرسة قرآنية تسمى المدرسة القرآنية الأهلية بنهج سيدي ابن عروس بعاصمة تونس وكانت مدرسة ابتدائية تعلم القرآن والعربية كما تعلم اللغة الفرنسية كلغة ثانية. لكن والدي أوصى مدير المدرسة أن لا أحضر دروس الفرنسية لقسمي، ثم لما خرج السيد الشاذلي المورالي الذي كان مدرسا بالمدرسة أنشأ مدرسة قرآنية سماها مدرسة السلام نقلني والدي رحمه الله إليها.

وفي سنة 1334 / 1916 انتقلت إلى التعليم الثانوي بجامع الزيتونة . وبعد الامتحان ترسمت في السنة الثانية. ومدة دراستي بالزيتونة كانت سبع سنين.

فراغي بالبيت. وغاية ما أذكر في هاته المدة أني دعيت إلى عضوية جمعية زيتونية تسمى بالجامعة الزيتونية كان يرأسها أحد المدرسين وهو المرحوم الشيخ محمد مناشو. كانوا يجتمعون مرة في الأسبوع، صباح الجمعة، في مدرسة قرآنية كان يديرها الشيخ مناشو ويتلو بعضهم بعض كتابات اجتماعية. كنت في هذه السنوات السبعة منطوياً على نفسي فقد كنت حيياً لا أجرأ على دخول مجالس الطلبة ولا الحديث معهم ولذا كنت قليل التعرف بالطلبة أقضي أوقات

ثم أسست الجمعية مكتبة ومجلة وأذكر أني كنت آخذ من كتب المكتبة منها كتب شبلي شميل وكتاب النشوء والارتقاء جزءان ولعله ترجمة شبلي شميل وتعليقاته وأمثال هاته الكتب. ولعلي كنت أفهم القليل منها وأقرأ عن فهم الكثير. كما كنت أطالع أحياناً ما تصل إليه يدي من مجلة المنار لرشيد رضا ومجلة الحياة لفريد وجدي وربما بعض المجلات المصرية الأخرى المتضاربة المشرب مما أحدث لي اضطراباً فكرياً وكنت أظن أني أفهم الفلسفة، فأصبحت كثير الشك في كل شيء. ورغم كوني كنت أصلي غالباً لتطمئن نفسي، ولكن ما أحدثته تلك الكتب في نفسي من ثورة وما كنت أسمعه أحياناً من اجتراء على الدين بعنوان التحرر الفكري، كل ذلك أحدث في نفسي اضطراباً من الشك يقوم في نفسي أحياناً .

  في 1923 تخرجت بشهادة التطويع وبدأت التدريس:

وفي سنة 1341 هـ / 1923م تحصلت على شهادة التطويع التي كانت إذ ذاك نهاية الشهادة الزيتونية وبها يمكن للطالب المشاركة في مناظرات التدريس إذا بقي في الزيتونة سنتين بعد حصوله على التطويع يقرأ درسين في التعليم العالي ويقرئ درسين في التعليم الزيتوني الأولي. وكنت في صغري أحب حياة البادية وأطمح أن أكون فلاحا ولكن والدي رحمه الله كان يحب بقائي في الزيتونة فاجتزت مناظرة مساعد في التدريس وبقيت أدرس في الجامع

بوادر نشاط الشيخ

منذ حصول الشيخ محمد الصالح النيفر على شهادة التطويع في أوج شبابه (1923) وانخراطه في سلك التدريس بدأ نشاطه حثيثا فاقتصر في بادئ الأمر على تنظيم ندوات فكرية وأدبية في منزل الشيخ الشاذلي بلقاضي شاركه فيها ثلة من المدرسين كانوا يتطارحون قضايا اجتماعية وأدبية وفكرية وسياسية. كما قام بإنشاء جمعية رياضية باسم «النشء الرياضي» منذ 1930 يتعاطى منخرطوها رياضات مختلفة وتنظيم مباريات بين الفرق وقد نشط فيها ابناه محمد مرتضى والمرحوم محمد علي.

وبعد أن تعلم الشيخ في جامعة الزيتونة بتونس، وتخرج فيه عام 1341 هجرية، وهو ابن /21/ سنة .

راح الشيخ يدرس فيه، وتقلد إدارة فرعه للبنات .

وراح منذ ذلك الحين يقريء بالجامع الأعظم، وقال الشعر قبل أن يلتحق بالجامع , ثم شارك في جمعية الجامعة الزيتونية حيث تمرن على الأدب الراقي في اجتماعاتها الدورية وكان شغوفاً بالتاريخ والأدب وعلى الخصوص الشعر الحماسي اهتم بديوان عنترة وحفظ شعره وأثر فيه , فهو شاعر الحماسة وحماسه هذا يتناول به أهم ما يطرقه شعراً على أن شعره لا يكاد يخرج من الوطنيات بمختلف مظاهرها من النقد والإصلاح إلى الدعوة والاستنهاض بجزالة  في اللفظ وعظمة في الأداء قال من قصيدة ( أردنا السلام ) التي قالها إبان الانتصارات التركية سنة 1920م :                                                                              بياض الهلال وقاني المحيط                    على عزمتينا من الشاهدين                                         أردنا السلام وراموا الحسام                       فكنا على سلـه قادرين                                                          وكم أرهبونا وكم أرهقوا                       ولكنهم جهلوا من نكون                                      وبالإضافة إلى الشعر له ( رواية جميلة ) حلل بها عادات وأساليب العصر السالف                              

ولما ساء وضع المدرسين في الزيتونة ،  أسس نقابة لهم ، وخاض بها أول إضراب وأطوله في تاريخ تونس استمر شهراً حتى رضخ الفرنسيون لمطالبه فأصبحت شهاداته تعادل الشهادات الفرنسية .

أسس جمعية الشبان المسلمين ، وأصدر مجلة الجامعة ، ودعا إلى إصلاح التعليم الزيتوني ، وطلب إصدار مجلة للنساء فرفض طلبه وبعد الاستقلال ضيق عليه فهاجر إلى الجزائر مدرساً في معاهد قسنطينة ومدارسها وعاد إلى بلاده بعد بضع سنوات فاحتضن في بيته الاجتماع التأسيسي لحركة الاتجاه الإسلامي عام 1981م .

واعتقل مع قادة الحركة , ثم ما لبث أن أفرج عنه .

ويقوم مذهبه السياسي على أنه لا إصلاح اجتماعي ،  ولا حركة سياسية ، ولا نهضة ، ولا حرية  ، ولا علماً إلا عن طريق الدين والزعامة الدينية .

لقاء مع الشيخ ابن باديس له ما بعده

في تلك الأثناء، اجتمع بهم يوما الشيخ الجزائري خريج جامع الزيتونة عبد الحميد بن باديس، واقترح عليهم تكوين جمعية ليبلغوا صوتهم للناس قائلاً: «إن العالم سيتغير وإن المجتمع التونسي سيفقدكم يوماً عندما يجد غيركم ممن لا يقيم للإسلام وزنا»، ودعاهم إلى تكوين جمعية على غرار جمعية علماء المسلمين الجزائريين. فكان لدعوة الشيخ ابن باديس أثر بليغ في نفس شيخنا الذي سعى مع شيخ الشيوخ إبراهيم النيفر والشيخ الشاذلي بلقاضي لتكوين هيئة من اثني عشر مدرسا من طبقات التدريس الثلاث على أن يكون الشيخ إبراهيم النيفر لاعتداله ولينه هو الرئيس والشيخ الشاذلي بلقاضي نائبه والشيخ المختار بن محمود الكاتب العام وقد كان الغرض من ذلك استمالة صهره الوزير الأكبر الهادي الأخوة ، أما الشيخ محمد الصالح فيكون نائب الكاتب العام . وأعدوا القانون الأساسي للجمعية وتوجهوا إلى شيخ الجامع آنذاك الشيخ محمد الطاهر بن عاشور على أن يقدمه بدوره للحكومة. وبعد تردد على مشيخة الجامع وزيارات عديدة أعلمهم الشيخ ابن عاشور أن الحكومة لا توافق على تأسيس جمعية باسم العلماء بهيئة الجامع وبذلك سقط هذا المسعى .

الشيخ يؤسس نقابة علماء الزيتونة :

وفي تلك الأثناء صدر قانون في فرنسا وصادق عليه الباي أيضا. ويسمح هذا القانون بتأسيس نقابة لكل من يجمعهم حرفة أو وظيفة واحدة وبمجرد إعلام السلط بقانون عملها ومسيريها تتمتع بشرعية العمل فاغتنم الشيخ محمد الصالح هذه الفرصة الذهبية ليكوِّن نقابة مشائخ المدرسين للجامع الأعظم وفروعه تحت اسم «نقابة العلماء» سنة 1933. وعين كاتبا عاما لها بعد أن قدم مطلبا في ذلك وأخذ الوصل. ولم يكن من السهل أن تجد هذه النقابة طريقا ممهدا للعمل. فالشيخ الطاهر بن عاشور يرفض نقابة في الجامع وكذلك أحمد باي الثاني ووزارة الداخلية وحتى الزيتونيون يخشون تشكيل نقابة يرفضها الشيخ الطاهر بن عاشور. لذلك دعي الشيخ محمد الصالح يوما إلى وزارة الداخلية في جو مرعب وهدد بالسجن لكنه رفض التراجع وحلّ النقابة وأصرّ على موقفه غير عابئ بالتهديدات رغم تراجع معظم مؤيديه

الشيخ في خضم معمعة التجنيس :

وفي تلك الأثناء برزت في الساحة الزيتونية قضية شائكة أحدثت صراعا بين جانب من الزيتونيين وشيخ الجامع الأعظم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور إذ اتهم هذا الأخير من طرف الزيتونيين بأنه أفتى في مسألة التجنيس. فأضرب الطلبة يريدون إقالته.

فرنسا تثير التونسيين بقانون التجنيس :

كان الفرنسيون يريدون أن يلحقوا تونس بفرنسا وكانت تزاحمهم في ذلك إيطاليا فرأوا أن يفتحوا باب التجنيس في وجه المثقفين التونسيين حتى لا يبقى أمام إيطاليا مبرر لمطامعها في تونس. وقد أحدثت هذه الدعوة للتجنيس بلبلة في البلاد وأصدرت هيئات في تونس والمشرق فتاوى بأن المتجنس خارج عن الإسلام.

وتستفتي حول دفن المتجنسين

وفي 1932 توفي متجنس في بنـزرت وأفتى الشيخ إدريس الشريف بأن المتجنس كافر ومرتد ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين. فقام سكان بنـزرت ومنعوا دفنه في مقبرة المسلمين وتكررت هذه العملية مع كثير من المتجنسين محدثة قلاقل في البلاد فلم تجد الحماية من حل لهذه المعضلة غير استشارة بعض التونسيين فأشير عليها بأن تصدر فتوى في قبول توبة المتجنس حتى لا تقع متابعته عند موته ودفنه ويقال إن الذي أعد سؤال الفتوى هو الشيخ الطاهر بن عاشور وكان السؤال كما يلي: «المتجنس بجنسية دولة تخالف قوانينها الشخصية قوانين الإسلام ثم تاب وأعلن توبته، هل تقبل توبته؟» وكان السؤال وضع للإجابة بقبول التوبة. وحتى لا تبقى معارضة قوية لهذه الفتوى في ديوان المجلس الشرعي عزل من كان معروفا بشجاعته وهو الشيخ أحمد بيرم عن هذا الديوان.

تحميل الشيخ محمد الصالح ورفاقه مسؤولية الإضراب ضد فتوى التجنيس

لم تهدأ البلاد رغم ذلك بل هاجت وماجت وقامت مظاهرات في معظم المدن التونسية وواصل الطلبة إضرابهم. واتهم الشيخ محمد الصالح بأنه محرض الطلبة على الإضراب فأوقف عن العمل مع قطع الجراية وكذلك الشيخ إبراهيم النيفر بتهمة الإفتاء في التجنيس كما أوقف الشيخ الشاذلي بلقاضي لأنه فتح بابه للاجتماعات وسحبت رخصة التدريس من الشيخ المهدي النيفر

نهاية الإضراب وتوقف التتبعات ضد الشيخ ورفاقه

رأت الحكومة من الحكمة أن تدرس الأمر وسعى المقيم العام الفرنسي بيروطون لحل الإضراب بالقضاء على أسبابه. فخير الشيخ ابن عاشور بين خطتين: «مشيخة الإسلام» أو «مشيخة الجامع». فاختار الأولى على الثانية. وهكذا انحل الإضراب وأعلنت السفارة الفرنسية رفع الإيقاف عن الشيخين إبراهيم النيفر والشاذلي بلقاضي دون الشيخ محمد الصالح النيفر. لكن المقيم العام درس المشكل فرفع إيقافه مع البقية وأبلغهم شيخ الجامع الجديد الصالح المالقي بذلك مجتمعين.

نضال الشيخ من أجل المدرسين الزيتونيين

انشغال بأوضاع المدرّسين

بعد انحلال الإضراب ورفع الإيقاف عنه وعن زملائه راح الشيخ محمد الصالح يفكر في الوضعية المزرية للزيتونيين في ظل الاستعمار الفرنسي والموقف السلبي للحكومة التونسية. فقد كانت الكلية الزيتونية آنذاك تعتبر مؤسسة دينية خاصة لا علاقة لها بالوظيفة العمومية وبامتيازاتها وكان مدرسوها يتقاضون أجورا زهيدة جدا من وزارة الأوقاف ولم يكن لهم ضمانات اجتماعية ولا قانون أساسي. ثم إن شهائد خريجي الكلية الزيتونية لم تكن تتمتع بالمعادلة مع شهائد الكليات الحكومية.

