الأطياف الأربعة (سعيد وطلال وعلي ومصطفى الشامي)

أطياف أربعة رباهم الإسلام.. جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.. نشأوا في مدرسة الجهاد والمجاهدين جماعة الإخوان المسلمين..

أربعة شباب أطهار، يجمعهم التقى كما جمعتهم رحم واحدة، ونشأوا في أسرة مؤمنة من أسر (حماة) المعروفة.

إنهم نموذج من تضحيات هذا الشعب المؤمن بالله المضحي في سبيل عقيدته بكل شيء.

وكما أراد لهم والدهم – وشاءت إرادة الله – نشؤوا على حب هذا الدين والالتزام بتعاليمه،

والدهم المرحوم الحاج عبد الرحمن الشامي الذي عرف بتقواه، وعطفه على الفقراء والمساكين من أبناء البلدة، وحسن ضيافته، وكان أحد المداومين على دروس العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد في مسجد السلطان.

سار أبناؤه الأربعة: سعيد وطلال وعلي ومصطفى على سننه ونشؤوا في المسجد الذي نشأ فكانوا مثالاً للدين والأدب والخلق القويم. لقد تفتحت عيونهم – وهم براعم في كنف أبيهم – على حفظ القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وعلى حضور مجالس العلم، وكذلك كان شأن بقية الإخوة في الاسرة.

شب الأشبال وقد صفت أرواحهم بالإسلام فكانوا من جنده، انتسبوا لجماعة الإخوان المسلمين، ووضعوا كل ما يملكون فداء للجهاد والمجاهدين، وكانوا محبوبين لدى سائر أبناء الحي ومعارفهم لحسن عشرتهم وشهامتهم ونخوتهم.

أما الشهيد الأول: فهو المجاهد طلال الشامي، من مواليد 1956م دخل المعهد المتوسط – قسم الكهرباء لكنه لوحق قبل أن يتم دراسته.. كان (أبو الهاني) – وهذه كنيته – مثال التقوى والصلاح يتمتع بروح اجتماعية محببة. نذر نفسه لله، وفَّى بعهده الذي قطعه على نفسه منذ أن التحق بدعوة الإخوان المسلمين في عام 1971م.

دعا نفير الجهاد فكان في الصف المتقدم، فشارك في عدة عمليات جهادية أثبت فيها قوة إيمانه وجرأته وقوة أعصابه.

ولما كانت معارك حماة في شباط عام 1982م حمل السلاح مع إخوانه للدفاع عن حرمات المدينة، وكان آخر خندق قاتل فيه حي البارودية، فقد رفض الانسحاب من هذا الحي رغم الحصار الشديد، فالمجاهدون الحقيقيون يظهرون في أوقات الشدائد والمحن القاسية، فالرياح العاتية لا تناطح إلا القمم العالية لذا وقف المجاهد البطل طلال، ليدافع عن آخر الأنفس البريئة، في بيت الجرحى في حي البارودية.

لقد عزَّ على الشهم أن ينسحب ويترك الجرحى من إخوانه ومن أبناء الشعب تقضي عليهم الوحوش البربرية، عز عليه أن يتركهم فريسة للبغاة، لأن هؤلاء الجرحى لا يستطيعون الانسحاب والقتال، لأن المجرمين لم يوفروا جريحاً أو عاجزاً أو طفلاً إلا قتلوه برصاصهم، فوقف أبو الهاني – ويا لها من شجاعة ومروءة – ليدافع ببندقيته عنهم، قبل أن تبدأ مرحلة دفاعهم عن أنفسهم.

استشهد أبو الهاني بعد مضي اثني عشر عاماً من عمر الدعوة في جماعة الإخوان المسلمين، وكان فيها مثال الأخ التقي الزاهد، لم يفتَّ في عضده طراده ولمدة ثلاث سنوات ونصف، كما لم يفت في عضده قبل ذلك مصادرة السلطة لدور الأسرة ونهبها، وتحويلها مقرات لمنظمات السلطة بأمر من محافظ حماة ربيب الطائفية وذنبها.

أما الشقيق الثاني مصطفى فهو من مواليد 1959م حصل على الثانوية وعمل بالتجارة.

كان يجمع بين الابتسامة الرقيقة ودماثة الخلق مع الإيمان المتقد الحار والغيرة الشديدة لهذا الدين، يردف ذلك الجسم اللائق قتالياً..

انتسب لجماعة الإخوان المسلمين في عام 1975م.

