جنازة مهدي عاكف

clip_image001_7e492.jpg

أحسست بتلك الهزة الأرضية. إنهم يحبسون أنفاسهم ويكتمون انفعالاتهم. يدركون أن الأمر أكبر منهم ويعرفون أن عاكف أقوى منهم حتى بعد أن انتقل إلى رحمة الله. الأستاذ مهدي عاكف لم يكن شخصا عاديا. هذه جنازة مخيفة. ستمتد كوحش خرافي من أقصى القاهرة إلى أقصاها. ستتحول إلى مظاهرة رفض وإلى (( لا )) كبيرة في وجه الانقلاب.

هذا رجل مخيف حتى بعد أن مات. مشروع جنازة تتحول إلى مظاهرة والمظاهرة تتحول إلى مجرى نهر بشري عملاق تصب فيه آلاف الروافد الصغيرة ليصيح سكان القرية الصامتون (( باطل )) بأعلى أصواتهم كما في فيلم (( شيء من الخوف )). وهو مشهد لا يصعب على العسكر تصوره رغم افتقارهم للخيال.

إذا فلتُلغ الجنازة!

ولتلحق الجنازة المحتملة، بشقيقتها الكبرى، جنازة الشيخ الشهيد حسن البنا التي لم تتم.

وهي إجراءات مكررة في مثل هذه الحالات، ولكنها لا تنجح في حالة الأستاذ مهدي عاكف، فالرجل تتجاوز قامته وتاريخه هذه الحدود البيروقراطية.

وفاة الرجل هزت الجميع.. لقد تحولت مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاته (أو بالأحرى استشهاده) إلى مظاهرة كبيرة في حب الرجل.

والكل يكتب عن تاريخه، وصورته التي يتشح فيها بالملابس البيضاء والتي تبدو أشبه بصورة عمر المختار أصبحت أيقونة والكثيرون باتوا يعرفون تاريخ الرجل وتفاصيل نضاله والجميع يترحمون عليه بأعين دامعة.

ورغم كل القمع والإلحاح الإعلامي على إلصاق وصف الإرهاب بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن استشهاد الرجل تخطى كل هذا. وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الصحف الإلكترونية إلى عزاء كبير.

رغم هذا القمع الوحشي الذي قصد منه العسكر تكميم الأصوات، إلا أن الجميع لم يتحكموا في دموعهم. هناك حالة من الرثاء العامة أراها.

يشبه الأمر ذلك المشهد العبقري من فيلم ((المواطن مصري)) والذي يقف فيه الأب ليستلم جثمان ابنه الذي استشهد، بعد أن زوروا اسمه في السجلات لحماية ابن العمدة من فترة التجنيد الإجباري.

يقف الأب أمام جثمان ابنه ليشهد بأنه ليس ابنه، يكتم دموعه بمعجزة ما لينتهي المشهد.

هذه المرة لا يكتم أحد دموعه، الجميع يبكون مهدي عاكف ولا يخفون هذا. الرجل تحول إلى رمز تجاوز حالة القمع وتجاوز الإلحاح الإعلامي في إعلام الانقلاب.

وكأن كثيرين الآن ينظرون لإعلام الانقلاب قائلين، أنتم لن تخدعوا أحدا وإن تظاهر البعض بتصديقكم، فلا تطمعوا في أكثر من أن يتظاهروا ولكنه مهدي عاكف.

الخبر نفسه مهيب. هذا أحد الرموز التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين. بل أحد الرموز التاريخية المعاصرة لمصر نفسها بلا أي مبالغة.

فقط اسرح بخيالك وتصور جنازة الرجل، بل جنازاته في مصر من جنوبها إلى شمالها وهو ما لا يمكن للعسكر أن يسمحوا به. الأمر سيبدو أشبه باستفتاء يعلم العسكر أنهم سيخسرونه.

وربما كان أكثر ما يضايق العسكر في وفاة الرجل، هو ظروف الوفاة نفسها، فكأنما شاء الله أن يفسد نتائج زيارة الانقلابي إلى الأمم المتحدة وتحريضه الضمني على الإسلام وتكراره الممل لكلمة الإرهاب، ليظهر انقلابه بمظهر الإرهابي الذي لا يرحم شيخوخة رجل اقترب من التسعين.

والأكثر من هذا، أن وفاة الرجل تتزامن مع انتهاء زيارة الانقلابي للأمم المتحدة وبداية العرس الإعلامي الانقلابي المتوقع للاحتفاء بنتائج الزيارة وتقديمها على أنها فتح الفتوحات وأم الانتصارات.. إلخ

والضرر الأكبر (في نظري)، الذي قد تسببه لهم وفاة الأستاذ مهدي عاكف، هو ثباته رحمه الله على موقفه ورفضه التخلي عن شرعية الرئيس مرسي.

رحم الله مهدي عاكف وألحقه بالصديقين والشهداء.

وسوم: العدد 739