في جمالية الخلق، وخصوصية الجسد

في جمالية الخلق، وخصوصية الجسد، وقوله تعالى: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ) وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله جميل يحب الجمال.."

وبه أستعين..      

وهذا بحث في علوم منها علم وظائف الأعضاء ومنها الأنثربولوجيا تاريخ الإنسان..

ولو كنت أستطيع علميا أن أبدأ من علم الخلية لفعلت، ولأوغلت في شرح العلاقة بين الأوردة والشرايين. فمعلوماتي عن وحيدات الخلايا لا تساعدني ولكن دعوني أبدأ معكم من عالم البحار، عالم الأسماك صغيرها وكبيرها ثم من عالم الحيتان والدلافين والفقمات…!!

كل هذه المخلوقات، أو الكائنات على رأي بعضنا، في مظهرها العام؛ في رأسها فتحات أعين لترى، وأفواه لتتغذى، وغلاصم ونحوها لتتنفس.. فتحات ظاهرة بينة، تعطيها بعض جمالية صورتها، وخصوصيتها..

ثم في موضع خفي من جسدها فتحة سفلية خفية، تستطيعون تسميتها فتحة التصريف.. تقوم بدورها البيولوجي بخفاء وربما على استحياء.. فقط تأملوا..

انتقل معكم حيثما ما رتب دارون، دون تسليم لترتيبه، ولكنها المسايرة في الاستقصاء، فنمر على عوالم البرمائيات والزواحف في الوقت نفسه، فنرى المشهد نفسه يعاد..

تذكر جسد الضفدع والتمساح والحرباء والأفعى، ولعلنا لولا خوفنا من الأفاعي لرأيناها من أجمل المخلوقات نعومة ورئيا..

وتأملوا من كل ما ذكرت، الترتيب الذي ذكرت؛ ترونه كما وسبق أن قررت..

نذهب إلى عالم الطير ونجد الجسد المكسو بالريش، ثم نجد الخلق قام على نفس الترتيب.. رأس فيه دماغ ووجه فيه سمع وبصر وفم، ثم فتحة خفية مستورة محجوبة يتم من خلالها ما تعلمون..

ونقفز إلى طبقة من الخلق يسمونها رتبة الفقاريات..

ونرى الأمر من خلالها أوضح، فجملة هذه الكائنات قد أكرمت بذيل، تذب بها عن نفسها، ويستر منها ما لا يليق أن يبدو من نقاط خلقها…

فقط لو فكرنا معا في فلسفة خلق الذيل، من خلال موقعة من الحيوانات ذات الذيل، وعدنا إلى ما يسمى "علم وظائف الأعضاء، وسألنا الهرة والكلب والحصان والحمار واللبوة والذئبة والثعلب والشاة…!!

وفي الميثيولوجيا الشعبية في عالمنا هناك موقف سلبي مشهود من المعزى والجدي والظبي والظبية والغزال..

يقول الفلكلور الشعبي: ولولا سابقة منكرة ما انشمر الذيل وانكشف ما هو أولى بالستر..

هل تتابعون معي أو تزعمون أنكم …

وحين نحط رحلنا في محطة الإنسان.. نجد الأصول المقدسة تخبرنا أن أبوينا منذ وعيا جسديهما بعد أن اجترآ على الشجرة المحرمة، (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)..

في نصوص العهد القديم: يخيطان ورق التين. في تفاسير المفسرين المسلمين، يقع الاختيار على ورق شجرة التوت..

في الانثربولوجيا الإنسانية وجدت قبائل غارقة في البدائية غارقة في العري، ووجدت قبائل ما زالت تجد في ورق الشجر ثيابا، ووجدت قبائل كانت تصبغ المكان ليعتم لونه..

ولكن ظلت الثياب تلازم عصور وعي الإنسان لذاته، ثم تحولت إلى زينة تساعد الإنسان على التحكم في تضاريس جسده..

وإخفاء مواقع النقص فيه..

يقول الفلاسفة العدميون:

إن الله - جل الله- أرّقنا بالضمير زرعه بين جنبينا، فلا تزال النفس اللوامة فينا تئن!!

وأذل كبرياءنا البشري، بأن أرغمنا على الخضوع لأمر الضرورة، نضطر كلما استحقت لنجيب نداءها، نفعل ذلك كبارا وصغارا عظماء وضعفاء..

على ذلك الكرسي الصباحي تذل كبرياء الإنسان. وفي كتب التراث عن الإنسان: إذا نام شخر، وإذا استقيظ نخر..

وكناية القرآن الكريم الجميلة عن ذلة الإنسان: (يَأْكُلُ الطَّعَامَ)…

وثالثا فإن الله قهر كل الأحياء بالموت..

وأعود ومع التقدم الإنساني تحول اللباس إلى زينة.. فكانت للجسد خصوصيته، يحفظ ويصان، ولا يبذل. لئلا يهان…خذوا زينتكم عند كل مسجد..

ولفظ العورة في القرآن الكريم ورد وصفا للمكان (بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) وللزمان (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ) وللحال (عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) قال الإمام الطبري "الطفل لا يدري ما ثَمّ" أي ما يدور في ذلك العالم الخاص..

كرامة الجسد في خصوصيته. تحفظ، وجماله في قدسيته تصان. والصون سر من أسرار الخلق يجليها لكم علم وظائف الأعضاء…

شرف الإنسان في نبله.. وفي حيائه.. وفي صونه.. وفي رفقه..

شرف الإنسان ليس حالا بمصطلح أهل التصوف بل هو مقام كما يؤكدون...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1126