علي الدرب سيروا

خليل الجبالي

[email protected]

قد يخطئ بعض الناس عندما يظنون أن ميدان الجهاد هو منازلة الأعداء في ساحة القتال فقط، فترتخي أعصابهم، وتهدأ روعتهم، وتنفتح عليهم الدنيا ما داموا بعيدين عن ميدان القتال من وجهة نظرهم.

فقد أخطئ هؤلاء النفر في قصرهم معاني الجهاد السامية علي ميدان واحد من ميادينه وإن كان هو الميدان الأكبر.

فريضة الجهاد باقية ومتعددة مادام هناك صراع بين الحق والباطل ، ولن تموت فريضة تجد من يؤمن بها، والعمل علي إحياءها في قلوب الآخرين حتي ينصر الله الحق ويبطل الباطل [وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ويُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الحَقَّ ويُبْطِلَ البَاطِلَ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ (8)] سورة الأنفال.

إن صاحب الحق لابد أن ينتصر يوماً في صراعة مع الباطل، وإن طال به الزمان، وحطت عليه الدنيا، فستكون الغلبة لأهل الحق إن شاء الله.

والنصر قد يطول زمانه حتي يظهره الله، وربما يبدأ بهزيمة ثم يظهربعد ذلك،  فالله سبحانه وتعالى  شرع لنا هذه الشعيرة ولم يضمن لمن ركب أهوالها أن ينتصر من أول وهلة، بل قال مثبتاً لهزيمة المسلمين العسكرية في بعض الأحيان { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) ] سورة آل عمران.

فقد تكون الهزيمة أو التضييق في بداية الطريق تمحيصاً وفرزاً بين أهل الإيمان الواثقين من نصر الله وبين المتذبذبين المترددين المثبطين المنهزمين في أنفسهم ،[ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143)]سورة آل عمران.

إن الناس لوفهموا معنى النصر لتأكدوا أن كل من ركب ذروة سنام الإسلام لا يمكن أبداً أن يخسر بل هو منتصر على كل الأحوال حتى لو أُسر أوعُذب أو قتل، ولو أعطينا مفهوم النصر حقه وقدره الحقيقي فتأملنا في كتاب الله  وسنة رسوله الكريم لوجدنا أن الأمة الإسلامية جمعاء لا يمكن أن تخسر بالجهاد، بل الجهاد ربح على كل أحواله وإن بدا أحياناً في الميدان غير ذلك.

ومن ميادين الجهاد دحض الباطل وإظهار الحق ونصرته، والدفاع عنه في كل ميدان تسطيع أن تصل إليه بالقول أو الفعل ، أياً كان هذا الميدان ، سياسياً أوإجتماعياً أوإقتصادياً أو خلافه.

والطريق الذي يصلك إلي الحق أحق عليك أن تسلكه وتبذل فيه وقتك وجهدك لتغير الباطل بالطرق السلمية المتاحة لدي المجتمع، فلا تفوتك فرصة تسلك فيها مسلكاً تستطيع من خلاله أن تصل إلي الحق وإعلاء كلمة الله .

فهنيئاً لك يامن تبذل وقتك وجهدك في سبيل الله وإن أضطهدتَ أو أُوذيت أو ضُيق عليك، فأعلم أن هذا هو طريق بلال بن رباح وخباب بن الأرت وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وأبي بكر الصديق وغيرهم ممن بذلوا أنفسهم وأموالهم في إعلاء كلمة الله حتي وصلت إلي أسماعنا وأبصارنا واضحة ناصعة بيضاء لا غبار فيها ولا غبش عليها حتي ملكت قلوبنا وعقولنا، فهانت علينا الدنيا وستهون علينا أنفسنا مادمنا في طريق الحق ورفع راية الإسلام حتي ترفرف خفاقة عالية يشار إليها بالبنان ويقول من رأها ( هذا هو الدين .. هذا هو الإسلام .. )

فيا شباب اليوم ورجال الغد قولوا بأعلي أصواتكم ولا تخافون في الله لومة لائم: هذا هو طريق الحق لن نحيد عنه، ولن يؤتين الدين من قبلنا، ولن نفرط في ميدان من الميادين نصل به إلي قلوب الناس قبل عقولهم، ليعلموا أن للإسلام  من ينصره، ويدافع عنه، ويبينه لهم بشموله وعمومه كما جاء به رسول الله صل الله عليه وسلم .

 [ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ومِنَ الَذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) وإذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ ورَاءَ ظُهُورِهِمْ واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)] سورة آل عمران.