من التَّعْلِيمِ إلى التَّعْلُّمِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

فكر 16 ح8

بدأ ربُّ العالمين جلَّ شأنه رسالته للعالمين بقوله تعالى:"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"وأقسم بالقلم فقال تعالى:"وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"وذلك تقديساً وتعظيماً لشأن العلم ورسالته في الحياة..ورفع الله تعالى من شأن العلماء فقال سبحانه:"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"وعظّم رسول الله تعالى نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من شأن طلب العلم والسعي إليه فقال:"مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ " وكرَّم الله تعالى الإنسان فاستخلفه في الأرض بقوله تعالى"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" وأعده سبحانه بالعلم لينهض بمسؤوليات عمارة الأرض فقل تعالى:"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا".أجل العلمُ أساسُ بناء التربية والتعليم والثقافة وإشادة صروح المعرفة والبناء الحضاري..هذا أمر تؤكده جميع رسالات السماء الربَّانيَّةِ..وتأمر به وتشجعه جميع الأديان والثقافات والفلسفات البشريَّة..ومع ذلك فإن حركة العلم ومناهجها لا تزال تعاني من خلل بل واختلالات..فأمم أحسنت في تفوقها في إنتاجها العلميّ في ميادين الحياة..ولكنها تعاني من خلل في أخلاقيات السلوك والأداء..فتدمر ما أحسنت صنعه فشأنهم في ذلك(كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ).وأمم لا تزال حركة العلم تتلكأ وتتعثر في مسيرتها..فهي تتخبط بين الحسن والسيئ وربَّما تسير من سيئ إلى أسوأ..ولكن ما السبب في ذالك..؟فالتي تدمر ما أحسنت صنعه وأبدعت فذاك لأنها أهملت الجانب الأخلاقي والسلوكي في سيرها العلميّ والتكنولوجي..وأما التي لا تزال تتعثر في سيرها العلميّ..فذاك لأنها لا تزال تتمسك بالمناهج التقليدية التي لا تنمي نزعة الابتكار والإبداع لدى الأجيال..وذات مرة سمعت صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل / رئيس مؤسسة الفكر العربي..عندما تولى مهام وزارة التربيَّة والتَعليِّم في المملكة العربيَّة السعوديَّة يؤكد:(أنَّ التحولُ بالأجيال من منهجية التَّعْلِيمِ إلى التَّعْلُّمِ هو السبيل الأنجع والأصلح لبناء ثقافة الابتكار والإبداع والارتقاء)أجل التَّعْلُّمُ يبعث في الإنسان نزعة البحث والتأمل والابتكار والإبداع..والمتأمل في حال الدول التي نهضت بسرعة وتألق بعد ما أصابها من دمار وهلاك..هي الأمم التي تحولت في إعداد أجياله من مناهج التلقين والتَّعليم إلى مناهج التَّعْلُّمِ الذاتي والبحث والتأمل والاختراع والابتكار..والقرآن الكريم يدعونا إلى الاستفادة وأخذ العبرة ممن سبقنا من الأمم فيقول الله تعالى:"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا"أجل المشي والنظر بما في السموات والأرض.والبحث والاستكشاف والابتكار والإبداع..يبقى السبيل الأجدى ولأسلم لنهضة الأمم وارتقائها في ميادين الحياة ..والله سبحانه المستعان.

وسوم: العدد 770