تأملات في القران الكريم ح360، سورة الزخرف الشريفة

للسورة الشريفة كثير من الفضائل والخصائص نقتبس منها ما جاء في كتاب ثواب الأعمال : عن الباقر عليه السلام من قرأ حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم جاءت حتى تدخله الجنة بأمر الله تبارك وتعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم

حم{1}

تقدم الكلام حولها .

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ{2}

تضمنت الآية الكريمة قسم (  وَالْكِتَابِ ) , يقسم الباري جل وعلا بالقران على بعض الآراء , (  الْمُبِينِ ) , الواضح الموضح لغيره , المظهر للشرائع والمظهر لغيره من الكتب .   

إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{3}

تستمر الآية الكريمة (  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) , بلغة العرب , (  لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , للنص المبارك ثلاثة محاور :      

1-    خصوص : من جهتين :

أ‌)        لعلكم يا اهل مكة تفهمون معانيه .

ب‌)   لعلكم ايها العرب "في كل زمان ومكان" تدركون قيمة وعظمة ما عندكم .

2-    عام : لعلكم ايها الثقلين تفهمونه فتؤمنون به وتعملون بمضامينه .  

وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ{4}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِنَّهُ ) , أي القرآن , (  فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) , اللوح المحفوظ على اغلب الآراء , لأنه اصل الكتب , (  لَدَيْنَا ) , عندنا , (  لَعَلِيٌّ ) , رفيع الشأن , يرتفع ويسمو على جميع الكتب قبله , (  حَكِيمٌ ) , ذو حكمة بليغة .     

أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ{5}

تستمر الآية الكريمة في استفهام (  أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ) ,  أنمسك او نبعد او نذود عنكم القران ونهملكم ونعرض عنكم دون ان نحتج عليكم بكتاب او رسول او حجة ,  (  أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ) , لأنكم كنتم مشركين مفرطين منغمسين في المعاصي .    

وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ{6}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ ) , بيانا للكثرة , (  فِي الْأَوَّلِينَ ) , في الامم السابقة .   

وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{7}

تبين الآية الكريمة (  وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ ) , كلما قوما جاءهم نبيهم , (  إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) , الا كانوا يستهزئون به كما يستهزأ بك قومك يا محمد , في الآية الكريمة تسلية له "ص واله" .     

فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ{8}

تستمر الآية الكريمة مخبرة (  فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً ) , فأهلكنا من تلك الاقوام والامم من هم اكثر قوة من قومك يا محمد "ص واله" , (  وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ ) , وسبق خبرهم وصفة هلاكهم في القرآن , كذلك فأن قومك يا محمد سوف يهلكهم الله تعالى ان لم يؤمنوا واستمروا بإعراضهم وسخريتهم .      

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ{9}

تبين الآية الكريمة (  وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) , ولئن سئلت قومك يا محمد عمن خلق السموات والارض , (  لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ) , لكان جوابهم "خلقهن الله ذو العزة والعلم" .     

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{10}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً ) , كالفراش للصبي , كي يمكنكم الاستقرار عليها , (  وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ) , طرقا تسلكونها , (  لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) , الى مقاصدكم , او لعلكم تهتدون الى الخالق المدبر .   

وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ{11}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ) , بالمقدار الكافي لحاجتكم وحاجة الارض , ولم يجعله طوفانا , (  فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ) , فأحيينا به ارضا يابسة قاحلة لا نبات فيها , (  كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) , بنفس تلك الطريقة تبعثون من قبوركم .  

وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ{12}

تستمر الآية الكريمة (  وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) , اصناف المخلوقات , (  وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ) , وهيأ لكم الاسباب التي تمكن السفن من حملكم في البحر , وسخر الانعام لتحملكم في البر .    

لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ{13}

تستمر الآية الكريمة (  لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ) , لتستقروا على سطح السفينة في البحر او على ظهور الانعام في البر , (  ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) , حيث مكنكم من ذلك , (  وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ) , لتقولوا شاكرين الله تعالى على هذه النعمة , (  وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) , معترفين ان لا طاقة لكم على السفن والبحر والانعام ان لم يسخرها ويذللها الله جل وعلا لكم .        

وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ{14}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ) , معترفين مقرين برجوعكم الى الله تعالى .   

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ{15}

تنعطف الآية الكريمة لتضيف (  وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً ) , لقول قريش الشهير "الملائكة بنات الله" تعالى عن ذلك علوا كبيرا , وذلك لان الاولاد جزءا من الوالد , وتقرر في نفس الوقت (  إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ) , ظاهر الكفر , قليل الشكر .      

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ{16}

تستمر الآية الكريمة (  أَمِ ) , للإنكار والتعجب , (  اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ ) , حيث نسبتم الاناث لله "تعالى عن ذلك" لضعفهن وكراهيتكم لهن فتنسبون لله تعالى كل ما هو ضعيف وكل ما تكرهونه , زيادة على نسبتكم الملائكة بانهم بنات الله تعالى عن كل ذلك علوا كبيرا , (  وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ ) , وتزعمون اختصاصكم بالبنين , حيث انهم رمز القوة والتكاثر .  

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ{17}

تستمر الآية الكريمة (  وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ) , بمعنى اذا بشر احدهم ان ولدت له انثى التي نسبوها لله "تعالى عن ذلك " , (  ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً ) , صار وجهه اسود مما يعتريه من الكأبة والاغتمام , (  وَهُوَ كَظِيمٌ ) , ممتلأ القلب غيظا وكدرا وكربا , لم ترضوا بهن لأنفسكم , فكيف تنسبونهن اليه جل وعلا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا .     

أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ{18}

تستمر الآية الكريمة انكارا (  أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ ) , أتنسبون الى الله تعالى من يتربى وينشأ في الزينة , (  وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ) , وهو في المجادلة ضعيف الحجة لأنوثته وضعفه , حيث قلما تجد امرأة قوية الحجة سديدة الرأي , ويقال " قلما تتكلم إمرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها " – تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - .  

وسوم: العدد 746