( ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم (

( ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)

من المعلوم أنه يتكرر في آيات عديدة من  كتاب الله عز وجل تنبيه وتحذير المؤمنين من الكفار من أهل الكتاب ، ومن غيرهم من المشركين والمنافقين  لأنهم يكنّون حقدا وحسدا لهم بسبب ما خصّهم به سبحانه وتعالى من فضل على العالمين يعزى إلى كونهم يعث فيهم سيد المرسلين وخاتمهم برسالته الخاتمة العالمية للناس أجمعين إلى يوم الدين.

وإن الكفار من أهل الكتاب والمشركين ليعلمون علم اليقين أن الرسالة الخاتمة هي الحق المبين ، وقد شهدت بذلك الرسالات السابقة لكنهم يصرّون على إضمار وإظهار العداوة لها ،ولمن أنزلت عليهم خصوصا وهي تفضح ما أحدثوه من تحريف في تلك الرسالات السابقة أملته عليهم أهواءهم ،وقد ورد في كتاب الله تعالى ما يؤكد ذلك حيث يقول في سياق الحديث عنهم : (( قد نعلم إنه  ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ))، ففي هذه  الآية الكريمة دليل على أنهم يقرون بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاءهم به من عند الله عز وجل ، ولكنهم بعنادهم يجحدونه  .

ولمّا كانت رسالة الإسلام الخاتمة تجري أحكامها على  العالمين إلى يوم الدين ، فإن شهادتها على إقرار الكفار بصدقها وبصدق من جاء بها عليه الصلاة والسلام سيظل كما كان إلى  قيام الساعة ، وسيبقون على عنادهم إلا من هداه الله تعالى إلى الحق ، وشرح صدره للإسلام ، ولن يخلو زمن ممن يهديهم الله تعالى بعد ضلالهم .

ومن حسد وحقد أعداء هذه الرسالة الخاتمة أنهم في كل زمان حتى نهاية العالم  يودّون لو أن الله تعالى ما خصّ بها المؤمنين دونهم، وهم يتمنون لو أنهم خصّوا بها  هم دون المؤمنين ،علما بأن أهل الكتاب منهم قد خصّهم الله تعالى بما سبقها  من رسالات فما استقاموا على هديها بل حرفوها وبدلوها ، فكان ذلك سببا في جعل الرسالة الخاتمة في غيرهم، لأن حكمة الله تعالى اقتضت أن تكون فيمن يهتدون بهديها لا مبدلين ولا محرفين ، وتلك منة  ونعمة منه سبحانه وتعالى لا تدرك بجهد أو بشطارة .

ولقد نبه الله تعالى المؤمنين حتى تقوم الساعة  إلى ما يودّه ،ويتمناه أعداء دينهم من زوال ما أنعم به عز وجل عليهم ، فقال جلت قدرته : (( ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )) ، ففي هذه الآية الكريمة، وهي الخامسة بعد المئة  من سورة البقرة ، حدّد الله تعالى خصوم الرسالة الخاتمة وهم فئتان : فئة أهل الكتاب من يهود ونصارى ، وفئة المشركين ، وكلهم يحسدون المؤمنين على نعمة هذه الرسالة التي تحمل في طياتها سعادة الدارين ، ويتمنون لو لم ينعم بها عليهم  جل شأنه ، وبكل خير مهما كان مع أن  الواهب سبحانه وتعالى بحكمته يختصّ بفضله من يشاء لما يعلمه في المخصوصين به من عرفان وتقدير له ، واستعمالهم له  في طاعته والاستقامة على صراطه المستقيم ، وعلى رأس من خصهم بذلك الفضل، والخير، والنعمة ،والرحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اصطفاه للرسالة الخاتمة، وأنعم بها من رسالة جمعت كل خير، وفضل، ورحمة ، وقد خصّ بها  مع رسوله الكريم  عليه الصلاة والسلام كل من آمن به، وصدقه فيما جاء به من عند ربه ، واستقام على هديه .

وقد يموه أعداء الرسالة الخاتمة  على عدائهم لها ولأهلها ، فيبدون لهم من أنواع الحسد على نعم أنعم بها الله تعالى عليهم من الماديات أو من عرض الدنيا ، والحقيقة أنهم يستهدفون أجل نعمة وهي تلك الرسالة التي جعل فيها الله تعالى ما يحقق للعالمين سعادة الدارين في معاشهم ومعادهم على حد سواء .

