وقفة معجب محب بالشخصية الفذة لفضيلة العلامة الأستاذ مصطفى بنحمزة

طلب مني الأخ الفاضل السيد الحوسين قدوري مدير موقع وجدة سيتي المساهمة في مادة إعلامية عزم على نشرها  مطلع السنة الميلادية الجديدة  نزولا عند رغبة زوار موقعه ،وتتعلق بفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة  الذي اختير كشخصية هذه السنة  باعتبار مكانته المرموقة داخل الوطن وخارجه ، ففكرت في المشاركة بوقفة معجب محب لهذه الشخصية الفذة ، ووقفتي  هذه عبارة عن نظرة من زاوية منتسب لقطاع التربية الذي يفخر بأن انطلاقة هذا العلامة أو التعلامة كانت منه .  وفضيلته من القلائل الذين مروا بكل أسلاك التعليم تدريسا بدءا بالتعليم الابتدائي ،ومرورا بالتعليم الثانوي، وانتهاء بالتعليم العالي ، وهي تجربة يراكم من يمر بها  خبرة واسعة في مجال التدريس . ولا يخبر هذا المجال إلا من عاشر المتعلمين من مختلف الأعمار ، وخبر نفسياتهم . ومثل هذا  تكون له نظرة بانورامية  للتعليم تمكنه من رؤية ما لا يراه غيره. وشخصية فضيلة العلامة يجدر التعرف عليها انطلاقا من ميزتها التربوية قبل غيرها  ، وهي ميزة ظلت حاضرة في كل اهتماماتها . وإذا كان بعض الناس يتربون بين أحضان قطاع التربية ثم ينتقلون إلى قطاعات أخرى ويعقون قطاعهم الأم  الذي رباهم واحتضنهم، فإن فضيلة العلامة ظل بارا بقطاعه الذي نشأ وتربى فيه ، ولم تنقطع صلته به أبدا . ومما يجسد بره بهذا القطاع الحيوي أنه ما لاحظ يوما حاجته إلى دعم إلا وسارع إلى ذلك بأريحية منقطعة النظير . ولقد لمست عن كثب إقباله الكبير على دعم قطاع التربية في محطات  ومناسبات مختلفة ، وما نقلت يوما  له خبر حاجة هذا القطاع إلى سند ودعم إلا وكان عظيم الرماد قريب البيت من الناد. وتفخر شعبة اللغة العربية بهذه الشخصية الفذة التي تعشقت اللغة العربية من عشقها الكبير لكتاب الله عز وجل. وإذا كانت الموسوعة الحرة " ويكيبيديا " قد نسبت له شعارا  يردده دائما  هو : " حضارتنا  لا تمثلها الحيطان والجدران ولكن يمثلها علم وفعل إنسان " وهو بحق شعاره الذي يفهم من فكره  ومواقفه وأسلوب عمله ، فإنني  أرى له شعارا آخر  رسمه بخط يده على الصفحة الأولى من  تفسيره  الذي أهداني نسخة منه وهو : " الوجيز في تفسير آي الكتاب العزيز " وقد دعا  الله لي في عبارة الإهداء  بأن ينفعني  به ، ويوفقني لخدمة القرآن ما أحياني . ولا توجد لحظة صدق في حياة الإنسان من تلك التي يدعو فيها الله عز وجل حيث لا تنفع مجاملة مع علام الغيوب، العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور . والشعار الذي اقتبسته من هذا الدعاء الخالص والذي أفضل أن يكون شعار فضيلته هو : " أفضل إنسان من كان في خدمة القرآن " . ولئن تعددت الآراء في هذا العلامة ، وكثرت  أوصافه وسجاياه  عند المحبين والمعجبين ،فإن الوصف الغالب والمهيمن عليه هو أنه خادم مخلص من خدام القرآن . ولئن كانت عادة الكثير من رجال