... وثورة على الوضع :

أثار هذا الوضع المتردي حفيظة الشيخ محمد الصالح ضد السلط وضد الزيتونيين خاصة إذ كان يرفض مواقفهم المتخاذلة وينكر عليهم عادة الانحناء لشيوخهم عند التحية وسكوتهم عن أوضاعهم البائسة ورضاهم بالدون. وكان ناقدا لبرامج التعليم الزيتوني ومناهج تدريسه التي يراها لا تستجيب لتطلعات الشباب وحاجتهم لمعارف أخرى إلى جانب العلوم الدينية. وكان يسعى لتحسيس زملائه بواقعهم والعمل على تغييره. ولم تجد دعوته أذنا صاغية لدى معظم شيوخ الزيتونة أول الأمر إذ اتهم بأنه مجازف لا يفكر في العواقب حتى أنه فكر يوما في التخلي عن التدريس ليعمل فلاحا في ضيعة أبيه بطبربة.

السير نحو إضراب الزيتونة أواسط الأربعينات

لم يكن الشيخ ليتخلى عن برنامجه الإصلاحي بمثل هذه السهولة أو ييأس من صحوة المدرسين والتفكير في وضعيتهم الحرجة وكان ينتهز كل فرصة لتحريك سواكنهم وقد ظهرت البادرة الأولى لدى المدرسين الشبان الذين تحمسوا لفكرة الإضراب في أواسط الأربعينات فأسرع الشيخ لتحرير مطالبهم بوصفه الكاتب العام لنقابة المدرسين. وتمثلت هذه المطالب في إلحاق الكلية الزيتونية ومدرسيها بالوظيفة العمومية مع التمتع بحقوق الترسيم والتنظير وذهب بهذه المطالب إلى شيخ الجامع الصالح المالقي الذي وعده بأن يبلغها إلى الحكومة. ولم يقبل مرافقته في هذه المهمة إلا مدرس واحد واتهمه بعض زملائه بأنه مغامر ومجازف لأن مثل هذه المطالب يستحيل تحقيقها. طلب الوزير الأكبر التفاوض مع وفد يمثل المدرسين وكان الوفد برئاسة العربي الماجري وعضوية الشيخين محمد الصالح النيفر والهادي بلقاضي. وفي الاجتماع اعترف مدير الداخلية بالجرايات الزهيدة للمدرسين وأمر لهم بمنحة وزيادة في الأجور. لكن الاجتماع لم ينته باتفاق.

الشيخ يفشل مناورة السلطة لإجهاض الإضراب

وبعد ورود رسالة من الباي تدعو إلى إيقاف الإضراب وقعت دعوة الأساتذة للاستماع إليها فحرص الشيخ محمد الصالح أن يكون الاجتماع بمحراب الجامع حتى يحضره الطلبة لما بلغه أنه مهدد بالسجن وخوفا من ضعف المدرسين. واقترح الشيخ الهادي بلقاضي تأجيل الإضراب أخذا بخاطر الباي (الأمين) حتى يقف إلى جانب المدرسين. لكن الشيخ محمد الصالح استدرك أمام الطلبة بقوله: «بل خوفا من السجن لأننا مهددون بالسجن إذا نحن أضربنا». فتحمس الطلبة وقرروا أن يتم الإضراب في موعده. وبذلك دخل جامع الزيتونة سنة 1944 في إضراب دام ما يزيد عن الشهرين فكان أطول إضراب عرفته البلاد. وتكونت لجنة للتفاوض مع الحكومة.

تباين الموقف من إضراب المدرسين الزيتونيين بين السلطتين الفرنسية والتونسية

لما اطلع المقيم العام الفرنسي على ملف المطالب وعد بترفيع الأجور لا الاعتراف بالكلية الزيتونية كمؤسسة رسمية لأن إدارة المعارف يشرف عليها فرنسي والزيتونة يشرف عليها تونسي ولا يمكن أن يكون لإدارة واحدة رأسان في نظره. وكان الأمين باي يظهر مساندته للإضراب الزيتوني وأن الكلية الزيتونية هي الرسمية في البلاد ويجب الاعتراف بها، وكان الوزير الأكبر الهادي الأخوة على نفس الموقف.

خلاف في لجنة التفاوض الزيتونية ينتهي باستقالة الشيخ الفاضل بن عاشور

كانت اللجنة التي يرأسها الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، باعتباره يجيد الفرنسية، تتفاوض مع المقيم العام الفرنسي للوصول إلى حل ولكن دون جدوى. وقد تبين للشيخ محمد الصالح أن الشيخ الفاضل بن عاشور لا يصارح السلطة الفرنسية بمطالب اللجنة وتوجهاتها. وفهم ذلك لما التفت المقيم العام الفرنسي في جلسة من الجلسات إلى الشيخ الفاضل بن عاشور وقال له: «ليس هذا الكلام الذي ذكرته لي بالأمس»، ردا على مخاطبة الشيخ محمد الصالح للمقيم بقوله: «إن التعليم الزيتوني هو الرسمي في البلاد والتعليم الحكومي هو الثانوي». فقرر الشيخ محمد الصالح أن ينسحب إما هو وإما الشيخ الفاضل من اللجنة. فانسحب هذا الأخير.

أصداء الإضراب :

أثر الإضراب الزيتوني على البلاد تأثيرا كبيرا خاصة في الحركة التجارية وكانت الحكومة تحرص على عدم قطع الصلة مع لجنة التفاوض حيث كان موقفها حرجا من حالة البلاد التي شل معظم نشاطها الاقتصادي. كما كان للإضراب صدى في العالمين العربي والإسلامي. وأوقف الشيخ محمد الصالح عن العمل مدة ستة أشهر مع ثلة من المدرسين الذين نشطوا معه مثل الشيخ إبراهيم النيفر، والشاذلي بلقاضي وغيرهم مع الحرمان من الجراية.

نجاح الإضراب ورضوخ الإدارة لمطالب الزيتونيين

وبعد صراع مرير ومفاوضات طويلة مع الحكومة التونسية والسلط الفرنسية التي لم تجد بدا، والبلاد مضطربة، من الاعتراف في نهاية الأمر بمطالب النقابة وتكونت لجنة لمعادلة الشهائد وحرص الكاتب العام الفرنسي «بروي» على حل مشكلة الجامع وذلك بإقرار مطلبي الترسيم والتنظير فحققت بذلك نقابة المدرسين وعلى رأسها كاتبها العام الشيخ محمد الصالح النيفر مكاسب مادية ومعنوية. فالمادية تتمثل في تنظير مدرسي جامع الزيتونة بالمجازين أما المعنوية فتتجلى في رد الاعتبار للمدرسين وحفظ جامع الزيتونة من التلاشي. وقد قال الشيخ محمد الشاذلي النيفر خطبة التأبين متحدثا عن دور الشيخ محمد الصالح في هذا الإنجاز: «وفضله على الزيتونة لا ينساه له التاريخ فقد كانت الزيتونة في سلة المهملات لا يتقاضى رجالها ما يسد الرمق لأن السياسة الفرنسية ترى أن التعليم الزيتوني حجر عثرة في تقدم الاستعمار، فبذل الشيخ محمد الصالح جهدا مع كل من شارك في انتشال الزيتونة من سلة المهملات وأعاد لرجالها اعتبارهم».

مساعي الشيخ من أجل مساعدة زملائه المتضررين من الحرب

وقد خلفت الحرب العالمية الثانية أزمة حادة في البلاد فتكونت لجان لإعانة الأهالي للحصول على المأكل والملبس وتدخل الشيخ محمد الصالح بعد رفع الإيقاف عنه وعن زملائه لفائدة المدرسين وخاصة منهم ضعاف الحال للحصول على إيصالات حتى ينالوا نصيبهم من الأمتعة واللباس لهم ولأبنائهم.

مظاهر أخرى من نشاط الشيخ

لم يكن نشاط الشيخ مقتصرا على النقابة أو السياسة فحسب، بل كان همه الأكبر تكوين شباب مسلم لا يعتمد في نشاطه على أفكار مستوردة من السياسة الأوروبية بل شباب يؤمن بأن الإسلام قوة في ذاته ويبقى دوما المنطلق إذ يرى أن المسلمين في أوج قوتهم لم يعتمدوا على أوروبا في تكوين دولتهم. وكان يسعى لغرس العقلية القائمة على الإيمان بالغيب في نفوس الشباب. فالتاجر مثلا يتجنب الغش لا خوفا من الحريف بل من الله اعتقادا منه أن المال الحرام لا يثمر، كما كان يقنع الشباب بأن الاتجاه العقلاني وحده لا يؤدي إلى نتيجة، وإنقاذ الأمة الإسلامية لا يتحقق عن طريق العلمانية. وكان الشيخ يبث أفكاره في الصحف والمجلات التونسية وسعى للحصول على رخصة نشرية تحمل اسم «اللسان» لكن طلبه رفض ثم قدم طلبا ثانيا باسم السيد نور الدين بن محمود خريج الليسي الفرنسي للحصول على رخصة مجلة تحمل اسم الجامعة فتحصل عليها في 1937 وتولى الشيخ رئاسة تحريرها.

  حياة الشيخ مع جمعية الشبان المسلمين

تأسيس الشبان المسلمين

بعث السيد عبد الرحمان الكعاك ناديا مدرسيا متفرعا عن الجمعية الخلدونية سماه جمعية الشبان المسلمين وذلك على غرار ما يوجد بمصر. ومن أعضائها السادة الرشيد إدريس والصادق بسيس وعزوز الرباعي ويوسف بن عاشور وابن عزوز وهم مدرسيون. وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية توقف نشاط الجمعية وزج بأعضائها في السجن ولم يطلق سراحهم إلا بعد هيمنة ألمانيا على فرنسا.

...وتحولها إلى جمعية مستقلة برئاسة الشيخ محمد الصالح

ونظرا لكثرة الخلاف بينهم وخوفا على مصيرهم من السلطة عرضوا على الشيخ محمد الصالح رئاسة الجمعية فقبل بشرط أن يتبع الاتجاه الذي يرى فيه الحق ولو كان رأي الأقلية. رفضوا أول الأمر ثم وافقوا على شروطه لاعتقادهم أن الزيتونيين عجزة. وبهذه الطريقة تمكن من أخذ زمام جمعية الشبان المسلمين وتحصل على الرخصة الرسمية برئاسته وبذلك استقلت عن الخلدونية واكترى من ماله الخاص محلا بنهج محسن جعله مقرا لها وبذلك وجد الشيخ مجالا واسعا للعمل بكل حرية .

توسع نشاط الجمعية تحت قيادة الشيخ

كان الموضوع الرئيسي المطروح في جدول أعمال الجمعية: كيف يُرَبَّى الشباب؟ وشيئا فشيئا أخذ نشاط الجمعية ينمو وفروعها تزداد وتنتشر انتشارا جغرافيا منظما في كافة أنحاء البلاد لتصل إلى 113 فرع . وقد كان لجمعية الشبان نشريات ومجلات مثل مجلة الشبان المسلمين والسيدات المسلمات تتناول مواضيع هامة وتخدم مشاريع الجمعية وتكتب فيها نخب مرموقة من رجال الدين والفكر والأدب. وقد انتهز الشيخ فرصة تراخي السلطة الفرنسية بعد دخول الألمان إلى تونس ليكثف من نشاط الجمعية وينوعه ومن مظاهر هذا النشاط : - نشر الإملاءات القرآنية وإحداث مباريات في حفظ القرآن في صفوف الأطفال والشباب ورصد شهادات رسمية وجوائز للغرض . - تكوين مكتبة لاقت إقبالا من طلبة الشباب المدرسي والزيتوني على حد سواء. - تعليم الأميين من الجنسين القراءة والكتابة ومبادئ الفقه والتاريخ الإسلاميين. - إحداث محل سكنى لطلبة جامع الزيتونة من حفاظ القرآن ومقره نهج الباشا. وكان رفض الشيخ التعاون مع الألمان مهد له مع الإدارة الفرنسية كل السبل للحصول على مقر دار الطلبة وأراض لبناء المدارس. فقد زاره أحد ضباط الغاستبو في مقر الجمعية وكان صحبة الشيخ الشاذلي النيفر ، فعرض عليه أن يخصص لهم ساعة في الإذاعة لمخاطبة الرأي العام التونسي سعيا للدعاية لالصالح ألمانيا فرفض الشيخ. وعندما انسحب الألمان بعد هزيمتهم في تونس وجد الفرنسيون في الوثائق الألمانية تقريرا من الضابط المذكور يشير إلى رفض الشيخ التعاون فعرضوا عليه كل التسهيلات التي يريد. - تكوين فرق كشفية للشبان المسلمين وفروعها ببنـزرت والعالية شمالا تحت إشراف السيد حمودة بوقطفة وبقابس جنوبا. - إلقاء محاضرات في شتى المواضيع ودروس في الوعظ والإرشاد. - إحياء المناسبات الدينية على اختلافها ورأس السنة الهجرية بداية من 1946. - كما أظهرت الجمعية وعيا بأهمية الجانب الاقتصادي في تحقيق الاستقلال. لذلك قرر مؤتمرها الأول المنعقد في 1945 تكوين شركة مساهمة لدعم التوجه الاستقلالي.