  ولقد سجل التاريخ تجليات تلك الأنواع من الحسد حيث كان هؤلاء الأعداء إلى عهد قريب يغزون بلاد الإسلام، ويسطون على ما أنعم به الله تعالى  على أهلها من خيرات قد خصهم بها . ومن حسد أعداء الإسلام أنهم يبذلون قصارى جهودهم في كل عصر للحيلولة دون المؤمنين ودون رسالتهم كي يحرموا مما أنعم عليهم به الله تعالى من  هديها ، وما يجلبه عليهم من فضل وخير.

مناسبة حديث هذه الجمعة هو تذكير المؤمنين بما أوجب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من تذكير لهم بما قد يصدر عن أعداء دينهم على اختلاف مشاربهم من مكر وسوء كي يأخذوا حذرهم منهم خصوصا وأنهم يكيدون لهم كل كيد ، ويدسون لهم السم في العسل والدسم .

ولعل ما حدث مع انطلاق مباريات كأس العالم في قطر، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ملة الكفر على اختلاف مشاربها لا زالت على ما كان عليه أسلافها من كيد خبيث  للرسالة الخاتمة ، ومن حب زوالها كنعمة خصّ بها الله تعالى عباده المؤمنين. وإن أعداء الإسلام  في هذا المونديال ، وإن حاولوا التمويه على  قصدهم وهو عداؤهم وحقدهم البغيض للإسلام ولأهله ، فإن أمرهم قد افتضح ولم يعد خافيا  على أحد ما يريدونه من شر وسوء وكيد بالمؤمنين ،ذلك أنهم اختاروا هذه المناسبة الخاصة بحدث رياضي لإثارة موضوع الشذوذ الجنسي الذي تدينه الرسالة الخاتمة ، وقد قصت علينا من أخباره في الماضي البعيد يوم ابتدعه قوم نبي الله لوط عليه السلام ، و هو ما لم يسبقهم إليه أحد من العالمين ،واليوم يتابعهم فيه أمثالهم من المفسدين في الأرض . وإنهم  قد أرادوا ابتزاز دولة قطر كي تقر لهم بحق رفع الشواذ رمزهم وإشهاره فوق أرضها للعالمين ،علما بأن من يريدون ذلك هم من أهل الكتاب ، ونتحداهم أن يأتوا بدليل واحد من كتبهم على ما اعتراها من تحريف يبيح أو يشجع الشذوذ الجنسي . وإنهم لأرادوا من دولة مسلمة أن تجاهر بمعصية مقيتة عند الله عز وجل والتي أهلك من اقترفوها في الزمن الأول بجعل سافل الأرض عاليها فوقهم ليكونوا بذلك عبرة للعالمين إلى يوم الدين .

إنهم لاستكبارهم في الأرض أرادوا فرض إرادتهم على بلد استضافهم ، وأحسن وفادتهم وضيافتهم ، وقد بعث ما قدمه لهم ، وما حققه من نجاح في تنظيم التظاهرة الرياضية العالمية الحسد والحقد لمجرد أنه مارس حقه في فرض شرط استقباله الزوار فوق ترابه ، وهو احترام دينه وخصوصيته الثقافية تماما كما يشترطون هم احترام خصوصياتهم الثقافية  بمناسبة وبغير مناسبة .

وما حصل ممن استهدفوا دولة قطر في دينها وخصوصيتها الثقافية ،وهو في الحقيقة استهداف لكل بلاد الإسلام من شأنه أن يوقظ المسلمين من سباتهم العميق ، وينبههم إلى أن أعداء أسلافهم المؤمنين  قد أنجبوا من يعادونهم ، وهم يودون  لو أن الله تعالى ما أنعم عليهم بنعمه ، وما خصهم به من خير وفضل كما كان حال أسلافهم الذين أنزل فيهم الله تعالى قرآنا يتلى إلى يوم القيامة .

اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، فالفضل والخير والنعم كلها بيدك تختص بها من تشاء ، ولك الحمد الكثيرعليها حتى ترضى، وإذا رضيت، وبعد الرضا . اللهم إنا نعوذ بك من كيد كل عدو يكيد لنا ولدينك . اللهم اعل راية دينك ، واجعل الخسران لأعدائك ، وامكر بهم مكرك الشديد ردا على مكرهم الذي كتبت عليه البوار.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 1007