التربية الانبهار بثقافات الغير ، والسعي نحو تعميق الصلة بها ، فإن فضيلته أقبل إقبال المتعطش على الثقافة العربية الإسلامية ، فولجها من أبوابها الواسعة راكبا  عصاميته المتميزة  التي فتحت له آفاقا واسعة على هذه الثقافة قلما تتأتى لغيره . ولقد أغرم بالجلوس إلى أهل العلم في زمن الانصراف عنهم، وذاق حلاوة النهل من معينهم كما كان شأنه مع علم من أعلام مدينة زيري بن عطية الشيخ العالم الجليل السيد بنسعيد مهداوي الواشاني  رحمه الله تعالى ، وهو عالم دين ولغة  ومنطق ، ومن علمه اغترف العلامة ، ولم يجلس مجلس الفقيه بنسعيد إلا فضيلة العلامة لتفسير كتاب الله عز وجل في المسجد الأعظم . ولقد وجهت مصاحبة فضيلته هذا العالم الجليل إلى التشوق إلى تراثنا العلمي الإسلامي العظيم، الشيء الذي أضاف إلى تجربته التعليمية البيداغوجية تجربة علمية أصيلة ، ورائدة جعلت منه داعية من كبار الدعاة وطنيا ، وفي العالم الإسلامي ، وعالما مجددا من علمائه المجددين الذين يبعثهم الله عز وجل لتجديد دين عباده المؤمنين على رأس كل مئة عام . وبعصامية لا مثيل لها أقبل فضيلته على الدرس والتحصيل وترسيخ القدم في علوم الدين فضلا عن ولوجه الجامعات والمعاهد طلبا للمعرفة وتعميقا لها  ، فهو خريج كلية الشريعة، وكلية اللغة العربية وآدابها بالعاصمة العلمية فاس والرباط ، وخريج دار الحديث الحسنية ،الشيء الذي جعله  يطير بجناحين  في رحاب عالم العلم هما  جناح علوم اللغة وجناح علوم الدين ، وما يتعلق بهما من معارف  وعلوم . ولقد بدت عليه علامات النبوغ المبكر منذ صباه كما يصفه من لهم علم  و اتصال به خلال مراحل دراسته ، ومن ذلك ما شهد به العلامة الدكتور عبد الله الطيب المجذوب يوم اجتاز أمامه امتحانا شفويا للحصول على شهادة استكمال الدروس في شعبة اللغة العربية قوله  :" هذا عالم " وقد شاعت هذه الشهادة في فضيلته بين طلبة كلية الآداب يومئذ . ومثل شهادة عالم السودان المشهور والذي شهد له بالنبوغ عميد الأدب العربي طه حسين  كثيرة بين أهل العلم ممن عاشروا فضيلته داخل وخارج الوطن . والمعروف عن فضيلته هو الجسارة المنقطعة النظير في اقتحام المستغلق من المعارف حيث اختار البحث والاشتغال في مجال علم النحو ، وطرق باب  نظرية العامل في النحو، وهي مركب صعب يتنكبه المشتغلون بعلم النحو، فسلك دروبها  الوعرة سلوك العارف بها كما تعكس ذلك أطروحته الجامعية المتميزة . وطرق باب علم التفسير وهو أجل العلوم لارتباطه بكتاب الله عز وجل ، ولا زال يشتغل به  في مسجد الأمة بعد المسجد الأعظم ومسجد حمزة  لم يمنعه  من ذلك إلا وعكة صحية ألمت به، فجعلته يغيب عن  حلقة  التفسير مساء كل يوم سبت ، و التي اعتاد جمهوره حضورها للتمتع بتفسيره الممتع حيث يجول بهم في مختلف الآفاق العلمية  بفضل ما حباه به الله عز وجل من موسوعية قل نظيرها .  