الشهيد: محمد علي ديرك أبو جندل

هذا هو أبو جندل في موقع متقدم مع خمسة من إخوانه، وها هي ذي سيارات السلطة المذعورة تتقدم من اللاذقية وجسر الشغور بآن واحد، على أن تكون في الساعة الثالثة ظهراً عند نبع "العدوسية" وها هي طائرتا المروحية تُنزل عناصر الوحدات فتصب حقدها على أشجار الصنوبر والسنديان، لأنها أظلت أبا جندل وإخوانه ذات يوم.

نظر أبو جندل إلى قوتهم التي تفوق مجموعته المقاتلة بعشرات المرات. التفت إلى إخوانه وأصدر إليهم أمراً بالانسحاب، فسأله أحدهم: وأنت يا أبا جندل؟

وابتسم أبو جندل ابتسامة يعرفها المجاهدون في عيون بعضهم عندما تتألق فرحاً بلقاء الله وأعاد قوله: انسحبوا.. إنني سأبقى ها هنا!!

وتتقدم شراذم من عناصر البغي فيصليهم برصاصه، فإذا هم يتناثرون قتلى وجرحى وهاربين ويظن المجرمون أن وراء كل شجرة مقاتلاً، وخلف كل صخرة مجاهداً.. وتتقدم راجمات الصواريخ، وتحوم طائرات الهيلوكبتر من جديد.

ويطول الزمن على أبي جندل، وهو ينتظر أزلام السلطة أن يقتحموا عليه مربضه بين أشجار السنديان، ولكن دون جدوى، فكلما تقدمت مجموعة منهم على خوف أصلاها بناره فارتدت مذعورة.

ويزداد محمد علي ديرك – أبو جندل- شوقاً للقاء الله، ويستذكر أن أشد ما يرضي الله تعالى من عبده أن يهاجم العدو حاسراً فيزحف نحو إحدى الجثث التي أرداها، ويخلع عنها البزة المبرقعة، ويرتديها ثم يتسلل إلى صفوف عناصر البغي، ويفاجئهم بوابل من رشاشه، فتصعقهم طلقاته، ويصطخب أزيز الرصاص، وحفيف أشجار السنديان ساعة، ثم يعود الصمت مرة أخرى.. وقد استقرت رصاصة طائشة في الصدر الطهور، فانبجس الدم الدافئ، ورحل المشوق إلى الرفيق الأعلى.

ويجمع البغاة قتلاهم وهم يظنون أبا جندل واحداً منهم، وتمتد الأيدي لتسلب الأموات، ولو كانوا من رفاقهم، ويصيح أحدهم: هذا أبو جندل، ويأتي صوت سيده مضطرباً، كيف عرفته؟ فيجيبه: لقد وجدت مصحفاً في سترته، ويطمئن الجبناء إلى أنهم قتلوه، ولكن بعد أن دفعوا الثمن غالياً، وغاب عنهم أنهم بذلك حققوا له أمنية طالما تمناها.

وتزيد عليهم وطأة الذعر والندامة، ويثقل الصمت المساء ويحسون أن كل شيء في الطبيعة الجميلة كان ضدهم: أشعة الشمس التي آذنت بغروب تعشي أبصارهم، الريح تهز ذوائب الشجر، فتدخل في روعهم أن مقاتلاً يتحرك خلفها، السائقون قد اصطفوا في طابور طويل يستعرضون سيارات الإسعاف وهي تحمل قتلاهم إلى اللاذقية.

وتظل أشجار السنديان واقفة شامخة لا تنحني، لا لشيء إلا أن أبا جندل قضى واقفاً شامخاً لا ينحني.

وسوم: العدد 703