الدعوة التامة

رسالة المنبر - ٨/٨/٢٠١٨م

المحاور:

- الحمد لله في كل حين وآن، الحمد لله خلق الإنسان علمه البيان، الحمد لله جعل لكل أمر شريف أذان.

- والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين، سلام على نبي الخاصة والعامة، سلامة على من طهرنا من الغواية والأفكار السامة، سلام على من علمنا الدعوة التامة.

- هل جرب أحدنا أن يخشع ويخضع لكلمات الأذان، وما أدراكم ما الأذان؟ مِنْ أشرف ما سمعت أذنان، يقول القرطبي: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل مسائل العقيدة؛ لأنه بدأ بالأكبرية لله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة والفلاح.

- ما أسعدنا أمة محمد  صلى الله عليه وسلم بشعيرة ينادى بها على شعيرة، تُفرح المؤمنين وتغيظ الشياطين والمجرمين، روى مسلم أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله حصاص، حتى لا يسمع التأذين)، ويقول تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ).

- دعونا نعقل الأذان وقد جئنا تلبية له إلى المساجد في الجمعة والجماعات (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) .. لبيك ربنا وسعديك.  

- عن الدعوة التامة أحدثك وكلي رجاء وأمل أن تتعشق معانيها وتلزم غاياتها ومراميها، الدعوة التامة التي لا نقصان فيها ولا تطفيف، روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته؛ حلّت له شفاعتي يوم القيامة).

- مقاماً محموداً الذي وعدته .. (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً)، يقول ابن الجوزي: المقام المحمود: مرتبة الشفاعة أو الجلوس على العرش بإذن الله رب العالمين.

- حقاً إن في الأذان دعوة تامة، روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (سمع مؤذناً فكلما كبّر قال: على الفطرة، فلما تشهَّد قال: خرج من النار). 

- إنه الأذان، نسمعه في كل عام 2244 مرة، فكم مرة منها نلبي ونخشع؟!.  

- إن لكل ركن شريف في دينكم أذان شريف، فللصلاة أذان عظيم، وللحج أذان قديم (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً)، وبين أذان الفجر والمغرب يصوم الصائمون .. روى البخاري أنه  صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم".

- وإشهار الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وإشهار البراءة من الكافرين والمجرمين لا بد له من أذان؛ (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله).

- وإشهار اللعنة على الظالمين الذين سلبونا رجولتنا وحاربوا عقيدتنا وعزلونا عن جسم أمتنا وحاصروا غازنا وكازنا ولقمتنا؛ إشهار اللعنة عليهم بأذان، واجب وضرورة، (فأذن مؤذنٌ بينهم أن لعنة الله على الظالمين).  

- لو تعلم ما للمؤذنين من بركات لتمنيت لو فرغتَ عمرك كله للأذان، يقول عمر رضي الله عنه: (لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت).

- إنهم دعاء الخير على رؤوس الأشهاد، لا يعلو صوتهم صوت، ولا تعلو رقابهم رقاب .. روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة).

- المؤذن مغفور ذنبه، روى أحمد بسند حسن عنه  صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر للمؤذن منتهى أذانه، ويستغفر له كل رطب ويابس سمعه".

- المؤذن مرابط قائد لمن خلفه من الجنود، فنحن في معركة طويلة مع الصليبيين واليهود، والمؤذن يعطينا الايعاز ببدء الحركة الايجابية نحو القوي المتعال، روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان الرجل في أرض قرٍّ (صحراوية) وحانت الصلاة فإن أذّن وأقام؛ صلى خلفه من جنود الله ما لا يُرى طرفه).

- المؤذن مشهود له بالخير في الدنيا والآخرة: روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة).

- المؤذن مشمول ببركة دعاء الرسول روى أبو داود بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" .

