أيها المرابطون على ثغور الحق

د. عبد المجيد البيانوني

الشيخ د. عبد المجيد البيانوني

يقول الله تعالى : ( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) . أيّها المرابطون على ثغور الحقّ الأحبّة ! مهما بلغ المسلم من حماسته للحقّ ، وغيرته على حرماته ، وتأثّره لما يتعرّض له إخوانه من بطش وإجرام ، وظلم وتنكيل ، فإنّ ذلك لا يبرّر له أن يتزحزح عن منهج الحقّ وكلمة الحقّ ، وعن الخلق الإسلاميّ ، في تعامله مع المخالفين له ، فليس الشديد بالصرعة ، ولكنّ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ، والمؤمن الحقّ وقّاف عند حدود الله ، وإنّ التزامه بذلك كلّه نوع من العبادة ، التي لا يحيد عنها في السرّاء والضرّاء ، والشدّة والرخاء ، ونوع من عدّته وسلاحه في مواجهة عدوّه المتجرّد من كلّ القيم والمبادئ .. وهو بذلك يسهم في خذلان عدوّه ، وتشتيت شمله ، وتفريق الناس من حوله .. 

وقد سُئِلَ عَلِىٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَهْلِ الجَمَلِ أَمُشْرِكُونَ هُمْ ؟ قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا . قِيلَ : أَمُنَافِقُونَ هُمْ ؟ قَالَ : إِنَّ المُنَافِقِينَ لاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً . قِيلَ : فَمَا هُمْ ؟ قَالَ : إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا .. ولم يكتفِ بذلك رَضِىَ اللهُ عَنْهُ بل صلّى على قتلاهم ، وقال : طهّرهم السيف .. فانظر إلى هذا السمو الأخلاقيّ ، الذي ما بعده من سموّ .! فأين نحن من هذه الأخلاق الربّانيّة الكريمة .؟! 

وإنّنا في هذا الإطار الشرعيّ البيّن لا نقبل على أنفسنا وعلى إخواننا بحال من الأحوال : الإسفاف في الخصومة ، والفحش في القول ، ونشر الأخبار بدون تثبّت ، فضلاً عن الكذب على من نختلف معه .. ولنا في سموّ الخلق ، والاحتساب عند الله ، أكبر العزاء والجزاء .. 

فيا شباب الثورة والتغيير لا يستخفّنكم الغضب من عدوّكم ، وممّن خالفكم أن تتجاوزوا هدي الإسلام وآدابه ، فتكونوا خصماء للحقّ ، جفاة عن منهج العدل ، مسفّين في الخصومة .. ولنكثر من هذا الدعاء النبويّ الكريم : ( اللهمّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ، اهدني لما اختلفُوا فيه منَ الحقّ بإذنك ، إنّكَ تَهدي مَن تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيم ) ، اللهمّ إنّا نسألك القصد في الفقر والغنى ، وكلمة العدل في الرضا والغضب ، وخذ بنواصينا إليك ، ولا تجعل للشيطان ، ولا للأهواء علينا سبيلاً ..