لا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ

رضوان سلمان حمدان

النداء الثامن والستون

لا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ محمد33

(مدخـل)

من آيات الطاعة للّه ولرسوله صلى الله عليه وسلم

.﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ آل عمران 32

.﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ آل عمران 132

.﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ المائدة 92

.﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ الأنفال 1

.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ الأنفال 20

﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ الأنفال 46

.﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ النور 54

.﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ النور 56

.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ محمد 33

.﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المجادلة 15

.﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ التغابن 12

.﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ التغابن 16

]المعاني المفردة[

أَطِيعُوا: طاع له يَطُوعُ ويَطاعُ: انْقادَ.

تُبْطِلُوا: تحبطوا وتضيعوا ثوابها من بَطَل الشيء يَبْطُل بُطْلاً وبطلاناً: ذهب ضياعاً وخسراً. والإبطال:

]سبب النزول[

قيل: إن بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا كأنهم منّوا بذلك فنزلت فيهم هذه وقوله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ﴾[الحجرات: 17]

]في ظلال النداء[

قال الإمام أحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة: .. عن أبي العالية، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، ولا تبطلوا أعمالكم﴾.. فخافوا أن يبطل الذنب العمل.

وروي من طريق عبد الله بن المبارك، .. عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول، حتى نزلت ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾.. فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش. حتى نزل قوله تعالى:

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾النساء116

فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك. فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ونرجو لمن لم يصبها.
ومن هذه النصوص يتجلى كيف كانت نفوس المسلمين الصادقين تتلقى آيات القرآن
: كيف تهتز لها وتضطرب ، وكيف ترتجف منها وتخاف ، وكيف تحذر أن تقع تحت طائلتها ، وكيف تتحرى أن تكون وفقها ، وأن تطابق أنفسها عليها . . وبهذه الحساسية في تلقي كلمات الله كان المسلمون

مسلمين من ذلك الطراز!

]هداية وتدبر[

* يقول تعالى ذكره: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ في أمرهما ونهيهما ﴿وَلا تَبْطِلُوا أعمالَكُمْ﴾ يقول: ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما، وكفركم بربكم والنفاق ثواب أعمالكم فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح. ولا تكتفوا بكلمة الشهادة:

عن أبى العالية قال: كان أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يظنون أنه لا يضر مع "لا إله إلا الله" ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت هذه الآية، فخافوا أن يبطل الذنب العمل.

* الآية اعتراض بين جملة: ﴿إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول﴾ [محمد: 32]، وبين جملة: ﴿إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتُوا وهم كفار﴾ [محمد: 34]

وُجه به الخطاب إلى المؤمنين بالأمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتجنب ما يبطل الأعمال الصالحة اعتباراً بما حكي من حال المشركين في الصد عن سبيل الله ومشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فوصف الإيمان في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ مقابل وصف الكفر في قوله: ﴿إن الذين كفروا﴾ [محمد: 32]، وطاعة الله مقابل الصدّ عن سبيل الله، وطاعةُ الرسول ضد مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم والنهي عن إبطال الأعمال ضد بطلان أعمال الذين كفروا. فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمروا بها هي امتثال ما أمَر به ونهَى عنه من أحكام الدين. وأما ما ليس داخلاً تحت التشريع فطاعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه طاعة انتصاح وأدب، ألا ترى أن بريرة لم تطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراجعة زوجها مُغيث لمّا علمتْ أن أمره إياها ليس بعزم.

* ومعنى النهي عن إبطالهم الأعمالَ: النهي عن أسباب إبطالها، بأن يشمل النهي والتحذير عن كل ما بيَّن الدِينُ أنه مبطل للعمل كلاًّ أو بعضاً مثل الردة ومثل الرياء في العمل الصالح فإنه يبطل ثوابه. وهو عن ابن عباس قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [البقرة: 264]. وكان بعض السلف يخشى أن يكون ارتكاب الفواحش مبطلاً لثواب الأعمال الصالحة ويحمل هذه الآية على ذلك، وقد قالت عائشة لما بلغها أن زيد بن أرقم عقد عقداً تراه عائشة حراماً: "أخبروا زيداً أنه أبطل جهاده مع رسول الله إن لم يترك فعله هذا" ولعلها أرادت بذلك التحذير وإلا فما وجهُ تخصيص الإحباط بجهاده وإنما علمتْ أنه كان أنفس عمل عنده.

* عن الحسن البصري والزهري: "لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي الكبائر". وأحسن أقوال السلف في ذلك ما رويَ عن ابن عمر قال: « كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولاً حتى نزل ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾، فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ﴾ ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ [النساء: 48] فكففنا عن القول في ذلك وكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها» اهـ. والذي جاء به القرآن وبينته السنة الصحيحة أن الحسنات يُذهبن السيئات ولم يجىء: أن السيئات يذهبن الحسنات، وقال: ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرّة وإن تك حسنة يضاعفها ويُؤتِ من لدنه أجراً عظيماً﴾ [النساء: 40].

* وحمل بعض العلماء قوله تعالى: ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾ على معنى النهي عن قطع العمل المتقرب به إلى الله تعالى. وإطلاق الإبطال على القطع وعدمِ الإتمام يشبه أنه مجاز، أي لا تتركوا العمل الصالح بعد الشروع فيه، فأخذوا منه أن النفل يجب بالشروع لأنه من الأعمال، وهو قول أبي حنيفة في النوافل مطلقاً. ومالك قال بوجوب سبْع نوافل بالشروع، وهي: الصلاة والصيام والحج والعمرة والاعتكاف والائتمام وطواف التطوع دون غيرها نحو الوضوء والصدقة والوقف والسفر للجهاد. ولم يرَ الشافعي وجوباً بالشروع في شيء من النوافل وهو الظاهر.

* ﴿وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ﴾ يحتمل وجوهاً أحدها: دوموا على ما أنتم عليه ولا تشركوا فتبطل أعمالكم، قال تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65]. الوجه الثاني: ﴿لاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ﴾ بترك طاعة الرسول كما أبطل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرسول وعصيانه، ويؤيده قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ﴾ إلى أن قال: ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات: 2]. الثالث: ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَـٰتِكُم بِٱلْمَنّ وَٱلأَذَىٰ﴾ [البقرة: 264] كما قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَـٰمَكُمْ﴾ [الحجرات: 17] وذلك أن من يمن بالطاعة على الرسول كأنه يقول هذا فعلته لأجل قلبك، ولولا رضاك به لما فعلت، وهو مناف للإخلاص، والله لا يقبل إلا العمل الخالص.