- والسؤال هنا بعد سماع كل هذه البركات للمؤذن ونحن نعلم أن عدد المؤذنين قليل في المسلمين، بل إنه مع الأذان الموحَّد لا يوجد في عمان وما حولها إلا مؤذن واحد، فهل سعة رحمة الله وبركاته للمؤذنين محصورة في هذا الواحد؟؟ .. هي أولا دعوة لمراجعة وتقييم تجربة الأذان الموحد، ثم إنني أطمئنكم أن كل مسلم يردد وراء المؤذن كأنما هو صدىً لصوت المؤذن الأصيل، وصدى الصوت مثله، كما أن ظل الشيء مثله، فهنيئاً للمرددين وراء المؤذنين، روى النسائي بسند صحيح أن رجلاً قال يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قل كما يقولون، فإذا انتهت فسل تعطه" ما أعظم رحمة الله .. وما أوسع فضله العميم.  

- الله أكبر الله أكبر؛ تبدأ بها الأذان وبها تختمه، الله أكبر على كل طاغوت مستكبر، الله أكبر من شهواتنا ونفوسنا الصغيرة، الله أكبر من المال والجاه والسمعة، الله أكبر في الصلاة عمود الإسلام وفي الجهاد ذروة السنام.

- روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "إن النبي  صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كفّ عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم" الله أكبر يا غارة الله على إخوان القردة ووكلائهم في البلاد، ممن جعلوا بلاد المسلمين مشاعاً لتجارة الغاصبين، مشاعاً لعملاء الموساد، الله أكبر على الفاسدين، الله أكبر نعلنها عليهم في كل أذان.

- حتى إذا قال المؤذن حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، كما هي السنة مما روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ كنز من كنوز الجنة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- الأذان واجب عند بعض العلماء، ومندوب مسنون عند آخرين؛ فاحرص عليه لأنه ذكر وتذكير، روى البخاري قال" لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا".

- يقول ابن حجر: افتتح الناس القادسية، وقد أصيب المؤذن، فاختلف الناس في الأذان لفضله واختصموا إلى سعد بن أبي وقاص حتى أقرع بينهم.

- والأذان له صورة قريبة في الإقامة لتأكيد شرفه ورفعة قيمته ومنزلته، والمسلم يرابط على الذكر والمعروف بين الصلاتين والأذانين فقد روى مسلم عنه  صلى الله عليه وسلم قال: "وانتظار الصلاة إلى الصلاة فذلكم الرباط" وروى البخاري عنه  صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة لمن شاء)، يعني بين كل أذان وإقامة صلاة نافلة وتطوع كما يقول ابن حجر في شرحها.  

- الصلاة خير من النوم تثويب المؤذن لصلاة الفجر، كم مرة في عمرك المديد سمعت هذا الكلام السديد، وأنت في صحو وذكر لله المجيد؟!.

- إن تشريع الأذان في السنة الأولى لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم واستمرار الصدح به حتى هذه الساعة في كل عصر ومِصر، أكبر دليل على أن دينكم غالب منصور، وإن محاولات الإسكات المقصودة للمؤذن كلها محاولات عبثية خرساء، ومهما حاولوا طمس هويتنا وتشويه معالم ديننا فإنهم خائبون، وسيظل الأذان دليل سمونا وتميزنا.

- روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون يتحينون الصلوات، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة، فقال :صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة).

- إن هذا صوتك لا يزال يملأ الأفاق بالجلال يا سيدي يا بلال.

- إن تبعيتنا لليهود والنصارى في أمور الدنيا والدين نقيصة لا يقبل بها مسلم صادق اليقين.

- إنني أستغرب تشدق بلاد الغرب بالديمقراطيات المتنوعة وهم لا يزالون يحاصرون الأذان فلا يسمح له أن يعلو في بلادهم بينما نسمح نحن لأجراس الكنائس أن تتكلم في بلادنا!!.

• وختاماً:

- في الأذان غاية ووسيلة؛ أما الغاية فهي تأليف الناس على طاعة الله، وأما الوسيلة فهي مرتبة تخصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أن هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة".

- اجعل من الأذان حجة لك ولأهلك وأولادك لا حجة عليك، وكن مؤذن الحيّ والوطن والأمة لكل خير معروف وبرّ.

وسوم: العدد 784