انتظم في صفوف المجاهدين في عام 1978م طرق الطائفيون مجموعته وكان على رأسها، فأمرهم بالانسحاب، وظل يناوش المجرمين ويشاغلهم ليحمي ظهور إخوانه بكل تفان وتضحية، ويذيق العدو رصاصات المجاهدين المرة، وهو يدرك النتيجة الحتمية، وكان على موعد مع ربه فاختاره ربه شهيداً بعد أن قتل وجرح حوالي عشرة من عناصر الطائفيين خلال اشتباك دام عدة ساعات، وبذلك استطاع أفراد مجموعته المجاهدون النجاة، ليعودوا بهجوم جديد يذيقون الباطل فيه الويلات، ويأتي الخبر للخنساء الحموية، وتستدعيها السلطة للتعرف على جثمانه الطاهر فتنظر إليه نظرة مودع وتحتسب أجرها عند الله ولم تقطر لها دمعة فهي التي ربته على التقوى والدين.

أما الشقيق الثالث المجاهد علي فقد كان من مواليد عام 1963م طالباً في الثانوية فتىً يافعاً يتقد حماسة ونشاطاً وجرأة، لم يمض على تنظيمه في جماعة الإخوان المسلمين سوى بضع سنوات حتى التحق بصفوف المجاهدين، فرغ نفسه للعمل الجهادي في 1980م، وأصبح الجهاد مدرسته الأولى، ثم استشهد خلال أداء الواجب في ساحة العمل الجهادي قرب دار الحكومة (السراي) فطويت صفحة من صفحات البطولة والفداء.

أما الشقيق الرابع الأكبر (أبو عبدو) فهو من مواليد 1950م، كان مثال المؤمن الدؤوب الصامت، غادر البلاد في عام 1979م، ثم ما لبث أن عاد لأداء الواجب في أخطر المواقع، وأدق الثغور، فوقع في الأسر في أيدي إحدى المنظمات الاستخبارية المتعاملة مع سورية فمضى إلى السجن بعد مضي سبعة عشر عاماً من التقوى والصلاح.

لكِ الله يا ابنة العاصي، كم أنت معطاء، وكم قدمت من شهداء، هنيئاً لك بهذا الشرف العظيم الذي أوكلك الله به، أنْ جعلك فداء للإسلام وقلعة من قلاعه الحصينة، وشوكة في حلوق المستكبرين والكافرين.

هنيئاً لك يا ابنة العاصي فأنت ما عرفت الذل في يوم من الأيام، منذ أن ارتدت غزوات الصليبيين خارج أسوارك المنيعة، وحتى عصرنا الحاضر، ويكفيك شرفاً فيه، أن نلت استقلالك عن الاستعمار الفرنسي قبل سنة كاملة من استقلال القطر بأكمله، وهكذا دأبك على مدى الأيام مجاهدة لا تكلّين ولا تملّين.

ترى أي كلام نقول عن هؤلاء الأطياف الأربعة بعد الذي عرفناه عنهم حسبهم أنهم قضوا شهداء في سبيل هذا الدين؟

حَسبُ هذه الرياحين الأربعة أنها زينت طريق الاستشهاد بوجوه ملؤها الضياء وقلوب مفعمة بالإيمان.

ماذا نقول عن تقى هذه الأسرة وحبها لهذا الدين ووفائها له، وهي التي ضحت بصمت وإخلاص دونما حظ للنفس؟

بل ماذا نقول عن أثداء حماة الطاهرة، التي أرضعت هؤلاء الأبطال لبان التقوى والجهاد؟

ماذا نقول عن خنساوات حماة – وكم فيها من خنساء – اللائي رَبَّين هؤلاء الشباب الأطهار الأربعة، الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم، يخلف بعضهم بعضاً في حمل لواء الجهاد، لواء العزة المخضب بدمائهم الزكية؟

إن أرضاً ضمت رفات هؤلاء المجاهدين لن تنبت إلا الخير والعطاء المتواصل: وحبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل.

وأنت يا أم الأطياف الأربعة هنيئاً لك الذرية المؤمنة فهم شفعاؤك يوم الدين (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه).

فإلى جنات الخلد يا موكب الأسرة، تَحْيون عند الله، وتحيون في قلوب الشعب المؤمن، تطلون من عليائكم ترقبون حملة الراية الإسلامية، على الطريق الذي عَبَّدتموه بتضحياتكم.

عهداً لكم على الاستمرار في رفع راية الإسلام، حتى قتل آخر طاغية عدو لله ولرسوله وللمؤمنين يجثم على أرض الشام. (قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السماوات والأرض، والله على كل شيء شهيد، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير".

وسوم: العدد 715