تأسيس فرع نسائي للجمعية

في 1945 أنشأت جمعية الشبان فرعا نسائيا لبث الوعي بين النساء ويدعى «السيدات المسلمات» وكانت تشرف عليه السيدة سعاد ختاش عقيلة الشيخ محمد الصالح النيفر مستعينة بمجموعة ناشطة من النساء ينتمين إلى عائلات وجيهة في البلاد أمثال السيدة درة بن عبد القادر وشريفة فقوسة والسيدة زكية بن عمار عقيلة رئيس الحكومة التفاوضية بعد 1954 السيد الطاهر بن عمار، وزهور قلاتي وزهرة بوحاجب وسارة صفر حرم بلقاضي وزينب مملوك والدكتورة حسيبة غيلب وزينب ميلادي وليلى حجوج وزينب الجبالي. ومن أنشط فروع «السيدات المسلمات» فرع المرسى المتألف من حبيبة زروق حرم الطاهر السنوسي (رئيسة)، رقية بن عاشور (كاهية)، عفيفة الأخوة (أمينة مال)، نائلة بن عاشور (كاتبة مالية)، ليلى السنوسي (كاتبة)، وسيلة القسطلي حرم الشيخ الشاذلي النيفر وزكية زروق (عضوتان). ومن إنجازات «السيدات المسلمات» إحداث صندوق للمعوزات من البنات لمواصلة دراستهن وكذلك توعية المرأة الأمية وتعليمها عبر إحياء حفلات خيرية لتمويل مشاريعها، وتأسيس مدارس إسلامية لتعليم البنت التونسية وإعانة المعوزات منهن على مواصلة التعليم. فقد كان الرأي العام التونسي يعارض بشدة تعليم البنت التونسية خشية فرنستها، ومعاهد البنات قليلة وتقتصر على العائلات المترفة بينما مدارس الراهبات كثيرة في البلاد . فنظم الشيخ محمد الصالح اجتماعا موسعا بنهج الباشا دعا له مختلف الفئات النشيطة في البلاد وعرض عليهم مشروع إنشاء مدرسة إسلامية لتعليم البنت وإقناع الآباء بهذه الفكرة لحماية بناتهن من الجهل والضياع والتنصير وإحياء هويتهن العربية الإسلامية وشعاره في ذلك: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

لاقى المشروع ترحيبا ومساندة وفي سنة 1947 بدأ بناء «مدرسة البنت المسلمة» بنهج السراجين وتم بعد سنتين ولازال صرحها قائما إلى الآن. وأحدث فرعا لها بباب الخضراء بنهج البشير صفر وكان يديره ابنه محمد المرتضى، وفرعين بحمام الأنف وماطر. كما أحدثت رياضا للأطفال بباب منارة وباب الخضراء. وساهم في هذا المشروع متبرعون أمثال الأخضر بن عطية وهو فلاح ثري ومحمد الصالح ختاش صهر الشيخ محمد الصالح النيفر والطاهر الأخضر المحامي وأحمد الباقوري وزير الأوقاف المصري وغيرهم. ولاحظ الشيخ محمد الصالح أن الفتاة التونسية التي احتضنها في روضة الأطفال ثم في مدرسة البنت المسلمة الابتدائية لا يمكنها أن تواصل تعليمها الثانوي مثل زميلها الشاب فسعى في 1953 مع إدارة الجامع الأعظم الذي يديره قريبه الشيخ علي النيفر لإنشاء فرع للتعليم الزيتوني للبنات وكُلِّف الشيخ محمد الصالح بإدارته وتدوم الدراسة فيه سبع سنوات تفضي إلى الحصول على شهادة التحصيل بجزئيها (ما يعادل الباكالوريا). كما سعى إلى تعصير برامج التعليم الزيتوني عموما حتى أصبحت شهادة التحصيل تسمى شهادة التحصيل العصري. وقد عرفت هيئة السيدات المسلمات بتشجيعها للمرأة المتعلمة من ذلك إقامتها لحفل استقبال للسيدة فتحية مختار مزالي أول امرأة تونسية تتحصل على الإجازة. كما احتضنت هيئة السيدات مولودا جديدا للجمعية هو "دار الرضيع" وذلك لإنقاذ الطفولة البائسة واللقيط من التنصير والإهمال ومقره بنهج الباشا. وتماشيا مع الاهتمامات الوطنية لجمعية الشبان، اهتمت هيئة السيدات المسلمات بالمناضلين من المساجين السياسيين فكانت تطبخ لهم الأطعمة وترسلها لهم في سجونهم.

القانون الاْساسي لجمعية الشبان المسلمين الفصل 1: تأسست بتونس جمعية تحت اسم «جمعية الشبان المسلمين» جمعية غرضها تثقيفي واجتماعي وتهذيبي وذلك عملا بترتيب الأمر العلي المؤرخ في 6 أوت 1936 المتعلق بالجمعيات والمنقح بأمر 17 ماي 1945. الفصل 2: يشترط فيمن يرغب في الاشتراك أن يكون: أ- مسلما. ب- مقدما من طرف عضوين عاملين. الفصل 3: في صورة إحداث فروع للجمعية ولو كانت تمثيلية أو رياضية إلخ... فإن الهيئة المديرة هي التي لها حق تسمية الرئيس الذي يباشر العمل مع الأعضاء المسيرين للفرع. الفصل8: إذا اعتبر أحد الأعضاء مستقيلا في أثناء المدة فإنه ينوبه من نال أصواتا دون الأعضاء الناجحين وقت الانتخاب وعند التعذر فالمجلس المدير هو الذي يختار الخلف بالأغلبية وللرئيس صوتان. الفصل12: في صورة انحلال الجمعية (لا سمح الله) فإن ما بصندوقها يرجع إلى مشروع خيري. الفصل18: المحادثات السياسية والخلافات الدينية تحجر بمقر الجمعية.

علاقة الجمعية بالحزب الجديد وزعيميه في عهد الحماية

كان الشيخ يساند المقاومة أدبيا وماديا دون أن ينخرط في الحزب (الحر الدستوري الجديد) أو يشارك فيه ، وكان بورقيبة يسعى لاستمالة الزيتونيين والحصول على ثقتهم لأنه يدرك وزنهم في الشارع التونسي آنذاك وعرف كيف يراوغهم بأساليبه ووعوده الكثيرة لذا اعتمدت المقاومة عليهم اعتمادا كبيرا. فالمظاهرات كانت تخرج من صفوفهم أكثر من غيرهم والشباب الزيتوني هو المقاوم البارز الذي يخشى منه في الشارع التونسي. وكان بورقيبة يتردد على مقر جمعية الشبان المسلمين ويحضر اجتماعاتها ويبدي إعجابا شديدا بمشاريعها حتى أنه التزم مع الشيخ بأن يحقق جميع الإصلاحات التي تراها الجمعية الصالحة للبلاد وأن يتقيد بالشرع الإسلامي إذا فاز على منافسه الصالح بن يوسف ورجع النفوذ إليه. أما الشيخ فكان معجبا بذكاء بورقيبة وسعة اطلاعه ووصفه في إحدى خطبه بأنه رجل الساعة وسيد الموقف. لكن اتضح له من خلال حضوره المكثف للاجتماعات أن حزبه (الحزب الحر الدستوري الجديد) يرغب في الاستحواذ على جميع الحركات في البلاد فصار يحترز منه ولكن يراه أصلح للبلاد من الصالح بن يوسف وجماعته لأنهم يساندون جمال عبد الناصر وينادون بالقومية العربية ولا يلتزمون بالنظام الإسلامي. وقبيل الاستقلال أصبح التونسيون منقسمين إلى اتجاهين: شق يتبع بورقيبة والآخر من أتباع الصالح بن يوسف، الأول من أنصار رئيس الحكومة الفرنسي اليهودي منداس فرانس والثاني من أنصار جمال عبد الناصر، أما الشيخ فقد حرص على ألا يكون لا مع هذا ولا مع ذاك.

علاقة الجمعية بالاتحاد العام التونسي للشغل

لم يكن الشيخ محمد الصالح حزبيا ولما تكون الاتحاد العام التونسي للشغل دعاه السيد فرحات حشاد لمؤازرته حيث كانت معظم الاتحادات آنذاك تابعة للاستعمار. فوعده الشيخ بذلك بشرط أن يكون للزيتونيين امتياز كأن يكونوا فرعا من الاتحاد يترأسه زيتوني. وبموافقة الشهيد حشاد دخلت نقابة المدرسين تحت راية الاتحاد. وكانت الهيئات تجتمع لإعداد ما يمكن تطبيقه إذا حصلت البلاد على استقلالها. ولكن تبين للشيخ شيئا فشيئا أن النقابات تجتمع بإيحاء من الحزب (الجديد) فقط وأن هذا الأخير استحوذ على جانب كبير من النقابات. وكان للحزب اجتماعات سرية تقرر ما يوحى إليها بحكم تعاملها مع جهات أجنبية. وحينما تأكد الشيخ من هذه الأمور حرص على أن يبتعد بجمعية الشبان المسلمين ونقابة المدرسين عن هذه الحركات دون أن يفقد العلاقة الطيبة مع الاتحاد.

ما إن استقر النفوذ لبورقيبة في البلاد حتى أعلن الحرب على كل ما تشتم منه رائحة الإسلام وعلى جميع الإنجازات التي حققها الشيخ محمد الصالح النيفر في ظل الاستعمار في ميادين الطفولة والمرأة والشباب وغيرها وحجته في ذلك قولته في أحد لقاءاته مع الشيخ: «أنا لا أراهن على الجواد الخاسر».

بدأ بورقيبة حملته بإصدار مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 والتي انحرف في جوانب منها عن الشرع الإسلامي . كما عارض حجاب المرأة المسلمة ونادى بنـزعه في خطبه وفي إحدى جولاته بالسيارة كان يشير بيده على كل امرأة تلبس السفساري (وهو الحجاب التونسي) لتنـزعه. كما دعا إلى الإفطار في شهر رمضان المعظم متذرعا بمعركة الشعب التونسي ضد التخلف والجهل ومعتمدا على كلمة حق أراد بها باطلا: «أفطروا لتقووا على عدوكم» (حديث).

وفي 1958 حاول بورقيبة مالصالحة الشيخ فكلفه برئاسة الوفد التونسي للحجيج ليحمل «الصرة» وهي ما يرسل من الأوقاف التونسية إلى فقراء المدينة وهي آخر صرة خرجت من تونس إلى الحرمين الشريفين. ولم يرفض الشيخ رئاسة الوفد الرسمي للحجيج التونسيين بل قبلها بصدر رحب. وانتهز الشيخ الفرصة ليعبر عن الواقع التونسي فصرح في أكثر من مناسبة للصحافة ولوفود أجنبية بما يراه عن بورقيبة وسياسته، الأمر الذي استاء منه هذا الأخير وجعله يصدر قرارات خطيرة في حق الشيخ وإنجازاته بعد رجوعه من الحج.

ففي 1959 صدر قانون في الرائد الرسمي في انتزاع مدرسة البنت المسلمة وفروعها ومصادرة جميع أملاكها. وفي نفس السنة أحيل الشيخ على التقاعد المبكر مع مجموعة أخرى من مدرسي الجامع كما أقيل من الإمامة في جامع التوفيق وكان ذلك من مقدمات القضاء على التعليم الزيتوني وجامع الزيتونة الذي كان منارة في اللغة والدين.

وفي 1961 صدر قرار بحل جمعية الشبان المسلمين وفروعها وإيقاف جميع أنشطتها الشبابية والرياضية والنسائية والصحفية كما أُمِّمَت دار الرضيع. وقد أشار قريبه الشيخ محمد الشاذلي النيفر لهذا الأمر في حفل التأبين يوم 06 فيفري 1992

1961 صدر قرار بحل جمعية الشبان المسلمين وفروعها وإيقاف جميع أنشطتها الشبابية والرياضية والنسائية والصحفية كما أُمِّمَت دار الرضيع. وقد أشار قريبه الشيخ محمد الشاذلي النيفر لهذا الأمر في حفل التأبين يوم 06 فيفري 1992 بقوله: «قضي على هذا النشاط الجسيم في ظرف كنا نظن فيه أن العمل الإسلامي سيفسح له أكثر لا أن يتقلص من الوجود ولله الأمر من قبل ومن بعد»

مرحلة البناء

1923-1956

مرحلة الصراع مع النظام البورقيبي 1956-1963

مرحلة الهجرة ونشاطه في الجزائر 1963-1970

مرحلة الحوار مع الشباب التونسي 1970-1987

الجزائر تؤويه بعد أن ضاقت عليه الديار

لم يكن من طبع الشيخ التوقف عن النشاط. فبعد أن ضيق عليه بورقيبة الخناق وسد عليه سبل العمل والإصلاح قرر الهجرة إلى الجزائر. وفي يوم عيد الفطر من سنة 1963 توجه إليها رفقة ابنيه شهاب الدين وإبراهيم. فاستقر أول الأمر بمدينة البليدة وهي مدينة مشهورة بكفاحها ضد المستعمر الفرنسي للجزائر، حيث كانت جبالها المنيعة مقرا للثوار الجزائريين. وهناك وجد شهرته سبقته، وهو غني عن التعريف لا في الجزائر فحسب بل في العالم العربي والإسلامي. لذا وجد من الشعب الجزائري في معظم المدن التي انتقل إليها كرم الوفادة وحسن القبول.

من العمل بوزارة الأوقاف إلى التعليم العمومي

وأول عمل قام به هناك هو إدارة المعهد الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف الجزائرية. ولبعد الشقة عن بقية أبنائه الذين يزورونه من حين لآخر طلب من دار الأوقاف نقلته إلى مدينة قسنطينة، لقربها من تونس، واستجيب لطلبه. فالتحقت به زوجته وابنته الصغرى هالة وهناك التحق بالتعليم العمومي ليدرس بثانوية «حيحي المكي» اللغة العربية ثم انتدب لتدريس الفلسفة الإسلامية في جامعة قسنطينة. وقد كانت ثقافة الجزائريين عند الاستقلال تكاد تكون فرنسية بحتة والهوية العربية الإسلامية تكاد تكون غائبة والتعريب في خطواته الأولى. ولتغيير عقلية الجزائـري المتشبع بالحضارة الغربية كان على الشيخ أن يتحلى بصبر شديد ومعاناة وذلك لجهله اللغة الفرنسية وجهل الجزائريين للعربية.

الشيخ يساهم في التأسيس للصحوة الإسلامية الجزائرية

الشيخ ينشر الدعوة الإسلامية...

