ادفع بالتي هي أحسن

ادفع بالتي هي أحسن

نسيبة بحرو

[email protected]

المكانة العظيمة لحبيبنا ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام متعارف عليها جمعاً ، متفق عليها قطعاً .. لن أخوض في الحديث عنها وأن الفيلم المسيء الذي تعرض له ما هو إلا وبال على منتجيه وممثليه وكل من ساهم به .. حيث سيجزيهم الله شر أعمالهم ولن يضره ، فالله تعالى حفظه وكفاه من المعتدين المستهزئين ..

ولكن سأتحدث عن موقفنا نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام واخوانه ، يدفعني لذلك ماصدر من ردة فعل اندفاعية ، مشاعرية بالدرجة الأولى دون وعي أو منطق .. متمثلة في فئة قامت بأعمال شغب وقتل وتدمير وحرق ظناً منهم أنها نصرة للرسول عليه الصلاة والسلام في حين أن الإسلام لا يقرها وليست من صفات سيد البشر والخلق الكريم ، أو ما صدر من فئة أخرى على النقيض تماماً من ذلك بالتجاوز والصمت مما يعطي دلالة وانطباع بقبول المسلمين بهذه الاساءة للرسول عليه الصلاة والسلام والتجاوز عنها ، ومعاذ الله أن يقر مسلم بذلك  .. إنما أحسب أنه موقف سلبي تبناه أصحابه إما استنكاراً للشغب الحاصل ومحاولة لردعه فمالوا ميلة واحدة ، أو اعتقاداً منهم بآراء ومحاذير انتشرت في صفحات التواصل الاجتماعية .. بذلتُ الجهد في الاطلاع عليها بشكل موسع ، والتمست منها ما يلي :

1- استنكار غضب المسلمين من الفيلم ، بسبب مقارنة هذا الغضب مع التخاذل العام تجاه الثورة السورية المباركة وما خلفته من مصاب جلل ، وهذا خطأ كبير .. حيث لابد أن ندرك أولاً أن وجود ثورة بكل توابعها المؤلمة بما في ذلك التخاذل تجاهها ، لا يبيح ولا يبرر بأي شكل من الأشكال السكوت عن الاساءة  للنبي عليه الصلاة والسلام .. كما علينا أن ندرك أيضاً أن لا تعارض ما بين هذا وذاك ، فكلا الموقفين ( نصرة الثورة السورية ونصرة الرسول ضد فيلم مسيء ) هما للدفاع عن الاسلام ، وبالتالي فإن الضعف والإستكانة في احداهما تؤثر سلباً على الأخرى ، ومن يعجب بأن المسلمين غضبوا لأجل الفيلم ولم يغضبوا للقتل والدماء في سوريا فإن هذا فعلاً أمر مؤسف يدعو للعجب والاستنكار ، إنما استنكار ردة فعلهم الباردة أمام مصاب المسلمين في سوريا وليس استنكار نصرتهم للرسول !! .. ومن الأفضل عدم الانتقاص من غضبهم وارجاعهم بذلك إلى دائرة اللااكتراث بمصاب الأمة الاسلامية وإنما تجيير ذلك الغضب لصالح الثورة السورية ، فعوضاً عن ملء صفحات الفيس بوك بعبارات وصور تقلل بشكل غير مباشر من شأن الاستهزاء بالرسول كهذه العبارة ومثيلاتها ( السوريون يذبحون والعالم يثور لأجل فيلم مسيء عن الرسول !! ) ، فإنه من الأجدر نشر عبارات توعية بأن التخاذل عن نصرة الرسول باخوانه المجاهين والمستضعفين في سوريا ولما يحدث يومياً على أرض الحدث من الإساءة اليه وللدين ، والتنكيل بالمسلمين والمسلمات والأطفال وقصف المساجد وحرق المصاحف ، سمحت للمسيئين بالتطاول عليه في شخصه وأصحابه ودينه بشكل مباشر جهراً وعلانية في ذلك الفيلم المسيء ..

