آثار الأصوات الشريفة

إذا قِسنا أطوال النصوص المختارة بعدد كلمها الكتابية -والكلمة الكتابية هي المحفوفة بالبياض المعدودة بالحاسوب كلمةً واحدة، وقديما اتخذ عددَها مقياسَ طولٍ صاحبُ "المثل السائر"، في المفاضلة بين أبيات باب السرقة [ابن الأثير: 3/ 258]- فوجدنا نصوص السور القرآنية ثمانيَ ومئة (208)، ونصوص الأحاديث القدسية ستين وثلاثمئة (360)، ونصوص الأحاديث النبوية سبعًا ومئتين (207)- وقفنا على أن متوسط طول النص الواحد من السور القرآنية ثلاثون كلمة إلا قليلا (29.71)، ومن الأحاديث القدسية إحدى وخمسون كلمة وبعض كلمة (51.42)، ومن الأحاديث النبوية ثلاثون كلمة إلا قليلا (29.57)، فتطابق لدينا تقريبًا، متوسطا طولَيِ النصَّيْن القرآني والنبوي.

وإذا وجدنا من السور القرآنية سورةَ "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" إحدى وسبعين كلمة كتابية (71)، وسورةَ "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" أربعين (40)، وسورةَ "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" سبعًا وعشرين (27)، وسورةَ "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" أربع عشرة (14)، وسورةَ "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" عشرًا (10)، وسورةَ "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" سبعًا وعشرين (27)، وسورةَ "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ" تسع عشرة (19)- ومن الأحاديث القدسية حديثَ "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" ستا وخمسين ومئة كلمة كتابية (156)، وحديثَ "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" خمسا وستين (65)، وحديثَ "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي" أربعا وأربعين (44)، وحديثَ "مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي" خمس عشرة (15)، وحديثَ "أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي" اثنتي عشرة (12)، وحديثَ "إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً" إحدى وأربعين (41)، وحديثَ "أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي" سبعا وعشرين (27)- ومن الأحاديث النبوية حديثَ "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" ثماني وخمسين كلمة كتابية (58)، وحديثَ "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا" خمسا وخمسين (55)، وحديثَ "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ" ثماني عشرة (18)، وحديثَ "وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ" اثنتي عشرة (12)، وحديثَ "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ" سبعًا (7)، وحديثَ "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ" أربعا وعشرين (24)، وحديثَ "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ثلاثا وثلاثين (33)- وقفنا على أن نصوص الأحاديث القدسية السبعة هي التي تدرَّجت منازلُ أطوالها في النماذج المثلَّثة مثلَ تدرُّج منازل أطوال النصوص القرآنية السبعة، على النحو الآتي: 1، 2، 3، 6، 7، 4، 5. أما نصوص الأحاديث النبوية التي تدرَّجت أطوالها على النحو الآتي: 1، 2، 7، 6، 3، 4، 5- فقد انعكست فيها منزلتا طولَيِ النصين السابعِ الذي جاء ثالثًا والثالثِ الذي جاء خامسًا؛ فخالفَت عن قرينتيها في النماذج المثلثة على رغم ذلك التطابق المتوسطيّ؛ فتجلى من داخل الائتلاف مظهرٌ أوليٌّ من مظاهر الاختلاف!

وقد جَمَعَ بين نصوص النماذج المثلثة السبعة، أنها كلها نصوص عربية دعوية إسلامية موجزة؛ فَحَضَرَنا عاجلًا من حديث هجرة رسول اللهِ -صلى الله عليه، وسلم!- أن أبا بكرٍ رديفَه على رَكوبَتِه، المعروفَ دونه عند الناس لكثرة سفره إلى الشام -والطريق إلى يثرب طريق الشام- "كَانَ يَمُرُّ بِالْقَوْمِ فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَيَقُولُ: هَادٍ يَهْدِينِي" [ابن حنبل: الحديث 12234]؛ فإنه -رضي الله عنه!- كأنما اطلع من وراء الغيب علينا في مقامنا هذا، فنبَّهنا بجواب موجز، على ما نجمع به بين نصوص كلام صاحبه الموجزة -صلى الله عليه، وسلم!- وإن وَرَّى بالهداية الجِسْميّة الأَسْفاريّة عن الهداية الرُّوحيّة الإيمانيّة!

أما نصوص النموذج المثلَّث الأول [سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، وحديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، وحديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ]، فهي كلها في تقدير أعمال الناس، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات الجَزاء". وأما نصوص النموذج المثلَّث الثاني [سورة "وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى" القرآنية، وحديث "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا" القدسي، وحديث "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ" النبوي]، فهي كلها في مُوالاة الأولياء، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات الوَلاية". وأما نصوص النموذج المثلَّث الثالث [سورة "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ" القرآنيّة، وحديث "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي" القدسيّ، وحديث "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ" النبويّ]، فهي كلها في تَدريج أحوال العباد، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها أصوات التَّدْريج. وأما نصوص النموذج المثلَّث الرابع [سورة "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ" القرآنية، وحديث "مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي" القدسي، وحديث "وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ"]، فهي كلها في ترغيب المؤمنين في عمل الخير، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات التَّرْغيب". وأما نصوص النموذج المثلَّث الخامس [سورة "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ" القرآنيّة، وحديث "أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي" القدسيّ، وحديث "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ" النبويّ]، فهي كلها في تَخْييل نَعيم الجَنَّة، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات التَّخْييل". وأما نصوص النموذج المثلَّث السادس [سورة "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ" القرآنيّة، وحديث "إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً" القدسيّ، وحديث "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" النبويّ]، فهي كلها في الموازنة بين الأعمال المتناقضة، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات المُوازنة". وأما نصوص النموذج المثلَّث السابع [سورة "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ" القرآنيّة، وحديث "أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي" القدسيّ، وحديث "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" النبويّ]، فهي كلها في تأخير مكانة الدنيا عن مكانة كل ما تعوقه، حتى إنه ليجوز أن نُسمِّيها "أصوات التَّهْوين".

وليس أعظم عند العمال من أصوات الجزاء، ولا أحب إلى المطيعين من أصوات الولاية، ولا أرفق بالسالكين من أصوات التدريج، ولا أحفز للمؤمنين من أصوات الترغيب، ولا أسرَّ للمحسنين من أصوات التخييل، ولا أثبت عند المتدبّرين من أصوات الموازنة، ولا أكرم عند الزاهدين من أصوات التهوين!

وسوم: العدد 1067