كيف ننقل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من مجرد مظاهر أكل وشرب ولهو إلى استعراض سيرة وشمائل النبي عليه الصلاة والسلام

كيف ننقل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من مجرد مظاهر أكل وشرب ولهو إلى استعراض سيرة وشمائل النبي عليه الصلاة والسلام بغرض الاقتداء  به؟ 

ونحن على بعد يومين من حلول ذكرى مولد سيد ولد آدم عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام المبعوث رحمة للعالمين ، يجدر بالأمة المسلمة في كل المعمور أن تستحضر الدلالة الحقيقية للاحتفال بهذه المناسبة العظيمة ، لأنه بمولد رسول الإسلام ، ولدت البشرية روحيا ، وهي ولادة رهينة باتباعه ، والتأسي والاقتداء به في كل أحواله، لأنه الإسوة الحسنة كما وصفه الله عز وجل في محكم التنزيل ، ولأنه صاحب الخلق العظيم بوصف الله تعالى أيضا .

وقبل الخوض في كيف يكون الاحتفال بهذه المناسبة ، لا بد أولا من مواجهة الشريحة التي تجزم ببدعية هذا الاحتفال ، وهي شريحة الغلو والتطرف التي تعتقد أنها الوحيدة المالكة للحقيقة ، وغيرها على ضلال ، وذلك لركوبها غرورها إلى حد اعتبار نفسها وصية على دين الله عز وجل ، وناطقة رسمية باسمه ،وكأن ذلك قد فوض إليها بوحي من السماء أو طرف الأمة الإسلامية قاطبة .

وبعد دحض دعوى بدعية الاحتفال بالمولد الشريف  لدى تلك الشريحة ، لا بد من مواجهة شريحة أخرى ، وهي المتطرفة في الاحتفال  به ،الشيء الذي جعل الشريحة  المتطرفة السابقة تنطلق من تطرف هذه الشريحة في احتفالها  للحكم ببدعية كل احتفال . والشريحة المتطرفة في الاحتفال بالمولد تنقسم إلى قسمين : قسم ينحصر احتفاله في جانب استهلاك الطعام والشراب ،واللهو بالضرب على الدفوف والغناء  ، واللهو  بالمفرقعات ،وهو قسم العامة التي لا تبالي  بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمر بذلك الله عز وجل ، وهي في أحوالها اليومية بعيدة عن هديه وسنته ، وقسم آخر تمثله الطرقية  التي ينحصر احتفالها في شطحات ، وإنشاد وسماع ، وهي تزعم أنها قد تلقت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر شيوخ لهم أتباع ومريدون افتراء عليه ، كما أنها تدعي الصفاء الروحي الذي لا يدرك إلا بسلوك طرقها ، وهي تعتبر من يسلكها في مراتب دنيا عن مرتبتها مزكية ما لا يزكيه إلا الله عز وجل العالم بخفايا خلقه .

ومقابل هذه الشريحة المحتفلة بالمولد الشريف بقسميها  ، توجد شريحة أخرى يقتصر احتفالها على استعراض  حياة الرسول الأكرم  صلى الله عليه وسلم من مولده إلى وفاته مرورا ببعثته، مستعرضة شمائله ، وقصدها التعريف به لتسهيل الاقتداء به عند من لا يعرفون عن حياته ما يجب أن يكون  معلوما عندهم بالضرورة ، وذلك لارتباطه بتدينهم الذي لا يصح إلا بهذا القدر المعلوم بالضرورة.

وإذا ما اعترضت  شريحة  الأكل والشرب واللهو في هذه المناسبة على ما تقوم به مع اغفال هدف الاقتداء ، نقول لها ليس العيب في أن يأكل أو يشرب الناس في هذه المناسبة فرحا بها ، ولكن العيب أن يكون ذلك هو الهدف النهائي من الاحتفال مع جهل فظيع بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أنه لا عيب في أن يلهو صغارهم فرحا بالمناسبة شريطة ألا يكون هذا اللهو هدفا في حد ذاته مع غياب إمدادهم بما تجب المعرفة به من حياة الرسول الأعظم لتحبيبه ،وتحبيب سنته إليهم، وهم في سن مبكرة لتنشئتهم على ذلك.

وإذا ما اعترضت شريحة الطرقية على ما تقوم به مما لم يؤثر شيء منه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافا لما يُدّعى عليه ، نقول لها ليس عيبا أن يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتذكر صفاته وشمائله في أشعار ، وقد استمع في حياته إلى شعراء مدحوه ، ولم يعترض عليهم، بل كان يوجه بعضهم إلى نصرة دين الله عز وجل بالشعر الذي كان يسد يومئذ مسد الإعلام في زماننا هذا ، ولكن العيب في أن يكون السماع والإنشاد هو غاية الغايات ، ويكون وسيلة لما يوصف ببلوغ السكر الروحي على حد قول أصحاب الطرق مع إهمال الغاية الحقيقية التي هي الاقتداء بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذه الشريحة أن تقدم بين يدي دعواها بطرق احتفالها  دليلا واحدا يثبت أن الشطحات، والسماع، والإنشاد هي أمور مما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن من صاحبوه من صحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ومن عدم الدليل، وجب عليه أن يراجع نفيه ، و يرجع عن دعواه إن كان عاقلا ورشيد الرأي .

ولهذا، وجب على الأمة  الإسلامية أن تحتفل بالمولد احتفالا غايته  الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الاقتداء لا يكون إلا بمعرفة المقتدى به  من أصح الطرق التي وصلت إلينا عبر مصادر لا يرقى إليها أدنى شك ، ولا يتأتى ذلك إلا بمجالس في بيوت الله عز وجل أو في غيرها لاستعراض حياة الرسول الأعظم ، واستعراض سنته ، وعرض النفوس عليها لقياس مدى تحقق الاقتداء به ، ودون هذا، ستبقى كل أشكال الاحتفال التي تدعيها هذه الشريحة أو تلك  مجرد مظاهر فارغة الدلالة مما ابتدع بعد عصر النبوة والخلافة الراشدة ، وما جاء بعدها من عصور الاتباع ، والاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم. 

وسوم: العدد 1051