ودروس تفسيره صارت فرصة تمكن جمهوره من كثير من فقه الواقع ، وذلك من زاوية نظر عالم  فقيه خبير بأمور الدين وشؤون الدنيا  . وله منهجه الخاص في التفسير حيث تحضر فيه شخصيته اللغوية والأدبية والشرعية والأصولية  والفقهية والمنطقية  والتاريخية ... وينتظر دائما جمهوره اللطائف الفكرية والعلمية منه  . ولا يخلو حديثه من إحالة عشاق العلم  الذي يتابعون دروسه في التفسير وفي غيره على أمهات المصادر والمراجع العلمية والفكرية ، وهو يظهر إلماما وخبرة كبيرة بها وبمعاشرتها من خلال إشاراته الذكية إلى نفائسها . ولقد سار تفسيره في الآفاق حيث دأب عشاقه على نشره عبر الأقراص المدمجة  والأشرطة المسموعة التي إذا ما تم تفريغها، وجمع ما دوّنه عنه المدوّنون كانت النتيجة عبارة عن تفسير ضخم يجدر به أن يوصف بوصف يليق به كما توصف كتب التفسير . ولو أن فضيلته جلس للتأليف كما هي عادة المنصرفين لذلك لفاقت مصنفاته غيره من علماء هذا العصر، ولكنه ينتزع وقت المطالعة والتأليف انتزاعا من وقته الذين تستبيحه شرائح اجتماعية مختلفة  تلتمس منه المشورة أو الفتوى أو الدعم ... الشيء الذي يستغرق منه وقتا طويلا لو صرف للتأليف لكان أفضل ، ولكن فضيلته رجل مدينة الألفية والجهة الشرقية وعموم الوطن لا يحتجب عمن يطلبه لغرض أو حاجة . ويضطلع فضيلته بمهام متعددة يتطلب الاضطلاع بها  جهود مجموعة أفراد ، فهو يدير المجلس العلمي المحلي للمدينة ، وله حضور بالمجلس العلمي الأعلى ، ويدير معهد البعث الإسلامي وفروعه في الجهة ، ويسهر على مدارس ومعاهد قرآنية في عموم الوطن إرشادا وتوجيها ودعما . وهوايته المفضلة هي بناء بيوت الله عز وجل خدمة للدين وللقرآن الكريم ، فلا  يزوره أفراد أو جماعات يريدون بناء بيت من بيوت الله في أحيائهم أو حاراتهم أو قراهم وأريافهم إلا وجدوا فيه نعم السند ودعا لهم بخير وبعون من الله عز وجل ، ولا يوجد مسجد في جهة الشرق لا توجد فيه لمسة من لمساته . ويحرص فضيلته على أن تكون الهندسة المعمارية  لبيوت الله عز وجل من الروعة بمكان حيث يستلهم في بنائها  فنون العمران الإسلامي المغربي الأصيل . ولئن وصفت مدينة وجدة بمدينة المساجد ، فالفضل في ذلك بعد الخالق جل جلاله يعود إلى هذا العالم الجليل الذي يتعشق القرآن الكريم . وموازاة مع حرص فضيلته على تزيين وتنميق المساجد بالفن المعماري الساحر، فإنه شديد الحرص على أداء المساجد وظائفها عبادة وعلما وخطابة ، وهو بذلك حريص على انتداب أجود المقرئين وأفضل الخطباء لتكتمل زينة بيوت الله عمرانا وإنسانا . وفضيلته فارس الكراسي العلمية التي أحدثتها وزارة الشؤون الإسلامية حيث يجلس لتطويع علوم الدين لطلبتها ولعموم من يحضرها بأسلوب يجمع بين الاطلاع الواسع على مناهج علماء السلف ، وبين خبرة التدريس التي راكمها في مختلف أسلاك التعليم . ومما يميزه أنه صاحب خبرة كبيرة في تطويع علوم القدماء ، وتذليل صعابها ، وربط الناس بها ، والسلوك والخوض بهم في دروبها  وشعابها ، وهي خبرة تمكنه من مخاطبة شرائح اجتماعية