إحساس رسول الله صلى الله عليه بأصحابه

إحساس رسول الله صلى الله عليه بأصحابه

(الذين حبسهم العذر)

د.عثمان قدري مكانسي

[email protected]

( بالمؤمنين رؤوف رحيم  ) هكذا وصفه ربه تبارك وتعالى . وفي موضع آخر قال له ( وإنك لعلى خلق عظيم ) . ومن عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم تميزه بحس رهيف يجعله يشترك مع أصحابه كبيرهم وصغيرهم شعورهم  في اللحظة الوجودية التي يعيشون ، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتقاسم مع أصحابه هذه المشاعر في هذه اللحظات . وهذه صورة مروية عن جمالية علاقاته الإنسانية : ما صافح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أحداً قط فنزع يده من يده، حتى يكون هو الذي ينزع يدهوما فاوضه أحد قط في حاجة، أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف وكان يوزع بصره على جلسائه حتى يظن كل واحد منهم أنه الأقرب إليه .

وفي أسفاره وغزواته الكثيرة كان دائم التفقد لأصحابه يفتقد الغائب ( ما فعل فلان ؟ ) ويستبشر باللاحق ( كن أبا ذر ) أو كن ( اباخيثمة ) كما يفتقد من قل زاده أو من قصرت به راحلته فيعينه بما يستطيع ..

كان إحساسه المرهف يشركه في الحال النفسي لنفر من المعذورين من أصحابه حين سيقفون أمام السابقين بقصورهم  وما سيغلب على حالهم من النكوص النفسي المتلبس بآلام العجز عن اللحاق . 

بينا رسول الله صلى الله عليه عائد  من تبوك يتذكر نفرا من أصحابه المتخلفين في المدينة وقد قصرت بهم وسائلهم عن اللحاق من الذين قال الله تعالى فيهم ( ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ..) . يشرك رسول الله صلى الله وسلم عليه برهافة إحساسه مشاعرهم إذ يستقبلون إخوانهم الطائعين المزهويين بطاعتهم وهم القاعدون المضروبة عليهم قيود عجزهم فيرسل رسالته المبينة لهؤلاء الذين قدروا فأطاعوا ولأولئك الذين عجزوا فقعدوا فيقول صلى الله عليه وسلم كما روى عنه الإمام البخاري من حديث أنس ( إن بالمدينة  أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم . قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة مقيمون ؟ قال نعم حبسهم العذر ..

وهذا رمضان الذي نصوم اليوم يذكرنا بأحبة وأهل بوالدين ووالدات وإخوة وأخوات وأصدقاء وأصحاب صمنا معهم رمضانات كثيرة ، تحلقنا معهم حول موائد الإفطار ، صلينا معا ركعات القيام . أكلنا مم أعدت لنا على مائدة إفطارها أو إفطارنا أم وأخت أو أكرمتنا بضيافتها زوجة أخ أو صديق نفوس تخرمت وختمت صحائفها واليوم نصوم ولا يصومون ونقوم ولا يقومون أتذكر وأنا على أبواب السبعين شريطا طويلا من إخوة وأخوات ورجال ونساء شاركونا نسك هذا الشهر واغترفوا ما شاء الله لهم أن يغترفوا ثم زواهم عنا الموت ولا نملك إذ نذكرهم بدون إحصاء  إلا أن ندعو لكل واحد منهم بالرحمة والمغفرة ومضاعفة الأجر والثواب ..

يذكرني رمضان الذي أصوم اليوم بفتوى طبيب قذفها بوجهي منذ ثلاث رمضانات : ليس لك أن تصوم بعد اليوم وأتبعها بقوله بإمكانك أن تدفع فدية . كان قد بقي من رمضان الذي أنا فيه ثلاثة أيام . تصورت نفسي يومها أمام قاض من قضاة السيسي يصدر عليّ حكمه بالإعدام . ثم أكرم والله وأعان ورحم ، وها أنا أصوم مع الصائمين وأقوم مع القائمين ولكن ذلك لم يمنعني أن أشارك بعض أصحاب العذر ألمهم كما شارك الرسول الكريم بعض المتخلفين في المدينة أساهم ..

( ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ) هكذا هو الأمر بالنسبة لأصحاب العذر في الصوم ( ما جفت شفاهكم طلبا للشربة ولا تلوت معدكم طلبا للقمة ) إلا كانوا معكم في مثل أجر صومكم ...

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا واغمر بفضلك ورحماتك من فرط من أهلنا وإخواننا ، واسكب الرضوان على قلوب ونفوس من أرادوا فحبسهم عذرهم  واكتب لهم ما كتبت للصائمين والقائمين ..