2- التوجس من التوقيت الزمني لعرض الفيلم في خضم الثورة والخوف من فخ منصوب يهدف إلى صرفنا عنها ، وأخشى ما أخشاه أن هذا الرأي هو الفخ بحد ذاته حيث يكون استغلالاً لحرص المسلمين على مسار الثورة يدفعهم للتغاضي عن هذه الاساءة اليوم ، ويفتح بذلك المجال لكل حاقد بتفريغ حقده بأي صورة كانت بلا رقيب أو حسيب ، فتتصاعد الجرأة المصرحة على الإسلام والمسلمين حتى نصل بأنفسنا إلى مرحلة متردية من القبول بالإعتداء والذل ، بخلاف اليهود الذين استطاعوا فرض خطوطهم الحمراء حول محرقة الهولوكست .. إن اتخاذ موقف ضد الفيلم لن يضر ثورة الكرامة والحرية التي قاربت السنتين دون أن تخمد نيرانها شدة الأهوال ، كما أن المسلم  قوي ذو ارادة عظيمة وقادر على اتخاذ الموقفين في آن واحد ..

3- أفضلية السكوت وعدم الاكتراث حتى لا نساق إلى ما يريده المغرضون من مشاهدة الفيلم ونشره بأيدينا والإعلاء من قيمته بالقيل والقال وسرد الأحداث .. وهذه المحاذير صائبة مئة بالمئة فلا يجوز الخوض بما فيه استهزاء بالله ورسله وآياته حتى لو كان بحسن نية وفي ذلك جهل عظيم .. ولكن هذا لا يعني أبداً تمرير الإساءة بالتغاضي عنها وإنما هو طريقة للتعامل مع الفيلم كمادة معروضة ، ولابد من اتخاذ خطوات للنصرة تلي هذه الخطوة .. وفي هذه النقطة أشير أيضاً الى ما انتشرعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بالسكوت عن الباطل حتى يموت !! بينما ما ورد عنه في الأثر إن صح ( إن لله عباداً يميتون الباطل بهجره ويحيون الحق بذكره ) ، وهجر الباطل هنا ما أقررناه من عدم تداول الفيلم وتناقله ونشره والخوض به وليس المقصود السكوت عنه .. كما أنه وتبعاً أيضاً للأثر عن عمر رضي الله عنه ، فإننا لابد من أن نحيي موقف الحق وهو نصرة النبي عليه الصلاة و السلام بالحسنى .. ولا ننسى أن عمر بن الخطاب الشديد القوي الذي لا يرضى بالضعف ، كاد أن يقطع رأس من اعتدى على نبيه غيرة عليه ومحبة له لولا أن نهاه رسولنا عن ذلك ، فلا يصح النطق بلسانه واسقاط أقواله على مالم يكن ليرضاه .. كما لا ننسى أننا في سوريا سكتنا عن الباطل أعوام وأعوام فما مات حتى قامت كلمة الحق ، وكيف نسكت عن باطل والدين أوصانا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ولما ورد أيضاً في الحديث الشريف ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فمن لم يستطع فبلسانه ، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ) .

4- إدانة التظاهر الهاديء ومواقف الاعتراض السلمية ، والإشارة الى تخطي الأمر دون ظهور اعلامي حتى لا يتم تسمية المسلمين بالسطحيين الذين ينساقون وراء كل فقاعة ملهية جديدة ولا يحترمون حرية الرأي ، ولكن أين هذه الإدانة وهذا الخوف على سمعة المسلمين من كل ما عرفوا به من هذه الصفات للأسف .. ابتداء من الانسياق خلف كل مسلسل جديد أو مسابقة غنائية شهيرة وصرف الأموال في التصويت ليفوز أحد المتسابقين ، ووصولاً الى معظم العادات السيئة المتمثلة بعدم احترام المواعيد والأنظمة ونظافة المنشآت ، والزحام على الأسواق في المناسبات العامة .. الجدير بالذكر أن العرب قلدوا البرنامج الأمريكي (  american idol  ) بنظيره العربي ( عرب ايدول ) بتطابق تام وبطريقة تدعو العالم ليستهزأ بهم وبمقدار التبعية والقصور حتى عن إنتاج البرنامج بطابع خاص لهم ، لم نشهد دعوات وحملات بإيقاف هذه المهزلة المسيئة ، فلماذا نشهدها فقط في موقف الاعتراض السلمي عن الإساءة للرسول ؟ وبالنسبة لحرية الرأي فكما أوجدوا المبرر لقبول الفيلم والاساءة تحت عنوانه ، فإن تظاهر المسلمين واعتراضهم السلمي أيضاً يدخل ضمن حرية الرأي .. والاعتراض على هذا التظاهر ومحاولة منعه أيضاً يسمى عدم احترام لحرية الرأي ..