مختلفة المستويات في وقت واحد في جلسة واحدة ، فتأخذ كل شريحة نصيبها وحظها من علمه على قدر وسعها ، وهي طريقة المتمرس بالتدريس الذي يراعي  الفوارق بين من يحضر دروسه ، ولا يذهب مذهب من يستهدف النخب دون غيرها. ولما فكرت وزارة الشؤون الإسلامية في تقديم تفسير مبسط للجمهور المغربي وفق الله عز وجل فضيلته إلى تأليف تفسير بصمه بطابعه الخاص حيث فسر  القرآن الكريم في كتابه الوجيز  من الحزب السادس والعشرين إلى الحزب الثلاثين ، ويشمل هذا المتن جزءا من سورة الرعد ، وسورة إبراهيم ، والحجر ، والنحل ، والإسراء ، وجزءا من سورة الكهف ، وهو متن القرآن المكي  في مجمله ليحمل القراء إلى أجواء القرآن المكي العقدية . وطريقته في التفسير كما وصفها هو في مقدمة تفسيره تقف عند مفردات القرآن الكريم المتميزة الدلالة عن دلالة المفردات اللغوية، وتلتزم جو السور ، وسياق نصوصها ، وترابط موضوعاتها ، مع تجنب الإيغال والتوسع  في عرض دلالات مفردات القرآن إلا إذا اقتضى الأمر ذلك حين يتوقع إشكال أو استغلاق قد يؤثر على الفهم الدقيق لكلام الله عز وجل . ومن طريقته في التفسير الوقوف عند الأحداث والشخصيات والأمم والأماكن الواردة في السور موضوع التفسير ، مع الإعراض عن الخوض في جزئياتها . ولقد استهدف فضيلته بهذا التفسير إنسان هذا العصر الذي تتجاذبه مختلف التيارات الفكرية ليصله بكتاب الله عز وجل عن طريق أسلوب لا يجد فيه غرابة أساليب السلف ، بل يجد فيه ضالته المناسبة لعصره وذوقه وفهمه . ولفضيلته حضور اجتماعي وإنساني لا يضاهى، فهو على صلة بكل الشرائح الاجتماعية يتميز بخبرة كبيرة في ربط الصلات فيما بينها حيث يخرج الفئات المتحصنة في أبراجها العاجية  فكريا أو ماديا من تلك الأبراج  لتخالط عموم الناس بسطاءهم  وفقراءهم  وضعافهم .  وله الفضل في نقل فضاء المسنين من مجرد مستودع كئيب ينتظر فيه من يودع فيه  من الشيوخ والعجزة حتفهم البائس  في ظروف مزرية  إلى فضاء منفتح على المجتمع تتوفر فيه شروط الإقامة المراعية للكرامة الإنسانية . وبفضل من الله عز وجل وجهد  وحرص من فضيلته أخذت مؤسسات إيواء الأيتام حلة لم تكن لها  من قبل . ويعود الفضل إلى فضيلته في ربط  كثير من الناس بالعمل الخيري ، وترغيبهم في الإنفاق ابتغاء مرضاة الله عز وجل . وإليه يعود الفضل أيضا في صحوة دينية ناهضة بالمدينة وضواحيها عن طريق إشعاعه الدعوي  الوازن والمؤسس على علم وفقه بالدين بعيدا عن طرق التدين  المنحرف، والمغشوش ،والمتخلف، والمتعصب، والغارق في الغلو والتطرف . ووسيلته في الدعوة الإحالة على العلم الصحيح في مظانه  وعند أهله وبوسائل وطرقه ومناهجه . ولفضيلته اهتمام كبير بموضوع الأسرة والمرأة والأحوال الشخصية ، وقد كان صمام أمان  لها خلال صياغة مدونة الأسرة والأحوال الشخصية يذود عن أحكام الشريعة الإسلامية في أمور الأسرة والعلاقة الزوجية والتي كانت بعض الجهات تستهدفها تحت شعارات براقة ظاهرها