وحي الصدور 33

وحي الصدور 33

معمر حبار

[email protected]

181: الشيطان الشريك.

من رضي بالشريك، تحمّل حسناته وسيئاته، ومن رفض الشريك عمل ليعوّض عدم المشاركة، بما يراه مناسبا لحالاته وظروفه.

والشيطان لايرضى لنفسه، إلا أن يكون شريكا للإنسان، في أعزّ مايملك من الأموال والأولاد، لأنه يملك أدوات الشراكة والتأثير، واقرأ إذا شئت قوله تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا"، الإسراء - الآية 64.

فالشيطان يملك قدرة الاستثارة والاستفزاز، ويملك أدواتها المتمثلة في: "بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ" ، بالإضافة إلى البراعة في التقديم والتزيين، ناهيك عن الوعود المتعددة المختلفة، التي لاتعرف حدا، ومتعددة الأوصاف.

وبما أنه يملك هذه الوسائل، وطرق استخدامها والتأثير بواسطتها، فعلى المرء أن يعي، أنه يواجه ترسانة من التهديد والإغراء والوعيد. وعليه إذن، أن يملك بدوره وسائل المواجهة، التي مُنحت له، وعلى رأسها، الثقة بالله المطلقة، وأن الذي أعطى الشيطان وسائل الغرور، أعطى للإنسان وسائل أنظف، وأدوم، وأفضل، لمواجهتها والتصدي لها.

ومن يقرأ القصص الواردة في كتاب "تلبيس إبليس"، لسيدنا الحافظ بن الجوزي، رضي الله عنه، يدرك جيدا أن إبليس يشرك نفسه، دون ملل ولا كلل، في كل ماهو خير وطاعة وقربى، حتى إذا أُعجِب المرء بما قدّم، ودخله الرياء، وظن نفسه أنه أفضل الناس عبادة، وأقربهم إلى الله، وأنه في غنى عن طاعة ربه، حينها يفرح الشيطان، لأنه ربح شريكا، باسم الزيادة من الصلاة، والجهر بالصدقات، وقيام الليل، والإكثار من صيام التطوع.

إن الشيطان يبحث عن الشريك المستقيم، والطريق المستقيم، وقد أقسم بذلك، وأبرّ بقسمه، حين قال: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ"، الأعراف - الآية 16.

تصفحت البارحة، الورقات الأولى من كتيب: "عمدة الناسك في مناسك الحج والعمرة"، وفي صفحة 4، وتحت عنوان: "من آداب السفر"، جاء في النقطة السادسة: "عدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة".

وكان عليه في نفس الوقت، أن يحذّر الحاج والمعتمر، من أن يشاركه الشيطان، في الزاد والراحلة والنفقة، وغيرها من العبادات. فمشاركة الشيطان للإنسان، لاتقل خطورة عن مشاركة الإنسان لأخيه الإنسان، التي حذّر منها الكاتب بمفردها.