مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية 2

مفاهيم تربوية في فقه الدعوة الإسلامية

القسم الثاني رسائل الإصلاح

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

1_ سنة الله في الدعوة والدعاة

قال الله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال}([1]).

أخي الحبيب:

إن سنة الله في الدعوات أنها تَعَامُل مع الله تعالى، وسير في منهجه الرباني الذي بينه رسول الله % بينه بحاله ومقاله وبسيرته وربى عليه أصحابه رضي الله عنهم تربية مثالية واقعية حية يراها الناس رأي عين، ويحسون بها تتحرك أمامهم لها طعم ولون ولها ريح يعبق وجمال أخّاذ.

ولم تكن التربية النبوية مجرد رؤى وتنظيرات وفلسفات كما يراها الناس اليوم.

إن من سنة الله في الدعوات الربانية أنها تحيا بالبذل والعطاء والتضحية والبلاء والتحمل والفناء وبالصدق والإخلاص.

ويوم يعلم الله من نفوس الدعاة صدقها وصفاءها ونقاءها وترفعها عن حظوظها وشهواتها، يومئذ يفتح لها قلوب الناس وأسماعهم ويسلس لها قيادهم ويكتب لها القبول والنجاح.

إنها سنة ربانية معهودة في رواد الأمة وقادة الإصلاح والتغيير والبناء الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن بعدهم إلى يومنا هذا.

لم تعهد الدعوات مكاسب ولا منافع شخصية يحظى بها السائرون في ركاب الدعوة، بل عهدت مهداً للعطاء والإيثار والفداء. كما عهدت تحمل على الأكف والرؤوس وتفدى بالأنفس والأموال.  

هذا هو المنهج وذيّاك هو الطريق، الطريق الصعب اللاحب الطويل، طريق الأشواك والعقبات، طريق الدماء والشهداء، طريق الرجال العظماء الذين يهبون لدعوتهم ولرسالتهم كل ما يملكون من أشرف الأوقات والأعمار والأموال والأهل والأولاد، {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}([2]).

أخي الحبيب:

إنها خاطرة أسجلها على استحياء من الحروف والكلمات فنحن في الزمن الصعب الذي لا يحتمل المعاني الكبار ولا يرتفع لمستوى الهمم العالية الشماء.

إنه زمن البحث عن الرخص والإسهاب في الكلام، والتهويم في الخيال.إنه زمن ستر الحقائق والتغاضي عنها والالتفاف عليها وخداع النفس بالسراب، والرضا بكل ما يخدر المشاعر ويدغدغ الأحلام.

أخي الحبيب تعال نؤمن ساعة([3]).

إنني أدعو نفسي وإياك إلى خلوة صادقة يخلو كل منا بنفسه وبربه سبحانه وتعالى لنتذكر العهد القديم الذي فهمنا فيه مبادئ هذا الدين وأسس الدعوة الإسلامية الربانية، ولنتذكر علماءنا ومشايخنا وأساتذتنا وقياداتنا وشهداءنا الأخيار الأبرار الأطهار ولنتذكر مجتمعنا القديم وكيف كان ينظر إلينا قمماً شامخات رؤوسنا فوق السحاب ولنتذكر الدروس التربوية والروحية والتوعوية التي كنا ندّرسها أو نسمعها.

ولنتذكر في النهاية الموقف الخاشع بين يدي الله تعالى أحكم الحاكمين يوم القيامة وبعد ذلك لنضع أنفسنا في الميزان لنرى أين نحن سائرون؟

وما هي الحال التي وصلنا إليها اليوم بعد اكتمال الرشد والاقتراب من القبر؟

أظننا لو فعلنا ذلك لوجدنا أننا بحاجة ماسة إلى تجديد العهد مع الله تعالى ومع أنفسنا.

على أن لا نعطي الدنية في ديننا، وأن لا نسيء إلى مبادئنا بسلوكنا.