لم يقتصر نشاطه على التدريس بل كان يلقي محاضرات تطوعا على طلبة الجامعة في غير أوقات الدروس. كما كان يقوم بدروس دينية ووعظية في المساجد قبل كل صلاة مفروضة. وكان يقوم بدروس عن طريق الإذاعة والتلفزة.

...ويؤسس جمعية الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي

تأسيس الجمعية

ذاع صيت الشيخ هناك والتف حوله الشباب الجزائري المتعطش للغته ودينه حتى تكونت شبيبة مسلمة وتوطدت علاقاته بوجوه جزائرية بارزة في الوزارة أعانته على نشر الوعي الإسلامي مثل السيد عمار بورغود متفقد التعليم في قسنطينة. واقترح الشيخ على أتباعه تكوين جمعية تعليمية فتقدموا بمطلب للولاية سرعان ما وافقت عليه فبرزت جمعية الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي واختار مقرا لها بقسنطينة.

نشاط الجمعية

بدأ نشاط الجمعية بالإملاءات القرآنية أي حفظ القرآن وفهمه.

إلى جانب الدروس الوعظية والفقهية في المساجد.

وكان الشيخ ينتقل مع أتباعه بين المدن الجزائرية مثل سكيكدة والجزائر العاصمة وقسنطينة والبليدة وغيرها لنشر الوعي الديني ويلقي محاضرات على شباب الجامعات. كما أنشا مدرسة قرآنية خاصة للبنات بقسنطينة بمنطقة الغابة وكان الجزائريون يتبرعون بسخاء لتنمية هذه المشاريع الاجتماعية والدينية التي صار لها دوي في معظم المدن الجزائرية.

الشيخ يؤسس شبكة علاقات مع دعاة الجزائر

كما توثقت عرى التعارف بينه وبين أبرز الأيمة ورجال الدين هناك مثل الواعظ والإمام الشيخ سحنون والشيخ عبد اللطيف السلطاني وهو عالم واسع المعرفة نشط في نشر الدعوة الإسلامية بالجزائر وإمام وخطيب جامع كاتشا الكبير وهو من أعضاء جمعية العلماء الجزائريين التي أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس وخليفته الشيخ البشير الإبراهيمي.

وباختصار شهدت فترة إقامة الشيخ محمد الصالح النيفر بالجزائر نواة الصحوة الإسلامية في صفوف الشباب الجزائري وكانت فترة السبع سنوات كافية لنشر هذا الوعي الديني . وقد لفت هذا الأمر انتباه السلط فأمرت بإيقاف مختلف تحركاته ونشاطه بالجزائر مما اضطره إلى الرجوع إلى تونس.

في صائفة 1970 رجع الشيخ محمد الصالح النيفر إلى تونس وقد شارف على السبعين من عمره وكله إيمان وعزم لمواصلة نضاله رغم تقدم السن ومروره بتجارب قاسية ومرض الكلى الذي آلمه. وإذا كانت المرحلة الثانية من حياة الشيخ تعتبر من أخصب المراحل وأطولها فإن هذه المرحلة من حياته لاتقل عنها أهمية وثراء والفارق الوحيد بينهما مساحة الحرية فقط.

الحوار مع الشباب

اكتسى نشاط الشيخ في هذه المرحلة طابعا خاصا تماشى مع المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد. فكان يكثف نشاطه كلما غفلت عنه عيون بورقيبة فيستقبل مجموعات من شباب المعاهد والجامعات ويبني معهم جسور النقاش والحوار البناء رغم فارق السن حتى أصبح بيته بباردو ناديا للرواد من الشباب يأتون فرادى أو جماعات متخفين عن أعين الرقباء يناقشون مواضيع شتى ويتلهفون لبناء عقيدتهم وترسيخها. وتعتبر سهرة السبت منتدى أسبوعيا وذلك بين صلاتي المغرب والعشاء تثار فيه مسائل فقهية ودينية وغيرها. وقد يدعى الشيخ إلى المبيتات الجامعية ليقيم منبرا حرا في مواضيع شتى تشغل بال الشباب في الدين والفلسفة والحضارة والتاريخ الإسلامي والواقع العربي وغير ذلك. وكان الشيخ يصبر على معارضيه في مسائل دينية جوهرية ويرحب بالرأي الآخر في سعة صدر وجدال بالتي هي أحسن ليصل بمعارضيه إلى ساحل النجاة. وعلى هذه الأسس انتشر الوعي الإسلامي شيئا فشيئا لدى الشباب الذي عاد إلى جوهر الإسلام. ويمكن اعتبار هذه الصحوة الإسلامية جوابا على الحملة المناوئة للإسلام وأهداف البرامج التعليمية في مختلف المستويات. وحوار الشيخ مع الشباب كان يواكبه حوار مع القلم، فكان يكتب في الصحف والمجلات التونسية مثل "الصباح" و"الرأي" و"حقائق" وغير التونسية مثل مجلة "العالم" وقد نُشِرَ بعض ما كتب ورفض غيره

تأسيس الاتجاه الإسلامي:

ومن أهم منجزاته في هذه الفترة من حياته المساهمة في بعث النواة الأولى لحزب إسلامي يسمى الاتجاه الإسلامي. ففي 6 جوان 1981 انعقد أول مؤتمر لهذا الحزب في بيته بباردو، وأعلن القبول بالتعددية السياسية وخيار الشعب حتى لو انتخب الحزب الشيوعي للحكم. وضم هذا الحزب نخبة من مختلف رجال الفكر والأنسجة الاجتماعية. وقد تعامل معهم الشيخ في البداية وناقشهم في مسائل جوهرية لكنه اختلف معهم بعد ذلك في بعض المسائل وخاصة موضوع الاجتهاد، فخير أن ينسحب بهدوء متعللا بعامل السن.

إيقافه بمقر وزارة الداخلية :

كان بورقيبة يبحث عن فرصة مناسبة ليهدد بها الشيخ ويوقف نشاطه فوجدها حين لفق له تهمة تحريض الشباب للتآمر ضد النظام. ففي 18 أوت 1981 وبعد خروج الشيخ من الجامع إثر صلاة المغرب ذهبت به سيارة دون إعلام أفراد عائلته إلى وزارة الداخلية قصد البحث معه وبث الرعب في نفسه لكن بهت الذي كفر فقد وجد الباحث الشيخ صلبا في أجوبته ثابتا في إيمانه لا يخاف في دينه لومة لائم. قضى ليلته في الإيقاف في غرفة بوزارة الداخلية وعائلته تبحث عنه في كل مكان دون أن تحرك هذه المصلحة الموقرة ساكنا. وكانت الليلة بالنسبة إلى الشيخ فرصة ثمينة ليجري حوارا مع الحراس والموظفين العاملين بوزارة الداخلية ويجيب عن تساؤلاتهم. وفي الصباح اصطحب إلى قصر العدالة لتجرى له محاكمة صورية قال عنها بعض القضاة الحاضرين إنها وصمة عار في تاريخ العدالة التونسية. وبعد ساعتين من المساءلة رجع الشيخ إلى بيته.

مشاركته في مؤتمر طهران :

وفي 1982 سافر الشيخ إلى باريس ومنها إلى طهران قصد المشاركة في المؤتمر الإسلامي الذي دعي له . وحينما أراد العودة إلى طهران عن طريق روما للمشاركة في مؤتمر ثان منع من السفر وافتك منه جواز سفره ولم يسترجعه حتى وفاته

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. (الحجرات، 13)

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}. (النساء، 1)

المجتمع الإنساني مكون من أسر وقيام الأسر ونموها متوقف على الرغبة في الزواج كحاجة حيوية لا غنى عنها وقد رسم الإسلام الحنيف معالم الزواج ووضع له مبادئ وأحكام مما يجعل الأسرة ملجأ وسكنا وأمنا.

الاسلام قوة لا تغالب :

الإسلام قوة لا تغالب، تثبت ذلك التجربة والواقع. والشيء المتين لا تظهر قوته إلا بعد المغالبة والصراع ولقد أثبت التاريخ أن الأمم متى فقدت سلطانها واستولى عليها أعداؤها، فقدت مميزاتها وذابت في الأمم المتسلطة عليها ذوبان الملح في الماء. والإسلام منذ ما يزيد عن السبعة قرون يحاربه أعداؤه حربا لا هوادة فيها ولا ونى وقد استولى الأغيار على ربوعه وعقدوا المؤتمرات والمؤتمرات لاقتسام تلك الربوع حتى جاءت أزمان لم تبق فيها أمة مسلمة تملك سلطة في بلادها. ومع ذلك كله فالإسلام باق في الأمم المتنوعة والأجناس المختلفة التي اعتنقته. يقول «ليبولد جايس» في كتابه (الإسلام على مفترق الطرق) الذي نقله إلى العربية الدكتور عمر فروخ: «وهنا فقط –نعني فيما يتعلق بالإسلام– تجد موقف الأوروبي، موقف كره لا في غير مبالاة فحسب –كما هي الحال في موقفه من سائر الديان والثقافات– بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على حدود من التعصب الشديد... قد لا تقبل أوروبا الفلسفة البوذية والهندوسية ولكنها تحتفظ دائما فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن ومبني على التفكير. ولكن حالما يتعلق الأمر بالإسلام، يختل التوازن ويأخذ الميل العاطفي يتسرب حتى أن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام...»...

طرق الاستعمار الجديد :

الانسان خلوق ممتاز فهو بعقله وإنسانيته قد رفعه خالقه رتبة عليّة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} (الإسراء، 70)، وأمر الملائكة الكرام بالسجود له {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} (الحجر، 73؛ ص، 73)، ذلك السجود المسجل في كتاب الله تعالى، واستروح منه بعض العلماء أن كل طاقات الكون مهيأة لأن ينتفع منها الإنسان وهي مسخرة له. قال سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَار} (إبراهيم، 32)،وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ»} (الحج، 65).ولكنهم يستروحون أيضا أن قوة الشر غير مسخرة لبني الإنسان {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِين} (الأعراف، 11).وفي الإنسان، هذا المخلوق العجيب، تتصارع قوى الخير التي ركبها سبحانه وتعالى في أصل خلقته {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين، 4)، تتصارع مع قوى الشر {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} (التين، 5)، وقال سبحانه: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} (البلد، 10).

ولكن قوى الشر ذات فاعلية كبيرة فيه، فكان جسده الذي ركبت فيه روحه وركب فيه عقله في أمس الحاجة إلى التطهر وتكراره، وروحه التي تسيطر على جسده وسلوكه أحوج إلى التطهر من أوضار البشرية. قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} (الشمس، 9)، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} (الأعلى، 14)، والتزكية: هي التطهير؛ {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس، 10)، أي: أضلها وأهلكها؛ فيبدو من الآيات الكريمة أن الإصلاح والتطهير يلزمهما علاج وجهد. وللإنسان في خلقته نوازع سوء وضعف وخور {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (المعارج، 19 – 21)، والهلوع هو شديد الحرص شديد الجزع؛ {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء، 28).

ولتطهير هذا الإنسان من نوازع السوء والشر وتقوية إنسانيته التي كرمها خالقه فنفخ فيها من روحه أمده ربه بالعقل الذي هو نور الله وحمى هذا العقل من أن تستبد به نوازع السوء وتنحو به في الضلالة، فكانت الرسالات الربانية تأخذ بالعقل إلى مجالات الإنقاذ والخير: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} (المائدة، 15 – 16)، ويفسر بعض العلماء الآية الكريمة بأن النور هو العقل الذي هو تكريم من الله للإنسان، والكتاب المبين هو القرآن الكريم الذي يأخذ بالعقل إلى سبيل السلام والأمن والخير لمن تدبر فيه.

العلمانية :

يعرف الفلاسفة الانسان بأنه حيوان ناطق أي أنه يتصف بجملة الصفات الموجودة لدى الحيوان لكنه زيادة على ذلك مستعد للتفكير وإعمال العقل. والحيوانية في الإنسان ظاهرة بينة وتتجلى في حب الغلبة والاستئثار واعتداء القوي على الضعيف والتحيل لبلوغ الغاية.

وانتهوا من كل ذلك إلى عناوين براقة أضفوا عليها صبغة «العلمية» ولونوها بالواقعية وزينوها بمساحيق من العدالة الاجتماعية، ونشطوا في الدعاية والنعيق لها في كل مكان وآن ظانين أن الشعب إذا لم يأخذ بها في الحين فإن مرور الأيام والمثابرة على الدعاية لها كفيلان بترسيخها في الأذهان. عناوين وأسماء - كاللائكية والحداثة والعلمانية والاشتراكية- خالية من كل مضمون إلا من مسايرة الأهواء والشهوات والحيوانية المطلقة إلى أبعد حدودها ونحن نعلم ويعلم الجميع أن هذه المبادئ والاتجاهات لم تعد على الإنسانية إلا بالوبال، من انتشار المسكرات والمخدرات، وتفكك العائلات وانحلال روابطها، وكثرة الاستيلاء على الأموال العمومية، وفقد الثقة والاحترام، حتى لقد أصبحت الألفة بين الحيوان أظهر من ألفة الإنسان لأخيه الإنسان...

ولذا ترى أصحاب الأهواء يساندون العلمانية وما يتبعها من مسميات وعناوين نفخت فيها أبواق الدعاية لترفع من شأنها. فهم لا يعرفون أنفسهم ومتعهم التي تساير أهواءهم وميولهم ويجدون في قوانين العلم وتطوراته متسعا فسيحا يعيشون فيه.

الاسلام يتحدى كل العصور :

وها نحن نرى في صحيفة العالم أن قرارا صدر عن الدورة الثامنة للمجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي جاء فيه: «ولا شك أن الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد من جديد تعد استجابة مناسبة لتلك النداءات...» وهنا نجيب أن رابطة العالم الإسلامي التي يقع تعيين أعضائها تعيينا لمناسبات سياسية لا تمثل علماء المسلمين وليس لها أهلية لهذا التمثيل، وهي إثارة للفتنة التي يتشوق لها الغرب ويدعو لها أساطينه السياسيون لبلبلة المسلمين عن فقههم وقانونهم الشرعي...

