الشهيد عبد الحكيم الريس

وتبدأ مسيرة الجهاد والمجاهدين في شامنا الحبيب، وتدخل المرحلة العلنية في مواجهة نظام القهر والطغيان والخيانة، وتبدأ جموع المجاهدين سيرها، لتصل إلى كل مدينة وقرية وبيت، وحماة مدينة البطولة وأم الفداء تكون في المقدمة عطاء وتضحية وفداء، تجود بفلذات أكبادها من أجل الدعوة المباركة، التي آثرت أن تقدم القافلة تتلو القافلة، حتى تتحقق دولة الإسلام المنشودة، بعد أن أعلن أسد حربه على الإسلام والمسلمين جهاراً نهاراً، ودون حياء أو خجل.

وفي الأسبوع الرابع من ذي الحجة وفي التاسع والعشرين منه لعام 1399هــــ الموافق 19 من تشرين الثاني 1979م وبعيد عيد الأضحى المبارك من ذلك العام، ومضي شهرين على استشهاد الأخ القائد عبد الستار الزعيم، تقدم حماة شهيدين آخرين، سقطا على أرضها المعطاء هما الأخ الشهيد فيصل غنامة والأخ الشهيد عبد الحكيم الريس.

ولد الشهيد عبد الحكيم الريس، في حي البارودية في حماة، عام 1960م وتربى في أحضان الدعوة الإسلامية، ونشأ وترعرع على الإيمان والعقيدة يتنقل بين روضة وأخرى، ويترك حلقة علم وذكر ليلتحق بالثانية، في مساجد أم الفداء حماة. ومن يعش هذه الأجواء فلا بد أن يكون القرآن الكريم ميزانه في كل خطوة يخطوها، أو سكنة يسكن بها.

كان لشهيدنا عبد الحكيم شرف التلمذة لدى رجال الدعوة المباركة، من جماعة الإخوان المسلمين، فقد كان تلميذاً للشهيد المربي مروان حديد لازمه في حلقات العلم في مسجده الصغير بالحي، ولذلك تراه ينخرط في صفوف جماعة الإخوان المسلمين ولما يتجاوز المرحلة الإعدادية. بعد أن رضع من لبانها صغيراً، وعرف رجالها يافعاً، وعلم صدق أبنائها، وسمو غايتها، فكان من رجالها المخلصين.

وفي ثانوية أبي الفداء عرفه زملاؤه، صديقاً مخلصاً وأخاً كريماً وفياً لا يبخل على زملائه ببسمة صادقة، أو حديث ممتع، أو نظرة حانية وبروح مرحة صافية، لكن نظرته بالرجال – على صغر سنه – كانت عميقة تنفذ إلى الأعماق، وتسبر الأغوار، فكان رحمه الله موفقاً في حياته، جمع بين الجهاد والدراسة حتى كان من المتفوقين في كلا المضمارين فهو المجاهد الذي يتنقل بين كتائب الجهاد في مدينة الفداء حماة لا تفتر له عزيمة، ولا تلين له قناة؟ وهو الطالب المجد السباق في مضمار الدراسة، المعروف بين زملائه وأساتذته بتفوقه ونشاطه، ودماثة أخلاقه. هو ذو نفس ملئت ثقة وحزماً وحكمة وأمنا واطمئناناً بقضاء الله سبحانه. ولعل أهم الصفات التي تميز بها الشهيد عبد الحكيم الريس (أبو النور) حذره الشديد، وسريته الفائقة إضافة إلى صفاء ذهنه، وذكائه، وسرعة بديهته، وقوة ذاكرته. وحذره وسريته، أكسباه ثقة إخوانه القادة ولذلك تراه متعلقاً بالشهيد فيصل غنامة، فهو أخو العقيدة والسلاح، ورفيق الدرب الطويل الشاق. لا يستطيع مفارقته أو الابتعاد عنه، رفض العرض المغري للدراسة في أمريكا ليبقى قريباً من إخوانه يستمد منهم العز والثبات والتصميم على مواصلة الجهاد فلم يغادر حماة، ولم يفارق أخاه فيصلا في الحياة الدنيا ليختاره الله مع أخيه وهما صائمان مبتسمان بسمة الشهيد المطمئن لرحمة الله.

وفي التاسع والعشرين من ذي الحجة عام 1399هـــ يوم الاثنين خرج أبو النور عبد الحكيم مع أخيه فيصل ينصبا الشراك للمجرم السفيه الذي طالما شرد الآلاف وقتل الأبرياء ولج في غوايته وضلالته ولدى وصول موكب السفيه اللواء محمود القوشجي محافظ حماة والحاكم العسكري لها يومذاك تقدم عبد الحكيم بعزيمة الرجال وثبات الأبطال، وفتح النار عليه، وحينما حاول الاقتراب من المجرم القوشجي عاجلته سيارة خلفية فدهسته لتعرج روحه إلى بارئها آمنة مطمئنة ووثب فيصل وصوب مسدسه إلى رأس المجرم محمود القوشجي فأبى المسدس وحاول ثانية فكان أشد إباء وبسرعة فائقة بدل المخزن وحاول ولكنه أمر الله كان أسبق فقد عاجلته رصاصات غادرة صعدت بعدها روحه إلى بارئها، تشكو ظلم أسد، وتدعونا إلى الثأر والانتقام.

رحمك الله يا عبد الحكيم، فقد نذرت نفسك لله فاصطفاك شهيداً.. رحمك الله يا أبا النور فشبابك الغض لن يذهب سدى بإذن الله واستشهادك منارة تضيء للسالكين طريق الجهاد، المضمخ بدماء الأطهار الشهداء.

رحمك الله أبا النور وهنيئاً لك صحبة فيصل، وعبد الستار ومروان وهشام وبسام، هنيئاً لك وأنت في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً..

وسوم: العدد 715