لا حاجة للناس بوسطاء يتوسطون بينهم وبين خالقهم ورسولهم

من المعلوم أن القرآن الكريم وهو الرسالة الخاتمة التي أراد لها الله عز وجل أن تحرر البشرية قاطبة من كل الأوهام  بما فيها وهم  الزلفى عنده  عز وجل  بالوسائط أو عن طريق الوسطاء سواء كانوا حجرا أم بشرا . ولقد حكى القرآن الكريم التبرير الواهي للذين اتخذوا مع الله أولياء ـ تعالى الله عما يصفون ـ  وزعموا أنهم  يقربونهم منه زلفى فقال جل شأنه : ((  ألا لله الدين الخاص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )). ومعلوم أن الله عز وجل جعل الوصول إليه دون وسطاء مهما كان نوعهم، فقال جل شأنه : ((وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ))، ومعلوم أيضا أن الله عز وجل يقرب من يشاء من عباده دون وسطاء منهم ، وقد قال عن نبيه داوود عليه السلام : (( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )) . ولقد أراد الله عز وجل أن يكون أقرب طريق إليه هو طريق  الرسالة الخاتمة وطريقة سنة من أوكل إليه حملها وهو الذي بيّن مضمونها للعالمين بأقواله وأفعاله وما أقره   ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ترك في الناس أمرين لن يضلوا أبدا إن تمسكوا بهما ، كتاب الله وسنته ،وأمرهم بالعض عليهما بالنواجذ كناية عن شدة التمسك بهما لما في البعد عنهما من ضلال وضياع  . ومن العض بالنواجذ على القرآن والسنة ألا يتخذ الناس وسطاء بينهم وبينهما إلا أن يكون هؤلاء من العلماء الذين ورثهم النبي صلى الله عليه وسلم العلم ولا شيء غير العلم مما يدعيه  الذين يزعمون افتراء عليه ، ووهما وغرورا من أنفسهم  أنهم وسطاء بينه وبين الناس ، وأنهم قد ورثوا عنه هذه الوساطة بطرق لا يستسيغها العقل السليم ، ولا يقبلها المنطق ، ولا يقرّها القرآن والسنة . و يتعسف هؤلاء الذين يدّعون الوساطة بين الله عز وجل  ورسوله وبين العباد في تأويل بعض آيات الذكر الحكيم ، وبعض أحاديث سيد المرسلين لتوافق أهواءهم وزعمهم بأنهم بالفعل وسطاء، ويركبون مراكب  أوهام الكرامات والخوارق لتضليل السذج والمغفلين ، وإيقاعهم في حبائلهم ليقرّوهم على افترائهم على الله ورسوله ، وليسلسوا لهم القياد ، وليروّجوا في غيرهم  خرافات، وخزعبلات ، وأوهام الوساطات . ويعقد مدّعو تلك الوساطات لقاءات وتجمعات في مناسبات بين الحين والآخر من أجل الدعاية لأوهامهم ، وكسب المزيد من الأتباع ، والإيقاع بمزيد من الضحايا السذج والمغفلين لتصير بعد ذلك  كثرة هؤلاء عندهم دليلا  من الأدلة الواهية على مصداقية وساطاتهم المزعومة مع أن  منطق كثرة الأتباع لا يصلح معيارا لقياس المصداقية أو دليلا عليها، وقد ورد  في كتاب الله عز وجل ما ينفي ذلك  . والملاحظ أن ضحايا الذين يدّعون أنهم وسطاء بين الله ورسوله وبين الناس من السذج والمغفلين يسوّقون بين يدي وقوعهم في حبائلهم حكايات مثيرة للسخرية  تدل على أنهم استغلوا بسبب أحوال سيئة  مرّوا بها في حياتهم ، وهزات نفسية أهلتهم ليكونوا أهدافا سهلة وضحايا للوسطاء . ومن المثير للسخرية أن يستغل بعض هؤلاء خصوصا الذين كانوا على ملة غير ملة الإسلام ليصير اقتناعهم بوساطة الوسطاء عند هؤلاء دليلا على مصداقية وساطاتهم ،علما بأن هؤلاء الضحايا غالبيتهم من الذين عانوا من تخمة الانحراف والانحلال بسبب  إيغال حضارة بلدانهم في المادية المتهتكة ، الشيء الذي يجعلهم يفتقدون الروحانيات، فيغتم أدعياء الوساطات الفرصة لمخادعتهم وإدعاء