الصحوة الإسلامية :

الصحوة الإسلامية مصطلح جديد يراد منه التعبير عن الحركة الجديدة النشيطة القوية التي ظهرت في جميع البلاد الإسلامية التي نتصل بها أو نسمع عنها، حركة عارمة من فتيان المسلمين وفتياتهم تدعو إلى الرجوع إلى الإسلام وقوانينه والتفقه فيه بينما كانت المساجد في غالب بلاد الإسلام عمارها الشيوخ والعجز ومن يئسوا من الحياة أو كادوا ولم يكن يأوي إليها الكثير...

الجامعة العالمية للشبيبة : وفى سبتمبر من عام 1945 وردت على مركز جمعية الشبان المسلمين برقية باسم رئيسها من لندرة تدعو جمعية الشبان المسلمين بتونس للمشاركة في المؤتمر العالمي للشبيبة الذي سينعقد في لندرة ابتداء من التاسع والعشرين من شهر أكتوبر 1945. وقد قرر مجلس الجمعية تلبية الدعوة للمشاركة في المؤتمر فأجاب بذلك في برقية وجهت في أوائل أكتوبر إلى كتابة المؤتمر بلندرة. ولكن مندوبي الجمعية لم يرخص لهم أولا في الذهاب حتى غرة نوفمبر إذ أطلعت إدارة الشبيبة نواب الجمعية على إذن من الخارجية الفرنسية للسفارة العامة بالترخيص لمندوب الشبان المسلمين في السفر ولكن أشعرتنا إدارة المعارف أن أسباب السفر مفقودة إلى موفى نوفمبر.  فأبرقت الجمعية إلى المؤتمر بعد انعقاده بالاعتذار عن الحضور. وأرسلت إلى الصحف اليومية التونسية ببيان في ذلك. وقد بلغنا إذ ذاك أن الرقابة أجلت نشر ذلك البيان إلى ما بعد عشرين يوما من إرساله. والمؤتمرون بلندرة قدروا عذر جمعية الشبان المسلمين عن الحضور واعتبروها حاضرة وعدوها ضمن المؤسسات المشاركة ثم أرسلوا إليها بكامل تقارير المؤتمر وأصبحت نشريات جمعية الشبيبة العالمية التي قرر المؤتمرون تأليفها ترد على جمعية الشبان المسلمين متتابعة  التجنيس : منذ انتصاب الحماية كان الكاردينال لافيجري يرى تنصير إفريقيا الشمالية أمرا لا مندوحة عنه لكن مساعدة الدولة لم تكن بالصورة التي يرغب فيها الرهبان. لكن عندما ظهرت المزاحمة الاستعمارية الإيطالية في قطر طرابلس الغرب وبه كان يعرف في الماضي وهو ليبيا اليوم تحزم الاستعمار الفرنسي لربط الشمال الإفريقي بفرنسا وتذرع لذلك بوسائل منها التجنُّس – ونعبر عنه نحن في تونس بالتجنيس لأنه مكروه على التونسيين... وأريد هنا أن أبين شيئا وهو أن العلماء أفتوا آنذاك أن المتجنس كافر من أجل سد الذريعة كما ذكر لي الوالد (محمد الصادق النيفر) رحمه الله، لأنه لو تم التجنس لما بقيت تونس مسلمة ولأصبحت نصرانية وبقيت تحت فرنسا للأبد. ولم تكن الفتوى لذات التجنس الذي تعتريه الأحكام المتعددة. وهذا ما أقرته رابطة العالم الإسلامي. وقد ألفت في ذلك كتابا بعنوان "من أجل سد الذريعة" وطبع سنة 1485/1985. وقد كان للشيخ محمد الصالح النيفر موقف لا ينساه له التاريخ وهو أنه اتصل بالشيخ البشير النيفر وأخذ منه فتوى في تكفير المتجنس وترجمت هذه الفتوى ونشرت في صحيفة الحزب. وقد لحق الشيخ محمد الصالح النيفر التتبع وعلقت به قضية وكذلك الشيخ إبراهيم النيفر لأنه كان يُظن أن الفتوى منه وهو لم يرد أن ينكر التهمة وينسبها إلى الشيخ البشير – حماية له-. وكذلك الشيخ الشاذلي بلقاضي والشيخ أحمد المهدي النيفر. وكانت قضية إدارية بالقسم الأول من الوزارة الكبرى وحكم فيها على المشائخ الثلاث بالإيقاف عن التدريس لستة أشهر مع قطع الجراية وسحبت شهادة التطويع من الشيخ أحمد المهدي النيفر الذي لم يكن مدرسا آنذاك.  المؤتمر الاْفخارستي : ظهرت الحملة الصليبية سافرة عن وجهها الحقيقي بعد التستر ببرقع شفاف حيث جعل المؤتمر الأفخارستي مظهرا للتنصير. وقد أبدى رجال الكهنوت المسيحيين ما في نفوسهم. ففي مجلة الحياة الكاثوليكية "إن الفكرة العظمى التي كانت تدور بين جنبي سان لوي والتي ورثها عنه الكاردينال لافيجري هي التي تدفعنا اليوم إلى عقد هذا المؤتمر... إن مؤتمر قرطاجنة سيكون حملة صليبية جديدة ملؤها الكرم المسيحي والعقيدة المحببة السليمة والوضاءة..." 

مدرسة البنت المسلمة وسيلة لمقاومة التنصير : وصاحب هذا المظهر الكنسي عمل في نواح شتى منها أن الدعاة يجوبون المدن والقرى لإسعاف البائسين وتجميع الفتيات بعنوان الكفالة والتعليم. وأقوى حركة للتنصير هي مدارس تعليم البنات اللاتي ليس أمامهن ما ينقذهن من مخالب التنصير فتدعو الضرورة أولياءهن لإدخالهن في مدارس لاصطياد التنصير وخصوصا في المرسى. وعمت وقتها وكان الكثيرون يرسلون بناتهم هناك فكان الموقف حرجا وكان لا بد أن تمتد إليهن يد للإنقاذ بإحداث مدارس. لكن الأمر كان صعبا بسبب مشكل التمويل. وأمام هذه الصعوبة البالغة أقدم الشيخ محمد الصالح النيفر تحت راية جمعية الشبان المسلمين على تحقيق مواجهة فعلية بتأسيس مدرسة البنت المسلمة... وأسس مدرسة أخرى بباب الخضراء وحمام الأنف الذي كان أكبر ضاحية بتونس ومدرسة رابعة بماطر حيث كان الاستعمار معششا والتنصير يحاول أن يستحوذ على البنت المسلمة لإبعادها عن دينها.  كتاب الطاهر حداد (امرأتنا في الشريعة والمجتمع ) : كان لي ولع بالكتب وكانت المكتبة العلمية هي حانوت سي الأمين الكتبي، وكنت أجلس فيها. وكان والدي رحمه الله يقول له ألا يأخذ مني ومن الشيخ أحمد المال وأن يقتطع ذلك من كراء الحانوت. ويوما جاء اثنان من شبان الآباء البيض يحملان معهما قفة حملها الأمين الكتبي وكانت أكبر من المنضدة التي أمامي وكان فيها كتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع".  تحاول شرائي؟؟ عام 1959 كلمني محمود بن عثمان، من الوزارة الكبرى، بالهاتف وقال لي إنهم يريدون تعيينك كرئيس لوفد الحج فأجبت بأن يعطيني مهلة لأفكر فقد كنت مستغربا ذلك لأن علاقتي ببورقيبة كانت آنذاك متوترة بخصوص مجلة الأحوال الشخصية، وأذكر أني لم أذهب لتهنئته عندما أصبح رئيسا للجمهورية. وزرته من الغد وسألت عن المهمة التي يطالبونني بها فدلني على مقابلة علالة العويتي، فذهبت إليه فقدم لي ورقة بخط الرئيس فيها قائمة أعضاء الوفد وذكر لي أن هناك رسالة أسلمها للملك وأخرى آخذها من عنده ومال أوصله (شيكات). فقلت له: «على هذا المعنى أنا قبلت». وبعد ذلك اعترضني سي أحمد شلبي فسألني عن ذهابي إلى الحج كرئيس وفد وقال لي: «من يتحرك يقع شراؤه»، فتألمت من ذلك وبقيت في ذهني. 

أراد بورقيبة القضاء على الإسلام فاْنبت صحوة إسلامية : تتحدث بعض النوادي أن الرئيس السابق لم يترك ولو محمدة وراءه يذكر بها ولكني أخالفهم في ذلك. فلقد كان للشدة واستعمال السلطة والحيلة في البعد عن الإسلام، بعد أن دخل المجتمع على أنه المسلم المدافع عن قانون الإسلام، كان لذلك الأثر الكبير في إثارة هذه الصحوة الإسلامية. فلقد أنشأت هذه الصحوة في دور العلم ومجامع الأعمال شبابا يتحمس للإسلام ويطمئن إليه رغم المعوقات فلا تعليم أخرجه ولا دروس وعظية إسلامية كونته بل دور اللهو تنمو وتتكاثر وتجد العون المادي والأدبي من السلطة، والصحف الخليعة تتكاثر وتتسابق في نشر الرذيلة. ولقد كنا رأينا بالتلفزة في الدروس المرئية توجيها فلسفيا ودروسا تلقى إلى الناشئة تعبر عن مذاهب وآراء تتخالف مع ما قرره علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة وارتضاه سلف هذه الأمة في فهم العقيدة والتعرف على الدين فرأى الناس ورأينا أن رد الفعل لهذا المسار قد ظهر في هذه الصحوة الإسلامية التي برزت بين الشباب المسلم والموجه في تعليمه إلى توجيه معوج عن البرنامج الإسلامي الثابت وأن الآراء الماركسية والاشتراكية وما تلون بألوانها رغم اختيار أساتذة منتسبين إليها إنما أنتجت نقيض المرجو منها. ورأينا ورأى الناس أن اتحاد الطلبة المسلم رغم أنه لم يعرف الإسلام في دروسه هو المتفوق والمتغلب والأوفر عددا وأن المسار المضاد للإسلام الذي تولى كبره الرئيس السابق لم يفلح في شيء بل زاد في توسيع الشقة، شقة الخلاف، بين الشعب والحكومة، مما أدى بالأمر إلى تنحية الرئيس السابق وإقصائه وأسلمه إلى مصيره المحتوم حتى من كانوا يشايعونه في أصل نظريته من ذوي النفوذ في كبريات دول العالم. 

السلطة التونسية تلاحقني في الجزائر وبلغني أن بورقيبة طالب الحكومة الجزائرية بتسليمي له لقتلي. وكان هناك إمام جامع ولده كوميسار عند ابن بلة وكان دائما يحرص على قضاء حوائجي. فقلت له: «أنت تريد أن تقضي لي حوائجي، فليتثبت لي ولدك إن كانت هناك نية تسليمي إلى تونس»، وذلك حتى أخرج إلى إيطاليا. وبعد ذلك أجابني بالقول: «كن مطمئنا فلن تخرج! لقد نظروا في ملفك ولم يجدوا لك خطة سياسية ولن يرضوا بورقيبة ولكن لولا قابلته». فأجبته: «بودي ألا أقابله. 

محاربة الإسلام : ولعلّك تسائلني متى كان العقل السليم يطمئنّ إلى أن الاسلام هو أقصى مراتب السموّ بالإنسانيّة مع الواقعيّة، فلماذا يشنّون عليه كل هذه الحرب الشعواء ويحادّونه من كل سبيل. إن هؤلاء الذين يعملون جاهدين لاستثمار خيرات البلدان ومن فيها وجدوا من الإسلام سورا يحمي معتنقيه، مهما ضعفوا، من أن يكونوا البقرة الحلوب والأداة الطيّعة في أيدي المستثمرين بين أمرين اثنين، إما أن يتركوا الإسلام يسيطر على هاتيك الرّبوع الخصيبة، مهما ضعف شأنه العمليّ فيها، فهو يؤذن أطماعهم بالخيبة وآمالهم بالتّبخّر وسلطانهم بالزّوال، وإما أن يشنّوها عليه حربا لا هوادة فيها ويقفوا له كل مرصد ويعارضوه من كل سبيل بشتى الوسائل ومختلف الأساليب وهذا حكم لا نتقوّله عليهم بالحدس أو ننسبه لهم بالظنّة فهم زيادة على ما يفعلونه معه صحفهم به ناطقة ونشراتهم به طافحة... 

الأخطار التي تتهدد بالإسلام للإنسان في أصل خلقته وطباعه رغبات يعمل لإرضائها والحصول عليها كما أن هناك أشياء يخافها ويسعى إلى الابتعاد عنها فالرغبة والرهبة فطريتان في البشر لكن الناس يختلفون في تعيين المرغوب فيه والمرهوب منه. والإسلام له خطره وقيمته وقوته يدرك ذلك أنصاره ومناوئوه. وبالرغم من تخاذل الكثيرين من المنتسبين له وعدم التزامهم بجانب من أحكامه فقد بقي الإسلام قوة متحدية أعجزت أعداءه عن التحكم الكامل في عقلية المنتسبين إليه فكان أن خططوا لتدميره من الداخل وكان المستشرقون رواد الدول الاستعمارية في هذه المهمة

موقف الشيخ من الوجود العسكري في أرض الحجاز :

إن الوجود العسكري الأجنبي فوق أرض الحجاز سابقة خطيرة لم يشهدها التاريخ الإسلامي قديماً وحديثاً. فمنذ ظهور الرسالة المحمدية للنبيء الأكرم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم إلى أيامنا هذه لم يحدثنا التاريخ بوجود قوى عسكرية صليبية غازية فوق الأراضي المقدسة بالحجاز وليس ذلك لأن أعداء الإسلام يقدرون هذه البقاع بل تجنباً منهم لمس مشاعر المسلمين وتأليبهم في صف واحد للوقوف ضدهم وهذا ما لا يتمناه الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين...