عسل وباطنها سم زعاف ، وكان دفاعه عن الشريعة الإسلامية  في هذا المجال دفاعا مستميتا وقد استباح شخصه السفهاء بسبب ذلك حيث سلطوا عليه ألسنتهم الحداد لتنال منه فما وهن لذلك  وما استكان، بل كانت مواقفه شجاعة وجريئة وثابتة لا تتزحزح  قيد أنملة . ولا يرفع لفضيلته خلاف بين مختلفين أو متنافرين أفرادا أو جماعات إلا وأجرى الله عز وجل الإصلاح بينهم على يديه  لحكمة أتاه إياها . وكم من مشكل تحول إلى معضل سهل الله حله على يديه . ولا يزور فضيلته مرفقا من المرافق إلا ورافقته عطاياه التي لا حدود لها . ولقد صار معهد البعث الذي يشرف على إدارته محج كل ذي حاجة من المحتاجين ومن الراغبين في النصح والتوجيه  يوميا ، ولا تغادر مكتبه به جماعة إلا لتحل محلها أخرى . ومما يميز فضيلته  قوة الذكاء وحدة الفراسة، فلا يخدعه خب ،ولا ينخدع لمحتال ، وهو يميز الصادق من الكاذب ممن يقصدونه لطلب العون أو المساعدة ، فيعود الصادق من عنده برفد  بينما يعض الكاذب يده ندما  وهو منصرف من عنده يجر ذيول الخيبة جزاء احتياله  . ولا يقبل فضيلته من متدين أن يكون ساذجا  يخدعه المخادعون . ولفضيلته خبرة بأحوال الناس ويعرف أقدارهم  ، ولا تفوته خادشات المروءة عند من لا مروءة لهم . ولفضيلته غيرة على أهل القرآن، فهو يجلهم ويقدرهم بتقديره لكلام الله المحصل في صدورهم ، ولا يرضى ولا يقبل أن تنتهك حرمتهم لأن في انتهاكها انتهاك لحرمة القرآن الكريم . وقد يقسو أحيانا على المتهاون منهم  غيرة على القرآن ، ولكنه يتعهده بالرعاية والعناية  ما دام مخلصا في خدمة كتاب الله عز وجل. وفضيلته  دمث الخلق يألف ويؤلف، وفي حديثه جد إذا ما جد  الجد، وقد  يظن سامعه  وهو على جده أنه لا أحوال له غيره ولكنه  لا خلو كلامه من دعابة وملاطفة  ومجاملة من غير تملق ولا حط من قدر أحد ، ولا يخلو كلامه من  حديث فيه  تسلية هادفة . ولفضيلته من الحكايات مع شرائح اجتماعية مختلفة ما يمكن أن يكون مادة غنية لقصاصين أو لروائيين أو لمسرحيين ، كما أن في  جعبته ما يغني المختصين في علم الاجتماع والنفس . ولفضيلته علم بالأنساب لاطلاعه الواسع على التركيبة القبلية للمجتمع المغربي .  ولفضيلته اطلاع على العادات والتقاليد والأعراف ، وهو يراعي كل ذلك في تعامله مع من يفد عليه أو يجالسه  ، وهو على علم  بطباع البدو ، وطباع الحضر .  وفضيلته صاحب ذوق رفيع في الأدب يحفظ جيد المنظوم وجميل المنثور ، وهو على علم بالأمثال والحكم والتي كثيرا ما  يستشهد بها في حديثه إذا حدّث . ولا يقل ذوقه في أمور أخرى من هندسة، وعمارة ، وأثاث ، مركب ، وما يلبس، وما يؤكل ،وما يشرب ، وقد يسرد على جلسائه أخبار تخص تداخل الثقافات مما يأكل الناس أو يشربون أو يلبسون أو يقتنون . و هو يسأل كل ذي اختصاص عن اختصاه إذا لقيه،  ويشاركه الحديث مشاركة مطلع  ومهتم لأن ذلك من خصائص عالم نحرير قريب من كل شرائح المجتمع . ومن خصاله تواضعه الكبير الذي قد يغري به من لا يعرفه . ولفضيلته غضبة مضرية حين يستهدف الإسلام أو من  ينتسب إليه أو ما يمت إليه بصلة . وله سجالات مفحمة مع المعارضين لهذا الدين ، وهو يجاريهم في مضمارهم ، وقد يدلهم على ما لا علم لهم به من فكرهم ومرجعيتهم التي من المفروض ألا تفوتهم وهم يجادلونه .  