امتلاك ضالتهم المنشودة . ولا يخجل أدعياء الوساطات من سرد أخبار هؤلاء المهزوزين نفسيا بسبب  معاناتهم من التخم المادية ، والذين ينتقلون من تطرف مادي منحط إلى تطرف روحي منحرف يتخذون فيه الوسطاء زلفى إلى الله ، ويؤولون لهم كتابه وسنة نبيه تأويلا ضالا مضلا ليعيشوا  طيلة حياتهم في أغلالهم يستغلونهم ماديا ومعنويا . ويزعم الوسطاء أنهم على الحق المبين ، وأنهم يملكون العصي السحرية لتحويل الناس من حال إلى حال شأنهم شأن الذين يحولون الرغام إلى ذهب إبريز ، كما يزعمون أنهم أصحاب الحلول التي ينشدها الناس ، وأنهم بدائل عن غيرهم لأنهم هم  العالمون العارفون وغيرهم جاهلون ، وأنهم وحدهم الأدلاء الذين يدلون السالكين الطريق إلى الله عبر طرقهم الخاصة التي لا يوصل غيرها حسب زعمهم  إلى ما تفضي إليه ، ويزعمون أنهم أولياء الله وأحباؤه كما كان يزعم ذلك من كان قبلهم ممن قص علينا كتاب الله أخبارهم . ويستخف هؤلاء الوسطاء بأتباعهم من الضحايا أشد الاستخفاف ، ويوهمونهم بقداستهم وطهرهم حتى يبلغ الأمر بهؤلاء الضحايا  المساكين حد تقبيل أيديهم وأخمص أرجلهم والسجود والركوع بين أيديهم ، والتهافت على غسيل أيديهم ليتخذونه شرابا يلتمسون فيه البركة والشفاء، و هذا الظاهر، وما خفي أعظم  . ولا يقف الأمر عند هذا الحد من الاستخفاف بهؤلاء الضحايا بل يرقّصهم أدعياء الوساطات على أنغام  تراهات ابتدعوها  لهم للوصول بهم إلى  أقصى حد من الزراية بهم يزعمون أنه غاية الغايات، ويصير حال هؤلاء الضحايا كحال المدمينين على  المخدرات الذين يجدون اللذة والمتعة في أثر المخدرات فيهم . ولا يخجل أدعياء الوساطات من تشبيه حال هؤلاء بحال أولئك فيسمّون ما يصل إليه ضحاياهم  من هوس يفقدهم آدميتهم، ويبتذل كرامتهم الإنسانية  سكرا روحيا  يقابل السكر الذي يحدثه المسكر، ويسمون ما يجدونه في أنفسهم من أوهام  هياما ووجدا روحيا  يقابل الانجذاب العاطفي المعروف بين العشاق  ، وتتحول الذات الإلهية المقدسة إلى موضوع عشق يقاس على عشق بين الذوات البشرية علما بأن الله عز وجل قد حدد نوع الحب المطلوب من عباده وجعله رهينا باتباع رسوله لا باتباع الوسطاء بينهما وبين الناس . ويتفنن أدعياء الوساطات في اختراع المفاهيم والمصطلحات الخاصة بهم والتي تستخدم للإيقاع بضحاياهم حتى صارت لهم قواميس خاصة بهم ضخمة، ومؤلفات ،ودواوين أشعار كلها ضلالات في ضلالات تصرف ضحاياهم  صرفا عن كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهما الحقيقة التي لا حقيقة معهما . ويستغل الوسطاء بين الخالق ورسوله وبين خلقه  بعد هذا الخلق عن الصراط المستقيم بسبب طغيان حضارة مادية جارفة لاستمالتهم إلى عالم الأوهام والخرافات والخزعبلات، وفي ذلك إبعاد لهم عن الصراط المستقيم ، ووراء ذلك من الأهداف والأغراض المبيتة ، والامتيازات ، والمصالح المادية الصرفة والسياسية  ما لم يعد خافيا على أحد.

 وأخيرا على ورثة الأنبياء من العلماء  الذين يفترض فيهم أنهم لا يخشون في الله أحدا تقع مسؤولية تخليص ضحايا الوسطاء من قيود أوهامهم لردهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وفكهم أسرهم من أغلال  هؤلاء الوسطاء الذين يستعبدونهم شر استعباد ، ولا يخلّون  مباشرة بينهم وبين العبودية الحقة والخالصة لخالقهم . وإن لم يفعل هؤلاء العلماء خوفا أو تقية أو مداهنة تحملوا مسؤولية  ضياع هؤلاء الضحايا وسألهم الله عز وجل عنهم يوم القيامة .    

وسوم: العدد 749