وأن لا ننفر أبنائنا والناس من حولنا من دعوة ضحينا في سبيلها بالأهل والأوطان وأننا بحاجة إلى عودة جادة إلى قيمنا وأدبياتنا التي تربينا عليها صغاراً ونشأنا عليها شباباً وأهملناها شيوخاً‍‍

أخي الحبيب: لسنا تجار شعارات، ولسنا رواد مكاتب مغلقة، ولسنا إدارات تعمل من وراء ستار.

نحن قلب هذه الأمة النابض وشعورها الحي وعواطفها الجياشة ونحن من يجب أن نعبر عن طموحات أمتنا ونرتاد أمامها الطريق نخضد شوكه ونذلل صعبه ونسقي ورده بعرق الجبين وماء العيون ونقول لأمتنا: هذا هو الطريق ، طريق العزة والكرامة والسعادة فاعبري بأمن واطمئنان.

هكذا فعل رواد هذه الأمة من قبل، وهذا هو الطريق الذي يوصل إلى الأهداف النبيلة.

أخي الحبيب:

إن الدعوات بحاجة دائماً إلى التضحيات. وإن الشعوب تتشوق في أعماقها إلى من تراه أكبر منها بنفسه وهمته وعطائه وأخلاقه لتسلم له قيادها وتمشي وراء بثقة وأمان.

فهل فينا فارس يحقق لأمتنا طموحاتها؟ وهل نحن مجتمعين ما زلنا أمل الأمة في تجديد حياتها وتخليصها من نكباتها كما كنا في عينها يوماً ما؟

أخي الحبيب:

مازال الطريق أمامنا طويلاً، وما زالت العقبة كأداء، ونحن اليوم أمام هجمة العولمة وتهمة الأصولية والإرهاب، وحصار تجفيف الينابيع. فهل أعددنا أنفسنا لذلك ونحن الذين كان شعارنا >وأعدوا<؟

لا تفهم أخي من ثنايا نجواي إليك روح اليأس والإحباط. فما هذا الذي أريد. بل ولا يخطر هذا في البال. فما زلنا بحمد الله بإيماننا وقيمنا نملك سر الحياة ومنهج الخلاص والإنقاذ. فقط الأمر بحاجة إلى إرادة جادة وهمة عالية ترتفع فوق الاهتمامات الصغيرة وتتطلع إلى معالي الأمور وتستعد لها بما تحتاجه من رؤى واستحقاقات.

إن المسلمين الصادقين الواعين هم وحدهم أمل الأمة، وهم وحدهم يملكون البديل الحضاري للمدنيات التي سقطت والتي يتصدع بنيانها وهي آيلة للسقوط. ولكن هل نكون نحن من تلك الطليعة التي يحقق الله بها الآمال؟؟

إن سنة الله في خلقه حازمة ولا تحابي أحداً لجنسه ولا للونه ولا للغته. بل ولا للشعارات الربانية التي يرفعها ويتظلل بها، مالم يكن ربانياً حقيقة بحاله ومقاله وظاهره وباطنه.

- إنه من ثوابتنا ومسلماتنا العقدية الدينية أن الله تعالى سيحفظ هذا الدين وينصره ويعزه على أيدي أناس صادقين يكونون ستاراً لقدر الله سبحانه وتعالى.

- فهل نحن بحالنا هذا مرشحون لهذا الدور الرائد؟

- وهل تنتظرنا السنن حتى نصلح من شأننا على مهل؟

- أم إنها ماضية في حدائها {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونا أمثالكم}([4])؟؟

أخي الحبيب:

عذراً لوقت ثمين أخذته منك، واستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

وإلى اللقاء في ساعة صفاء أخرى إن شاء الله.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

               

([1]) سورة الرعد الآية 11.

([2]) سورة المؤمنون الآية 60.

([3]) كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل فجاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النبي % يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تباهي بها الملائكة رواه أحمد المسند ج1 ص23.

([4]) سورة محمد الآية 38.