دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة 21

دروس في فقه الجهاد والقيادة الراشدة

فضل الشام وأهله ( 21 )

د. فوّاز القاسم / سوريا

* بلاد الشام تاريخيّاً : هي البلاد التي تضم اليوم : فلسطين ، وسورية ، والأردن ولبنان .

قال ابن الفقيه الهمداني ( أجناد الشام أربعة : حمص ، ودمشق ، وفلسطين ، والأردن ). مختصر كتاب البلدان...

وهي بلاد عظيمة مباركة ، خصّها الله بالفضل في قرآنه العظيم في أكثر من موضع ، كما وردت في فضلها عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة ، ولقد أجمع علماء الأمة ، وفضلاؤها ، وعقلاؤها ، على فضلها وبركتها أيضاً...

* قال تعالى مخبرًا عما قاله موسى عليه السلام لقومه (( وإذ قال موسى لقومه يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ، وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ ، فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )) المائدة 21
ولقد روى ابن عساكر ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن الأرض المقدسة :
هي ما بين العريش إلى الفرات ، وروى عبد الرزاق عن قتادة أنها الشام ، والمعنى واحد . تفسير المنار
* وقال الله تعالى : ((
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ، الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ، لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ، إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) الإسراء 1

فقد أخبر الله في هذه الآية ، أنه بارك الأرض التي حول المسجد الأقصى ، وهي أرض الشام التي تشغلها الآن : سورية ، ولبنان ، والأردن ، وفلسطين .

وهذه البركة غير مقيدة ، فهي شاملة لكل أنواع البركة ، بركة بالثمار ، والأنهار، والأنبياء ؛ فهو مبارك ببركات الدنيا والآخرة .
* وقال تعالى يتكلّم عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : ((
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ )) الأنبياء 8
ولا خلاف بين جميع أهل العلم بأن هجرة إبراهيم عليه السلام كانت من العراق إلى الشام . ( تفسير ابن جرير ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( معلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطًا إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق ). مناقب الشام وأهله
* وقال الله تعالى ((
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ، وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) يونس 93

والمبوأ : هو مكان الإقامة الأمين ، وأضيف إلى الصدق لدلالته على صدق وعد الله تعالى لهم به، وقد ذكر ابن جرير أن هذا المكان هو الشام وبيت المقدس.

* وأما أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في فضل الشام فهي كثيرة ومنها: - عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم نؤلف القرآن من الرقاع ( أي نجمعه ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا طوبى للشام ، يا طوبى للشام ، يا طوبى للشام  ) .!

فقلنا لأي ذلك يا رسول الله ؟ قال : ( لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها ). أخرجه الحاكم والترمذي ، وصحّحه الألباني .
- وعن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (
سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة ، جند بالشام ، وجند باليمن ، وجند بالعراق ). قال ابن حوالة : خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك ، فقال :

( عليك بالشام ، فإنها خيرة الله من أرضه ، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم ، واسقوا من غدركم ، فإن الله توكل لي بالشام وأهله).

 أخرجه أحمد والحاكم وأبو داود ، وصحّحه الألباني رحمه الله

قال العز بن عبد السلام رحمه الله : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، أن الشام وأهله وساكنيه في كفالة الله تعالى وحياطته  ، ومن حاطه الله تعالى وحفظه لا ضيعة عليه .
- وعن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي قال : (
اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا ).

قالوا يا رسول الله ، وفي نجدنا .!؟

قال : ( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )

قالوا يا رسول الله ، وفي نجدنا .!؟

فأظنه قال في الثالثة : ( هناك الزلازل والفتن ، وبها يطلع قرن الشيطان ). البخاري
والمراد (
بنجد ) الوارد في الحديث ، العراق .

قال الخطابي : نجد من جهة المشرق ، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها ، وهي مشرق أهل المدينة ، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض.

 فتح الباري
- وأرض الشام رباط وثغر إلى يوم القيامة ، وهي عقر دار المؤمنين ، كما جاء في حديث جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم ؛ فَقَالَ : (
لا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، وَحَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ ).

أخرجه النسائي وصحّحه الألباني .

