الاهتمام بصغائر الأمور في الهدي النبوي

الاهتمام بصغائر الأمور في الهدي النبوي

خير الله طالب

أجابت عائشة رضي الله عنها رجلاً جاء في خاطره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغيره من عظماء الناس، فسأل: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته شيئا؟، قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.

ولم يكن صلى الله عليه وسلم يجد غضاضة في ممارسة أعمال قد يتسخ منها الثوب والبدن، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره ...) البخاري. وكان يلتفت لصغار القوم وأطفال الحي فيسلم على الصبيان إذا مرّ بهم. وكانت الأمَة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به في حاجتها.

بل كان يحصل منه - بأبي هو وأمي - ما يظنه الكثيرون اليوم مما ينافي الذوق واللباقة، فقد استأذن صلى الله عليه وسلم صبياً على يمينه في سقيا الأشياخ على يساره قبله، فلما لم يأذن .. أعطاه فشرب. ونزل ذات مرةٍ من المنبر ليحمل طفلين صغيرين يمشيان في المسجد بين الصفوف فيعثران ويقومان، وقال: رأيت هذين فلم أصبر، وأطال عليه صلوات الله وسلامه السجود ذات مرة.. حتى ظن الناس أنه قد حدث أمرٌ، فلما قضى الصلاة وقال له الناس في ذلك قال: ... ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.

وهذه السيرة العطرة منه صلى الله عليه وسلم قد كونتها أنوار التوجيهات القرآنية .. فقد جاء العتاب واضحاً صريحاً للنبي صلى الله عليه وسلم .. عندما جنح لعلية القوم، يدعوهم ويحاورهم رغبة في إسلام أحد منهم، معرضاً عن رجلٍ أعمى جاء يبحث عن النور، فقال جل في علاه: "عبس وتولى، أن جاءه الأعمى"، وما يزال القرآن الكريم يبين خطورة دقائق الأمور في مواضع كثيرة منه، كقوله تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".

هذا بينما نجد بعض الكبراء اليوم يأنف من صغائر الأمور ودقائقها .. ونرى كثيراً من النظريات الإدارية توجهنا إلى الاهتمام بالأمور الكبيرة في قدرها وقيمتها، والموضوعات الاستراتيجية ذات الأثر البعيد، وتلك المشروعات باهظة القيمة، واسعة الانتشار، ويرافقها توجيهات أخرى بعدم الالتفات لما يعتبرونه توافه وصغائر، وهكذا ...

وبالرغم من وضوح الثمرة المرجوة من هذه النصائح إلا أن الأمر ليس على إطلاقه .. والتوسط ممكن، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.