إن هذه الظروف العسيرة التي يمر بها اليوم الواقع العربي والإسلامي من تخاذل وتشتت وانحراف والمسلمون شعوب غرباء عن حكامهم تنتهز أمريكا وأذنابها وجنودها الفرصة وتتحدى قداسة المسلمين وتنـزل ضيفة عند سلطة آل سعود تدنس بأقدامها أراضي المسلمين الطاهرة كما دنست قبلها بنو إسرائيل أراضي القدس الشريف .

النهضة مهادنة للسلطة :

الشيخ النيفر: الجماعة نيتهم حسنة، ولكن الطرق في مجاملة السلطة غير مقبولة، وهذا ما وقع مثلا للشيخ عبد الرحمان خليف الذي نقصت قيمته بمجاملته للسلطة. فيجب أن يقوم العمل السياسي الإسلامي بمواقفه كما هي، ولا يعتمد التكتيك السياسي....

هل يمكن فصل المسجد عن السياسة :

حقائق: طرحت بعض الأحداث مجدّدا مشكلة استعمال المسجد ودوره، ويتمحور التساؤل خاصّة حول مشكلة تداخل الدّيني والسّياسي في بعض الخطب والدّروس والممارسات, هل يصحّ حشر الاختلاف السّياسي في أماكن العبادة؟

الشيخ النيفر: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم} (البقرة، 114). المعروف أنّ المسجد كانت تدار فيه كلّ أمور المسلمين، حتّى أنّ بيعة أبي بكر رضي الله عنه وقعت في المسجد. وقد أدركت زمن الاستعمار أنّه وقع إضراب في جامع الزّيتونة وجاءت «الجندرمة» وحاصرت المسجد ولم تدخله، ودخل أعوان إدارة المدينة ونزعوا أحذيتهم. فهل تكون حالتنا هذه الأيّام أكثر احتراما للمساجد، في زمن إعادة الاعتبار للدّين. وفي إغلاق المساجد في وجه الاملاءات القرآنيّة والطّلبة الذين يحفظون القرآن، وهذا لايمكن أن يقع في أيّ بلد من بلاد المسلمين. ولكن أخطر شيء هو نشأة جوّ من عدم الثّقة بين الحاكم والمحكوم...

سنة الله في الكون :

السنن الكونية التي يعيشها الناس على نوعين: نوع طبيعي وهو أن النتيجة تكون حسب السعي، فمن جد وجد ومن لم يعمل فلا أثر لرجائه كما جاء في الكتاب الحكيم: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِْنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، (النجم: 39)، ونوع غير طبيعي وإنما هي القدرة الإلهية تتبع أشياء بغير الأسباب العادية، فترى النتاج العظيم بدون أي سبب ظاهر، كما وقع لجيش أبرهة الحبشي القوي الذي اخترق جانبا من الجزيرة العربية من البحر الأحمر حتى وصل مكة وقضى على كل المعارضين وهو يريد هدم الكعبة، حتى إذا كانت طوع يده هلك معظم الجيش برمي من طير أبابيل، فرجع الجيش القوي العظيم مقهورا بغير قوة ظاهرة، وسلمت الكعبة التي كان الجيش الحبشي يروم هدمها. وقد تداركت البلاد التونسية قدرة إلهية قاهرة وبسطت سبيل الإنقاذ من الكفر والإلحاد والفسوق، وإليك البيان....

لقد جمعنا في هذا القسم محاضرات الشيخ وأدبياته. فأما محاضراته فكانت نتاج مرحلة حياته بالجزائر. وهي جملة الدروس التي ألقاها على طلبة جامعة قسنطينة. لذلك طغت عليها الصبغة العلمية. وقد عالج فيها الشيخ جملة مسائل حساسة مثل المذاهب والاجتهاد والتشريع. ويمكن اعتبار هذه الدروس امتدادا لمهمته التعليمية الزيتونية أثناء الفترة الاستعمارية والتي لم يترك الشيخ منها أثرا. وأما جزء الأدبيات فقد ضم آثار الشيخ من نثريات وشعر. وإذا كنا وجدنا شعر الشيخ أيسر في التجميع بحكم جهد الأستاذ زين العابدين السنوسي فإننا لم نجد نفس اليسر بالنسبة إلى النثريات فاكتفينا ببعض مقالاته التي وجدناها في بعض الصحف والمجلات مع تحديد مصدرها.

الحضارة الاسلامية و قوانين الإسلام :

الحضارة الإسلامية كما بينا قبل، هي فهم الأمة لوضعية الإنسان في هذا الكون. وبما أن الإسلام هو الذي هيأ للأمة الإسلامية طريق فهمها لوضعية الإنسان في هذه الحياة، فالحضارة الإسلامية مستمدة من قوانين الإسلام وأصوله. فالحضارة الإسلامية بهذا المفهوم، تهيئ المسلم ليكون قوة مفيدة في هذا العالم بما تسنه له من قوانين ونظم عملية لتقويم جسمه وفكره ومجتمعه وسائر متطلبات حياته،...

تربية القراْن الكريم للمسلمين :

من الخير أن ننصح بالنظافة وقوة العزيمة. ولكن القرآن الكريم يجعل الإرشاد إلى الخير عمليا. قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء، 9). فحينما يدعو المؤمنين إلى النظافة يكونهم عمليا نظافا طاهرين فيأمرهم بالصلاة. والصلاة تتوقف على طهارة البدن والثوب والمكان. ومن ذلك قال بعض رجال الصحة: إن الأمراض الفتاكة التي تنتشر في البلاد غير المسلمة تضعف وتقل في البلاد الفقيرة التي تدين بالإسلام لما تربوا به من طهارة في الثوب والبدن والمكان. فهو يهدي للتي هي أقوم. وذلك ما غاب عن الذين لم تتطهر نفوسهم بضياء التربية الإسلامية فلم يفهموها فهو يهدي للتي هي أقوم...

اعجاز القران الكريم في وعده و وعيده :

فكما تحقق وعده تعالى مع الذين اتبعوا هداه فعظموا في حياتهم فها نحن نرى صدق وعيده في الذين بدلوا نعمة الله كفرا، وكان عهده سبحانه بعباده المستخلفين في الأرض {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه،123 – 124). والضنك يشمل كل المصاعب والأخطار ...

الفلسفة و العقل في الإسلام :

تقول كتب اللغة إنّ العلم بالشيء إدراكه بحقائقه. ويقول الفلاسفة إنّ العلم هو دراسة المادة، أي تجريد الشيء من الطاقة والفاعليّة الروحانيتين. يقول ويل ديورانت في كتابه (قصّة الفلسفة): «العلم يحيل الغامض إلى مفهوم، ولا يبحث في قيمة الأشياء المثاليّة، ويقنع بأن يرى فاعليّتها الراهنة وعمليّتها. وخير دليل على ما أقول المرحلة الحالية التي تجتازها المدنيّة الأوروبية اليوم من شرقيّة أو غربيّة». ويقول: «كلّ حياة مرتكزها الفلسفة إنّما تفقد في الوقت ذاته قيمتها كحياة إنسانيّة، وأنّ الإنسان إذا اعتمد العلم وحده مرشدا وموجّها فعندئذ سيقيم الحياة على أساس نفعيّ محض أساس يرفض جميع الفضائل السامية من نخوة وشهامة وشرف ويجعل جميع العلاقات البشريّة والعواطف الإنسانية ألفاظا جوفاء لا مدلول لها في الخارج، والهوّة بين الحياة والمعرفة أخذت تزداد اتّساعا يوما بعد آخر». وقال غيره: «طغى العلم وسيطر فانتهى طغيانه إلى مهاوي الانحلال، العلم بدون فلسفة لا يستطيع إنقاذنا من الدمار، فالعلم يعطينا معرفة ولكن بمقدور الفلسفة وحدها أن تعطينا حكمة».

يكثر القرآن من الأمر باستعمال العقل في تفهّم الأشياء عللها ومعلولاتها والحكم عليها، ويهيب بالعقول أن تتدبّر كلّ ما ترى وتسمع {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (الزمر، 18). وينكر على الذين لا يستعملون عقولهم: {َلهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف، 179)...

المقامة الاجتهادية :

واتخذ بعض الكاتبين لإصلاح الحال قصصا وأقوالا، نسج أبطالها من الخيال، لكن محتواها يشير إلى نقائص مألوفة، وسيئات معروفة، يثيرون بها الإحساس، الذي أماته تداولها بين الناس ويطلقون عليها الكلام المسجوع، المختلف لما اعتاده الكاتبون من القول المطبوع. فهو وسط بين الكلام المنثور، والشعر الذي وقع فيه الالتزام بالأوزان والبحور، وسموا هذا الفن الوسط بالمقامات، متى اشتمل على قصص جذابة وعظات، وإن استنكروا في الكتابة التزام السجع، لما فيه التضييق على الطبع، فكأنهم يرون أن المقامة من الوضعيات، تفقدها متى فقدت تلك الخصوصيات، وإني وإن كان تقدم السن يربأ بي عن هذه المجالات، لكن دعتني إلى ولوجها بعض الحاجات...

وفاته :

توفي فضيلة الشيخ محمد الصالح النيفر عام 1413/1992م .واستراح بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء .

