التربية أساس النهضة

إسماعيل حامد

منذ بداية تأسيس الإمام البنا لجماعة الإخوان المسلمين وهو يرسخ لدى أبناء الدعوة أن التربية والتكوين هي طريق التمكين ، وأنه لا سبيل لأصحاب الدعوات سوى اعتماد منهج التربية والتزكية واستخلاص العناصر المؤمنة بالفكرة والقادرة على تحمل أعباء الطريق والثبات أمام المحن والصمود أمام المغريات ومواجهة الصعاب، والمستعدة للتضحية بكل ما هو غال ونفيس في سبيل هذا الدين،

ولقد حمل البنا ومعه الرعيل الأول للدعوة  مشروعا اسلاميا؛ اتباعاً لمنهج النبى صلى الله عليه و سلم هدفه أن يحكم الاسلام وأن يسود  بقيمه و تعاليمه هذه الأرض؛ لإسعاد البشرية بهذا الدين؛

ولكن هذا المشروع الاسلامى لم يكن الأمر سهلا أمامه ولم تكن الأرض ممهدة له ، بل واجه تحديات كثيرة ممثلة في المشروع الصهيوأمريكي والذي يهدف لإضعاف الأمة الإسلامية وإفشال المشروع الإسلامي . 

وشاءت إرادة الله سبحانه أن تأتى ثورة 25 يناير من غير حول منا و لا قوة، لتعلن عن إتاحة الفرصة أمام المشروع الإسلامي ليقدم النموذج الذي تنتظره البشرية، بعد فشل كل التجارب البشرية الشرقية منها والغربية،

وشاء الله أن تتحمل دعوة الإخوان مسئولية تطبيق وتقديم هذا النموذج، بعد مرحلة حكم سابقة امتددت 60 عاما حملت معها الكثير من صفحات الفشل والإخفاق والاستبداد السياسي والفساد المالي والعمالة للخارج

ولأن للتربية في دعوة الإخوان أثرها البالغ في تكوين الشخصية المتكاملة، تقدم لحمل الأمانة في هذا الظرف الاستثنائي بتكليف من دعوته الدكتور محمد مرسي ومعه بعض من أبناء الدعوة الذين تربوا في أحضانها، وشربوا من نبعها الصافي، وسارعوا بتقديم نموذج فريد في إدارة الدولة، ليؤكدوا على الحقيقة الراسخة في هذا الدعوة بأن التربية والتكوين هي طريقنا للتمكين، وأن رجال التكوين هم رجال التمكين بإذن الله، ومن هنا يأتي التأكيد في مشروع النهضة الذي قدمته الجماعة وتبنته الرئاسة على أن المحور الأول في هذه النهضة هو بناء الانسان الصالح وتكوينه وتهذيبه وتزكيته، وأن لذلك المحور الأولوية في الاهتمام والتركيز وتسخير الامكانات والطاقات 

ومن هنا فإن دعوة الإخوان لن تتوقف عن التربية حتى بعد إقامة الدولة وتوفير كوادرها التربوية لكل مؤسسات الدولة، لأن العملية التربوية ماضية قبل وأثناء وبعد قيام دولة الحكم الرشيد، ولكننا مع حفاظنا على النهج التربوي تظهر لنا الحاجة في إعادة النظر إلى أهداف التربية في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير عن أهداف التربية قبلها، فإن واجب الوقت وطبيعة المرحلة يتطلبان منا مراعاة ذلك كي تكون التربية مواكبة للحدث ومتوافقة مع الظروف المستجدة ومستفيدة من المناخات الجديدة

 

وأعتقد أن الغاية من التربية الإخوانية وأهدافها الحالية يجب أن ترتكز على متطلبات المرحلة والمتمثلة في الأولويات التالية :