وكم من سامع لنميمة نالت منه إذا ما  خالطه أو حدثه  أو استمع له غيّر رأيه فيه ،فانقلب بعد واجد عليه إلى معجب أو محب . وفضيلته خطيب مفوه يرتجل الخطابة ويمسك بزمامها ببراعة متناهية ، وهو كاتب بارع الأسلوب ، ومحاضر أنيق العبارة ، وهو قوي الحجة في كل ذلك لا يجارى ولا يشق له غبار .  ويقبل الناس بكثرة على مجالسه وعلى المحافل المختلفة التي يحضرها للاستمتاع بكلامه الرصين وتوجيهاته النيرة  وحجته الدامغة وعلمه الغزير. وقد يتحين فرصة حضور مجالسه ومحافله شرائح مختلفة، فيخص كل منها بكلام خاص بها لا يدركه إلا متمرس بمقاصد كلامه . ولفضيلته مبادرات لا تصدر إلا عن ذي كرم جود حيث يدخل  في بعض المناسبات البهجة على نفوس البعض  ببشارة زيارة الكعبة  المشرفة والقبة المنورة  ، وهو تقليد لم يعهد عند غيره  من قبل . ولا يسمع بمريض ولا منكوب ولا مغبون إلا نفس عنه كربته ابتغاء مرضاة الله عز وجل .  

و لقد ددت لو أني استرسلت في الحديث عن فضيلته استرسال معجب محب لا يجامل ولا يحابي ، ويشهد الله عز وجل أني ما توددت إليه حبا في مصلحة شخصية كما يفعل المتوددون من ذوي الأطماع المكشوفة ، وما قصدته إلا لمصلحة عامة فيها دعم للمحتاجين والمعوزين خصوصا في  المجال التربوي الذي انتمي إليه وأقف عن كثب على ما يعتريه . ولولا أني أخشى أن تظن بي الظنون لمدحته بقصيدة شعرية  أضمنها ما ذكرته في هذا المقال من محاسنه التي كثّرت حساده وماتوا غيظا بها . وإنني إذ  ذكرته بما علمت عنه عن معاشرة أو رواية عمن لهم به صلة لا أزكيه على الله، وأحسبه إن شاء الله تعالى من عباد الله الصالحين ،ومن أحسن ممن دعا إلى الله وعمل صالحا . وأختم بالقول أنه لا يحب هذا الرجل ويجله ويقدره ويوقره إلا صالح ، ولا يبغضه إلا طالح فاسق  حسود أو حقود أو طمّاع أفسد الطمع  طويته ، أو انتهازي من الذين يأكلون الغلة ويسبون الملة  كما يقال .وأخيرا نسأل المولى جلت قدرته أن يبارك في عمره ، ويمتعه بموفور الصحة، ويقر عينه بأهله وولده وصحبته ، وأن يزيد من إجراء الخير على يديه ، وأن يقيه شر من يكيد له وأن يجعل كيد الكائد في نحره . ولنا مستقبلا إن شاء الله تعالى وقفات مع فضيلته في جوانب من اهتماماته وما صدر له من مؤلفات ليزداد زوار هذا الموقع وغيره معرفة بفضيلته ، و وهو الذي لا يعرفه أحد إلا أحبه حبا في دين الله عز وجل و في كتابه لأنه ندب نفسه لخدمة  كلام المولى جل وعلا ، فكان بذلك تاجا فوق الرؤوس ، وجعل له الله القبول بين عباده المؤمنين ، ونسأله عز وجل أن يكون عنده من أحبائه كما يبشر بذلك ما جعل له سبحانه من قبول.

وسوم: العدد 701