في ذكرى رحيل الأب الروحي للحركة الإسلامية المعاصرة في تونس الشيخ سيدي محمد صالح النيفر علم جهاد ومنارة فقه ووطاب علم بقلم: الهادي بريك- ألمانيا في الثلاثين من شعبان من عام 1414 رحل عنا احد اكبر اعلام الجهاد الاسلامي في تونس ضد المحتل الفرنسي واصدق رموز مكافحة الكفر البورقيبي البواح والظلم الصراح والاب الروحي للحركة الاسلامية التونسية المعاصرة وراعي مؤسسيها وحاضن فكرها واعرق اعلامي اسلامي بعد المرحوم الثعالبي في التاريخ التونسي الحديث : الشيخ الكبير والفارس الذي لم يترجل سيدي محمد صالح النيفر عليه رحمة الله تعالى. * ولد الشيخ المرحوم عام 1903 ميلادية وعمل مدرسا بجامع الزيتونة المعمور اول معلم اسلامي في الدنيا بعد الثلاث التي لا تشد الرحال الا اليها . * خاض الجهاد ضد المحتل الفرنسي ضمن الوف مؤلفة من المجاهدين من جامع الزيتونة الذين طمر بورقيبه عملهم من خلال تزويره للتاريخ الحديث لتونس . * اسس جمعية الشبان المسلمين في خطوة تعكس ما كان عليه الفقه الزيتوني من معرفة بالواقع ووعي بالالتحام بتحدياته وفق منطقه المؤسس على العمل الجمعياتي والاعلامي والشعبي. * واجه بورقيبه وجها لوجه امام اعيان تونس الذين جمعهم المقبور يستطلع رايهم في بعض ملامح النظام الجديد وفرنسا تهيئه لخلافتها على ارض الزيتونة فلما جاء دور المرحوم النيفر ليدلي برايه قال دون تعلثم ولا تلجلج يحدوه امله في الله وثقته في دينه العظيم غير هياب لاعيان سحرهم دجل بورقيبه او قتلهم الجبن الهالع " لا ارى نظاما يصلح لبلادنا غير النظام الاسلامي " فرد المقبور " انا لا اراهن على جواد خاسر " وكان ذلك شهورا قبل تسلم بورقيبه مقاليد الحكم في البلاد من عام 1956 . * واصل جهاده ضد الكفر البورقيبي البواح وظلمه الصراح وله فيه وهو الفقيه الراسخ الف برهان وبرهان من الكتاب والسنة وبما يتطلبه العصر من تحول وسائل الجهاد والدعوة فكانت عينه علىسلاح العصر الفعال السلطة الاولى سلطة الاعلام فاسس صحبة المرحوم عبد القادر سلامه مجلة اسلامية سماها " المعرفة " في بداية الستينات والهجمة البورقيبيه ضد كل رموز الاسلام وشرائعه وشعائره ومؤسساته تذكرك بما يجري في هذه الايام في تونس وما بالعهد من قدم كما تقول العرب فلا سلم جامع الزيتونة ولا " السفساري " وهو اللباس التقليدي النسوي التونسي ولا الاحباس ولا الاوقاف بل ولا حتى محمد عليه السلام ذاته ولا كتابه . * وفي اول امتحان لمجلة " المعرفة " الفتية عن مسالة اعتماد الرؤية ام الحساب في اثبات دخول الاشهر القمرية انحازت الى مسالة الرؤية فرد بورقيبه وازلامه بالاغلاق والمصادرة وباعتقال الشيخ المرحوم . * ولما استفرغ الشيخ وزميله المرحوم بن سلامه كل جهوده من اجل اطلاق سراح لسانه أي " المعرفة " وظل مهددا مجددا بالسجن والتنكيل كماحدث في تلك الايام العصيبة في تاريخ تونس الحديث مع المعارضين من زواتنه ويوسفيين وغيرهم رحل الى الجزائر في ما يشبه النفي القسري لعله يساهم من هناك في الانتصار لدين عظيم تنتهك معالمه يوما بعد يوم على يد دعي شقي مغرور وهذا بدوره ملمح اخر من شخصية الشيخ المرحوم ينبئك بان اصالته الاسلامية لم تقف حائلا دون معاصرته الاسلامية كذلك اذ انه اختار الهجرة طلبا للحرية السانحة بممارسة الجهاد الاعلامي وغيره انتصارا لقضايا الحق والعدل والحرية . * وظل كذلك في محنة النفي القسري ولسانه " المعرفة " مجبوبا دون وجه حق حتى عام 1972 حيث عاد الى تونس وبدا مرحلة جديدة من الجهاد الاسلامي بوسائله العصرية المناسبة وذلك من خلال واجهتين : 1 ـــ حيث احتضن شابين مملوءين عزما وهمة على تاسيس صحوة دينية في بلاد اقفرت من الاقبال على الله ومات فيها الامل فتصحرت مساجدها وفعل فيها التغريب البورقيبي فعل الساحر في المسحور فظلت الاعناق مشرئبة نحو الغرب الفاتن وهما الشيخان: راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو فكان بحكم تجربته وسنه وعلمه يوجه ويرشد ويصحح ثم تطورت المشاورات خاصة بعد حادثة احد مساجد سوسه عام 1973 على شكل الطريقة التبليغية والتي اسفرت عن تدخل الشرطة بقسوة وعنف وفرقت المجموعة التي تعد حوالي 70 نفرا واعتقال قادتها واستجوابهم الثلاثي الغنوشي ومورو واحميده النيفر... تطورت العملية اذن الى لقاء ضم 40 نفرا اغلبهم من الطلبة اسفر تقويمهم على ان الطريقة التبليغية لا تجدي مع نظام شمولي في كفره وانتهاكه لكرامة الانسان فكانت اللبنة التاسيسية الاولى تنظيميا وفكريا وسياسيا للحركة الاسلامية التونسية المعاصرة تحت الارشاد الروحي والتوجيه الابوي من الشيخين المرحومين محمد الصالح النيفر، وعبد القادر سلامه وبانتخاب الشيخ راشد الغنوشي أميرا للمجموعة الصغيرة وتعيين نائب له وظل الامر كذلك حتى محطة 1979 ثم محطتي ماي وجوان 1981 حيث ظهر الشيخ المرحوم محمد الصالح النيفر في الهيئة التاسيسية للحركة وعلى منبر الاعلان عن الحركة في المؤتمر الصحفي في مكتب الشيخ عبد الفتاح مورو بعمامته البيضاء الجميلة وزيه العلمي التقليدي الزيتوني التونسي كانه اسد هصور يؤازر شبابا يافعين عقدوا العزم على اعادة الاعتبار للزيتونة فحصل الوصل المطلوب بين تونس الزيتونة وتونس الحركة الاسلامية الحديثة . ثم ظل الشيخ المرحوم المرشد الروحي للحركة الجديدة والصحوة الحديثة حتى وافاه الاجل وناداه ربه اليه . 2 ـــ وعاود مرة أخرى ضمن مرحلته الجهادية الجديدة المفعمة بروح الشباب الإسلامي المعاصر الحالم بأسلمة الحداثة اصدار لسانه " المعرفة " الذي ظل ملجما عقدا كاملا من الزمن بعد ان اخرسه الصلف البورقيبي فكانت المعرفة بحق باعثة الصحوة الاسلامية في مطلع السبعينات حتى عاودتها المحن مع موقفها الاسلامي الاصيل من وحدة جربه بين تونس وليبيا انتصارا لوحدة الشعبين المسلمين ولما لم يكن بورقيبه المتفرنس حتى النخاع يومها متحمسا لوحدة عربية ولا اسلامية ولا حتى تونسية حيث فجر المفهوم العائلي والقبلي لصالح المواطنة المرتهنة للدولة المركزية ... اغلق المجلة مرة اخرى واعتقل الشيخ المرحوم . وكان ذلك عام 1974 . * كما نال الشيخ المرحوم نصيبه من الاعتقال والتعذيب رغم كبر سنه اما علو قدره فامر لا يكفر بورقيبه وأزلامه بشيء كفرهم به ومن ذلك اعتقاله صحبة بعض اخوانه وتلاميذه يومي الخامس والسادس من شهر ديسمبر من عام 1979 . * مما يؤثر عن الشيخ المرحوم فيما يرويه عنه انجب تلاميذه الشيخ راشد الغنوشي الذي لا يكاد ينفض عن مجلس حتى يذكره بخير ويثني عليه بما هو اهله ويعلمنا من ادبه وحلمه وفقهه ... انه كان مثالاً للأخوة الكريمة حتى مع تلاميذه ففي حادثتي اعتقاله والتحقيق معه مثلا بمناسبة رفض السطلة لموقف لسانه " المعرفة " من مسالة الرؤية ومسالة الوحدة كان الشيخ المرحوم لا يعلم الموضوع ولا ما كتب عنه اصلا فلما ووجه من لدن الزبانية بالمقال اعترف وتحمل المسؤولية عنه كاملة وكانه هو الذي فكر وكتب وقال لهم تماما كما واجه بورقيبه عام 1956 وهو في عز طغيانه " كل ما يكتبه الغنوشي واحميده النيفر والجورشي ــ وهم الثلاثي الذين تداولوا على رئاسة التحرير ــ اتحمل مسؤوليته بالكامل " فسقط في أيدي الزبانية، وكانوا في الحقيقة يهدفون إلى دق اسفين اثم في علاقة الشيخ المرحوم باعتباره زيتونياً كبيراً وبين الشباب الإسلامي المعاصر. ولما أفرج عنه وهم الشباب بمقابلته ظنوا انه سيعاتبهم أو ان يطلب منهم اعلامه على الأقل في المستقبل بكل ما يسطرونه حتى يستعد لمواجهة التحقيق البوليسي ففوجئوا اذ استقبلهم ببشاشة الاب الحنون وحلم الوالد الكريم وشفقة المعلم المخلص ولم يشر اليهم لا تلميحا ولا تصريحا بما يفيد انه غاضب . * ومما يرويه الشيخ راشد كذلك في هذا الصدد انه كان وهو يتلو البيان التاسيسي للحركة ويرد على اسئلة الصحفيين يوم السادس من جوان من عام 1981 يشعر بارتعاشة في يديه لفرط الرهبة من حضور الشيخ المعلم والمربي الكبير ذي الثقافة الزيتونية التي قد يبدو للوهلة الاولى ان الشيخ لا يسمح بحداثة اسلامية تتبنى الديمقراطية وتولي المرأة لسائر السلطات والولايات والاعتراف بالأحزاب الشيوعية وسائر مظاهر التجديد في الحركة الإسلامية التونسية المعاصرة مما هو معروف غير ان الامر مغاير تماما فالمرحوم جمع حقا بين كل مناقب الجهاد الاسلامي المعاصرة أي بين النص والمقصد والواقع . * وشاء الله تعالى ان يتطور الامر في تاريخ تونس الحديث بعد الانقلاب الاسود المشؤوم في نوفمبر عام 1987 في اتجاه مزيد من التضييق على مساحات الحرية والتدين وبعد حوالي خمس سنوت من حرب ضروس على كل مظاهر التدين وفق خطة تجفيف منابع التدين. مات الشيخ المرحوم محمد الصالح النيفر كمدا بعد ان فرضت عليه رقابة بوليسية مشددة في بيته وبعد ان فارقه تلاميذه بعضهم الى السجن وبعضهم الى النفي القسري الذي ذاق هو نفسه مرارة علقمه وبعضهم الى الموت البطئ او الى الموت المعجل وكانه يختار الرفيق الاعلى سبحانه بعد ما اكفهرت بلاد في وجهه الكريم كان في يوما ما فارسها المغوار بين عرصات العلم في الزيتونة او في ردهات الاعلام الاسلامي الاصيل او في وغى الجهاد ضد المحتل الفرنسي ثم ضد وكيله المحلي ثم تبعه اخوه المرحوم بن سلامه وبالأخوة وسائر من معهم . فإلى روح ابي صحوتنا الاسلامية وراعي حركتنا ومرشدنا الاول المرحوم سيدي محمد الصالح النيفر الف سلام من الله وسلام والى ارواح كل مشايخنا ومؤدبينا اجمعين نقول علمتمونا الا ننحني للأعاصير والا نجزع أمام الأساطيل والا نتهاوى تحت اقدام الجبابرة والطغاة معتصمين بحبل الله القويم املين دوما في وعده الحق مجاهدين على درب كرامة الانسان وتحريره من كل العبوديات مهما استحكمت بقوة السحر او بقوة النار ... فقروا عيونا فنحن بفضل الله على الدرب حتى نلقاكم ونلقى الله تعالى والموعد كما علمتمونا على ضفاف الحوض والجائزة شربة ماء زلال من اكرم مخلوق واحنى يد وابتسامة من ازهر ثغر على صاحبه افضل الصلاة والسلام . قرّ عيناً يا سيدي فتلاميذك نجباء وتونس في بؤبؤ العين نذود عنها ما دامت فينا عين تطرف وقلب يخفق . الهادي بريك- ألمانيا المصدر: تونس نيوز 24 أكتوبر 2003  ندوة عن الشيخ محمد الصالح النيفر :

تنظم وحدة فقهاء تونس بجامعة الزيتونة المعهد العالي لأصول الدين ندوة حول الزيتوني الصامد الشيخ محمد الصالح النيفر وذلك يوم الاثنين 11 جويلية القادم وستنقسم هذه الندوة إلى جلستين علميتين الصباحية يترأسها الدكتور هشام قريسة... وستشتمل على شهادات حية عن الشيخ يقدمها الدكتور محمد بوزغيبة والسيدة أروى والسيد شهاب الدين النيفر ابنا المحتفى به والبشير العريبي من حركة الشباب المسلم واحمد المستيري الذي سيحاضر حول موقف الشيخ من مجلة الأحوال الشخصية والشيخ راشد الغنوشي الذي سيذكر بدور الشيخ محمد الصالح في الصحوة الإسلامية بتونس كما يحاضر القاضي محمد المختار النيفر والدكتور المنصف بن سالم والسيد نور الدين كرواز وهو احد رموز الصحوة الإسلامية في الجزائر. الجلسة المسائية سيترأسها الدكتور نور الدين الخادمي ويحاضر خلالها كل من احميدة النيفر حول :»العالم والمثقف ومجلة الجامعة» ود. على الزيدي: «حول جمعية الشبان المسلمين أساس لمشروع مجتمعي بديل» ويتحدث د. محمد ضيف الله عن: «موقع الشيخ محمد الصالح من نضالات التيار الزيتوني» ود.عدنان منصر عن الصراع الزيتوني الصادقي والأستاذ عبد الرحمان الهذلي عن: «الشيخ محمد صالح النيفر والغرب» و الأستاذ مختار الجبالي عن: «الشيخ الصامد في وجه السلطان» ود. فتحي القاسمي عن النزعة الإصلاحية عند الشيخ محمد الصالح انطلاقا من محاضر جمعية الشبان المسلمين أما الأستاذ محجوب عون فسيتناول جانب الأديب والمفكر في شخصية الشيخ محمد الصالح النيفر. وعلى هامش هذه الندوة تعرض الطبعة الثانية من كتاب الشيخ محمد الصالح النيفر» من رواد الصحوة الإسلامية في تونس والجزائر» مرفوق بقرص ليزري لتسجيلات صوتية للشيخ وعدد آخر من بقية كتبه. والشيخ محمد الصالح النيفر الزيتوني الذي لم ينحن ولد في المرسي سنة 1902 درس بالمعاهد الزيتونية وارتقى إلى جميع مستوياتها إلى أن تحصل على شهادة التطويع. درس في جامع الزيتونة ثم أدار الفرع الزيتوني للبنات وساهم في بعث جمعية الشبان المسلمين أواخر العشرينات بزعامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ثم احدث جمعية « النشء الرياضي» سنة 1931 التي تحولت إلى «الملعب التونسي» وتولى سنة 1940 رئاسة جمعية الشبان المسلمين. واهتم الشيخ كذلك بالأطفال اللقطاء المهملين بإحداث دار الرضيع حتى لا يتم تنصيرهم. وقد تحولت الجمعية بفضل رئاسته إلى منظمة وازنة في واقع البلاد وهو ما جعل الشيخ مقصد وعدد من الشخصيات الوطنية مثل الشهيد فرحات حشاد والحبيب بورقيبة ومن العالم مثل الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وعبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرية وضباط مصر مثل السادات وحسين الشافعي لتوسيطه في الأزمة بين بورقيبة وعبد الناصر في بداية استقلال تونس. عاش الشيخ محمد الصالح النيفر ثلاث مراحل أولها مرحلة الصراح مع الزعيم الحبيب بورقيبة والتي انتهت بسبب تضييق الخناق عليه بهجرته إلى الجزائر حيث تزامنت مع استقلالها ومارس خلالها الشيخ التدريس في جامعة قسنطينة وقدم الدروس المسجدية والإذاعية وفي جمعية الإصلاح الأخلاقي والاجتماعي الأمر الذي أحرج الرئيس هواري بومدين فاختار الشيخ العودة إلى تونس وهي المرحلة الثالثة من حياته والتي توجها بتأسيس حركة الاتجاه الإسلامي سنة 1981 ثم وبسبب ثقل المرض انسحب من النشاط العام دون ان ينقطع عن متابعته حتى وافته المنية في فيفري 1993. علياء بن نحيلة عن جريدة "الصباح" التونسية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. رحم الله الشيخ محمد الصالح النيفر و رضي عنه و أسكنه فسيح جنانه، و ألحقه بعباده الصالحين، اللهم آمين يا رب العالمين. عرفت الشيخ، رحمه الله تعالى، عام 1981، خلال شهر رمضان، في تونس و زرته في بيته في ضواحي تونس العاصمة و ضيفني و أكرمني و أفطرنا معا ثم خرجنا إلى جامع الزيتونة لصلاة العشاء و التراويح ثم افترقنا و لم نلتق بعدها إلا من خلال الرسائل الأخوية. لقد فرح بي الشيخ كثيرا لما علم أنني من مدينة البُليدة فعادت به ذكرياته إلى الستينيات، 1963 و ما بعدها، حيث كان مدير المعهد الإسلامي التابع لوزارة الأوقاف حينها، و ذكر لي جمعا من الشيوخ الذين عرفهم في مدينتي و حمّلني السلام إليهم مع وصايا دينية تهم قضية عويصة كانت تستشكل علي وقتها. كان الشيخ، رحمه الله تعالى، مدير المعهد الإسلامي المُنشَأ حديثا بُعيد الاستقلال في البُليدة و ليس في جامعة قسنطينة كما جاء في المقالة لأن جامعة قسنطينة الإسلامية لم تكن أسست بعد، و قد كتبت بهذا التصحيح إلى جريدة "الصباح" التي نشرت الموضوع أول أمس، الأربعاء 29/06، و لست أدري إن كانت ستنشر التصحيح أم لا ! أخي الفاضل محمد الحمّار أشكر لك جزيلا هذا النقل لموضوع الشيخ، رحمه الله تعالى،و جزاك الله عنا جميعا خيرا. تحيتي و تقديري.

