رمضان: مدرسة السعادة في الدنيا والآخرة

نقاط فوق الحروف

رمضان: مدرسة السعادة في الدنيا والآخرة

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) البقرة:185

1_ مقدمة

أيها الشهر الكريم خطواتك نحونا لها وقع عزيز على قلوبنا؛ فأنت صهيل الحياة النظيفة، حيث الإقامة على الوفاء لك، تنعش فينا الأمل لعيش آمن، خالٍ من نوم على ضيم أو افتراش لأطماع وأحقاد وفساد ، فنحن بك نصلح أرواحنا، فتقبل على كرمك و موائدك الرحمانية، بعيداً عن  موائد تغص بها البطون، و تتعثر بها القلوب . عزيزنا رمضان ، لقد أعزك الله بقوله : ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)) .

2_ تساؤلات

وهنا تبادرنا أسئلة منها : كيف نفهم إكرام الله للشهر بنزول القرآن فيه؟ وكيف نتدبر إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم له بقوله عن ربه جل وعلا : ( قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ) متفق عليه ؟ ولماذا قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبوان النار وصفدت الشياطين) متفق عليه ؟ وكذلك : لماذا كان صيامه غفراناً من الذنوب المتقدمة عليه ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)؟ ، و ما شأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: (...والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ) متفق عليه؟ وكيف نستقبل قوله صلى الله عليه وسلم في رمضان : (... وينادي فيه ملك : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان ) رواه أحمد والنسائي بسند جيد ؟ ثم لنقف أمام حديث ابن عباس وهو بصف رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ) متفق عليه . وما شأننا مع ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله ، وشد المئزر) متفق عليه ؟

3_ نظرات

إن المتأمل في هذه التساؤلات والآيات الكريمة ، و الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا بد أن تتبدى له بعض من نظرات ، قد تفيد في إلقاء ضوء على حالنا نحن المسلمين هذه الأيام ،  وأول هذه النظرات هي أن شهر الصوم يعمل بجد لتخليص المسلم من هيمنة العادة ، ليجدد حياته بصيغة مخالفة لما تعوده خلال الأحد عشر شهراً الماضية ، وفي هذا ما فيه من فهم عميق لكون هذا الشهر الفضيل إنما هو مدرسة فذة في هداية المسلم وتحسين حياته ؛ خلقياً وصحياً وإنسانياً ، و في تهيئته لتحمل الشدائد ، و الصبر على المكاره ، ولإطلاق اليد في البذل و العطاء بكل أنواعهما ، وهذا كله ما يحتاجه المسلم في مقارعته للباطل والدفاع عن دينه وحقوق نفسه ؛ من أرض ووطن ، ومن حرية وتوابعها من حقوق إنسانية ، و هو ما يبرز بوضوح في فريضة الجهاد ، حيث أخذ الشهر اسم هذه الفريضة ، فسمي شهر الجهاد ؛ إذ كان فيه الكثير من معارك الإسلام الفاصلة ، من مثل بدر وفتح مكة وغيرهما . 

أما النظرة الثانية ، فهي تتعلق بالنظرة الأولى ، ويدل عليها ما أوردناه من عظمة هذه العبادة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والجزاء الذي يترتب عليها في الدنيا والآخرة ، وأيضاً تهيئة رب العزة لجو نقي صافٍ يحيط بأيام هذا الشهر الكريم ؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذ جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) وكذلك الحديث الآخر الذي يقول فيه : ( وينادي فيه ملك : يا باغي الخير أقبل وباغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان ) .

 أقول : إن هذا التعظيم للشهر الفضيل ، والجزاء الكبير المترتب على صيامه ليذهب بنا إلى القول : إن رمضان مدرسة جهادية قوية ، تبني خلايا المسلم بناءً قويماً بحيث يكون كيانه كله قائماً على أركان إنسانية مهتدية نذكر منها :

الخلق القويم ، العناية بالناس جميعاً ، والاهتمام بهم وبمعاناتهم ، ثم العطاء المستمر ، وأخيراً وليس آخراً رفض الظلم والضيم والخنوع ، والقيام بواجب الدعوة الدائمة ، والدفاع عن حياض الأوطان الإسلامية ، وعدم قبول أي عدوان أو احتلال أو استلاب للثقافة أو الثروة ، وإذن فإن ما نراه اليوم من صمت البعض وظهورهم بمظهر الحياد تجاه العدوان على أوطان المسلمين الممتد من شرق الأرض الإسلامية إلى غربها ، وكذلك ما نراه من هبوط البعض في فلسطين والعراق وأفغانستان إلى درجة القبول بالاحتلال ، والاصطفاف معه في مواجهة المخلصين الرافضين لأي تنازل عن أي حق وثابت من حقوق وثوابت الأمة وشعوبها . إن ذلك الذي نراه ، ليس إلا نتيجة ابتعاد هؤلاء عن هداية ربهم التي أودعها في القرآن وفي مبادئ الإسلام ، ونخص بالذكر هنا ابتعاد هؤلاء عما زخر به رمضان من صبر وبذل وعطاء وخير واستقامة على الهداية الربانية ، والدفاع الحق عن موجودات بلاد الإسلام المادية والثقافية والخصوصية؛ فرمضان مدرسة السعادة في الدنيا والآخرة.