والحد الفاصل لكل ما سبق نجده في قول الله تعالى في كتابه الكريم ( ادفع بالتي هي أحسن ) ، أي رد الاساءة بتصرف حسن .. ليس القبول بها بذل وهوان ، ولا ردها باعتداء همجي ينتج عنه قتل الأبرياء وتخريب الممتلكات وتشويه صورة الاسلام والمسلمين .. كما أنه ليس من المجدي القيام فقط بنصرة فيسبوكية متمثلة في تغيير صورة البروفايل وصور تسيء لمنتجي الفيلم وتدعو لأكبر عدد من ( اللايكات ) ، وغير ذلك مما يعزز الصورة السيئة عن المسلمين ، بأنهم أقوال فارغة بلا أفعال ، أو أفعال همجية بلا عقول .. وفقاعات ثورية لا تسمن ولا تغني من جوع ..

إن ردة الفعل الصحيحة الحكيمة تجاه هذا الحدث هي أولاً الإمتناع عن مشاهدة الفيلم ونشره والخوض به ، واستبدال ذلك بتعظيم جرم الاساءة للإسلام وللرسول عليه الصلاة والسلام كمبدأ ثابت في أي حال كان ، سواء أكان في كلمة أو صورة أو فيلم أو على أرض الحدث كما يقع في سوريا .. يلي ذلك القيام بخطوات حاسمة يراعى فيها الخلق الإسلامي وتتحقق معها النصرة المطلوبة .. وألخصها فيما يلي :

1- رفع الضرر المترتب عن الفيلم  وتحويل السلبية الى ايجابية .. ابتداء من أنفسنا وأبنائنا بتذكر سننه عليه الصلاة والسلام والالتزام بها والاقتداء به في كل كبيرة وصغيرة فنعود بذلك الى المنهج الاسلامي السليم ، ووصولاً الى التأثير في الغرب عن طريق نشر سيرته وتعريفهم به وبالدين الاسلامي الحنيف سواء كان بالكلمة أو الفعل أو مما يشاهدونه من رقي ردود أفعالنا .. وهو ما قامت به عدد من المنظات الإسلامية فأسلم نتيجة ذلك الكثير ..

2- خطوة حاسمة رادعة لهم عن التعرض للمقدسات الاسلامية ، وتثبت أن للمسلمين موقف عملي حكيم .. وهنا يحاسب المسلم على ما كان بيده وقصر به كل حسب موقعه ومكانه ، قد يكون موقف دولي ، مقاطعة اقتصادية جماعية ، خطة ضاغطة تجبرهم على سن قانون يجرم التعرض للمقدسات الإسلامية .. وغير ذلك مما لن يعجز المسلمون عنه  بعون الله ..

تعرضهم لرسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام ليس بحرية رأي كما يزعم البعض ، واعتراضنا ( السلمي ) عليه ليس دليلاً على السطحية أو الهمجية ، وإنما دليل على أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أحب الينا من النفس والأهل والمال والولد ، تهاونهم في الغيرة على المسيح ورد المستهزئين به لا يسمح لنا بفعل المثل مع رسولنا سيد الخلق ولا يبرر الصمت .. شاهدنا عودة الصحابة تجسدها أفعال ومواقف الأبطال على أرض سوريا .. فأين نحن من ذلك ؟.. وأين عودة علي رضي الله عنه الذي افتدى النبي بنفسه حين نام على سريره ؟ وأين عودة نسيبة بنت كعب التي ثبتت في المعركة لتدافع عن حبيبنا حين انصرف الرجال ، حتى قطعت يدها ..

والله الذي قدر وشاء لي أن أحمل اسمها اقتداء بها ، لن أحيد عن موقفها قيد أنملة وسأنتصر لمعلمنا وحبيبنا بتعاليم الاسلام وأخلاقه وكما يحب الله ويرضى .. محبة للرسول عليه الصلاة والسلام و تبرئة للذمة .. وأملاً في استحقاق شفاعته التي أسأل الله أن يجعلنا بنصرته أهلاً لها .