في إحياء الذكرى 18 لوفاة الشيخ محمد الصالح النيفر

وكتب الأستاذ صالح نوير يقول : -

وأنا أتحدث عن الفقيد ينتابني شعور صادق أنني أتنفس في رحاب الزيتونة المعمور وأستنشق هواءه العطر..

ذلك الفضاء الذي نشأ فيه الإمام سحنون وأسد ابن الفرات واضطلع بدورٍ طلائعيٍ في نشر ثّقافة عربية إسلامية في بلاد المغرب العربي عبر تاريخه.. "وفي رحابه تأسست أول مدرسة فكرية بإفريقية أشاعت روحا علميّة صارمة ومنهجا حديثا في تتبّع كل المسائل نقدا وتمحيصا وإضافة.."

إنه الفضاء المتجذّر في التاريخ والمُحجَّل بكل أشكال المقاومة.. وما انفكّ يُثري ويُنجب أجيالا ارتسمت بصماتها النضالية على صفحات تونس المعاصرة وعلى العالم العربي بأسره..

  ها نحن الآن نقف عند ذكرى مجيدة لواحد من أنجب تلامذة الزيتونة وقدمائها الأبرار.. ورائدا من رواد النهضة البارزين وهو من أكبر مؤسِّسي مُنظّري جبهات المقاومة بكل أشكالها ضد مشروع استعماري، عدوانيٍّ ورهيب : 

ألم يكن شيخُنا الكريمُ المتوجةُ حياتُه بكل مراحلها بأكاليل الإنجاز حري بالتبجيل

شيخُنا وصديقُنا وأستاذُنا وأبونا ورفيقُ دربنا : محمد صالح النيفر... رفع الله درجاتِه .

هذا اسم يقترن دوماً بالإنجاز.. ولا شيء غير الإنجاز.. سواء كان ذلك على مستوى الفكر أو الساعد وعلى الورق وفي الميدان...

وأؤكد لكم أن ما كُتب عن شيخنا  أو نُشر لا يرقى إلى مستوى تثمينٍ وتشخيصٍ مدققٍ لما كان يُنجِز على حقل الممارسة :

من لقاءات وربط صلة مع أَعلام وقياداتٍ وشخصياتٍ عربية وإفريقية ..

وما كان ينجزه على الميدان:  من إرساء مشاريع بعضُها ثقافي وبعضها سياسي..

ومن مواكبة القضايا المطروحة في تونس الحماية، وتفاعُله معها وتأثيره هي مجرياتها وذلك من قبيل :

ــ قضية التجنيس

ــ ومن قبيل مناهج التدريس بالمؤسسة التعليمية الزيتونية

ــ ومن قبيل تأسيس جمعيات شبابية مستقلة متعددة الأبعاد والتوجهات.

ــ ومن قبيل النضالات التي لا تعرف حدودا ..

ــ ومن قبيل تشريك المرأة في الحياة الثقافية والاجتماعية ..

ــ دون إهمال البعد الفني الإبداعي ..

هكذا تبدو نضالاتُ شيخِنا متلوَّنَة ومتشعّبة ومتعددة الجبهات ..فضلا عن كونها دؤوبةً نشطة مسترسلةً لا تعرف الكلل ولا تركن لتهديد أو تخويف ..

وبإيجاز شديد ..وأرجو من  شيخِنا الكريمَ المبجّل أن يسامحَني على التقصير في الإدلاء بحقه كاملا، وهو عمل يستدعي مجلدات من التحقيقات والبحث والتنقيب.. وهذا من أوكد المهام المطروحة بإلحاح على أجيال الحاضر والمستقبل ..

ولا يسعني إلا أن أضيف معترفا أن مسيرةَ أستاذنا محمد الصالح النيفر لا تزال مجهولةَ الجوانب ، مغمورةَ المضامين مكبّلةً بالإقصاء السياسي والتهميش المتعمَّد الذي عرفه التيار الإسلامي منذ عقود طويلة..

مسيرة هي في أمس الحاجة إلى مزيد الفهم والكشف والتدقيق.. والتوظيف المناسب لاستلهام سُبُل العلاج الأنسب لقضايا مصيرية قطرية وإقليمية لا تزال مطروحة إلى يوم الناس..

  إنها مسيرةٌ تتصف بالمقاومة بكل أشكالها، مسترسلةُ متواصلة لا ينتابها كللٌ أو ملل.. وهي مدرسة تجمع الأبعاد الفكرية والروحية على السواء وتلتحم  بحيثيات واقع مسيّج بما ينطوي عليه من آمال وآلام، مدرسة  صالحة ليتتلمذ في أروقتها وعلى مبادئها أجيال الأمة بلا تحديد..

 ******

   وإليكم ــ يا أصدقائي الكرام ــ  لقطةُ من فترة قصيرة عشناها معه جنبا إلى جنب تركت لنا أجمل الانطباعات وأحلى الذكريات:

زارنا في السبعينات من القرن الماضي في مقر سكنانا بباريس بنهج "السّان مارتان" وكنا وقْتها طُلاّبا بالجامعة :

وهذه شهاداتنا بأمانة وبلا مبالغة ولا تنميق:

كان شيخٌنا معتزا بجبته وعمامته التي تتوج كالهلال وجهاً جميلاً ناصعاً نيّراً مستديراً.. وكان بشوشاً.. مستنيراً  بفكره مرِحاً متواضعا خفيف الظل مؤنساً واضح العبارة مُقنعاً، لين العريكة سهل الاقتناع  قابلاً بالرأي الأصوب، غايته المعرفة ولا شيء غير نشرها والإصداع بها والعمل على ترسيخها وبثها في الصدور..

 كان يُقيم بيننا، عرفنا فيه الرجل الحريص على النظافة والأناقة والنظام والدقة والانضباط.. وكان على سبيل المثال مصِرّا على أن يسوّي فراشه بنفسه وأن يغسل إناء طعامه بنفسه وتحوي حقيبتُه كل ما يحتاجه المسافر دون إهمال الجزئيات..  وكان يحمل بنفسه أمتعته رافضاً أن نساعده مردداً : " صاحبُ الشّيء أَولى بحمْله.."

كان دوما  يُشعرنا أننا برفقة صديق ودود ..مستوعب فوارقَ السن.. يعيش همومنا ومشاغلنا، يُمدنا من تجاربه وحنكته، ولا يبخل علينا أبداً بنصائحه ما أمكن له ذلك.. يتبنى طموحاتنا يرشّدها ويشاركنا أفراحنا وأتراحنا..

كان ولا يزال .. عبر الزمن ..عينَ القدوة وعينَ الامتيازِ .. وعينَ التضحية وعينَ العطاء..

كان ولا يزال منارةً صامدةً.. سامقة.. من منارات تونس التاريخ.. تونس الجغرافيا.. تونس المستقبل... البعيدِ منه والقريبِ...

تولاّك الله برحمته ــ يا شيخَنا ــ وجعلك من الفائزين برضاه.. وأبقاك رصيداً لا ينضب معينه  لصالح الأمة والوطن ..

كنتَ دوماً حريصاً على جمع كتاباتك ومقالاتك المختلفة وإبلاغها للقاصي والداني وكنتَ تسعى وأنت في آخر أيامك أن تقول الكثير الكثير وتوصيني بحفظه من التلاشي، وكأن الوقت لا يسعك أن تقول وتسجل كل ما تريد. ومنذ انتقالك إلى الرفيق الأعلى رحمك الله وأنا أشعر بثقل المسؤولية على عاتقي وكان أخشى ما أخشاه ألا أعطي هذا العمل حقه من العناية والدرس فينفرط عقده بمرور السنين. وبفضل الله وعونه وفيت بالعهد الذي قطعته مع نفسي فجمعت ما كتبت بخطك من مقالات ودروس ومحاضرات وما أمليته علي وعلى أختي حنيفة ومعظم ما نشرت في الصحف والمجلات التونسية وغيرها إلى جانب الأشرطة التي سجلتها بصوتك. ويشهد الله على التزامي بواجب التحري والصدق في كل صغيرة وكبيرة. وستبقى هذه الكلمات الطيبة ثابتة بإذن الله وفرعها في السماء (أروى النيفر)

من الحيرة ... : كنت مغرما بالتاريخ وسيرة النبي (ص) وما في تلك الحياة من عظمة وما في تاريخ الدول الإسلامية من عزة. فأين كل ذلك وأين الإسلام الصحيح؟ لقد كنت أعيش بين قومي والإسلام يملأ شفاههم ولكن لا أجد له واقعا في الحياة العملية. وكثيرا ما كنت أعيش في الخيال وأحلم وأنا يقظان. 

http://www.ennaifer-mohamed-salah.com/images/fish1.gif... إلى اليقين:

...إن الحياة عندما تخرج عن الإسلام تصبح غير صادقة وأن الإسلام هو أصدق نظام .

شعر محمد الصالح النيفر : دراسة موضوعية :

أردنا السلام :

إن الإنسان المسلم يسعى وراء السلام دائماً وهو مصدر خير ورحمة بالناس ولكنه حين يرى الظلم والعدوان يضطرّ لحمل السلاح دفاعاً عن النفس :

بياض الـهلال وقانـي المحيط------ على عزمتينا من الشاهدين  أردنا السلام وراموا الـحسام ------   فكـنا على سلـه قادرين  وقــــــــــــــــــــــــالوا الضباة لتـأديـبـنـا ------  وسيل الدماء يرينا اليقـيـن  ورمنا اعتدالا وراموا اشتطاطا ------  وكنا على حقنا مذنبيـن  وأعظم بـجـرم لديهم أنا ------        لتربـة أجـدادنـا طالبيـن 

الصدر أو القبر :

ويصور اعتزاز المسلم بدينه، فهم لم يظلموا البشر، وكانوا رمزاً للخير والعدل والسلام ، فيقول :

حمدنا السرى إذ طالع الصبح يفتر ----- وسـمنا المعالي والثبات لها مهر  وطئنا السما فلتخضع الشهب للذي --- نحاول وليسمح بما نرتجي الدهر  فـإنـا إن لـم نُظلم البشر والإخا -----     قرانا وإلا طعمـنا في الورى مر  فـلا تزدروا إذ نـام غر لنا فقد -----     ألـم بذاك الغر من فعلكم ذعر  لآبـائـنا جـيـل فـخارا مكلل -----          لـهم منة عن كل بر لـه ذكر 

صوت ضمير:

ويصور صوت الضمير وهواجس الخير والشر في نفس الإنسان فيقول :

إليك هـمسا فـكم من ----- صواعـق لـيس تغـنـي  أبيـن جـنبيك صوت -----   أو لأفـدونـك عـنـي  فليـس شـدو طروب -----    يـمـيل فـي كـل فن  بـل خبـر هاجس لب ----- هـفـا فصـادف أذنـي  فـتـى يسائل نفسا -----   أبيني ما كنت أجـنـي  بالأمـس قد قلت زورا -----   لكـن أأدرك مـنـي  إني الـتـزمت لنفسي -----  صدقـا وذا لـم يـفدنـي 

نشيد الشباب المسلم :

وكتب الشيخ نشيداً لكي يردده الشبان المسلمون ، يقول فيه :

نحن الشباب الـمسلم ------         بديـن طـه نـنعـم  نـبـيـنا الـمـعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــظم ------       من اصطـفاه ربنـا  قد جاء بالدين القويم ------ يهدي الصراط المستقيم  أرسـلـه الله العـــــــــــــــــــــــليم ------      بـكل مـا يصلـحـنا  دين يعم العـــــــــــــــــــــــــالمين ------   بالـعـدل والحق اليقين  يـحوطـــــــــــــــــــــنا بما يزين ------      عـلى الهدى يجمعنا  الصدق من شعاره ------         والـعـدل من دثـاره  والخيـر مـن آثـاره ------              ونـوره عـمّ الـدُّنـا  كم سن سبل المكرمات ------ وكـم دعـا للصالحات  وضم كل الطيبات ------        وكـان أعـلى مبتنـى  فـضائل صـنـيـعه ------              ورحـمـة جـمـيعه  ونـاجـح مـطـيعه ------          ونائـل أسـمى الـمنى  فـرتـلـوا قـرآنـه ------                  واتـبـعوا رضـوانـه  وحصـلـوا جـمانه ------           فذاك خير مقتنـى  واسـتـبـقوا لنـوره ------            واغـتنموا من خيـره  وانـتـفعوا مـن بره ------          بالجد من دون ونى  نـكـتـشـف البلاد ------             نـصـادق الـعـبـاد  ونـبـتنـي أمـجادا ------          لتونـس في العالـميـن

رحم الله الشيخ المجاهد محمد الصالح النيفر، ونفع المسلمين بعلمه، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا رب العالمين .

C:\Users\zizan\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\01\clip_image003.pngمصادر الدراسة :

1-إتمام الأعلام : 244 .         

2– ذيل الأعلام : 182 .

3–تاريخ الشعر العربي الحديث ، قبش :616 .

4-أعلام الأعلام : 138 .  

5– المسلمون : 4/8/1413

6-موقع الشيخ على الانترنت . 

وسوم: العدد 670