الشهيد أحمد حبَّاب

شاء الله أن تكون لكل شخصية خصائصها ومقوماتها، وأن يكون لشخصية المسلم تميزها بدينها وتقواها وسمو أخلاقها، ونجدتها وكرمها، ومروءتها وغيرتها، إلى آخر ما هنالك من القواسم المشتركة بين جند الله، وتبقى – مع ذلك - لكل شخصية من هؤلاء، بعض ما تتميز به من سائر الشخصيات الأخرى، كالشجاعة النادرة، والجرأة الهائلة في الحق، وفي نصرة الضعيف وفي التصدي للظلمة والمتجبرين، وفي التضحية بالمال والوقت والجهد والدم، لا ترهبها سياط الجلادين ولا مشانق الطغاة، ولا رصاص العبيد، مهما بلغ أولئك العبيد من الخسة والغدر والضربة الجبانة.

ومن هذه الشخصيات النادرة، شهيدنا أحمد حباب.

ولد الأخ أحمد حباب في حلب عام ألف وتسعمئة وستين، في أسرة مستورة الحال، ولم يلبث، وهو في الصف الثالث الإعدادي، أن تعرف إلى بعض الإخوة، فوجد فيهم ضالته، واستمع إلى تعليماتهم وأوامرهم، فانتسب إلى بعض الأندية الرياضية بحلب، ثم تخصص بالجيدو والكراتيه وإذا هو بعد أشهر يغدو بطلاً مع رامز العيسى وأيمن خطيب وعبد الله قدسي وعصام قدسي، مما جعل مدير نادي الأبطال يُعجَبُ بهم، وينتدبهم لمساعدته في تدريب المستجدين، ثم يسلمهم مفتاح النادي، وكله فرحة وثقة بهم.

في عام تسعة وسبعين كان أحمد حباب في طليعة من حمل السلاح ضد الطاغية أسد، وكان له القدح المعلى في التصدي لعناصر الطاغية، حتى ضبط في محل مكتظ بالمواطنين، ولو أراد استخدام سلاحه لنجا، ولكنه خشي من إصابة من حوله من المواطنين الأبرياء بأذى، فآثر الاستسلام على المقاومة، مضحياً بنفسه على التضحية بالآخرين.

وفي سجن أمن الدولة بحلب سأل أحد موجهيه عما إذا كان يُعَدُّ من المفرطين الملقين بأنفسهم إلى التهلكة، إذا قاوم المحقق والجلادين.

وأفتاه أستاذه بجواز المقاومة.

وفي جوف الليل استدعي أحمد حباب من زنزانته للتحقيق، ولم تمض إلا دقائق، حتى كان سجن أمن الدولة يقوم ويقعد، وصراخ الجلادين وعلى رأسهم الرائد المجرم أليف الوزة، يملأ أجواء السجن، يرافقه خبط وأصوات ضرب..

وظن المعتقلون أن إخوانهم المجاهدين قد هاجموا السجن، ولكن الهدوء يعود إلى السجن بعد أقل من ساعة، وتبين المعتقلون أن أحمد حباب كان يهاجم الجلادين الأربعة والمحقق، وقد أشبعهم ضرباً ورفساً وركلاً برجليه ويديه المربوطتين إلى خلفه، ورأسه المعصوب العينين.. وتجمع كل من في السجن على البطل أحمد حباب الذي أخذ الإعياء منه مأخذه بعد عراك ساعة، واستطاع الهالك جاسم أن يلقيه أرضاً ويعضه من رجله، فما كان من أحمد حباب إلا أن يمسك رأس جاسم بكلتا قدميه، ويرفعه إلى أعلى ثم يخبطه على الأرض، فوقع جاسم كالفيل وهو يعوي.

وعندما نقل أحمد حباب إلى سجن القلعة بدمشق، وكان هرب الإخوة السبعة عشر من سجن المخابرات العامة (كفر سوسه) جاءت مجموعة من العناصر الطائفية إلى سجن القلعة، من أجل نقل سائر الإخوة المعتقلين إلى سجن تدمر العسكري والصحراوي.

وتقدم عنصر طائفي من المعتقلين وقال لهم: "يا الله يا كلاب.. بدنا ناخذكن لتدمر مشان ندبحكن" فما كان من أحمد حباب إلا أن ينقض عليه، وينتزع منه بندقيته ولكنه قبل أن يتمكن من استخدامها، عاجلته العناصر الأخرى بعدة رشات غادرة، رفعت روحه الطاهرة إلى عليين، حيث الشهداء الذين سبقوه وطالما نادوه في يقظته ومنامه، وطالما اشتاق إليهم.

أحمد.. أيها البطل المغوار.

إنني لأذكرك وأنت طالب تترعرع في محضن الدعوة، وأذكرك وأنت مع المجاهدين، تُصْلي أعداء الأمة نيراناً حامية.

وأذكرك وأنت في السجن، تدرب إخوانك على الجيدو والكراتيه، وتبث في نفوسهم الأمل في الخلاص، وتشوقهم إلى الشهادة، أذكرك وأنت في الدولاب الرهيب تتعرض خمس ساعات متواصلة لتعذيب وحشي، وأنت تهتف: يا الله يا الله، دون أن يأخذوا منك كلمة تؤذي واحداً من إخوانك المجاهدين، أذكرك وأنت في سجن القلعة، لا تتكلم إلا بخير، مثالاً للأخ الداعية، يعف لسانه وأذنه وسائر جوارحه حتى من اللمم.

أذكرك يا أحمد، فتمتلئ نفسي رضاً، وينشرح صدري، وينبعث الأمل في عقلي وقلبي، فينطلق لساني يحدث الأحبة عنك..

فاهنأ حيث أنت يا أحمد.. في عليين.. مع إبراهيم وعدنان ومصطفى ورامز وعبد الله وعصام.. والسلام عليك وعلى إخوانك الشهداء في الخالدين.

وسوم: العدد 700