-         وعن معاوية رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :

( إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين ،لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) رواه الترمذي وأحمد وابن حبان

-          عن أبي الدّرْدَاءِ رضي الله عنه ، أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ :

( فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يَوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ ) رواه أبو داوود وصحّحه الألباني رحمه الله
والغوطة هي المنطقة المحيطة بدمشق من شرقها تقريبا ، وهي في محافظة ريف دمشق الآن .

-         وعن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( صفوة الله من أرضه الشام ، وفيها صفوته من خلقه وعباده ، ولتدخلن الجنة من امتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب .) رواه الطبراني

* وأما أقوال العلماء في الشام فأكثر من أن تحصى ، ولقد اخترت منها قول المقدسي في : ( أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) ، حيث قال :

(( إقليم الشام جليل الشأن ، ديار النبيين ، ومركز الصالحين ، ومطلب الفضلا ،

به القبلة الأولى ، وموضع الحشر ، والمسرى ، والأرض المقدّسة ، والرباطات الفاضلة ، والثغور الجليلة ، والجبال الشريفة ، ومهاجر إبراهيم ، وقبر وديار أيوب وبئره ، ومحراب داوود وبابه ، وعجائب سليمان ومدنه ، وتربة إسحاق وأمّه ، ومولد المسيح ومهده ، وقرية طالوت ونهره ، ومقتل جالوت وحصنه ، وجبّ أرميا وحبسه ، ومسجد أوريّا وبيته ، وقبّة محمد وبابه ، وصخرة موسى ، وربوة عيسى ، ومحراب زكريا ، ومعرك يحي ، ومشاهد الأنبياء ، وقرى أيوب ، ومنازل يعقوب ، والمسجد الأقصى ، وقبر موسى ، ومضجع إبراهيم ، ومقبرته ، وموضع لقمان ، ووادي كنعان ، ومدائن لوط ، وموضع الجنان ، والباب الذي ذكره الرجلان ، والمجلس الذي حضره الخصمان ، وقبر مريم ، وراحيل ، ومجمع البحرين ، مع مشاهد لا تحصى ، وفضائل لا تخفى ، وفاكة ورخا ، وأشجار وأميا ، وآخرة ودنيا ، به ترقّ القلوب ، وتنبسط للعبادة الأعضاء ... إلخ )).

وبعدُ ... فهذه هي الشام ، وهذا هو فضلها وفضل أهلها ...

ولقد تسلّط عليها اليوم حفنة من اليهود وعملائهم الأوباش في غفلة من العرب والمسلمين ، وعاثوا فيها تقتيلاً ، وظلماً ، وإذلالاً ، وتخريباً ، وتدميراً ، عبر ما يزيد على خمسين سنة من السنين العجاف ...

ثم انتخى لهم أهل الشام النجباء ، خيرة الله في خلقه ، رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً ، يتقدّمهم ، ويحدو ركبهم ، أبطال جيشنا السوريّ الحرّ النشامى ...

ويشدّ من أزرهم كل أصيد أغرّ من أهل التوحيد ، ومن أبطال العروبة والإسلام من أمتنا المجيدة ...

وأيم الله ، لو لم نجد إلا الذرّ لنجاهد به ، لما تركنا قتلة الأنبياء ، وأبناء الخنازير ، وأكلة لحوم البشر ، ولصوص التاريخ ، وعملاءهم الأوباش من القرامطة والحشّاشين وأحفاد أبي رغال وابن العلقمي ونصير الكفر الطوسي من الباطنيين والرافضة المجوس الصفويين ، يعيثون في شام الأنبياء والمرسلين ، وموطن العلماء العاملين ، ودار الأبدال الصالحين ، وقبلة المجاهدين الفاتحين وفينا عين تطرف ...

فيا خيل الله اركبي ، و يا رياح الجنّة هبّي ، و يا جنود الله شدّوا ، و يا مآزن الشام كبّري ...

بسم الله الرحمن الرحيم

((قاتلوهم يعزّبهم الله بأيديكم ، ويخزهم ، وينصركم عليهم ، ويشف صدور قوم مؤمنين ، ويذهب غيظ قلوبهم ، ويتوب الله على من يشاء ، والله عليم حكيم  )) التوبة 14   صدق الله العظيم