1-   إعداد جيل النهضة : ذلك الجيل الذي تسمو مبادؤه وقيمه وأخلاقياته وسلوكياته مع طبيعة المرحلة الجديدة ومع الأفكار التي يطرحها مشروع النهضة، الجيل الذي يحقق تماسك البناء الداخلي للجماعة مع قوة الانتماء للوطن ، إعداد ينتج عنه الفرد المسلم المتكامل الشخصية القادر على: ( استشعار مسئوليته أمام الله - تحسين صلته بالله - الوعى والإدراك بما يراد لمصر وأمته ولهذا المشروع الإسلامي - العمل الدؤب المتواصل – تحمل اعباء المرحلة ومواجهة مخططات الأعداء ... الخ ) وبالتالي نحقق من خلال هذه الجيل الريادة الدعوية والمجتمعية والحزبية للأمة

2-   بناء رجل الدولة: الذي يمتلك مقومات رجل الدعوة وإمكانات رجل الدولة ويتحقق فيه الوصف القرآني " القوي الأمين"، فيقود الأمة بأخلاق الدعوة وخصائص الرجال ومواصفات القائد الرباني محققا مقولة البنا " كونوا عبادا قبل أن تكونوا قوادا تصل بكم العبادة إلى أحسن قيادة" وبالتالي نحقق دعم الأجهزة التنفيذية برجال المرحلة المناسبين والقادرين على تحقيق أهداف المشروع الإسلامي وإحداث نهضة حقيقية ومجابهة المشروع الصهيوأمريكي 

3- التكوين التربوي الوقائي : الذي يحول دون الانحراف السلوكي أو الأخلاقي أو القيمي، وخاصة ونحو مقبلون على مرحلة الابتلاء بالخير، وهو أشد من الابتلاء بالشر،

هذا التكوين الوقائي الذي قال عنه الإمام البنا " يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره"،

وهذا أشد ما نحتاج إليه اليوم ، تحصين الصف وأفراد المجتمع جميعا من أمراض القلوب والنفوس التي قد تفتك بنا وبمشروعنا الإسلامي وبأمتنا، والتكوين الوقائي يعني تطبيق القاعدة " الوقاية خير من العلاج "

 

4- المناخ التربوي الداعم: بأن نوفر بيئة تربية مناسبة لطبيعة المرحلة وتكون ذات مرجعية إسلامية وتحافظ على الهوية وتنعكس على الأنشطة والأعمال التربوية، ونستغل فيها ونسخر كل المناخات التربوية المتاحة بعد مرحلة الاستبداد السياسي، تحت أي مسمى كانت ( شبابية رياضية تعليمية  اجتماعية سياسية إعلامية دينية ... الخ ) والاستفادة من كل مقومات المجتمع ومناخاته المفتوحة في تفعيل التربية المجتمعية 

 

5-  الانتقال من النظرية الى التطبيق: بأن نتحول من مرحلة رفع وترديد شعار " الإسلام هو الحل " إلى مرحلة التجسيد الواقعي والتطبيق العملي لهذا الشعار، بأن يقدم كل فرد من نفسه نموذجا للشعار عمليا، كل في مكان وجوده ومحل تأثيره، حتى يقول الجميع وهم يشيرون إلينا بالبنان " هذا هو الإسلام الذي نريده" .

 

بهذه المتطلبات الخمس تمضي التربية وهي تحمل مشروعا إسلاميا لنهضة الأمة الإسلامية أهم مفرداته أن لنا غاية واضحة محددة هى ابتغاء مرضاة الله وحسن مثوبته،

وأن الباعث التربوي لنا هو العمل على التمكين لدين الله وفق المنهج الصحيح لدين الله ؛

وأن لدينا رسالة واضحة هى إرشاد البشرية لتعاليم الاسلام ؛

ولنا مهمة واضحة هى الإصلاح الشامل الذى يتعاون عليه أبناء الامة ؛ بدءا من تربية الفرد حتى أستاذية العالم،

وبالتالي تستطيع الدعوة ان تؤدى دورها الأساسي والرئيسي في مشروع النهضة وتحقق نقلة نوعية في العمل التربوي وتسعى لتحقيق ريادة الجماعة للعمل الإسلامي في مصر وعالمنا العربي والإسلامي ،

ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا .